إيريكا تشينويث.. المقاومة المدنية
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
هل يمكن للمجتمع أن ينجح في إحداث تغيير سياسي جذري دون اللجوء إلى العنف المسلَّح؟ للوهلة الأولى قد يبدو هذا السؤال متفائلا بالنظر في سجل قرن كامل من الصراعات الدموية التي شهدها القرن العشرون، والحديث هنا ليس عن الحروب التقليدية التي تدور بين الجيوش النظامية، كما حدث خلال الحربين العالميتين مثلا أو كما يحدث اليوم في الحرب الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، إنما نتحدث عن صراعات الشعوب مع السلطات القاهرة التي تحكمها، كتلك الصراعات الواسعة التي خاضتها معظم شعوب «العالم الثالث» في سبيل تحررها إما من سلطة استعمار أو احتلال أو من سلطة محلية مستبدة.
مع ذلك، وبالعودة إلى السؤال الافتتاحي، هل ستبقى لحظة العنف ضرورة تاريخية حتمية لا يمكن تفاديها في سبيل الحرية؟ تقترح إيريكا تشينويث خيارا بديلا للعنف من أجل التغيير، دون أن تعتمد على مزيد من التفاؤل الساذج، بل على دراسة ماسحة للصراعات العنفية واللاعُنفية على مدار أكثر من قرن، مراهنة في نفس الوقت على قدرة الذكاء الإنساني، العاطفي والبراغماتي معا، في إبداع وتطوير أساليب لا متناهية من المقاومة السلمية... ببساطة، لأن هناك ألف حل وحل قبل الضغط على الزناد وحسم الخلافات السياسة بالقتل، أي بالإلغاء الجسدي التام.
إيريكا تشينويث هي أستاذة العلاقات الدولية بكلية كينيدي التابعة لجامعة هارفارد بالولايات المتحدة، حيث تدير منذ سنوات «مختبر العمل اللاعنفي» الذي يجمع أكاديميين ونشطاء بجمهور من الطلاب المهتمين بمواجهة التهديدات السياسية التي تواجهها قيم الديمقراطية ومؤسساتها حول العالم. كرَّست تشينويث مجهودها الأكاديمي من أجل مساق واحد؛ وهو دراسة العنف السياسي واستنباط بدائله اعتمادا على أدوات العلوم الاجتماعية، وذلك من أجل تعزيز ثقافة المقاومة المدنية (السلمية أو اللاعنفية) كبديل لـ«وَهم» عنف القوة المهيمن على التفكير السياسي كوسيلة تغيير ناجحة (1). وقد اعترفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية بتشينويث كواحد من بين أهم 100 مفكر عالمي لعام 2013.
سردت تشينويث في أكثر من مناسبة كيف بدأت دراستها للمقاومة المدنية متشككة بجدواها العملية في تغيير الاستبداد والفساد السياسي، فضلا عن قدرتها على إسقاط نظام عنصري أو طائفي. وما هي إلا عامان حتى اشتهرت تشينويث باستنتاجها الصادم الذي توصلت إليه بالاشتراك مع ماريا ستيفان في دراستهما الدقيقة لبيانات مجمعة عن كل حملات المقاومة التي شهدتها مناطق متفرقة من عالم بين عامي 1900 و2006، العُنفيَّة منها واللاعُنفية، إذ تخلُص الدراسة المنشورة عام 2008 تحت عنوان «لماذا تنجح المقاومة المدنية: المنطق الاستراتيجي للصراع اللاعنفي»(2) إلى استنتاج يقول إن «الناس يحتملون أكثر للحصول على ما يريدون باستخدام المقاومة المدنية بدلا من التمرد المسلح».
يستطيع قارئ تشينويث أن يستعيد من الذاكرة القريبة نماذج فارقة على العصيان المدني الفعَّال، مثل «الثورة الصفراء» في الفلبين التي أطاحت برأس النظام منهية 20 عاما من ديكتاتورية فرديناند ماركوس. كما تذكرنا الباحثة الأمريكية بالمظاهرات الشعبية التي شهدتها العاصمة الجورجية تبليسي عام 2003، والتي نجحت في الإطاحة بإدوارد شيفردنادزه المتهم بتزوير الانتخابات والتستر على الفاسدين. ومع فشل الكثير من الصراعات المسلحة حول العالم وانتهائها إلى مآلات كارثية، ترى تشينويث أن المقاومة المدنية اللاعنفية تلقى اليوم وجاهة علمية أكبر في الجامعات كموضوع يستحق التأمل والدراسة، كما تتسع بمرور الوقت قاعدة الجماهير المهتمين بهذا النوع من المقاومة، أولئك الذين باتوا يؤمنون أكثر بنجاعة تطبيقاتها السلمية في التغيير السياسي، كالإضراب والمقاطعة ومسيرات التظاهر. تعلل الباحثة نجاح الحملات السلمية (بضعفين مقارنة بنجاح الحملات العنيفة) لأسباب عدة أهمها قابلية الحملات السلمية على استيعاب عدد أكبر من المشاركين من مختلف شرائح وفئات المجتمع، في حين أن العمل المسلح يفرض مواصفات بدنية وعمرية واستعدادا عسكريا لدى المشاركين فضلا عن كُلفته الباهظة: الموت. بل تذهب تشينويث إلى مفاجأة أخرى وهي «قاعدة 3.5%» التي ترى أن 3.5% من الشعب فقط كفيل لإسقاط حكومة إذا ما خرج في حراك سلمي منظم ومستمر.
