العمـارة بين الماضـي والمستقبل.. كيـف تسـهم العــــودة إلـى التراث في استدامة وأنسنة المدن؟ «1-2»
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
ترتبط العمارة ارتباطًا وثيقًا بالإنسان والمكان، فهي تشكل الذاكرة والوعي وتماس الروح، وعلى الرغم من أن مفهوم الاستدامة كمصطلح حديث لم يكن موجودًا عند قدماء المعماريين، فإنهم اهتموا بجوهر هذا المفهوم من خلال الفطرة والخبرة وثقافة الواقع الاجتماعي والبيئي والاقتصادي، لقد حافظوا في تصاميمهم على الجانب الاقتصادي والروحي معًا، ما جعل العمارة التراثية صديقة للبيئة ومنسجمة معها.
والسؤال المحوري: هل سيستطيع الإنسان استعادة الارتباط العميق بين المكان والهوية، وإحياء ذاكرته الجمعية من خلال العمارة المستدامة؟
في هذا التحقيق نستكشف وجهات نظر المعماريين والمختصين لاستخلاص أهم الحلول والمفاهيم التي من شأنها تحقيق استدامة حقيقية وإنسانية في العمارة المعاصرة.
بداية يقول المصمم المعماري والناقد الأكاديمي المصري الأستاذ الدكتور علي عبدالرؤوف (منسق التطوير وبناء القدرات والبحث والتدريب بإدارة التخطيط العمراني بدولة قطر، ورئيس وحدة العمران المستدام في مجلس قطر للأبنية الخضراء وأستاذ في جامعة حمد بن خليفة وأستاذ زائر في جامعة قطر وعضو مجلس إدارة المنظمة الدولية لمخططي المدن): عندما نتأمل حال المدن العربية المعاصرة، من مدن الخليج إلى مدن شمال إفريقيا، يشعر المراقب بفجوة معرفية في السياق العمراني والتخطيطي، بل والمعماري، جعلتنا سعداء بالانسلاخ عن مفاهيم الماضي والتراث والاندفاع نحو تقليد غربي أو تقليد المقلد كما بلورته في وصفي لتبنّي بعض المدن العربية لنموذج مدينة دبي فيما يمكن تعريفه بظاهرة «دبيية المدن العربية».
ويرى الأستاذ الدكتور علي عبدالرؤوف من وجهة نظره أن هذه الفجوة المعرفية تنتج من عاملين رئيسيين: الأول هو الفهم القاصر للتراث على أنه مجموعة من المفردات التشكيلية والمعالجات البصرية وليس على أنه سياق نمت خلاله مجموعة من المفاهيم العميقة التي أنتجت منظمة بنائية لها تعبير متميز ومتمايز ومتّسق مع السياق الاجتماعي والبيئي والاقتصادي. والعامل الثاني هو ما صاغه في مجموعة من مؤلفاته وأبحاثه وأسماه «التفسير الاستاتيكي للهوية» بمعنى أن كل دولة عربية أو مدينة تختار، ودون مبررات واضحة، حقبة معينة من تاريخها وتصبح تلك الحقبة وخاصة في ملامحها التشكيلية والبصرية هي المعبّرة عن هوية الدولة أو المدينة، هذان العاملان معًا جعلانا نقع في فخ النسخ والتقليد وإجهاض الحركات الإبداعية المجددة التي تجد في التراث منصة للإبداع وليس مخزنًا للمفردات الواجب نسخها وتقليدها. هذا الطرح، يحفزنا إلى فهم أكثر عمقًا لمفاهيم الاستدامة ويجعل مكونها المجتمعي/ الثقافي أكثر أهمية من المكونين الكلاسيكيين (البيئي والاقتصادي)؛ فالواقع أن الأخيرين هما نتاج الاتساق بين الإنسان والمكان ومهما فعلنا فإذا كانت تلك العلاقة مربكة ومقلقة وغير ملهمة للانتماء، تسقط أفكار التنمية الاقتصادية والحفاظ البيئي. المدينة المستدامة هي صديقة للبيئة توفر مقومات العيش المستدام على جميع الأصعدة ومن هنا فإن حرص العمراني والمخطط العربي المعاصر يجب أن ينطلق من فهم أكثر عمقًا للتنمية المستدامة وأن الاستدامة في تفسيراتها الكلية الشمولية هي صياغة الأطر المتكاملة والمتداخلة التي تجعل سكان المدينة أو البلدة أو القرية يشعرون بالانتماء لأماكنهم وفضاءاتهم من خلال جعل أماكن تحدث التواصل الإنساني المكاني، أماكن، تربطنا بالتاريخ وفصول قديمة، ولكنها تستشرف المستقبل وتسعى لإيجاد فصول جديدة في سردية المدينة. نعم، فجانب مهم من هذه التنمية المستدامة الشاملة هو فهمها لأن كل مدينة لها سرديتها الخاصة التي تميزها وتصنع تفردها ومذاقها وروح أماكنها، ولذلك فإن هذا الإيمان بامتلاك كل مدينة لسرديتها، يحمّل المعماريين والعمرانيين والمخططين عظيم المسؤولية في كيفية ومنهجية إنتاج الأماكن التي تضيف إيجابيًّا إلى تلك السردية وتسهم في إيجاد حالة من الاستمرارية الإبداعية المنطلقة من فهم التراث ومقوماته.
