عقد تقرير نشره موقع "نادي فالداي الروسي" مقارنة بين سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن وسلفه دونالد ترامب وتأثيرهما في الحوكمة العالمية؛ أي: عملية الحكم أو الإشراف على مراقبة وتوجيه السياسات.

وقال التقرير الذي أعدَّه الكاتب الروسي غلين ديسين إن العالم يراقب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من كثب، لما سيترتب عليها من تداعيات كبيرة تجاه الحوكمة العالمية.

ويشير الكاتب إلى أن بايدن وترامب يتبع كل منهما وجهات نظر تختلف عن الآخر حول كيفية إدارة النظام العالمي، لكنهما يشتركان في الهدف، وهو عكس اتجاه التراجع الأميركي النسبي في العالم، والحفاظ على موقع أميركا كقطب أعظم وحيد فيه.

الاختلاف بين نهجيهما سيحدث فرقا كبيرا في العالم

وأضاف ديسين أن الاختلاف في النهج بين بايدن وترامب سيكون له تأثير عميق في الحوكمة العالمية، ويحدث فرقا كبيرا في العالم. فبينما يسعى بايدن إلى استعادة "عظمة"  الولايات المتحدة من خلال أنظمة التحالفات "الأيديولوجية" التي تعمل على تفتيت العالم إلى كتل إقليمية، يسعى ترامب إلى الانسحاب من مؤسسات الحكم العالمية، كونها تستنزف موارد الولايات المتحدة، وتعرقل السياسات العملية.

ويستمر الكاتب في توضيح هذا الاختلاف بقوله إن بايدن يسعى للحفاظ على الأحادية القطبية بكتل إيديولوجية اقتصادية وعسكرية، وتعزيز ولاء الحلفاء وتهميش الخصوم، ويتبع ترامب نهجا أكثر واقعية كونه يعتقد أن نظام التحالف مكلف للغاية ويحدّ من حرية المناورة الدبلوماسية.

الأحادية القطبية تكلّف واشنطن كثيرا

وانتقد الكاتب سعي أميركا للحفاظ على تسلّمها قمة العالم وحدها، قائلا إن الأحادية القطبية ظاهرة مؤقتة؛ لأنها تعتمد على تغييب المنافسين، وستكلف واشنطن كثيرا نظرا إلى أنها تستنزف الموارد وتشجع الدول الأخرى على العمل بشكل جماعي على خلق توازن عالمي، ومنع الهيمنة بتنويع العلاقات الاقتصادية والعمليات العسكرية الانتقامية، وتطوير مؤسسات إقليمية جديدة للحكم العالمي.

وبيّن الكاتب أن ترامب يسعى إلى استعادة العظمة الأميركية على حساب مؤسسات التحالف والهيمنة؛ حيث يعتقد أن "حلف الناتو" من بقايا الحرب الباردة "التي عفا عليها الزمن" لأن الأوروبيين يجب أن يسهموا بشكل أكبر في أمنهم. ومن وجهة نظره، تحتاج الولايات المتحدة إلى تقليص وجودها في الشرق الأوسط، ويتعين على حلفائها الدفع لها بطريقة أو بأخرى مقابل ضمان أمنهم.

وتخلَّى ترامب عن الاتفاقيات الاقتصادية؛ مثل: اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، والشراكة عبر المحيط الهادي، التي تعزّز القيادة الأميركية، وبدلا من ذلك اختار حرمان الحلفاء من المزايا الاقتصادية. وفي حين لا يرفض ترامب الهيمنة الأميركية، إلا أنه يريدها مستدامة من خلال توفير عوائد أعلى للاستثمار.

رؤية ترامب تجعل روسيا حليفا له

ونظرا لكونه أقل التزاما بنظام التحالف وغير مقيد بالعقيدة الأيديولوجية، فيمكن لترامب اتباع نهج أكثر واقعية تجاه القوى العظمى الأخرى، كما يستطيع عقد صفقات سياسية مع المعارضين، واستخدام لغة ودّيّة ودبلوماسية عند الحديث عن فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، وحتى القيام بزيارات دبلوماسية إلى كوريا الشمالية.

وفي حين أن تقسيم بايدن للعالم إلى ديمقراطيات ليبرالية ودول استبدادية، يجعل من روسيا خصما، فإن رؤية ترامب للعالم تجعل من روسيا حليفا محتملا.

ويشكّك ترامب في النظام الأمني لفترة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا برمّته، كونه محاولة مكلفة لدعم أوروبا التي تتراجع أهميتها، فلقد حوّلت أوروبا روسيا إلى عدو ودفعتها إلى أحضان الصين. حتى إن موقف ترامب غير الواضح بشأن الناتو، دفع الكونغرس إلى الموافقة على مشروع قانون يحظر على الرؤساء أن يقرروا من جانب واحد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من الناتو.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحوکمة العالمیة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

نهاية الديمقراطية في الولايات المتحدة كانت متوقعة تماما

مثلي كمثل آخرين، منذ أواخر ليلة الثلاثاء، كان هاتفي يعج بالرسائل النصية التي تتساءل كيف من الممكن أن يحدث هذا (كما يعلم بعض أصدقائي وزملائي ومعارفي، كنت مقتنعا تماما بأن دونالد ترامب سيفوز في هذه الانتخابات بسهولة). وبدلا من الرد بالتفصيل على كل رسالة، أقدم لكم تفسيري هنا.

على مدى 2300 عام، منذ جمهورية أفلاطون على الأقل، عرف الفلاسفة كيف يفوز زعماء الدهماء والطغاة الطامحون بالانتخابات الديمقراطية. العملية واضحة ومباشرة، وقد شاهدنا فصولها تتوالى أمام أعيننا للتو. في نظام ديمقراطي، يتمتع أي شخص بحرية الترشح لأي منصب عام، بما في ذلك الأشخاص غير اللائقين على الإطلاق لقيادة أو رئاسة مؤسسات الحكومة. إحدى العلامات الواضحة على عدم اللياقة الاستعداد للكذب بكل حماسة وجموح، وتحديدا من خلال تقديم الذات كمدافع ضد أعداء الشعب المتصورين، سواء الخارجيين أو الداخليين. رأى أفلاطون أن الناس العاديين يسهل التحكم فيهم باللعب على عواطفهم، وهُـم بالتالي عُـرضة لمثل هذا النوع من مخاطبة المشاعر ــ وهي الحجة التي تشكل الأساس الحقيقي للفلسفة السياسية الديمقراطية (كما زعمت في عمل سابق). أدرك الفلاسفة دوما أيضا أن هذا النوع من السياسات ليس بالضرورة مقدرا له أن ينجح. فكما زعم جان جاك روسو، تُـصـبِـح الديمقراطية في أشد حالاتها ضعفا عندما يصبح التفاوت في المجتمع راسخا وسافرا بدرجة مفرطة. تعمل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية العميقة على خلق الظروف التي تسمح لزعماء الدهماء باستغلال استياء الناس وسخطهم، فتسقط الديمقراطية في نهاية المطاف على النحو الذي وصفه أفلاطون. وعلى هذا فقد خلص روسو إلى أن الديمقراطية تستلزم المساواة الواسعة الانتشار؛ فآنذاك فقط يصبح من غير الممكن استغلال استياء الناس بهذه السهولة. في عملي، حاولت أن أصف بالتفصيل الدقيق لماذا وكيف يتقبل الناس الذين يشعرون بأنهم مُـسـتَـخَف بهم أو مهانون (ماديا أو اجتماعيا) الأمراض ــ مثل العنصرية، ورهاب المثلية الجنسية، وكراهية النساء، والقومية العرقية، والتعصب الديني ــ التي يرفضونها في ظل ظروف يغلب عليها قدر أعظم من المساواة. هذه على وجه التحديد الظروف المادية اللازمة لديمقراطية موفورة الصحة ومستقرة والتي تفتقر إليها الولايات المتحدة اليوم. في الأغلب الأعم، أصبحت أميركا تُعرَّف على نحو فريد من خلال التفاوت الهائل في الثروة، وهي الظاهرة التي لا بد وأن تقوض التماسك الاجتماعي وتعمل على توليد الاستياء والسخط. استنادا إلى 2300 عام من الفلسفة السياسية الديمقراطية التي تشير إلى أن الديمقراطية من غير الممكن أن تدوم في ظل مثل هذه الظروف، فلا ينبغي لأحد أن يفاجأ بنتيجة انتخابات عام 2024.

