جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-18@08:12:17 GMT

الزلزال الذي أصاب بيت العرب في مقتل!

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

الزلزال الذي أصاب بيت العرب في مقتل!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

تتجه الأنظار إلى جامعة الدول العربية كلمّا حلت مصيبة بالعرب، باعتبارها البيت الكبير الذي يضم أكثر من عشرين دولة عربية؛ لكونها تعد واحدة من أقدم التجمُّعات القومية في العالم؛ لأمة عربية خالدة بعثها الله رحمة للناس جميعاً؛ فدينها الإسلام في المجمل ولغتها لغة الضاد من المحيط إلى الخليج، وعلى الرغم من ذلك، لم تحظَ هذه الجامعة يومًا ما برضا المواطن العربي.

لقد أصاب هذا الكيان الضعف والوهن بسبب الخلافات العربية التي تزامنت مع ظهورها مباشرة بين ما يعرف بالتيارات القومية العربية والتي تقودها في ذلك الوقت تيارات البعث والناصرية من جانب، والأنظمة التقليدية في الوطن العربي التي تقودها دول الخليج والممالك الأخرى كالأردن والمغرب من جانب آخر. ولا شك أنه كانت الغاية النبيلة  للعرب في ذلك الوقت- الذين خرجت بلدانهم من قبضة السيطرة الأجنبية والنفوذ الدولي في الأربيعنيات من القرن الفائت- العمل كفريق واحد نحو الوحدة والاندماج لتأسيس كيان عربي موحد أمام القوى الاستعمارية التي كانت وما تزال طامعة بثروات العرب والسيطرة على قراراتهم السيادية ومصير أجيالهم ومستقبلهم السياسي والعسكري. فقد اتخذت هذه الرابطة التي أطلق عليها "بيت العرب الكبير" قلب الوطن العربي النابض القاهرة مقرًا لها، وكان من أهداف هذه الرابطة أيضًا النهوض بالإنسان العربي والارتقاء به في مختلف المجالات التنموية والاقتصادية والثقافية، والأهم من ذلك كله معاهدة الدفاع العربي المشترك التي وقعت عليها الدول الأعضاء في عام 1950 في القاهرة؛ لكي تقوم بالدفاع عن الأمن القومي العربي على امتداد الوطن العربي الكبير، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؛ إذ لم يتحقق إلا القليل من طموحات العرب وآمالهم نحو الوحدة الشاملة.

دور الجامعة في المحافل الدولية غير ملموس، ووجوده كعدمه، والأسوأ من ذلك كله أن 75% من المشردين واللاجئين في هذا العالم هم من العرب؛ بل أصبح الدم العربي الذي يُراق في كل الطرقات، الأرخص على الإطلاق في هذا الكون؛ سواءً كان ذلك من الصهاينة في فلسطين المحتلة أو التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الدين الإسلامي غطاءً لها في العراق وسوريا أو الأنظمة المستبدة التي تقتل وتسجن لتبقى في السلطة بأي ثمن ولو كان ذلك فوق جثث ضحاياها في العديد من الدول العربية. والأخطر من ذلك كله تخاذل الجامعة العربية عن الدفاع الأمن القومي العربي في معظم الحالات؛ إذ تحولت تلك المعاهدات إلى حبر على ورق فقط.

هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنَّه لا توجد اجتماعات قمة طارئة ودورية أو على مستوى وزراء الخارجية، ولكن كانت نتائج تلك القرارات طوال العقود الماضية لا تساوي قيمة الحبر المكتوب بها تلك البيانات التي تهدف بالدرجة الأولى ذر الرماد في العيون؛ بل إنها في الخانة الصفرية ولا أحد ينتظر منها فائدة تذكر. ومع مرور الأيام أصبح يشار إلى هذا البيت العنكبوتي المتصدع بهذا المعنى؛ هنا تجتمع الحكومات العربية على ديباجة معروفة "اتفق العرب ألا يتفقوا".

لقد كشفت الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة قلة حيلة هذه الرابطة واستسلامها للأقدار الصعبة، على الرغم من أنها على مرمى حجر من قطاع غزة، بينما تقوم جمهورية جنوب أفريقيا بالدور المفترض للجامعة والمتمثل في تقديم الصهاينة المجرمين من الحكومة وقادة الجيش الإسرائيلي إلى العدالة الدولية في محكمة العدل الدولية، في غياب كامل للعرب عن المشاركة في هذا الشرف العظيم؛ بل وحتى جميع منظماتهم الحقوقية التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان العربي غابت. وقد أحدث هذا الموقف زلزالًا كبيرًا في نفوس الجماهير العربية وكان ذلك بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على هذه الجامعة ومستقبلها المخيب للآمال.

لا شك أن قوة العرب في وحدتهم وتكاتفهم ونبذهم للخلافات والضغائن بين الإخوة والأشقاء الذين تربطهم علاقة النسب والمصير الواحد والتاريخ المشترك وروابط الدم الواحد، فهم يشكلون أكثر من 5% من سكان المعمورة، بينما تشكل مساحة الوطن العربي حوالي 10% من المساحة الكلية للعالم.

أثمن ما يملكه العرب اليوم هو الموقع الجغرافي الفريد المتمثل في المضاييق الاستراتيجية في العالم مثل: باب المندب ومضيق هرمز وقناة السويس وجبل طارق، والأهم من ذلك كله الموارد الطبيعة والنفط والغاز، والأرصدة المالية في البنوك الأجنبية التي قد لا تعود لأصحابها يومًا، فكان من المفترض أن تستخدم كل تلك المزايا المتمثلة في القوة الضاربة للعرب في الضغط على الدول الغربية المساندة لإسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة بل وحتى التهديد والتلويح بذلك. أين نحن اليوم مما تم اتخاذه في حرب أكتوبر 1973 عندما قال الملك فيصل- طيب الله ثراه- قولته المشهورة "البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي"؛ إذ تم إغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية وقطع النفط العربي عن أمريكا والدول الغربية المساندة للصهاينة.

