الزلزال الذي أصاب بيت العرب في مقتل!
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
تتجه الأنظار إلى جامعة الدول العربية كلمّا حلت مصيبة بالعرب، باعتبارها البيت الكبير الذي يضم أكثر من عشرين دولة عربية؛ لكونها تعد واحدة من أقدم التجمُّعات القومية في العالم؛ لأمة عربية خالدة بعثها الله رحمة للناس جميعاً؛ فدينها الإسلام في المجمل ولغتها لغة الضاد من المحيط إلى الخليج، وعلى الرغم من ذلك، لم تحظَ هذه الجامعة يومًا ما برضا المواطن العربي.
لقد أصاب هذا الكيان الضعف والوهن بسبب الخلافات العربية التي تزامنت مع ظهورها مباشرة بين ما يعرف بالتيارات القومية العربية والتي تقودها في ذلك الوقت تيارات البعث والناصرية من جانب، والأنظمة التقليدية في الوطن العربي التي تقودها دول الخليج والممالك الأخرى كالأردن والمغرب من جانب آخر. ولا شك أنه كانت الغاية النبيلة للعرب في ذلك الوقت- الذين خرجت بلدانهم من قبضة السيطرة الأجنبية والنفوذ الدولي في الأربيعنيات من القرن الفائت- العمل كفريق واحد نحو الوحدة والاندماج لتأسيس كيان عربي موحد أمام القوى الاستعمارية التي كانت وما تزال طامعة بثروات العرب والسيطرة على قراراتهم السيادية ومصير أجيالهم ومستقبلهم السياسي والعسكري. فقد اتخذت هذه الرابطة التي أطلق عليها "بيت العرب الكبير" قلب الوطن العربي النابض القاهرة مقرًا لها، وكان من أهداف هذه الرابطة أيضًا النهوض بالإنسان العربي والارتقاء به في مختلف المجالات التنموية والاقتصادية والثقافية، والأهم من ذلك كله معاهدة الدفاع العربي المشترك التي وقعت عليها الدول الأعضاء في عام 1950 في القاهرة؛ لكي تقوم بالدفاع عن الأمن القومي العربي على امتداد الوطن العربي الكبير، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؛ إذ لم يتحقق إلا القليل من طموحات العرب وآمالهم نحو الوحدة الشاملة.
دور الجامعة في المحافل الدولية غير ملموس، ووجوده كعدمه، والأسوأ من ذلك كله أن 75% من المشردين واللاجئين في هذا العالم هم من العرب؛ بل أصبح الدم العربي الذي يُراق في كل الطرقات، الأرخص على الإطلاق في هذا الكون؛ سواءً كان ذلك من الصهاينة في فلسطين المحتلة أو التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الدين الإسلامي غطاءً لها في العراق وسوريا أو الأنظمة المستبدة التي تقتل وتسجن لتبقى في السلطة بأي ثمن ولو كان ذلك فوق جثث ضحاياها في العديد من الدول العربية. والأخطر من ذلك كله تخاذل الجامعة العربية عن الدفاع الأمن القومي العربي في معظم الحالات؛ إذ تحولت تلك المعاهدات إلى حبر على ورق فقط.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنَّه لا توجد اجتماعات قمة طارئة ودورية أو على مستوى وزراء الخارجية، ولكن كانت نتائج تلك القرارات طوال العقود الماضية لا تساوي قيمة الحبر المكتوب بها تلك البيانات التي تهدف بالدرجة الأولى ذر الرماد في العيون؛ بل إنها في الخانة الصفرية ولا أحد ينتظر منها فائدة تذكر. ومع مرور الأيام أصبح يشار إلى هذا البيت العنكبوتي المتصدع بهذا المعنى؛ هنا تجتمع الحكومات العربية على ديباجة معروفة "اتفق العرب ألا يتفقوا".
لقد كشفت الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة قلة حيلة هذه الرابطة واستسلامها للأقدار الصعبة، على الرغم من أنها على مرمى حجر من قطاع غزة، بينما تقوم جمهورية جنوب أفريقيا بالدور المفترض للجامعة والمتمثل في تقديم الصهاينة المجرمين من الحكومة وقادة الجيش الإسرائيلي إلى العدالة الدولية في محكمة العدل الدولية، في غياب كامل للعرب عن المشاركة في هذا الشرف العظيم؛ بل وحتى جميع منظماتهم الحقوقية التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان العربي غابت. وقد أحدث هذا الموقف زلزالًا كبيرًا في نفوس الجماهير العربية وكان ذلك بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على هذه الجامعة ومستقبلها المخيب للآمال.
لا شك أن قوة العرب في وحدتهم وتكاتفهم ونبذهم للخلافات والضغائن بين الإخوة والأشقاء الذين تربطهم علاقة النسب والمصير الواحد والتاريخ المشترك وروابط الدم الواحد، فهم يشكلون أكثر من 5% من سكان المعمورة، بينما تشكل مساحة الوطن العربي حوالي 10% من المساحة الكلية للعالم.
أثمن ما يملكه العرب اليوم هو الموقع الجغرافي الفريد المتمثل في المضاييق الاستراتيجية في العالم مثل: باب المندب ومضيق هرمز وقناة السويس وجبل طارق، والأهم من ذلك كله الموارد الطبيعة والنفط والغاز، والأرصدة المالية في البنوك الأجنبية التي قد لا تعود لأصحابها يومًا، فكان من المفترض أن تستخدم كل تلك المزايا المتمثلة في القوة الضاربة للعرب في الضغط على الدول الغربية المساندة لإسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة بل وحتى التهديد والتلويح بذلك. أين نحن اليوم مما تم اتخاذه في حرب أكتوبر 1973 عندما قال الملك فيصل- طيب الله ثراه- قولته المشهورة "البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي"؛ إذ تم إغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية وقطع النفط العربي عن أمريكا والدول الغربية المساندة للصهاينة.
في الختام.. يجب التذكير بأن الذي ينقص العرب في هذه المرحلة التي تتعرض فيها الأمة العربية للخطر الوجودي؛ هي الإرادة الصادقة باستقلال القرار العربي وتوحيده لتحقيق أهداف الشعوب العربية في الحياة الكريمة بعيدًا عن الإملاءات الأجنبية من الشرق والغرب، ولعل وقف الإبادة بشكل سريع، كما إن فك الحصار الظالم عن الأشقاء في غزة هو الطريق الوحيد للنهوض من مستنقع الذل، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلّا بالتمسك بديننا الحنيف وقيمنا الخالدة والوقوف صفًا واحدًا أمام الأعداء.. وهنا استحضر حكمة خليفة المُسلمين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قال: "نحنُ قومٌ أعزّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العِزّة بغيره أذلّنا الله".
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
انطلاق أعمال الدورة 37 لمجلس وزراء النقل العرب بالأكاديمية العربية بالإسكندرية برئاسة فلسطين
انطلقت اليوم الأربعاء أعمال الدورة 37 لمجلس وزراء النقل العرب، برئاسة طارق حسني سالم زعرب وزير النقل والمواصلات الفلسطيني، وبحضور السفير الدكتور علي بن إبراهيم المالكي الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، والدكتور إسماعيل عبد الغفار إسماعيل فرج، رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وذلك بمقر الأكاديمية بالإسكندرية.
وتناقش الدورة مشروع جدول الأعمال الذي يتضمن سبل دعم الاقتصاد الفلسطيني وتنفيذ الخطة الاستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس (2018 - 2022).
كما يتضمن مشروع جدول الأعمال بندا حول الاتفاقية العربية لتنظيم نقل الركاب على الطرق بين الدول العربية وعبرها، واتفاقية تنظيم نقل البضائع على الطرق البرية بين الدول العربية.
ويشمل مشروع جدول الاعمال بندا حول إنشاء منصة الكترونية عربية شاملة للنقل الطرقي والسككي والبحري ومتعدد الوسائط، وآخر حول تحديث دراسة توحيد مواصفات الأبعاد والأوزان المحورية للشاحنات العاملة بين الدول العربية.
ويتضمن مشروع جدول الأعمال بندا بعنوان متطلبات تحديث وتفعيل موقع السلامة الطرقية، وبندا حول إنشاء لجنة تقنية عربية لتبادل الخبرات في مجال النقل الموجه (مترو، تراموي، النقل بالكوابل)، وتوحيد فترات القيادة والراحة لسائقي الشاحنات الحافلات، وتوحيد إجراءات نقل المواد الخطرة وتشمل اللوحات والملصقات الإرشادية الخاصة بالبضائع المنقولة بالشاحنات بين الدول العربية.
ويشتمل مشروع جدول الأعمال على بند٠٠ حول تحديث تدابير وممارسات السلامة المرورية لدى الدول الأعضاء (مقترح مقدم من دولة قطر)، واعتماد مكونات النقل الذكي والمستدام كمرجعية لتطوير استراتيجيات النقل (مقترح من دولة قطر).
ويتضمن مشروع جدول الاعمال بندا حول مشروع اتفاقية تنظيم اجراءات النقل البحري للركاب والبضائع بين الدول العربية، ودراسة الجدوى الشاملة لإنشاء آلية عربية وقاعدة بيانات لدعم مجال صناعة إصلاح وبناء السفن في الدول العربية، والاتجاهات الحديثة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) في قطاعات النقل واللوجستيات ومستقبلها في المنطقة العربية.
ويشمل مشروع جدول الاعمال بندا بعنوان "المؤتمر الدولي الثالث عشر للنقل البحري واللوجستيات (مارلوج 13)"، وسبل دعم إعادة ترشيح بعض الدول العربية لعضوية المجلس التنفيذي للمنظمة البحرية الدولية (IMO).
ويتضمن جدول الاعمال بندا حول المسودة المعدلة لاتفاقية تبادل الإعفاء من الضرائب والرسوم (الضرائب) الجمركية على نشاطات ومعدات الناقل الجوي العربي المعدلة، والدراسات المكلفة بها المنظمة العربية للطيران المدني بشأن توسيع عضوية مجلس منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو) ولجنة الملاحة الجوية بالمنظمة الدولية.
كما يتضمن مشروع جدول الاعمال بندا حول الاتفاقيات العربية في قطاع النقل بكافة أنماطه، واعداد دراسة متكاملة حول مشروع التأسيس السلسلة الامداد للهيدروجين الاخضر، وتكامل وسائط النقل لتحقيق نقل مستدام وفاعل ومرن لنقل البضائع والركاب (مقترح مقدم من دولة قطر)، والحساب الموحد للمجالس الوزارية المتخصصة.