ترامب والكلب المسعور
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
الطليعة الشحرية
"أوقفوا الكلب المسعور".. إنها أفضل عبارة تشرح مُختصر سباق الانتخابات الأمريكية الحالية وصعود الرئيس السابق دونالد ترامب، وارتفاع احتمالية فوزه في الانتخابات الأمريكية 2024.
النهج السياسي الصهيوني الصليبي الإمبريالي للولايات المتحدة يجني اليوم ثمار الفوضوية والدموية التي أشاعتها منذ حربها بأفغانستان والسودان واليمن وسوريا والعراق وحاليًا التطهير العرقي بغزة، إنها سياسية الكلب المسعور الذي يُهاجم الجميع بلا استثناء حتى حلفائه.
صرح ترامب في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016، عندما كان مرشح الجمهوريين للرئاسة، بوضوح عن عدم وجود "ما يخسره" تجاه الناخبين الأمريكيين من أصول أفريقية. وقال إنَّ "المناطق التي يسكنها السود قذرة وشديدة السوء"، وإن ظروفهم المعيشية لن تعرف إلا التحسن خلال حكمه.
من أيقظ الكلب المسعور؟
تشارك الولايات المتحدة في كل دوي إنذار أو سقوط قنابل أو قصف جوي، خلف كل نار تشتعل على هذا الكوكب تكون أمريكا مباشرةً ودون تورية، وما تعيشه منطقة الشرق الأوسط من تأجيج ودعم غير مسبوق بالسلاح والمال للكيان الصهيوني اللقيط وغض الطرف عن التطهير العرقي؛ بل يصرح البيت الأبيض على لسان جون كيربي أن "إدارة الرئيس جو بايدن لم تر أي مؤشر على أنَّ إسرائيل تحاول إبادة الفلسطينيين في غزة"، مبينًا أنه "ليس هناك ما يشير إلى أننا رأينا ما يؤكد صحة ادعاء نية أو عمل الإبادة الجماعية من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، وهذا لا يعني أننا نعذر فقدان أي حياة بريئة؛ فالعدد الصحيح للضحايا المدنيين هو صفر". بعد هذا التصريح على العالم أن يُدرك أن إدارة بايدن وسياسية أمريكا هي أشبه بكلبٍ مسعور يجر العالم إلى خندق الحروب، والفوضى، والدمار، والدموية.
الكلب الذي أوقع نفسه من منتصف سبعينيات القرن الماضي في حفرة الديون والاستهلاك أكثر من الإنتاج وفك ارتباط الذهب بالدولار وطباعة الدولار الورقي دون غطاء أو سقف، كل تلك الأسباب وغيرها حوّلت الكلب الوديع إلى مسعور يكثر نباحه وشراسته ويهاجم الجميع انطبق عليه المثل المصري "خوذوهم بالصوت تغلبوهم"!
أطلقوا النار على الكلب المسعور!
نظام العولمة الذي بنته أمريكا يجعلها المستفيد الأوحد من هذا النظام باعتبارها قطب ومركز تمحوره، وهو نظام لا يقبل وجود أي أنظمة تهدد مصالح هذا القطب ولن تقبل صعود أي نظام يخالف مركزيته وتمحوره حولها، فمن المهم للولايات المتحدة إشعال النيران وإثارة نقاط نزاع نشطة ودائمة للحفاظ على مركزيتها.
صعود ترامب يهدد عرش المحورية والمركزية ويهدد الحلفاء، لأن ترامب وبكل بساطة يفكر بعقلية التاجر المتمرس بالمساومة، وسيحلب القابل للحلب بدءًا بحلفائه في أوروبا إلى الكيانات الوظيفية اللقيطة. ترامب سيُطالب أوروبا بدفع الثمن إن أصبح رئيسًا لأمريكا وقد صرح بذلك في فيديو مسجل نشرته حملته الانتخابية: "إن الأوروبيين لا يقدمون سوى جزء ضئيل" من المساعدات لأوكرانيا مقارنة بالولايات المتحدة. ووصف الرئيس الحالي جو بايدن بأنه "ضعيف جدا ولا يحظى باحترامه لدرجة أنه لا يستطيع طلب استرداد الأموال الأمريكية، وبعد تسعة وعشرين شهرًا أصبحت الترسانات فارغة، والأسهم مستنفدة، والخزانة فارغة، والصفوف تتقلص، وبلدنا مهانا تمامًا، ولدينا رئيس فاسد، ومحتال، ومارق هو جو بايدن، الذي يجرنا نحو حرب عالمية ثالثة".
ديمقراطية رعاة البقر
من منَّا لم يشهد اقتحام مبنى "الكابيتول" مقر الكونجرس الأمريكي في 6 يناير 2021م رمز الديمقراطية الأمريكية ومركز القرار ليس في الولايات المتحدة؛ بل في العالم، إنه مكان اشتغال اللوبيات ومجموعات الضغط التي تؤثر على صناع القرار ويمتد نفوذه عبر العالم. عندما اقتحم أنصار دونالد ترامب المبنى، وتصدر مشهد رجل عارٍ على رأسه قرنان وفي يده رمح والأخرى العلم الأمريكي وجسد مليء بالوشوم، انتشرت تلك الصورة في شاشات الإعلام المرئي والمقروء. إنها صورة نمطية أقرب للواقع تمثل الأيدولوجية ديمقراطية رعاة البقر والتي حافظت على صورتها ورتابتها رغم ما يشوبها من نقص وضعف وظلم اتجاه الطبقات الفقيرة لعقود تنهار وتتصادم اليوم مع سياسات متخبطة تنتهج الفوضوية وملطخة بالدماء.
أمريكا بلد المُهمَّشين لم يقم على حضارة وليس له تاريخ، بلد هُجر إليها من فاضت بهم سجون أوربا بلد نسيجها الاجتماعي شكل من طوائف مُتعددة، بلد شكل حضارته على أنقاض إبادة شعب واستعباد آخر لا يمكن له إلّا محاولاته الحثيثة لتلميع تلك الصورة الدموية بتصدير مصطلحات وشعارات تقوم على الحرية والمساواة والعدل. أمريكا تسقط أمام أول اختبار حقيقي لأي حضارة وثقافة إنسانية واتسعت الفجوة بين ما تنادي به أمريكا قولًا وبين ما تفعله واقعًا.
تعرية ديمقراطية العم سام
من حسنات العولمة ترابط العالم، فما يجري في أقصاها سيرتد صداه في الناحية الأخرى، وما يحصل الآن هو تعرية للمفهوم الغربي الأمريكي للديمقراطية وللكثير من المسلمات وبتزعزع المزاج العالمي واتساع الفجوات بين القيادات واختلاط المفاهيم وتفنيدها وإعادة هيكلة التعريفات، نشأ بما يُعرِّفه عالم الاجتماع والمؤرخ الفرنسي بير روزانفالون بـ"الديمقراطية المضادة"، والتي من شأنها أن تقوم بدور المراقبة والتحقيق وإصدار الأحكام المبدئية خارج المنظومات المؤسساتية. وهو الدور الذي تقوم به منصات التواصل الاجتماعي، فعند مشاهدتك لرجل أمريكي يشيد بالمجاهد " ذي المعطف" و"أبو عبيدة" وغيرهما ويعتبرهم هم الأبطال الحقيقيين لا "بات مان" ولا سبايدر مان"، كلها دلالات على تحول المزاج العالمي العام للشعوب. وهي إشارات إلى انقلابات فكرية واجتماعية تخترق الجدار العازل المفروض والمصدر من ديمقراطية رعاة البقر.
أمريكا سقطت أخلاقيًا بتشريعها سياسات الجندرة والمثلية، التي تقوض الهوية وهي سياسات مرفوضة من المجتمعات الغربية ذاتها، أمريكا تتداعى ركائزها الأساسية من الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية، وقاد كل ذلك إلى تدهور الخدمات العامة، وساد الاضطراب وتفشت أعمال العنف والاشتباكات، وانتهى الأمر بتلويح ولاية تكساس بالانفصال.
السقوط المدوي
سقوط الحضارات وانحصارها عبر التاريخ لم يكن له ذات التداعيات التي من المتوقع أن تحصل مع انهيار النظام العالمي الرأسمالي وديمقراطية رعاة البقر. إن انهيار المجتمعات سيكون لها تداعيات وخيمة، فمع تصارع التسليح وتنوعه بين نووي وبيولوجي فإنَّ وقع تلك الأسلحة في اليد الخطأ من مليشيات وأنظمة لقيطة متهالكة تمثل تهديدًا للبشرية. فإذا عدنا للمشهد الحالي ومركزية القطب الواحد الذي لعبته أمريكا منذ عقد، وباعتبارها حضارة صعدت سلما مُتهالكا آيلا للسقوط كلما صعدت للأعلى فإنَّ تبعات السقطة ستكون مميتة وذات تردد عالٍ على الجميع من الحلفاء إلى الأعداء.
ولو فرضنا جدلًا أن ولاية تكساس انفصلت، من سيمنعها من امتلاك سلاح نووي؟ ومن يمنعها من إنشاء مليشيات مسلحة؟ وماذا لو انتهجت بقية الولايات النهج ذاته فلهم كل الحق بالتسليح النووي والبيولوجي؟
نعم.. إن صعود ترامب قد يُعد نعمة، فستكون لديه السلطة لإمساك الزمام وكبح جماح الكلب المسعور إلى حين، ولكنه في المقابل سيحلب العالم فهو من بيده طوق الكلب، وسيعاود ترامب زيادة رسوم إضافية وسيحد من العولمة وسيسحب الدعم من أوكرانيا وقد يقلل من الدعم اللا مشروط للكيان اللقيط، ولكنه حتمًا بمقابل مادي واستثمارات هائلة في الولايات المتحدة ومن سيدفع الفاتورة في النهاية هم بعض العرب!
