لجريدة عمان:
2024-09-18@11:07:37 GMT

نوافذ: لا شيء أكثر أهمية من متعة اللعب!

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في واحدة من التماعاته الذكية يخبرنا الكاتب والباحث الإيرلندي سي. إس. لويس في كتابه «تجربة في النقد» أننا «لسنا بحاجة إلى النقاد من أجل الاستمتاع بنصوص المؤلفين، ولكننا نحتاج إلى نصوص المؤلفين كي نستمتع بالنقاد». تذكرتُ هذه العبارة وأنا أقرأ كتاب منى حبراس الجديد «لا شيء أكثر أهمية من متعة اللعب: عشر نظرات في السرد» الصادر مؤخرًا عن دار الرافدين العراقية، فالنظرات العشر التي تلقيها الناقدة على نصوص وظواهر أدبية متعددة، ورغم أن ظاهرها النقد، إلا أن جوهرها هو الكتابة الممتعة التي لا تقل متعةُ تلقّيها عن متعة النصوص التي تضعها تحت مبضع التحليل، لذا؛ فإن دار النشر لم يجانبها الصواب حين وضعت على غلاف الكتاب - الذي صممه الفنان البحريني حسين المحروس - تصنيف «أدب»، وليس «نقد»، فالكلمة الأولى أكثر دلالة على مضمون هذه النصوص العشرة، بل إن الكاتبة نفسها متواطئة في ذلك حين وصفت هذه النصوص بــ«نظرات» وليس «مقالات».

وكما أحسنتْ منى حبراس وصفَ نصوصها بــ«نظرات»، فقد أحسنتْ أيضًا اختيار عنوان الكتاب، وهو العنوان الذي يتصادى مع عبارة كتبها الشاعر الفرنسي شارل بودلير في يومياته: «ما من فتنةٍ للحياةِ حقيقيةٍ غير فتنة اللعب.

ولكن ماذا لو كنّا غير مبالين أن نكسب أو نخسر»! ذلك أن اللعب هو أساس كتابها ولُحْمتُه وسُداه. ولا أقصد هنا أن اثنين من النصوص النقدية العشرة للكتاب يختصان بالحديث عن لعبة كرة القدم، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى لعبة الكتابة نفسها. وما هي الكتابة في الأصل إن لم تكن لعبة!

اللعب إذن هو الفكرة الرئيسة التي انبنى عليها «لا شيء أكثر أهمية من متعة اللعب»؛ لعب كتّاب السرد الذين تُرسِلُ المؤلفة نظراتِها فيما يكتبون، ولعبتها هي كناقدة تُدرك أن أحد مهام الناقد أن يساعد المتلقي على فهم العمل الأدبي، والانتباه إلى «ألعابه» الفنية وميزاته الجماليّة، ورؤية دقائقه الصغيرة التي لا تُرى إلا بعينٍ فاحصة مُدرَّبة. وليس مستغربًا والحال هذه أن تستدعي في تقديمها للكتاب الذي سمته «مدخل» أستاذَها وقدوتها في النقد عبدالفتاح كيليطو، لتذكِّرنا أن «سرّ اختلافه أنه يكتب وكأنه يلعب، أو يلعب بينما يكتب»، مستشهِدة بقوله في أحد حواراته: «صدّقني أنه لولا وجه اللعب الذي تتخذه الكتابة، لما كتبتُ. ما جدوى الكتابة إذا لم نلعب في الوقت ذاته بالكلمات والصور والذاكرة» (الكتاب ص13).