ويضيف عضو مجلس إدارة المنظمة الدولية لمخططي المدن: العالم يستعد الآن وخاصة بعد الدروس التي تعلمناها من جائحة كورونا ليعيد صياغة معنى المدينة المستدامة. يجب على المدينة المستدامة أن توفر للإنسان مقومات الحياة المستدامة، وتمنحه الخيال لتصور ما يحدث حوله من نشاطات أو مشاهد في فضاءات المدينة وأماكنها الخاصة والعامة. لقد كانت المدن نتاج التخطيط العمراني فقط، أما الآن فهي تتجه لتصبح نتاج شراكة بين المعماريين والمصممين والفنانين وعلماء الاجتماع والمثقفين وغيرهم، لكي تتضافر الجهود لجعل المدينة ملائمة للإنسان بشكل يثري حياته، ولذلك لا نبالغ إذا قلنا إننا أمام تصنيف جديد للمدن تنطلق من الاستدامة الشمولية إلى الإنسانية. نحن أمام محاولات لاستعادة السكان لمدنهم من خلال تجارب حضرية تعيد اختراع مفهوم الحياة في المدينة وتركز على جوانب جودة الحياة، بدلا من تحديد شكل المدينة الفيزيائي تتبنى المدينة الإنسانية عددا من القيم وهي التعاطف والرفاهية والاستدامة والألفة والعيش المشترك والتحركية وإمكانية الوصول والخيال والترفيه والجماليات، والحسية والتضامن والاحترام.
وفي الختام يقول المصمم المعماري والناقد الأكاديمي المصري الأستاذ الدكتور علي عبدالرؤوف: يجب أن نعي وعيًا كاملًا لأن الاستدامة لا تتحقق إلا من خلال الإنسان وإلى الاطمئنان الكامل لتحقيق «أنسنة المدن» والحرص على الاستماع لأصوات المجتمع وإشراك سكان المدن في صنع مدنهم؛ فأنسنة المدن مصطلح مهم وحيوي يهدف لجعل المدن أكثر ملاءمة للإنسان، يشعر فيها بأنه يعيش في مدينة ينتمي لها، تحتضنه وتحتويه وتحفزه على الإبداع، وليست مجرد أماكن للاحتماء والإقامة. مدينة تخدمه وتمكنه من الاستمتاع بحياته، وتطوير إمكاناته ومزاولة حياته الفكرية والعملية والاجتماعية، وأنسنة المدن تجعل المدينة صديقة للإنسان، وألا تكون عبارة عن علب أسمنتية، بل ينبغي أن يسعى جميع المختصين لتعزيز البعد الإنساني في جميع مشروعاتهم لتطوير المدينة، وجعلها أكثر جاذبية لحياة الإنسان، ثم تكون أكثر استدامة وملتزمة بقيم جوهرية للعيش الكريم للإنسان المعاصر وخاصة الحرية والتعددية والاحتواء والألفة والتعاطف والرفاهية والعيش المشترك، والجماليات، والتضامن والاحترام.
إعادة تشكيل المجتمع
وحول التكوين الحضري على جوانب الاستدامة الاجتماعية تقول المهندسة خالصة بنت خليفة السالمية في سياق دراستها حول حارة قصرى وفلج الشراة بولاية الرستاق: النمو السريع للمدن وتفاقم المشاكل الاجتماعية في العقد الماضي أدَّيا إلى قدر كبير من التساؤل حول مدى مساهمة التكوين المادي للمدن في تحقيق مستقبل عادل ومستدام، وذلك قد يبدو واضحا خلال «رؤية عمان 2040»، التي تهدف إلى تحقيق نمط حياة عماني أكثر استدامة، فإن هذا الهدف أصبح أكثر ثباتا، ومع هيمنة الجوانب الاقتصادية والبيئية على التنمية المستدامة في الماضي، ازداد الاهتمام بالقضايا الاجتماعية في السنوات الأخيرة، كما أن تكامل السياسات وإرشادات التصميم عند التخطيط لمناطق عمرانية جديدة يمكن أن يسهل لتخطيط مجتمعات أكثر استدامة، وقد أظهرت الدراسات السابقة أن الشكل الحضري يؤدي دورًا مهمًّا في تحسين الاستدامة الاجتماعية للمجتمع لذلك هناك حاجة مهمة للدمج المادي مع الجوانب الاجتماعية عند تصميم الأحياء لجعل الحياة أكثر استدامة، وبناءً على قوة وتماسك العلاقات الاجتماعية بين القاطنين في الأحياء العمانية القديمة في الماضي فإنه من الممكن الاستفادة من المخططات المعمارية التقليدية للأحياء السكنية القديمة لتحقيق أحياء جديدة أكثر استدامة اجتماعيا.
وتضيف «السالمية»: من خلال كل ذلك ركزنا على التعمق في دراسة تصميم التكوين الحضري للحارات العمانية القديمة ومقارنته بالحارات الجديدة، فعلى سبيل المثال اخترنا حارتين من ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة حارة قصرى (القديمة) وحارة فلج الشراة (الجديدة) فاتضح لنا بشكل عام بأن حارة قصرى التقليدية أكثر استدامة اجتماعيا مقارنة بحارة فلج الشراة، حيث أكدت ردود سكان حارة قصرى بأن لديهم علاقات اجتماعية أكثر من حيث معرفة الجيران ومقابلتهم، كما أنهم أكثر استقرارًا وذلك بناءً على سنوات وجودهم في الحارة نفسها وعدم رغبتهم في الانتقال إلى مكان آخر، إضافة إلى وجود المزارع والأفلاج والأماكن العامة مثل السبلة والمساجد التي كان لها دور كبير في تقوية الروابط الاجتماعية، وأهالي حارة قصرى لديهم شعور بالانتماء للمكان والمجتمع أكثر من أهالي حارة فلج الشراة، وبناءً على هذه النتائج المبدئية يتضح مدى أهمية دراسة التصميم والتكوين الحضري للحارات العمانية القديمة والاستفادة منه لتحقيق مجتمع أكثر استدامة.
وأضافت المهندسة خالصة السالمية: دراسة العلاقة بين مكونات التكوين الحضري وعناصر الاستدامة الاجتماعية توضح أن معظم جوانب التكوين الحضري ترتبط بشكل كبير ببعض جوانب الاستدامة الاجتماعية، ومع ذلك، فإن نوع العلاقة تختلف من جانب إلى آخر، حيث إن كثافة المباني لها تأثير مباشر على العلاقات الاجتماعية بين السكان، فكلما زادت الكثافة المبنية زاد ارتباط الناس وتواصلهم مع بعضهم البعض، كذلك كلما زادت كثافة المباني زاد استقرار السكان وتوفر الأماكن العامة، بينما يظهر العكس في سهولة الوصول للخدمات والشعور بالانتماء حيث تقل كلما زادت الكثافة المبنية. وإضافة إلى ذلك فإن الوصول لأي موقع في الحارة ومواصفات المباني (مثل: انخفاض ارتفاع المبنى) فإنها ترتبط ارتباطا متوافقا مع ارتفاع العلاقات الاجتماعية بين السكان وتوفر الأماكن العامة واستقرار السكان بينما أظهرت علاقة عكسية مع الشعور بالانتماء وسهولة الوصول للخدمات، حيث إنه كلما زادت إمكانية الوصول لأي موقع، زادت فرصة الالتقاء بالجيران، كما أن تصميم الحارة (من حيث متوسط حجم الكتلة الحضرية ومتوسط مساحة المباني) أظهر علاقة عكسية مع العلاقات الاجتماعية واستقرار السكان وتوفر الأماكن العامة بينما أثبت علاقة طردية مع توفر الخدمات والشعور بالانتماء وتوفر الأمن والأمان في الحارة، حيث إنه كلما قلّت مساحة المباني، زاد قرب السكان من بعضهم البعض وبالتالي زادت علاقاتهم الاجتماعية، كذلك يمكن للعديد من العوامل الأخرى، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية، أن تؤثر بشكل كبير على الاستدامة الاجتماعية.
وفي ختام حديثها تضع المهندسة خالصة بنت خليفة السالمية عدة اقتراحات لتطوير المبادئ التوجيهية والسياسات التي تسهم في تحقيق أحياء أكثر استدامة اجتماعيا في سلطنة عمان وتلخصها في ضرورة توفير البنية الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والمياه لتشجيع السكان على البقاء لفترة طويلة، كذلك تزويد الحي بالخدمات الاجتماعية والمساحات المجتمعية والأماكن العامة مثل المساجد، ومتجر محلي ومركز مجتمعي وعيادة ومنطقة لعب للأطفال ومساحة خضراء؛ فهذه ستقدم الاحتياجات الأساسية للمقيمين ويدعم التفاعل الاجتماعي والأفراد الاتصالات، وتشجيع الناس على المشي من خلال توفير خدمات ومرافق قريبة (سيرا على الأقدام)، وتوفير الأمان للمسارات والأماكن العامة والمفتوحة والملاعب الخاصة بالأطفال، ومحاولة دمج المساحات المفتوحة والخضراء داخل الأحياء بما في ذلك الحدائق، وتحسين إمكانية الوصول من خلال توفير ممرات للمشاة ومناطق خضراء للتظليل ومميزات المياه لتحسين جودة البيئة، كما أن وجود المسافة الكافية بين المباني تدعم التفاعل الاجتماعي وتحافظ على الخصوصية في الوقت نفسه، وأخيرا توفير مساحات مشتركة تسمح للناس بالممارسات التقليدية والاجتماعية كالاحتفالات والمناسبات الدينية والأنشطة لكلا الجنسين (مثل السبلة، الجوامع).
التراث والحداثة
ومن وجهة نظره يرى الفنان التشكيلي محمد علي عبدالله (خبير الترميم والعمارة في المكتب الهندسي الخاص بدولة قطر) أنه منذ أزمان سحيقة كان الإنسان في هذه المنطقة يطوع ما حوله من أرض أو بحر ويستثمره لصالحه، حيث تتحدث الأساطير القديمة أن اللؤلؤ كان يستخرجه الإنسان من بحر الخليج ليس كي تتزين به النساء، أو لتزيين ملابس الملوك، وإنما كان يوضع بين شفتي الميت ظنا منهم أنها زهرة الخلود التي ستجعل الميت مباركا خالدا، وهي الإشارة التي ذكرها جلجامش في أسطورته بعد أكثر من ألفين وخمسمائة عام لأقدم لؤلؤة اكتشفت في مقابر الإمارات.
ويضيف خبير الترميم والعمارة في المكتب الهندسي الخاص بدولة قطر: أنماط الحياة التي عاشها الإنسان في هذه المنطقة ونمط استعاشته هي التي كانت تتراكم لتُنشأ تراثه أو ثقافته وهويته، ولا نعجب من ذلك أن التراث أو الثقافة تبدأ في التبدل والتغيير كلما تبدل نمط العيش، فعندما كان اللؤلؤ لأهل البحر المصدر الوحيد للاستعاشة، وعندما كانت الزراعة وخاصة النخلة وثمارها هي مصدر العيش، كان التراث الذي نتحدث عنه مختلفا تماما عن ذلك الذي بدأ يتشكل بعد عصر النفط في الخليج وفي عُمان، يا ترى ماذا حدث لذلك التراث العريق الذي كان شاخصًا خالدًا لآلاف السنين يميز الإنسان العماني أو الخليجي عمن سواه في محيطه الجغرافي؟
ويستطرد المعماري محمد علي عبدالله حديثه بالقول: بعد أن غاب اللؤلؤ المجلوب من البحر، وحل محله النفط كمصدر للرزق، تغيّر كل شيء، مواصلاتنا من الدواب إلى السيارات والطائرات، وبيوتنا من الطين والحجر إلى الأسمنت والخرسانة، والأخطر وسائل التواصل الهاتف المحمول، ووسائل التواصل الحديثة التي ألغت المكان تماما إن لم يكن الزمان أيضا، وقد تساقطت تلك الحواجز بين الأمم وبين الثقافات، وتلاطمت تلك الثقافات في داخل حدودها، وبدرجات متفاوتة دمرت الأمواج العاتية المندفعة من خارج حدودها تلك التي كانت منعزلة في مواطنها لقرون طويلة استطاعت أن توجد هوية خاصة للمكان. فهذا التراث الجميل الذي يثير حنيننا إلى الماضي بقي محصورا في المتاحف، وفي الأماكن التي قامت الحكومات مشكورة بالحفاظ عليها، ولكنها اختفت من مدننا، وخاصة أن وسائل التنقل بالسيارات هي التي أصبحت تسود مدننا، ونخطط تلك المدن بدءًا من الشوارع للسيارات، ثم الأرصفة، وأخيرًا الأبنية التي سيستخدمها الإنسان الذي فقد هوية المكان، وضاع في مكان ما بين لوائح البلديات، وبين ما يمكن تسميته بالمعاصرة واللاهوية!
ويشير خبير الترميم والعمارة في المكتب الهندسي الخاص بدولة قطر في ختام حديثه إلى أنه لا يمكن إلغاء التراث فهو يسكننا، لأننا نرى أنه هويتنا وانتماؤنا، لذا علينا أن نعيد النظر إلى أنفسنا حتى نرى تلك الهوية تقفز إلى السطح لتذكرنا بما هو نحن، فنشعر بسعادة غامرة عندما تبدأ في السيطرة بشكل لا إرادي بما نقوم به من ممارسات احترافية، سواء كان معماريا يصمم المكان، أو موسيقيًّا، أو رسامًا، أو أديبًا.