قد يتساءل المرء، ولكن لماذا لم يحدث هذا بالفعل في الولايات المتحدة؟ يتلخص السبب الرئيسي في وجود اتفاق ضمني بين الساسة على عدم الانخراط في مثل هذا الشكل غير العادي من أشكال السياسة العنيفة الـمُـحـدِثة للـفُرقة والانقسام. هل تذكرون انتخابات عام 2008. كان بوسع جون ماكين، المرشح الجمهوري، أن يلجأ إلى الصور النمطية العنصرية أو نظريات المؤامرة حول مولد باراك أوباما، لكنه رفض سلوك هذا المسار، وصحح في مناسبة شهيرة واحدة من أنصاره عندما اقترحت أن المرشح الديمقراطي كان «عربيا» مولودا في الخارج. خسر ماكين، لكنه يُذكَر باعتباره رجل دولة أمريكيا يتمتع بنزاهة لا تشوبها شائبة.

بطبيعة الحال، يلجأ الساسة الأمريكيون على نحو منتظم ولكن بقدر أعظم من الدهاء إلى مخاطبة مشاعر العنصرية ورهاب المثلية الجنسية للفوز بالانتخابات؛ فهي في نهاية المطاف استراتيجية ناجحة. لكن الاتفاق الضمني على الامتناع عن ممارسة مثل هذه السياسة صراحة ــ ما تسميه الـمُـنَـظِّـرة السياسية تالي مندلبرج معيار المساواة ــ استبعد اللجوء إلى مخاطبة الميول العنصرية بشكل أكثر صراحة مما ينبغي. بدلا من هذا، كان من اللازم أن يحدث ذلك من خلال رسائل مستترة، والاستدعاء بالإشارة، والصور النمطية (مثل الحديث عن «الكسل والجريمة في المناطق الداخلية من المدينة»). ولكن في ظل ظروف من التفاوت العميق، يصبح هذا الضرب المشفر من السياسة في نهاية المطاف أقل فعالية من النوع الصريح. ما فعله ترامب منذ عام 2016 هو أنه نَـبَـذَ ذلك الاتفاق الضمني القديم، ووصف المهاجرين بأنهم حشرات طفيلية ومعارضيه السياسيين بأنهم «الأعداء في الداخل». وكما عرف الفلاسفة دائما، فإن مثل هذه السياسة الصريحة التي ترفع شعار «نحن ضدهم»، قد تكون شديدة الفعالية. وعلى هذا فإن الفلسفة السياسية الديمقراطية كانت محقة في تحليلها لظاهرة ترامب. ومن المؤسف أنها تقدم أيضا نبوءة واضحة بما سيأتي لاحقا. وفقا لأفلاطون، فإن الشخص الذي يخوض حملته على هذا النحو سيحكم كطاغية. من كل ما قاله ترامب وفعله أثناء هذه الحملة وفي ولايته الأولى، بوسعنا أن نتوقع صِـدق نبوءة أفلاطون مرة أخرى. إن هيمنة الحزب الجمهوري على جميع سلطات الحكومة من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة دولة الحزب الواحد. ربما يقدم المستقبل فرصا عَـرَضية لآخرين للتنافس على السلطة، ولكن أيا كانت المنافسات السياسية التي تنتظرنا، فمن غير المرجح في الأغلب الأعم أن تكون مؤهلة كانتخابات حرة نزيهة.

ـ جيسون ستانلي أستاذ الفلسفة في جامعة ييل، ومؤلف كتاب «محو التاريخ: كيف يعيد الفاشيون كتابة الماضي للسيطرة على المستقبل».

ـ ـ خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • ماذا لو كانت “إسرائيل” داخل أراضي الولايات المتحدة؟!
  • نهاية الديمقراطية في الولايات المتحدة كانت متوقعة تماما
  • الكرملين يكشف حقيقة إجراء مكالمة هاتفية بين بوتين وترامب حول أوكرانيا
  • لقاء مرتقب بين بايدن وترامب في البيت الأبيض.. هذه محاور المباحثات
  • لقاء مرتقب بين بايدن وترامب لمناقشة الانتقال السلمي وأولويات السياسات المحلية والخارجية
  • لقاء الأربعاء بين بايدن وترامب.. ملفات لها الأولوية
  • "الانتقال السلمي للسلطة" يتصدر لقاء بايدن وترامب
  • لقاء الأربعاء بين بايدن وترامب.. في ماذا سيتحدثان؟
  • تفاصيل أول لقاء بين بايدن وترامب بعد انتهاء الانتخابات.. 74 يوما لتشكيل الحكومة
  • أكسيوس: بايدن وترامب يجتمعان في البيت الابيض من أجل هذا السبب