أوروبا توافق على تشريع غير مسبوق لتنظيم الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أمس الجمعة على تشريع غير مسبوق على المستوى العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي بعد مفاوضات مكثفة بشأن التوازن بين حرية الابتكار والحفاظ على الأمن، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
فقد أعلن سفراء الدول السبع والعشرين "بالإجماع" عن الاتفاق الذي توصلوا إليه في ديسمبر/كانون الأول الماضي بين الدول وأعضاء البرلمان الأوروبي، وفقا لما أعلنته الرئاسة البلجيكية لمجلس الاتحاد الأوروبي.
وكانت المفوضية الأوروبية قدمت مشروعها الذي يحمل عنوان "قانون الذكاء الاصطناعي" في أبريل/نيسان2021، وأعطاها ظهور برنامج "شات جي بي تي" المطور من شركة "أوبن إيه آي" الناشئة في كاليفورنيا نهاية عام 2022، بعدا جديدا، مما ساهم في تسريع المناقشات.
وكشف هذا النظام -على غرار أنظمة أخرى قادرة على إنشاء الأصوات أو الصور أو النصوص- أمام عموم المستخدمين عن الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، لكن هذه التكنولوجيا تترافق أيضا مع مخاطر مختلفة، تشمل نشر صور زائفة تبدو واقعية للغاية، مما يثير مخاوف من الإمكانات الكبيرة للتلاعب بالرأي العام.
ورحب المفوض الأوروبي المسؤول عن هذا الملف تييري بريتون بالتشريع "التاريخي وغير المسبوق على مستوى العالم"، وقال: "لقد أثار قانون الذكاء الاصطناعي اهتماما كبيرا لأسباب محقة. اليوم وافقت الدول على الاتفاق السياسي الصادر في ديسمبر/كانون الأول، معترفة بالتوازن المثالي الذي وجده المفاوضون بين الابتكار والأمن".
وأبدت باريس وبرلين حرصا حتى النهاية على أن يحمي التشريع الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، حتى لا يمنع ظهور "أبطال أوروبيين" في هذا المجال في المستقبل. وقال دبلوماسيون لوكالة الأنباء الفرنسية إن المخاوف أُخذت في الاعتبار قبل وضع اللمسات النهائية على النص، وبذلك حصل البَلدان على توضيحات بشأن تطبيقه.
وأعرب وزير التكنولوجيا الرقمية الألماني فولكر فيسينغ عن سروره "لأننا حققنا تحسينات للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتجنبنا المتطلبات غير المتناسبة، وتمكنا من أن نضمن الحفاظ على القدرة التنافسية على المستوى الدولي".
واعتبر من جانبه وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك أن "هذا التشريع يتيح إمكان استغلال الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، مع أخذ المخاطر في الاعتبار. وفي تطبيقه سنؤكد على سهولة الابتكار والوضوح القانوني للشركات والحاجة إلى هياكل غير بيروقراطية".
غير أن أوساط عالم التكنولوجيا بدت أكثر حذرا، فقد قالت المسؤولة عن شؤون أوروبا في مجموعة الضغط "سي سي آي إيه" الناشطة في القطاع بونيفاس دو شامبري إن "الكثير من هذه القواعد الجديدة لا تزال غامضة ويمكن أن تبطئ تطوير التطبيقات المبتكرة ونشرها"، وحذرت من أن تنفيذ التشريع "بشكل جيد سيكون أمرا حاسما" حتى لا يفرض "عبئا" على القدرة التنافسية.
وقالت ماريان توردو بيتكر من جمعية "فرانس ديجيتال" الناشطة في القطاع الرقمي: إن التشريع "يُحدث التزامات كبيرة، على الرغم من بعض التعديلات على الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة"، وأعربت عن خشيتها من "حواجز تنظيمية إضافية ستفيد المنافسة الأميركية والصينية".
