كييف- حديث الساعة في أوكرانيا اليوم لا يتعلق بمسار الحرب، بل بتكهنات حول عزم الرئيس فولوديمير زيلينسكي إقالة رئيس هيئة الأركان الجنرال فاليري زالوجني من منصبه الذي جعله على مدار عامين من أهم وأبرز شخصيات البلاد.

طُرِحَت فكرة الإقالة أواخر العام الماضي، ويبدو أن الخلاف بين الرئيس وزالوجني تفاقم لدرجة دفعت عددا من النواب والمسؤولين إلى تأكيد الإقالة وأنها تمت بالفعل، أو باتت حتمية وشيكة.

مؤسسات الرئاسة والجيش والبرلمان لم تعلق رسميا، ولكن مع تكرار الأخبار والنقاشات حولها يبدو أن هناك مشكلة حقيقية تسببت في حدوث جدل في الشارع وعلى وسائل التواصل، بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، وآخرين يناقشون الأسباب التي أوصلت العلاقة إلى هذا الحد.

مؤسسات الرئاسة والجيش والبرلمان لم تصدر أي تصريحات رسمية بشأن إقالة رئيس الأركان (الأوروبية) تفاعلات شعبية

استبق الرافضون خطوة إقالة رئيس الأركان من خلال عريضة إلكترونية على موقع الرئاسة. ولم يمض وقت طويل حتى تجاوز عدد الذين وقعوا العريضة 25 ألف شخص، وهو الحد الأدنى المطلوب لإلزام زيلينسكي بمراجعة العريضة دون تجاهلها.

أما المؤيدون، فيجمعون حول فكرة أن "زالوجني لم يستطع تغيير مسار الحرب جذريا لصالح أوكرانيا، منذ أن تقدمت قواتها في مقاطعة خيرسون (جنوب) أواخر العام 2022، والعمليات المضادة التي قادها عام 2023 لم تصل إلى أي نتيجة تذكر".

ومن المتوقع أن عملية إقالة هذا المسؤول العسكري الرفيع لن تكون سهلة، وقد يتسبب ذلك في تفاعلات شعبية غاضبة قد لا تشبه أي تفاعلات سابقة منذ بداية الحرب الروسية على البلاد.

إعلان في ميدان الاستقلال بكييف يشبه القتال ضد الروس بقتال الوحوش في فيلم "سيد الخواتم" (الجزيرة) أسباب الخلاف

غير أن الخبراء السياسيين والعسكريين يشيرون إلى عدة أسباب تراكمت معا حولت العلاقة بين زيلينسكي والجنرال من خلاف إلى صراع، ويمكن تلخيص تلك الأسباب في ما يلي:

الرقابة العسكرية على المسؤولين: قد يكون هذا هو أول خلاف ظهر علنا بداية صيف 2022، حيث طالبت هيئة الأركان المسؤولين الشباب في سن الخدمة العسكرية بالحصول على إذن من الشعب لمغادرة البلاد، وهذا الأمر دفع زيلينسكي للتدخل ورفض الطلب، ثم أكد فيما بعد وحدة صف مؤسسات الدولة. تباين حاد في وجهات النظر: تم الكشف عن هذا التباين لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عندما نشر زالوجني مقالا في مجلة إيكونوميست البريطانية حول عدم قدرة أوكرانيا على تحقيق تغيير جذري في الوضع الحالي في صالحها، وعما تحتاجه لتحقيق ذلك.

وقد أغضب المقال زيلينسكي بشدة حينها، لاسيما وأنه كان قد أكد أن الوضع لم يصل -بأي حال من الأحوال- إلى طريق مسدود، وعندها انتقد الجنرال صراحة، وعلنا لأول مرة.

لكن الأمر تكرر بعد ذلك، فيما يتعلق بنظرة كليهما إلى عدة قضايا، بدءا من حجم الدعم الغربي المطلوب، مرورا بسير العمليات المضادة وتعثرها، وانتهاء بالحاجة لتعبئة مئات الآلاف من الجنود.

دعم الغرب وتعثر العمليات: اختلف زيلينسكي وزالوجني بوضوح حول حجم الدعم المطلوب لإطلاق العمليات المضادة ضد الوجود الروسي عام 2023.

فريق الرئاسة كان يصور أن تلك العمليات، بمجرد أن تبدأ، ستحرق الأخضر واليابس حيث يوجد الروس على أراضي أوكرانيا، أما زالوجني فكان ينتقد رسم "قوس قزح" ويؤكد أن أوكرانيا لم تتلق كل حجم الدعم المطلوب، وأن الغلبة ستبقى للروس ما دامت السماء الأوكرانية تحت سيطرتهم.