وإذا كنا نتفق أن الكتابة الإبداعية تقوم في الأساس على اللعب الفني، فإن اللافت في اختيارات منى حبراس للنصوص السردية في هذا الكتاب هو كون هذا اللعب واضحًا فيها بجلاء؛ لعِب إيمان مرسال على سبيل المثال على تحويل الهامش إلى متن، والمتن إلى هامش في كتابها «في أثر عنايات الزيات»، حيث «تعطينا تعريفًا جديدًا للكتابة عن الآخر في عدم انفصالها عن الكتابة عن الذات» (الكتاب ص87)، ولعب يحيى سلام المنذري على ثيمة الخوف في مجموعته القصصية الأخيرة «وقت قصير للهلع» وتعدد أشكال حضور هذا الخوف واختلاف طرق التعبير عنه بين شخصية وأخرى، ولعب أحمد بوزفور على أشكال التلقي وتأويلاته في قصته «رجل عارٍ يعانق الإسفلت»، وجعلها جزءا من عملية الكتابة ومكمِّلا لها، وألعاب عبدالعزيز الفارسي السردية في قصصه من الميتا قصة إلى كتابة القصة كلها في الهامش، وربط ذلك بالمضمون القصصي المتعلق بأهل مدينته شناص، وهو ما جعل الكاتبة تجترح اسمًا جديدًا لمقاربة هذا اللعب لدى الفارسي مشتقًّا من اسم مدينته؛ ألا وهو «شنصنة السرد»، ولعب القاص الإنجليزي جون ريفنسكروفت على ثيمة الحلم في قصته «أحلام أسامة» حين تناول أحداث الحادي عشر من سبتمبر من خلال وجهات نظر متعددة تمثلها أربع شخصيات تحلم أحلاما مختلفة، تنتهي - أي الأحلام - بنهايات متشابهة عندما تلتقي الشخصيات الثلاث الأولى في أحد الكهوف بالشخصية الرابعة التي تحلم هي الأخرى حلمها الخاص.

ولا تكتفي المؤلفة بتتبّع هذا اللعب لدى هؤلاء الكُتّاب وتقصّيه، بل تَعْمَد أحيانًا إلى تقديمه للقارئ من خلال لعبٍ مشابِه، مُتمثِّلةً تعريف الناقد الإنجليزي ماثيو أرنولد للنقد بأنه: «الحبّ النزيه للعب الحرّ للعقل في جميع الموضوعات لأجل العقل ذاته»، كما هي الحال في كتابتها عن هذه القصة الأخيرة «أحلام أسامة»، إذ يُماثل مقال منى حبراس عنها بين موضوع القصة وبنائها الفني القائم على التقطيعات، وربط المنطقي الواقعي بالحلمي الفنتازي. وكما هي الحال أيضًا في مقالها الممتع «كرة القدم في السرد العُماني» الذي تبنيه بناءً يحاكي مباراة كرة قدم مكونة من شوطين، وفاصلة زمنية تفصل بينهما، وأشواط إضافية، ووقت بدل ضائع!. إنها تكتب وكأنها تلعب، إذا ما استعرنا وصفها لكيليطو، أو تلعب بينما تكتب.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الكتاب الفلسطيني لأول مرة في معرض بغداد الدولي

بغداد- لا يبدو أن معرض بغداد الدولي للكتاب بدورته الـ25 والذي انطلقت فعالياته في 12 سبتمبر/أيلول الجاري، وبمشاركة 600 دار نشر محلية عربية وأجنبية، مجرد معرض لتداول أو بيع الكتب، بل يحمل رمزية لم تكن في المعارض السابقة، فهذه هي المشاركة الأولى للوفد الفلسطيني في هذا الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة وفلسطين عموما حربا غير متوازنة مع إسرائيل.

العلامة البارزة في هذا المؤتمر هو كسر الشعب الفلسطيني لحصار غزة بالكتاب، حيث أكد المدير التنفيذي للاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين جمعة الرفاعي، أن مشاركة الاتحاد في هذا المؤتمر هو تحدٍ ورسالة للجميع بأن ثقافة فلسطين باقية ومتواصلة مع عمقها العربي.