أهمية الأمن
ومن سوريا يشير الأستاذ الدكتور عقبة نافع فاكوش، عميد كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق أن الاستدامة للمكان تربطه عوامل كثيرة كما في نظريات العمران؛ فالحياة الاجتماعية والراحة والاستقرار والاقتصاد هي مقومات لمكان مستدام إضافة إلى ذاكرة المكان والأسس التراثية التي تجعلك منتميا لهذا المكان وهو أحد شروط الاستمرار والاستدامة، ولا يمكن التسليم بمسؤولية عنصر محدد بعينه ليمثل استدامة المكان والسكن فيه وأن المواقع التراثية هي أمكنة للتمسك للعيش فيها أكثر من غيرها إذا فقدت عناصر استدامة العيش والإقامة فيها ولا سيما الاقتصادي فالجانب الاجتماعي وحده لا يكفي حتى ولو توفر البناء المستدام والملائم، فماذا يفيد إذا لم تتحقق أسباب العيش الأخرى من مورد اقتصادي (والذي هو أهمها) لكي يستمر الإنسان في العيش بالمكان الذي ولِد وترعرع فيه!، فمثلا إذا كان المكان غير آمن فكيف يمكن العيش فيه مهما كانت مقوماته مستدامة، فهناك أمثلة كثيرة أسفرت عن مدن مهجورة بسبب تعرضها للأزمات والكوارث لذلك أصبح «الأمن» عنصرا من عناصر استدامة المكان. وهناك أمثلة حول انتقال الإنسان وانسلاخه عن محيطه البيئي والاجتماعي بسبب العامل الاقتصادي والبحث عن سبل العيش الكريم!
فهم الطبيعة والتجانس معها
في حين يرى المعماري العماني المهندس الدكتور هيثم بن نجيم العبري (باحث أول بإدارة البحوث التاريخية والشراكات بمكتبة قطر الوطنية وباحث مشارك في كلية مانشستر للعمارة بمركز (ARCHIAM) للبحوث والدراسات) أن الحديث عن العمارة والاستدامة يحيلنا مباشرة إلى العمارة التراثية أو عمارة الحارات في سلطنة عمان وإلى مفهوم الاستدامة كممارسة بالفطرة رغم حداثة المصطلح حيث يقول: هنا يأتي الحديث عن العبقرية العمانية في بناء مساكنهم وحاراتهم وأنواع المباني التي تكوّن النسيج المتكامل في تلك الحارات، والحديث عن البناء والإعمار المستدام يبدأ من الإنسان، وهذا هو المبدأ الذي انطلقت منه عبقرية الأجداد في البداية من الطبيعة وما حباها الله من مكونات مكملة لبعضها من الماء والحجارة والجبال، فتعمقهم لفهم تجانس الطبيعة في المنطقة المحيطة للبناء جعلهم يأخذون كافة المصادر الأساسية المتوفرة من ذلك الموقع، وفهم استخدام الموارد المتوفرة في محيط المكان كنسبة وتناسب وتوزعها في المنطقة هي أحد بداية الاستدامة فمن مصدر الماء تحدد نسبة البناء والزراعة، فالحارات والمناطق المحاطة بواحات النخيل محدودة بمساحة معينة ومربوطة بنظام الري العماني (الأفلاج) لذلك فإن منظومة تقسيم الموارد وتحديد استخداماتها هي بداية النظرة المتعمقة للاستدامة كممارسة، أما البناء فأخذ في فهمه حجم كوحدة سكنية أو مبنى واحد يقام على قدر حاجة الإنسان ولا نجد غير ذلك رغم وفرة الأراضي في ذلك الزمن ولكنها القناعة فهؤلاء تركوا المتبقي لمن يأتي من بعدهم كـ (إيثار) وهذا الأخير يحيلنا إلى منظومة الترابط الاجتماعي الذي هو الآخر يمارس بالفطرة في وحدة البناء الاجتماعي فتجد أن طريقة تقسيم الطرق ما بين البيوت والمباني من طرق رئيسية وفرعية يظهر عليه البناء بالكامل سواء كان منظما أو غير منظم بسبب طوبوغرافية المنطقة ليتجاوب معها حسب الفطرة ولا يتعدى عليها من خلال ترك مسارات الأودية والشعاب فترة الأمطار -مثلا- كما نلاحظ أن الإنسان العماني سابقا راعى تباعد المسافات حتى لا تؤثر عملية التنقل من نقطة إلى نقطة فمثلا توزيع المساجد في الحارة الواحدة تكاد تكون متباعدة بمسافات شبه متقاربة حتى لا يقطع الناس المسافات للوصول إليها، إضافة إلى أن البوابات في الحارة موزعة على أكثر من موقع لتسهيل الدخول والخروج وهذه بحد ذاتها مراعاة ساهمت في جعل الحياة أكثر سهولة في هذه المواقع.