وفي ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ستُفرض قواعد على الجميع لضمان جودة البيانات المستخدمة في تطوير الخوارزميات والتحقق من أنها لا تنتهك تشريعات حقوق النشر، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وتفرض القواعد الأوروبية على المطورين التأكد من أن الأصوات والصور والنصوص المنتجة محددة بوضوح على أنها من نتاج الذكاء الاصطناعي، وستطبق قيود معززة على الأنظمة "عالية المخاطر" مرتبطة خصوصا بالبنى التحتية الحيوية والتعليم والموارد البشرية والحفاظ على النظام، إذ ستخضع لسلسلة من الالتزامات مثل توفير التحكم البشري في الآلة، أو التوثيق الفني للمؤسسة، أو تنفيذ المخاطر النظام الإداري.
وينص التشريع على إشراف محدد على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتفاعل مع البشر، مع واجب إعلام المستخدمين بذلك. وكالحال في القواعد الأوروبية الحالية بشأن سلامة المنتجات، يفرض النص ضوابط تعتمد في المقام الأول على الشركات. ويتضمن التشريع محظورات قليلة تتعلق بالتطبيقات المخالفة للقيم الأوروبية مثل تصنيف المواطنين، أو أنظمة المراقبة الجماعية المستخدمة في الصين، أو تحديد الهوية البيومترية عن بُعد للأشخاص في الأماكن العامة.
وفي ما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة، حصلت الدول على إعفاءات لبعض مهام إنفاذ القانون مثل مكافحة الإرهاب. وما زال يتعين على البرلمان الأوروبي أن يصادق بشكل نهائي على التسوية النهائية في الربيع والتي لم يعد من الممكن تعديلها، وستطبق قواعد معينة بعد ستة أشهر من اعتمادها، وبعد عامين بالنسبة للأحكام الأخرى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
هل تستطيع أوروبا المنافسة؟ الاتحاد الأوروبي يرسم مسارًا جديدًا لتعزيز مكانته الاقتصادية
بروكسل «د.ب.أ»: يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استعادة تفوقه الاقتصادي على الساحة العالمية من خلال استراتيجية جديدة تهدف إلى تحفيز الابتكار، والحد من الروتين، وتعزيز الصناعة النظيفة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه بروكسل إلى تحقيق النمو، يحذر نشطاء المناخ من تراجع التزامات أوروبا الخضراء، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في معرض تقديمها خارطة طريق تهدف إلى تعزيز تنافسية الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي: يمتلك الاتحاد الأوروبي كل ما يحتاجه للمضي قدمًا في السباق نحو القمة، ولكن في الوقت نفسه، يتعين علينا إصلاح نقاط ضعفنا لاستعادة القدرة التنافسية.
وما يطلق عليها «بوصلة التنافسية» هي عبارة عن استراتيجية اقتصادية تتضمن تحفيز الابتكار، وتعزيز الصناعة النظيفة وتقليص التبعية الخارجية كي يتمكن التكتل من منافسة القوى العالمية مثل الولايات المتحدة والصين.
وقالت فون دير لاين الأسبوع الماضي: على مدى السنوات الـ20، إلى الـ25، الماضية، اعتمد نموذج أعمالنا بشكل أساسي على القوى العاملة من الصين، والطاقة من روسيا، وجزئيا على الأمن والاستثمارات الأمنية عبر التعهيد (الاستعانة بمصادر خارجية). هذه الأيام قد ولت.
ومن أجل تخفيف الضغوط على الشركات، وجذب استثمارات جديدة، تعهدت المفوضية بتخفيض «غير مسبوق» للإجراءات الروتينة لتقليص الأعباء الإدارية وتبسيط التزامات الإبلاغ أمام الشركات والمؤسسات الكبيرة بنسبة 35%، و25% للشركات الصغيرة، وبحسب ما ذكرته فون دير لاين، من شأن تقليص الإجراءات الروتينية توفير أكثر من 37 مليار يورو (38.5 مليار دولار) للشركات الأوروبية سنويا.
وتستند خارطة الطريق التي أعلنتها المفوضية الأوروبية إلى تقارير صاغها العام الماضي اثنان من رؤساء وزراء إيطاليا السابقين، هما ماريو دراجي (2021-2022)، وإنريكو ليتا (2013-2014)، ودراجي خبير اقتصادي مخضرم، شغل منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي خلال الفترة من 2011 إلى 2019.