ومع ذلك، يرى الكثير أن زالوجني يتحمل مسؤولية مباشرة عن فشل تلك العمليات بصفته رئيسا للأركان، لكن آخرين يرون أنه "الأفضل لدى شركاء الغرب" بحكم مهنيته ووضوحه وما حققه على الأرض.

الصراع على الشعبية: لمع نجم زالوجني مع بداية الحرب، وزاد لمعانا بخروج القوات الروسية من شمال البلاد ومساحات واسعة شرقا وجنوبا، ولهذا يرى الكثير أنه بات ندا حقيقيا للرئيس الذي تفرد بشعبية مطلقة مع بداية الحرب.

يقول أوليكسي هاران رئيس مركز للتحليل السياسي للجزيرة نت "أعتقد أن هذا سبب رئيس حول الخلاف لصراع، وأن زالوجني أصبح خطرا فعليا على مستقبل زيلينسكي السياسي، فقد لمح إلى إمكانية دخول عالم السياسة، والأمر قد يؤثر في زيلينسكي، خاصة إذا جرت انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس/آذار المقبل كما هو مقرر ومتوقع".

ويلمح الخبير العسكري والعقيد بقوات الاحتياط، أوليغ جدانوف، إلى ذلك من زاويته، فيقول للجزيرة نت "زيلينسكي تحدث عن الحاجة لتعبئة نصف مليون جندي، وزالوجني نفى مستبعدا الحاجة إلى تعبئة بهذا الحجم حاليا. الأحزاب أيضا تطرح قوانين للتعبئة، وتفشل بإقرار أي منها. يبدو أن كسب الشعبية والتأييد يشغل الجميع، بعيدا عن الحقيقة والواقع وما نريد".

مخاوف الشارع الأوكراني

يتخوف الشارع الأوكراني من نتائج هذا الخلاف، وكل ما يدور حوله من حقائق أو شائعات، ويكاد يجمع على أنها ستكون سلبية على البلاد في خضم الحرب.

الشاب أنتون يقول للجزيرة نت "أنا من أنصار الرئيس زيلينسكي، لكن الأمر يشكل مصيبة في غير وقتها. الاثنان عملا معا وكسبا ثقة وتأييد الجميع. آمل ألا يحدث تصدع، وأن تكون مجرد شائعات تافهة".

وتقول الشابة أوليكساندرا "الإقالة ستكون خطأ فادحا يقترفه زيلينسكي. دور زالوجني العسكري مهم ولم ينته، زيلينسكي هو من أدى دوره بشكل جيد، لكنه لم يعد يستطع تقديم المزيد".

وتقول فالينتينا "آمل ألا يؤثر ذلك على مسار الحرب لصالح روسيا، الغرب لن يدعمنا إذا دب الخلاف، وطال بين القادة، عليهم تحمل المسؤولية بشرف، والترفع عن أي مصالح شخصية في سبيل شعبهم المسكين".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

أوكرانيا المنهكة.. هل تستطيع تحمل سنة حرب إضافية؟

تقترب الحرب الأوكرانية من دخول عامها الثالث بخسائر فادحة على كلا طرفي الصراع، لكن الثمن الذي تدفعه كييف أكبر بكثير، فهي تفقد أراض باستمرار، وبات جنودها متعبون من القتال المستمر، ويطرحون سؤالاً ملحاً، هل نستطيع مع هذا الإنهاك تحمل سنة حرب إضافية؟

وللإجابة عن ذلك السؤال محوري، تقول "بي بي سي" في تقرير لها، إن القوات الأوكرانية في شرقي البلاد لا زالت تقاتل ولو بالحد الأدنى المتوفر، لكن الجنود محاصرون تقريباً بالقرب من بلدة كوراخوف التي باتت مسرحاً لمعارك هي الأعنف في الصراع الطويل. 

كما يجيب متطوعون أوكرانيون بينهم طاه وميكانيكي ومطور ويب، وفنان، ويطلقون على أنفسهم اسم أناركيين وهم منخرطون في القتال ضد روسيا بطريقتهم الخاصة.

10 سنوات أخرى 

ويقول قائد المجموعة البالغ من العمر 31 عاماً، وهو منخرط في القتال منذ بداية الحرب في فبراير (شباط) 2022، "في البداية كنت أعتقد أن الحرب ستستمر ثلاث سنوات، والآن، أجهز نفسي ذهنياً لعشر سنوات أخرى من القتال".

ويعلم جميع هؤلاء المقاتلين أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يريد إنهاء الحرب، وقد أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي إلى استعدادهما للمحادثات أيضاً، ولكن فكرة التوصل إلى اتفاق عملي تبدو صعبة الآن. 