في عالمنا العربي، حيث دوامات العنف التي لا تتوقف، أعتقد أننا في أمس الحاجة لنظرية إيريكا تشينويث. ولا بدَّ من مبادرة ثقافية أولى تتمثل في ترجمة كتابها المهم «المقاومة المدنية: ما يحتاج الجميع إلى معرفته» إلى اللغة العربية، تمهيدا لدراسة هذا النمط الحضاري والأخلاقي من المقاومة كحقل علمي في جامعاتنا.
هوامش:
1. www.ericachenoweth.com
2. Maria J. Stephan, Erica Chenoweth, Why Civil Resistance Works: The Strategic Logic of Nonviolent Conflict, International Security (2008) 33 (1): 7–44
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المقاومة المدنیة
إقرأ أيضاً:
3 عقبات تعرقل عودة سعد الحريري إلى المشهد السياسي في لبنان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد سنوات من الغياب السياسي، عاد إسم سعد الحريري ليُناقش كواحد من الشخصيات المحتملة للعودة إلى الساحة السياسية في لبنان.
كانت الزيارة الأخيرة لسعد إلى بيروت في فبراير 2024، بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال والده رفيق الحريري، أعادت إشعال التكهنات حول مستقبله السياسي ومع اقتراب الذكرى العشرين لهذه الحادثة، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت هذه اللحظة هي المناسبة لعودته.
وبحسب شبكة “إل بي سي” اللبنانية، فإن سعد الحريري، الذي شغل منصب رئيس وزراء لبنان عدة مرات، أعلن انسحابه من الحياة السياسية في يناير 2022.
وفي خطاب دراماتيكي، عبّر عن إحباطه إزاء الوضع السياسي في لبنان مشيرًا إلى تأثير إيران كعائق رئيسي أمام التغيير الإيجابي. نتيجة لذلك، لم تُشارك حركته "المستقبل" في الانتخابات النيابية لعام 2022 مما غيّر المشهد السياسي اللبناني.
تواجه لبنان حاليًا واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والسياسية في تاريخه فقد انهار سعر الليرة اللبنانية وتراجعت إمدادات السلع الأساسية بشكل كبير، فيما لا يزال الحكومة تعاني من حالة الشلل. ومع غياب القيادة الواضحة، يعتقد مؤيدو الحريري أن عودته قد توفر الاستقرار والإرشاد اللازمين.
علاوة على ذلك، فإن تراجع نفوذ حزب الله في السياسة اللبنانية مع التحولات الإقليمية المحتملة المتمثلة بوجود إيران والسعودية وسوريا قد يخلق فرصة أمام الحريري لإعادة دخول الساحة السياسية بدعم متجدد من الدول الخليجية.
إذا قرر الحريري العودة إلى السياسة، فسيواجه تحديات كبيرة، أولها التعامل مع حزب الله، المجموعة المدعومة من إيران والتي كانت أكبر عقبات أمامه.
ثاني العقبات هي إعادة بناء القيادة السنية، إذ ترك رحيله فراغًا قياديًا بين المجتمع السني اللبناني الذي انقسم منذ ذلك الحين.
أما العقبة الثالثة فتكمن في إمكانيته في استعادة الثقة الدولية، إذ سيتعين عليه تقديم خطة قابلة للتصديق للنهوض بالاقتصاد واستعادة الدعم الدولي.
وبينت الشبكة اللبنانية أنه حتى الآن لم يُعلن سعد الحريري رسميًا عن نيته العودة إلى السياسة ومع ذلك، فإن زيارته الأخيرة لبيروت، والمناخ السياسي المتغير، وأزمة لبنان المستمرة تشير جميعها إلى أنه ربما يكون على الأقل يفكر بذلك.
يمكن أن تكون الذكرى العشرون لاغتيال والده في فبراير 2025 فرصة رمزية له للإعلان عن عودته وإذا اختار العودة، فقد يعيد نفسه مرة أخرى كزعيم رئيسي للمجتمع السني اللبناني.
في ظل المشهد السياسي المتغير باستمرار للبنان حيث تبقى التحديات ثابتة ولكن اللاعبين الرئيسيين يتغيرون، فإن عودة سعد الحريري ستحدث بلا شك هزة للنظام وتعيد تشكيل المستقبل السياسي للبلاد.