ووفق تقرير دراجي، سوف يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى استثمار ما يتراوح بين 750 مليار يورو و800 مليار يورو سنويًا لسد الفجوة مع منافسيه وتحقيق نمو اقتصادي جديد.
وعرف نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية لشؤون الازدهار والاستراتيجية الصناعية ستيفان سيجورني «بوصلة التنافسية» بأنها «العقيدة الاقتصادية» للسنوات الخمس المقبلة، وأوضح أنها ستترجم إلى «تبسيط أولوياتنا الاقتصادية والاستثمار فيها، وتسريع وتيرتها»، وهي «في قلب كل يورو نستثمره».
تحفيز الابتكار والنمو «الأخضر» والأمن الاقتصادي وتتضمن «بوصلة التنافسية» سلسلة من المبادرات، لم يتم بعد تحويلها إلى مقترحات تشريعية ملموسة، وتتمثل الضرورة الأولى بالنسبة لبروكسل في سد فجوة الابتكار مع قوى مثل الولايات المتحدة والصين، وخلق بيئة تشجع نمو الشركات الأوروبية الناشئة، خاصة في القطاعات الاستراتيجية، والتي تشهد تباطؤا في الوقت الحالي بسبب صعوبة الحصول على رأس المال، واللوائح التنظيمية المعقدة، وبحسب رئيس اتحاد الصناعات في جمهورية التشيك، يان رافاج، ركزت المفوضية في الآونة الأخيرة على التنظيم بقدر أكبر من تركيزها على دعم النمو الحقيقي لعمالقة التكنولوجيا الأوروبية.
وقال رافاج: لا توجد شركة أوروبية واحدة ضمن أكبر عشر شركات عملاقة في العالم.
وقالت النائبة البلغارية في الاتحاد الأوروبي إيفا مايدل للموقع الإخباري البلغاري «كلوب زي»: إن شركات الطيران والنقل في بلادها يمكن أن تستفيد من ذلك، وضربت أمثلة بشركتي «إندوروسات» و«دروناميكس».
يشار إلى أن «إندوروسات» هي واحدة من أسرع الشركات البلغارية نموا في مجال صناعة الأقمار الاصطناعية النانوية، وهي أيضا رائدة في قطاع الفضاء بالبلاد.
أما شركة «دروناميكس»، فهي أول شركة طيران للشحن بدون طيار تحصل على رخصة للعمل في أوروبا، والهدف الرئيسي الثاني هو إزالة الكربون من الصناعة.
وتتمثل القوة الموجهة الرئيسية لهذا الهدف في خطة لصناعة نظيفة، ينتظر أن تكشف بروكسل النقاب عنها أواخر فبراير الجاري، ومن المقرر كذلك وضع خطة عمل من أجل «طاقة ميسورة التكلفة»، وتحديث قانون المناخ الأوروبي.
وتتضمن التدابير المدرجة في هذا الفصل: مراجعة الضريبة المناخية على واردات ثاني أكسيد الكربون، والترويج لقانون يتعلق بالاقتصاد الدائري، ونشر استراتيجية الموانئ، ومواصلة الحوار الذي بدأ مع قطاع صناعة السيارات.
وقال ممثلون عن السياسة في سلوفينيا، وبنك الاستثمار الأوروبي، وأيضا خبراء اقتصاد، وعلماء في حلقة نقاشية نظمها مؤخرا «مكتب اتصال البرلمان الأوروبي في سلوفينيا»: إن الابتكار في هذا القطاع تأخر بشكل رئيسي بسبب القرارات السياسية على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأشاروا إلى ضرورة تكييف/مواءمة/تعديل مثل هذه التدابير.
ويتمثل الهدف الثالث، بحسب المفوضية، في علاج التبعية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي، وسط «نظام اقتصادي عالمي ممزق بسبب المنافسة الجيوسياسية والتوترات التجارية»، حيث يواجه الاتحاد الأوروبي منافسة غير عادلة من القوى التي تقيد الوصول إلى أسواقها في حين أنها تغرق السوق الأوروبية بالسلع التي يتم إنتاجها استنادًا لدعم حكومي هائل.
ومن أجل تمويل سبل تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي، أوصى دراجي بأن يقوم التكتل بتمويل الاستثمارات جزئيا عبر الاقتراض المشترك، على غرار أداة «الجيل القادم» التاريخية التي جرى تصميمها من أجل التعافي من تداعيات جائحة «كوفيد-19»، ولطالما دعا رئيس وزراء البرتغال لويس مونتينيجرو، على سبيل المثال، إلى زيادة موازنة الاتحاد الأوروبي بمزيد من مساهمات الدول الأعضاء، وبإصدار دين مشترك جديد، ومن خلال المزيد من الأموال الخاصة حتى يتمكن الاتحاد الأوروبي من الاستثمار في المجالات ذات الأولوية.
وطلب مونتينيجرو في رسالة بعث بها إلى فون دير لاين الخريف الماضي، تعزيز الإطار المالي متعدد السنوات للاتحاد الأوروبي (موازنة الاتحاد الأوروبية طويلة الأجل)، اعتبارا من عام 2028، ورغم ذلك، لطالما ساورت الشكوك دولا مثل ألمانيا وهولندا بشأن تحمل المزيد من الديون المشتركة.
دعاة المناخ في موقف الدفاع وفي الوقت الذي يحول فيه الاتحاد الأوروبي تركيزه إلى تعزيز القدرة التنافسية لدوله الأعضاء الـ27 في مواجهة التحديات العالمية، يحافظ نشطاء المناخ والبيئة على يقظتهم فيما يتعلق بتوافق التدابير الجديدة مع الطموحات الخضراء طويلة الأمد للتكتل.
ووفقًا لوزير البيئة البولندي السابق، مارسين كوروليتش، فإن بوصلة التنافسية «لا تعالج بوضوح الحاجة إلى الاستثمار الواسع في التكنولوجيا النظيفة، وحلول الطاقة الرخيصة».
وأضاف كوروليتش، الذي يرأس الآن مركز أبحاث للاقتصاد الأخضر: لا يمكن لنا أن نغفل الدور المحوري للاستثمارات المستهدفة في تحقيق القدرة على تحمل تكاليف الطاقة والقدرة التنافسية طويلة الأجل ضد الصين والولايات المتحدة.
وترى آنا ستيلينجر، مديرة الشؤون الدولية وشؤون الاتحاد الأوروبي في اتحاد الشركات السويدية،أن الخفض «الكبير» للروتين من شأنه أيضًا أن يفيد الطموحات الخضراء.
وقالت ستيلنجر: من المهم للغاية الحفاظ على طموحاتنا وعلى أهدافنا... استثمرت شركاتنا الكثير (في ذلك)، ولكن يجب أن تكون القواعد أسهل، ووفقًا لاتحاد الصناعات في جمهورية التشيك، يتعين أن تأخذ الأهداف المناخية الأوروبية في الحسبان الظروف المختلفة في كل دولة من الدول الأعضاء، على نحو منفصل، والتوفر الواقعي لتقنيات إزالة الكربون.
ويرى رئيس الاتحاد، يان رافاج أنه لا يمكن إزالة الكربون من جميع القطاعات بالسرعة التي تتطلبها التشريعات الأوروبية الحالية، وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين على أن الاتحاد الأوروبي لن يغير مساره، بل إنه سوف يلتزم بهدفه المتمثل في أن تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2025.
وقالت فون دير لاين: أود أن أكون واضحة جدا... دون شك، سوف يتمسك الاتحاد الأوروبي بمسار أهداف الاتفاق الخضراء، ومن أجل تعزيز تنافسية الاتحاد الأوروبي في مجال تقنيات الحياد الكربوني، المعروف باسم «صافي صفر انبعاثات»، من المتوقع أن تكشف المفوضية الأوروبية عن «اتفاق الصناعة النظيفة» - والذي يركز في المقام الأول على الانتقال إلى التكنولوجيات النظيفة مثل مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى خطة لخفض أسعار الطاقة بشكل واسع، وينتظر أن تكشف المفوضية الأوروبية عن اتفاق الصناعة النظيفة يوم 26 فبراير الجاري.