وحول سؤال كيف حافظ الأجداد منذ ذلك الزمن على استدامة المباني كدليل وشاهد على ممارستهم هذا المنهج؟ يقول «العبري»: دائما يربط الأجداد أسلوب حياتهم بما يتوافق مع تلك الاستدامة؛ مثلا عند صيانة البيوت قبل وبعد مواسم الأمطار وأبسط الأمثلة قيام الأهالي برش الماء أمام البيوت حيث يعتقد البعض أنه مرتبط بتلطيف الجو أمام البيوت لكنه إضافة إلى ذلك فهو مرتبط بموازنة نسبة الرطوبة داخل البيت وخارجه للمحافظة على سماكة الجدران من الجهتين، كما تلاحظ ترابط البيوت وجدرانها دلالة على التشابك الاجتماعي القوي بين الأهالي فبعضهم يتزاورون حتى من خلال السطوح.
أما عن مسألة ترك الحداثة لهذه الحالات فأكد المهندس الدكتور هيثم العبري أن دخول المهندسين الغرب في التخطيط بداية وعدم معرفتهم لثقافة المجتمع فيما يتعلق باحتياجاته ورغباته هو السبب الرئيسي ويقول: الإنسان حينما وجد فرصة لبناء وتخطيط مسكنه فهو يكيّف وضعه بما يحتاجه ولكن الحداثة جاءت بتبعاتها كالسيارات والخدمات الأخرى.. لكن هل طُبْقت من مناهج الاستدامة في فترة دخول الحداثة في العمارة؟ طبعا لا لم تكن هناك أولوية في تطبيقها ولا تزال في تلك الفترة فكرة الاستدامة حديثة وغير مفهومة التطبيق ولكن يبقى من الضروري الرجوع إلى التراث بأسلوب المنهج بما يتماشى سابقا وهو مبني على القناعة والبساطة حيث لا يشكل كلفة عالية بل هو يتعامل مع الموارد الطبيعية قدر الاحتياج دون مبالغة وتكلف؛ فالاستدامة أسلوب حياة يبدأ من الإنسان نفسه فيطبقه في أسلوب حياته وطريقة تعايشه وتصميمه للمباني وطريقة احترامه للموارد التي يوظفها في البناء.
مفاهيم الأبعاد
متعمقا في المفهوم والأبعاد يقول الدكتور شهم رجب العلوش، أستاذ مشارك في الهندسة المدنية والمعمارية بجامعة السلطان قابوس ورئيس تحرير المجلة المحكمة الدولية Open House International: مما لا شك فيه أن الاستدامة الاجتماعية هي جزء أصيل من مفهوم التطوير المستدام، إلا أن التركيز كان -وما زال- على الاستدامة البيئية في العمارة والعمران. ولذلك نقول دائما «إن المبنى الذي لا يعتبره مستخدموه مستدامًا، هو مبنى غير مستدام» ولو كان صفري الطاقة، مؤكدين على ضرورة ربط التصميم المعماري والعمراني بالإرث الثقافي والهوية المحلية وذلك بالتزامن مع محاولة تحقيق الحد الأدنى من متطلبات الاستدامة البيئة خلال العملية التصميمية. إن العلاقة بين مفهوم المكان والتراث والاستدامة الاجتماعية في العمارة والعمران هي علاقة تكاملية وحدودية، وسوف نوضح هنا ما نقصده بهذا. ويضيف «العلوش»: من الأخطاء الدارجة أن التصميم المعماري والعمراني يعتمد على ثلاثة أبعاد، إلا أنها في الحقيقة مفاهيم رباعية الأبعاد وليست ثلاثية الأبعاد. الأبعاد الثلاثة الأولى معروفة للجميع ويمكن قياسها وهي الطول والعرض والارتفاع، أما البعد الرابع فهو بعد رمزي يمكن أن نسميه «الزمن» وهو ما يعطي للمكان قيمته المعنوية في أفئدتنا ويزيل عنا شعور الغربة حين اختِبارِنا لمبنى جديد. في الحقيقة فإن أي «فراغ» يتحول إلى «مكان» عندما يرتبط بمشاعر أحسسنا بها في فترة زمنية معينة في هذا الحيز أو مواقف اختبرها ضمن هذا الفراغ، والمقصود بالزمن كبعد رابع للعمارة والعمران هو الذاكرة التراكمية للمجتمعات من خبرات بصرية وتجارب فراغية أو ما يعرف بالتراث المعماري والعمراني. فهذا التراث يمثل خبرات تراكمية لأجيال طورت تصاميم على مستوى الأبنية والتجمعات الحضرية بشكل يتلاءم مع معطياتها من موارد وبيئة وعادات وثقافة دون إقحام عناصر تصميمية غير مبررة أو تركيبات فراغية مستوردة قد لا تتلاءم مع متطلبات القاطنين في هذا الأبنية والأحياء. إن إعادة توليد العناصر المعمارية والعمرانية والتركيبات الفراغية المستوحاة من التراث بطريقة عصرية يحافظ على التراكبية الهرمية للخصائص المحلية المعمارية والعمرانية من جهة، ويضمن خلق تواصل بصري وألفة فراغية بين مستخدمي المكان والمكان نفسه من جهة أخرى، ما يعزز الارتباط بالمكان (Place Attachment) ويحافظ على العادات والأعراف الاجتماعية التي انعكست تلقائيا على تصاميم المباني والأحياء التراثية.
ويشير الدكتور شهم العلوش إلى أن مفهوم الاستثمار التصميمي في التراث المعماري والعمراني وإعادة توليدهم بما يحفظ الهوية الثقافية والمعمارية والعمرانية للمجتمعات نابعٌ من متطلبات الاستدامة الاجتماعية وهذا المتطلب الأقل حظا من متطلبات الاستدامة الأخرى من استدامة بيئة واستدامة اقتصادية، ويقول: بالرغم من وجود تعريفات متعددة للاستدامة الاجتماعية فإنه من الصعب بمكان جمع عناصرها المختلفة في تعريف واحد حيث إنها مفهوم معقد ويشمل أبعادا متعددة مختلفة المستويات، إلا أن الاستدامة الاجتماعية تتمحور بصورتها العامة حول الإنسان وجودة الحياة وتوفير فرص مناسبة ومتساوية لتطوره وازدهاره بما يتناسب مع معتقداته وهويته الثقافية والمكانية. وهي بالتالي مقترنة بشكلٍ وثيق بربط الإنسان بمحيطة الثقافي والاجتماعي والبناء على موروثه المعماري والعمراني بما يحقق له الاستقرار ويعزز هويته واعتزازه بها.
ويؤكد «علوش» أن التراث ليس كتلة ثابتة بل هو كلٌ متحرك حيث يقول: يجب فهم الماضي لبناء الحاضر من أجل استشراف المستقبل لتحقيق استدامة اجتماعية. وبناءً على هذا الفهم، فلا نقصد أن على المعماريين إعادة تدوير العناصر المعمارية والفراغية التراثية لتحقيق الاستدامة الاجتماعية. لا بل يجب عليهم تحقيق فهم أعمق لمسببات هذه العناصر والتراكيب الفراغية وإعادة توليدها بما يتناسب مع معطيات العصر وتطلعات الشباب ونمط الحياة الحديثة في عصر الثورة الصناعية الرابعة. وإيمانا منا بأهمية فهم عمارتنا التراثية من أجل تحقيق استدامة مجتمعية فقد قمنا في أحد أبحاثنا بانتقاد الطريقة التقليدية في أبحاث وجهود توثيق المباني التراثية من حيث تركيزها الصرف والكاثوليكي على توثيق البُنية الملموسة للمباني (أشكال، حجوم، نقوش، مواد، الخ) مع إهمال جزئي أو كلي لفهم الجانب الفراغي كمنظومة مُتضمَّنة في العمارة التقليدية التراثية تعكس عادات القاطنين، والهرمية الاجتماعية، والتراتبية الوظيفية بطريقة يمكن قياسها رقميا وليست طريقة توصيفية محضة. وأخذنا عينة من البيوت العمانية في محاولة لإيجاد ما أسميناه «البصمة الفراغية». وقد وجدنا أنه بالرغم من اختلاف الظروف المناخية فإن البيوت العمانية في عينتنا تمتاز بتشابه في البنية الفراغية نتيجة العوامل الاجتماعية من خصوصية وضيافة وغيرهما. وأكدنا أن فهم البنية الفراغية للبيوت في المنطقة العربية ككل قد يعزز مقدرتنا على تصميم بيوت حديثة مُستدامة اجتماعيا وتحترم حاجاتنا وعاداتنا دون نسخ مج أو تقليد ممل لتصاميم أجدادنا، وأنه يجب تضمين هذا في الاشتراطات المعمارية لتصميم المنازل السكنية الحديثة كمساهمة في تحقيق مستوى أفضل من الاستدامة الاجتماعية.
العودة أمر ضروري
من جانبه يرى المعماري الجزائري هادف سالم، الباحث في التراث ورئيس مجلس إدارة مؤسسة تراثنا للدراسات والترميم بالجزائر أن العودة إلى التراث المادي والمعنوي أمر ضروري للحفاظ على تماسك مجتمعاتنا وتحقيق الاستقرار والاستدامة المادية والمعنوية، حيث يقول: عند التطرق لموضوع التراث في العالم العربي، فإنه علينا أن نفهم واقعنا التراثي الثقافي المختلف عن الواقع الغربي؛ لأن الدول العربية تميزت باستقرار واستدامة لتراثها المادي والمعنوي، المادي المتمثل في العمارة والعمران والمعنوي المتمثل بالزاد الثقافي الفني وبالعادات والنظم الاجتماعية والاقتصادية، وبالإبداع الإنساني في التوافق مع الطبيعة مادة وفكرا، لكن دولنا العربية وقعت تحت الاستعمار العسكري الذي أنشأ في أغلبها مدننا (قرى كولونيالية)، أدت إلى استحداث إطار عمراني ومعماري جديد وأيضا استحداث أنماط جديدة في الحياة وواقع تراثي ثقافي جديد، في العمران والمعمار والتراث اللامادي أي الاجتماعي والفني وفي علاقة الإنسان بمحيطه، وبمعنى آخر فإن تلك الفترة عملت على تغيير مادي عمراني معماري، وأيضا إنتاج نظم اجتماعية اقتصادية جديدة اصطدمت مع نظمنا الاجتماعية السائدة وأحدثت تدميرا فيها بل إن الأجيال الحالية تكاد تتخلى عن كثير منها.
ويضيف «هادف سالم»: نشأة التيار الحداثي في أوروبا وانتقاله لبلادنا ومن ثم نقده والتخلي عنه في الغرب ونشأة تيارات ما بعد الحداثة يعد أمرًا لافتًا علينا فهمه حيث إنهم فهموا أن التخلي عن التراث البشري بكل ما يحمله من مكونات مادية معمارية ولامادية اجتماعية واقتصادية أمر غير مجدٍ بل إنه أحدث أمراضا اجتماعية كبيرة في مجتمعاتهم الحداثية، لكن الحلول التي نبحث عنها تختلف تماما عن تلك التي يقترحها الغرب في العودة إلى التراث من جهة والبحث عن الاستدامة من جهة أخرى.
ويضيف المعماري الجزائري هادف سالم: لفت انتباهي مقال للمعماري الراحل حسن فتحي منذ عشرات السنين وهو يقول إنه آن الأوان للعودة لفهم تراثنا والتخلي عن التراث الغربي المعاصر الذي فُرض علينا قسرا، وما زلنا نبحث بعد عشرات السنين عن طرح التساؤل نفسه من دون إجابة ولا مخطط واضح للعمل! إذن علينا أن نفهم أن تراثنا الذي أوقف قسرا كان مندمجا مع الحياة الاجتماعية الاقتصادية والبيئة وصديقا لها ويحقق الاستدامة في العلاقة بين المادة والروح أو الإطار المعماري والعمراني والفني والإطار الاجتماعي والاقتصادي لبيوتنا ومدننا وفي الوقت نفسه هو يحافظ على شروط الاقتصاد المقبولة في التعريف الغربي للاستدامة، والسؤال الأهم هنا هو كيف يمكننا أن نتعامل مع مجتمع فقد الكثير من أسس هويته وتبنى تعاريف معاصرة فرضت عليه من العالم الغربي المختلف عن عالمنا، أي أن هويته الثقافية في صراع وكثير من دولنا العربية أعيد فيها طرح مسألة الهوية، فالموضوع الأول والأهم هو ثقافي واجتماعي قبل أن يكون ماديا، لقد لفت الإيطالي جيوفانوني في تعريفه للتراث إلى ضرورة صيانة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيش في الإطار الزماني والمكاني للمدن وللهياكل المعمارية. وفي ختام حديثه يرى الباحث في التراث ورئيس مجلس إدارة مؤسسة تراثنا للدراسات والترميم بالجزائر ضرورة العودة إلى التراث والتعريف به بشكل متكامل مادي ومعنوي والبناء عليه لتنظيم احتياجاتنا ومستقبلنا في هذا المجال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاستدامة الاجتماعیة العلاقات الاجتماعیة المعماری والعمرانی الأستاذ الدکتور الأماکن العامة أکثر استدامة مجلس إدارة فی العمارة إلى التراث العودة إلى کلما زادت إضافة إلى فی الحارة فی التراث بدولة قطر من خلال حیث إنه أکثر من من جهة کما أن فی ذلک حیث إن إلى أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
اقرأ غدًا في «البوابة».. خير صديق 2.. كتب رسمت الطريق للحاضر والمستقبل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تقرأ غدًا في العدد الخاص الجديد من جريدة «البوابة»، الصادر بتاريخ السبت 1 فبراير 2025:
خير صديق 2.. كتب رسمت الطريق للحاضر والمستقبل
«التطهير العرقى فى فلسطين» تاريخ من العنف والإبادة.. و«الحرب والسلام» ملحمة إنسانية
أفريقيا أرض خصبة للإبداع.. ونهر النيل شاهد على الحضارات المصرية
البوابة