التصادم بين ديمقراطية رعاة البقر المتأصلة وثقافتها المتجذرة مع الديمقراطية الشعبوية المضادة، هي نتاج للتقارب الذي خلقته العولمة ونتاج لتسعر الأنظمة النازية الفاشية الصهيونية التي تتحكم كمرابٍ بمصير ومقدرات وثروات كوكب الأرض. لتنشأ طبقة "المليار الذهبي"، بجانب طبقات من المهمشين والمحطمين المطحونين باسم العدالة الدولية والمساواة والحريات محرومون من حقوقهم ويتم تطهيرهم كما هو الحال في غزة، واغتصاب نسائهم كم هو الحال في السودان، وتشريدهم كم هو الحال في سوريا، والتلاعب بمقدراتهم وثرواتهم كم هو الحال في العراق وليبيا والقارة السمراء.
نحن شعوب لم تخرج من عُنق الزجاجة منذ 1000 عام ولا أسوأ من ترامب إلّا بايدن، فأهلًا ترامب ومبارك الفوز مقدمًا، ويا أيُّها العالم استعد لموجات حلبٍ جديدة وعودة صفقة القرن والتهجير بشيكات شاملة كامل التكاليف.
فمن يؤمن بتحسن الأوضاع بصعود ترامب مثله مثل الشيطان وهو يقول لهم: "فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكُمْ ما أنا بِمُصْرِخِكم وما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ"، إني أخاف عقاب العدالة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ترامب يصدم الجميع: هل يسلِّم أردوغان أحمد الشرع إلى أمريكا؟
الرئيس السوري وولي العهد السعودي (منصات تواصل)
طالب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، بتسليم زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع، المعروف باسم "أبو محمد الجولاني"، إلى الاستخبارات الأمريكية.
وتُصنف واشنطن "هيئة تحرير الشام" ضمن قوائم الإرهاب العالمية، حيث استولت الجماعة على السلطة في دمشق بعد إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
اقرأ أيضاً تفاصيل إقالة السعودية لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي في اليمن 5 فبراير، 2025 مسئول مصري يكشف عن خطة ترامب لإجبار الدول على قبول تهجير الفلسطينيين 5 فبراير، 2025وفي تصريح صحفي، أكد ترامب أن الشركاء المحليين الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم "داعش" في سوريا هم أولى بالحكم على الأراضي السورية من التنظيمات الإرهابية التي كانت أمريكا تحاربها في السابق.
وأشار إلى أن الرئيس التركي أردوغان، الذي وصفه بالصديق، سيكون له دور رئيسي في حل بعض القضايا المتبقية في سوريا.
ترامب لفت إلى أنه يعتزم طلب تسليم "الجولاني" إلى الاستخبارات الأمريكية، مشددًا على أن الولايات المتحدة قد أنجزت مهمتها في القضاء على "داعش" في سوريا.
كما أضاف أن إدارة الرئيس بايدن قد "سلمت سوريا" إلى الجماعات التي كانت أمريكا قد حاربتها، معبرًا عن اعتقاده بأن التغييرات في السياسة الأمريكية بعد تولي بايدن الرئاسة كانت غير مفيدة للملف السوري.
فيما يخص التوترات بين الحكومة التركية والأكراد السوريين، شدد ترامب على علاقته الوثيقة مع أردوغان، مشيرًا إلى أن الأخير لم يهاجم الأكراد كما كان قد طلب منه سابقًا.
وأوضح ترامب أن الخلافات بين الأكراد وحكومة أردوغان لا تزال قائمة، لكنه أعرب عن أمله في استمرار التعاون بين تركيا والولايات المتحدة لحل هذا النزاع.
من جهة أخرى، أكد وزير الخارجية الأمريكي المعين حديثًا، ماركو روبيو، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ، على أهمية دعم القوات الكردية السورية التي قدمت تضحيات كبيرة في محاربة "داعش".
وأشار إلى أن القوات الكردية كانت أساسية في احتجاز مقاتلي "داعش" الأجانب في السجون، مما يشكل تهديدًا مستمرًا. واعتبر روبيو أن المصلحة الوطنية الأمريكية تقتضي عدم السماح لسوريا بأن تصبح ملاذًا لتنظيم "داعش"، مع ضرورة احترام حقوق الأقليات الدينية وحماية الأكراد.
من جانبه، أكد روبيو على ضرورة الحفاظ على توازن القوى في سوريا ومنع إيران من استخدام الأراضي السورية لتمويل الإرهاب.
كما شدد على أن استقرار سوريا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال منع الجماعات المتطرفة مثل "هيئة تحرير الشام" من الهيمنة على البلاد.
تُعد "هيئة تحرير الشام" جماعة إسلامية تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.
وتبرز تصريحات ترامب وروبيو الفجوة الواضحة بين سياسات الإدارة الأمريكية السابقة والإدارة الحالية تجاه الملف السوري، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى اتخاذ خطوات حاسمة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة وضمان حماية الشركاء الأمريكيين في سوريا.