ولا يرفض قائد المجموعة الأوكرانية طرح ترامب، ويقول، "إنه شخص طموح للغاية وأعتقد أنه سيحاول القيام بذلك، لكنني قلق بشأن نتيجة أي مفاوضات".
ويضيف، "نحن واقعيون، ونفهم أنه لن تكون هناك عدالة لأوكرانيا - سيتعين على الكثيرين أن يتقبلوا حقيقة أن منازلهم دمرت بالصواريخ والقذائف، وأن أحباءهم قتلوا، وسيكون هذا صعباً".
وعند سؤاله عما إذا كان يفضل التفاوض أو الاستمرار في القتال، أجاب القائد بشكل حاسم، "استمر في القتال، لأن المفاوضات لن تؤدي إلا إلى تجميد الحرب مؤقتاً وسيعود الصراع في غضون عام أو عامين".
ويعترف المقاتلون بأن الوضع الحالي "ليس جيداً" بالنسبة لأوكرانيا.  

أما ديفيد، وهو فنان ومقاتل، فيعتقد أن ترامب لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، فقد يكون إما جيداً جداً أو سيئاً جداً بالنسبة لأوكرانيا".

وتقضي المجموعة المتطوعة أسبوعاً على الجبهة ثم تستريح في الأسبوع التالي، ولكن حتى عندما يستريحون، يستمرون في التدريب، لأنهم يقولون إن ذلك يبقيهم متحفزين.

تفاوض جدي

وعلى عكس الآخرين، يقول دينيس وهو أحد أعضاء المجموعة المتطوعة، إنه يعتقد أن أوكرانيا يجب أن تفكر على الأقل في وقف إطلاق النار بسبب الخسائر الكبيرة والتي هي أعلى من تلك التي اعترفت بها الدولة رسمياً في أرقامها المعلنة المشيرة لأكثر من 400 ألف قتيل وجريح. 

تقرير.. خطط ترامب للسلام في أوكرانيا تثير التساؤلات - موقع 24أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الأسبوع الماضي أنه اختار الفريق أول المتقاعد كيث كيلوج للإشراف على ما من المرجح أن يكون أحد أبرز ملفات السياسة الخارجية في الإدارة المقبلة: محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا.

ويعتقد أيضاً، أن حشد المزيد من السكان لن يحل المشكلة.
يقول، "أعتقد أن الكثير من الجنود المتحمسين إما ضائعون أو مرهقون للغاية، وبالنسبة لي لا نريد وقف إطلاق النار، لكننا لا نستطيع الاستمرار لسنوات عديدة أخرى".

وتعكس مدينة دنيبرو، ثالث أكبر مدينة في أوكرانيا، هذا الشعور بالتعب من الحرب أيضاً. فهي مستهدفة بانتظام بالصواريخ والطائرات بدون طيار الروسية.

وتدوي صفارات الإنذار من الغارات الجوية بشكل متقطع، ليلاً ونهاراً. وعندما تصمت، يحاول الأوكرانيون ممارسة حياتهم الطبيعية في هذه الأوقات غير الطبيعية، بما في ذلك الذهاب إلى المسرح. 

ويأمل سكان غير مسلحين، بوقف إطلاق النار، قائلين: "للأسف، أصبح عددنا أقل. نحن نحصل على بعض المساعدة، لكنها ليست كافية ــ ولهذا السبب يتعين علينا الجلوس والتفاوض".
وتقول كسينيا: "لا توجد إجابة سهلة. لقد قُتل الكثير من جنودنا. لقد قاتلوا من أجل شيء ــ من أجل أراضينا. لكنني أريد أن تنتهي الحرب".
وتشير استطلاعات الرأي أيضاً إلى أن هناك دعماً متزايداً للمفاوضات.

مقالات مشابهة

  • جدل اتحاد الكرة.. ما حقيقة الاجتماع المغلق للإطاحة بـ عدنان درجال؟
  • أوكرانيا المنهكة.. هل تستطيع تحمل سنة حرب إضافية؟
  • 3 تطورات رئيسة في حرب أوكرانيا عام 2024
  • الجيش الأوكراني يسقط 21 طائرة مسيّرة روسية
  • زيلينسكي يبحث مع ترودو مواصلة دعم أوكرانيا
  • زيلينسكي يبحث مع ترودو مواصلة دعم أوكرانيا مع اقتراب رئاسة كندا لمجموعة الدول السبع
  • زيلينسكي: روسيا هاجمت أوكرانيا بأكثر من 370 طائرة مسيرة الأسبوع الماضي
  • إسرائيل: رئيس الأركان أمر بالاستعداد لتوسيع الحرب في قطاع غزة وتعزيز القوات
  • زيلينسكي يعلن وفاة جنود كوريين شماليين أسرتهم أوكرانيا متأثرين بجراحهم
  • زيلينسكي: جنود كوريون شماليون لقوا حتفهم بعدما أسرتهم أوكرانيا