وقال الرفاعي في حديثه للجزيرة نت: "إننا سعداء جدا بالمشاركة في معرض بغداد للكتاب بدورته الحالية، رغم العوائق التي واجهتنا في إيصال المنشورات من الاتحاد العام للأدباء والكتاب الفلسطينيين إلى بغداد"، وأثنى على جهود اللجنة المنظمة للمعرض بتذليل كل العقبات لضمان وصول المطبوعات للمعرض.

المعرض يحمل شعار "العراق يقرأ" بمشاركة 600 دار نشر محلية وعربية وأجنبية (الجزيرة) مشاركة نوعية

وعن طبيعة المشاركة، وضّح الرفاعي أنهم يشاركون بمطبوعات صدرت في فلسطين، في خطوة مثلت "تحديا للظروف، ورسالة بأن ثقافة فلسطين باقية"، حيث إنهم يطمحون للتواصل مع العمق العربي من خلال إيصال المنتج الفلسطيني الذي يصدر داخل أراضيهم.

وبيّن أن المشاركة ارتكزت على 4 مستويات من الكتب:

أولها الأدب الذي كتبه الأسرى الفلسطينيون "داخل المعتقلات الصهيونية". والثاني هي للكتّاب الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى فلسطين وكتبوا مؤلفاتهم خارجها، لكنهم لم يتمكنوا من طباعتها، فحرص الاتحاد على طباعتها داخل فلسطين. والثالث هي الكتب التي تتحدث عن التراث والثقافة والفلكلور الفلسطيني. أما الرابع فيركز على إعادة إنتاج وإحياء وتجديد الثقافة الفلسطينية، لمؤلفين مثل نوح إبراهيم وخالد أبو خالد وحسن البحيري.

وأكد الرفاعي، أن التجربة جديدة بالنسبة لهم رغم أن الاتحاد تأسس عام 1966، لكنه وصفها بأنها "تجربة مميزة وأصيلة، في بغداد الحضارة والثقافة والتراث، ولنا كل الفخر بمشاركتنا في المعرض".

المعرض الممتد حتى 22 سبتمبر/أيلول يستضيف مجموعة كبيرة من الأدباء والشعراء والمفكرين العرب (الجزيرة)

وأكد الإعلامي ومقدم البرامج العراقي ريناس علي، أن إضافة الجلسات الحوارية بمهرجان ثقافي مثل معرض الكتاب في بغداد أثرى الحركة الثقافية بشكل أكبر، وخلق تواصلا مباشرا مع الجمهور، مشددا على أنه "شيء إيجابي وإضافة مهمة في هذه النسخة من المعرض".

وأضاف خلال حديثه للجزيرة نت، أن "الأهم في هكذا مؤتمرات هو إقبال الناس، الذي جعلنا نشعر بالفرح والفخر من خلال تواصلهم المباشر مع شخصيات لها بريقها في الكتابة".

مقالات مشابهة

  • إقبال على كايت سيرف.. متعة ركوب الأمواج بشواطئ الغردقة
  • مركز أبوظبي للغة العربية يصدر «تاريخ الكتابة»
  • فيديو جنسي وزواج متعة يهزان جنوبي العراق.. السوداني والمالكي يتدخلان ومعمم سياسي يخلط الأوراق
  • "أبوظبي للغة العربية" يصدر "تاريخ الكتابة"
  • بو حبيب استقبل لازاريني: نشدد على أهمية استمرار الاونروا بمهامها وبالخدمات التي تقدمها
  • مصادر: "الخطوات المتهورة" التي تخطط لها حكومة نتنياهو في الشمال قد تورِّط إسرائيل في مشكلة أكثر صعوبة
  • 2.4 مليون جنيه نفقة متعة.. صراع قضائي بين مطلقة وزوجها السابق بمحكمة الأسرة
  • لا يشبه ذوقان عبيدات أحدًا في الكتابة
  • أهل مصر .. أسس الكتابة والأداء المسرحي بورش ملتقى أطفال المحافظات الحدودية
  • الكتاب الفلسطيني لأول مرة في معرض بغداد الدولي