في الختام.. يجب التذكير بأن الذي ينقص العرب في هذه المرحلة التي تتعرض فيها الأمة العربية للخطر الوجودي؛ هي الإرادة الصادقة باستقلال القرار العربي وتوحيده لتحقيق أهداف الشعوب العربية في الحياة الكريمة بعيدًا عن الإملاءات الأجنبية من الشرق والغرب، ولعل وقف الإبادة بشكل سريع، كما إن فك الحصار الظالم عن الأشقاء في غزة هو الطريق الوحيد للنهوض من مستنقع الذل، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلّا بالتمسك بديننا الحنيف وقيمنا الخالدة والوقوف صفًا واحدًا أمام الأعداء.. وهنا استحضر حكمة خليفة المُسلمين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قال: "نحنُ قومٌ أعزّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العِزّة بغيره أذلّنا الله".

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)

صادق سريع

هذه الرواية تصف الحال بدقة: “تسقط قطرات المطر كدموع أهل غزة، الأطفال تصرخ من شدة البرد، والبطون تتألم من الجوع، والخيام تتطاير من عواصف الريح، وهكذا وضع كل من في غزة خائفا، جائعا، بردانا، متعبا، ومنهكا”.

ما يريد القائل قوله: “إن غزة تقاتل المستعمرين القدامى والجدد نيابة عن العرب والمسلمين المتفرجين، بينما عجز العالم عن تدفئة طفل رضيع يرتجف من البرد تحت خيام غزة!”.

وهكذا قالت نازحة – في حالة غضب: “إن رجفة الطفل برداً في غــزّة، أشرف وأكرم من رجفة عبداً متخاذل أمام سيّده!”.

في الخيمة المقابلة، لم تتمكن طفلة من إيجاد رغيف تسد به رمق الجوع، فرسمت قرص الخبز، لكن هل الرسم يُشبع!؟ يا الله ما هذا البلاء.

طفلة أخرى طلبت من أمها حبة فاكهة تأكلها، فردت الأم بحسرة – حاولت أن تخفي ملامحها عن الأبنة الصغيرة: “سنأكلها فى الجنة”، فأخرجت طفلتها قلما مكسورا، وقالت لأمها بلهجة براءة الطفولة: “بدي أكتب على الورقة كل الفواكه، وأطلبها من ربنا لمن نروح الجنة”، لا حول ولا قوة إلا بالله..

في غزة فقط، الناس تنصح أولادها: “يا بابا متلعبوش، وتجروا كثير، عشان ما تجوعوا”.. وتباع وتشترى الخضروات والطحين بالجرام، وينام الناس بالشوارع في برد الشتاء، وتحت سعير نيران القذائف التي تسقط في كل مكان، وتقام ولائم العزاء بلا توقف بكل الأوقات في كل البيوت المدمرة والخيام الممزقة ونحيب بكاء المدينة بأكملها، كأنها تعيش أكبر مآتم التاريخ.

كل شيء في غزة يدعوك للبكاء، نازحة في شمال غزة حصلت على كيس خبز ؛ يا الله ما هذه الفرحة التي غيرت ملامح وجهها العابس مُنذ سنة !؟ كأنها حصلت على كنز ثمين بعد عام كامل!!

يقول قائل من غزة، عن قول أمه (وأمه امرأة لا تكذب) إنها قالت له: “ستفرج ذات يوم”.

وهكذا يستغيث أهل غزة، أيها العالم الأصم : “تجمدنا في الخيام؛ هل تسمعون صرخات الأطفال والنساء؟”.

ويخاطبون أمة محمد – عليه الصلاة والسلام: “من يحمل الهم عنا، ومن يقاسمنا الثِقل؟ سامحونا -يا معشر المسلمين- فلن نسامحكم ولن نغفر خذلناك وخيانتكم وصمتكم يوم الحساب”.

وأنا أقول: “تحدثوا – يا أمة الإسلام – أن غزْة تُباد، تحدثوا ليكون كلامكم شاهداً لكم لا عليكم يوم الحساب”.

سلاماً على غزة حتى يطمئن أهلها، وتبرد نارها، ويدفأ بردها، وتطيب جراحها، وينتصر رجالها، ويخرج غزاتها.

* المقال يعبِّر عن رأي الكاتب

مقالات مشابهة

  • العالقون يصرخون تحت الأنقاض.. مقتل 14 ودمار واسع جراء زلزال فانواتو
  • مشروعات مصر القومية تحصد على الإشادة في مؤتمر الإسكان العربي بدولة الجزائر
  • وزير الإسكان يستعرض مشروعات الدولة للتنمية العمرانية بالمعرض المصاحب لمؤتمر الإسكان العربي بالجزائر
  • انطلاق أشغال مؤتمر الإسكان العربي الثامن
  • البرلمان العربي يشيد بالجهود والإنجازات التي حققتها سلطنة عمان في مجال حقوق الإنسان تحت قيادة السلطان هيثم
  • المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)
  • وزير الإسكان يتجه إلى جمهورية الجزائر الشقيقة للمشاركة في فعاليات مجلس وزراء الإسكان العرب ومؤتمر الإسكان العربي الثامن
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
  • قصائد وقصص وجدانية بتبوك احتفاءً بيوم اللغة العربية
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته