"المتقاعدون".. الفئة المنسية
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
مسعود الحمداني
samawat2004@live.com
"المتقاعدون" أو بمعنى أدق "المُقاعدون" أبناء الدولة الذين خدموها في السراء والضراء، وقاموا بواجبهم الوظيفي خير قيام، وكان لدى الكثيرين منهم أحلام، وآمال عراض، اندثرت فجأة، ودون سابق إنذار، وكان لذلك تبعات كثيرة اجتماعية، وإدارية، وقانونية.
لكن حصل ما حصل، وانتهى الأمر، وخرج أكثر من ثلثي موظفي القطاعين المدني والعسكري إلى "المعاش"، وباتوا يكافحون في سبيل الحياة، ويتكيفون على الوضع الجديد، ويعاني كثير منهم من أوضاعهم المالية، وسدادهم لقروضهم البنكية، ومصاريف معيشتهم، ويحاولون التأقلم مع رواتبهم التقاعدية الجديدة، والتزاماتهم الأساسية، التي لم يعرها المشرّع اهتمامًا حين وضع قانون التقاعد، خاصة فيما يتعلق بمكافأة ما بعد الخدمة "لموظفي القطاع المدني الحكومي"، وبين أمل تحسين أوضاعهم، ويأسهم من الانتظار، بقي الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضررين بلع غصتهم، والصبر المر على ظروفهم المعيشية، وتحمل كل الضغوطات المالية، وتغيرات الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها العالم.
ورغم أن كل شيء يتغير في هذا العالم، إلّا أن أوضاع "المُقاعدين" لا تتغير، فرواتبهم التقاعدية لا تزيد، بل هي في نقصان دائم فعليا في ظل الأوضاع الاقتصادية، والتضخم، والأسعار التي ترتفع كل يوم، فما كنتَ تدفعه ـ كمستهلك ـ قبل أشهر لشراء مستلزمات المنزل، بات عليك أن تدفع ضعفه أو أكثر لشراء نفس السلع الاستهلاكية هذه الأيام، والأمر قابل للارتفاع، ناهيك عن زيادة فواتير الماء والكهرباء والاتصالات، والضرائب والخدمات الأخرى، فكيف يستطيع الفرد تصريف راتبه بين كل هذه الأوجه؟..بين راتب تقاعدي ثابت مكانه، لا يتحرك، ومتقاعد لا يملك أي ميزات تعينه على مواجهة هذا الغول الاجتماعي والاقتصادي الذي يتوحش كل يوم.
وقبل فترة طويلة تقدمت مجموعة من "الموظفين السابقين" في الجهاز الإداري للدولة بطلب لوزارة التنمية الاجتماعية لإنشاء "جمعية للمتقاعدين"، بما لها من أهداف، ورؤى، وأبعاد نفسية، واجتماعية، واقتصادية للمستهدفين، إلّا أن الفكرة لم ترَ النور، وسط بيروقراطية مزمنة ما تزال تضرب بأطنابها في المؤسسات الرسمية، وفي حين أن كثيرًا من الدول القريبة والبعيدة تمنح المتقاعدين فيها امتيازات فعلية تعينهم على مواجهة ظروف الحياة، وهو تقدير معنوي كبير لدورهم الوظيفي، ووفاء وتكريما لمواطنين أفنوا حياتهم في خدمة وطنهم، إلا أن هذه "الخطوة" لا تزال بعيدة عن أذهان المسؤولين لدينا. وأعتقد أن الوقت حان لمنح المتقاعدين بعض التكريم والدعم المعنوي الذي يستحقونه، إن لم يكن هناك مجال لزيادة مالية مباشرة، ولعل من أهم تلك الاقتراحات وجود "نادٍ للمتقاعدين"، أسوة بالجهازين العسكري والأمني، وموظفي ديوان البلاط السلطاني، يستمتعون فيه مع عائلاتهم، ويمارسون هواياتهم، ويلتقون بزملائهم، ويستفيدون من وقتهم الضائع بشكل افضل، ولعل وجود "مجمع استهلاكي" بأسعار مدعومة لمن يحملون "بطاقة متقاعد"، سيساهم في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة التي يعاني منها المتقاعدون، والذين تجمد دخلهم عند الحد الأدنى في حرب غير متكافئة مع غول الغلاء الفاحش.
فهل ذلك كثير على الموظفين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة الذين يطمحون فقط إلى الالتفات لعطائهم، وتقدير دورهم الوظيفي الذي قدموه طيلة عقود من العمل، وخرج أحسنهم وضعا ـ بعد ثلاثة أو أربعة عقود أفناها من عمره في الوظيفة، بمكافأة مالية لم تزد عن 12 ألف ريال، دفعها كلها لتسديد قرض بنكي!!
فقط.. أعينوهم على الحياة، لأنهم يستحقون أكثر من ذلك.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مشاهد من الحياة
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
كانت هذه الحياة ولا زالت محل مشقة وعنت وتعب وآلام وأوجاع بشكل قد لا يتوقعه إنسان، ولا يتخيله عقل، خاصة مع أولئك البعيدين عن هذا المشهد لأسباب أوضاعهم المادية المُمتازة، التي تجعلهم محصورين مع أنفسهم، وعلاقاتهم مع من مثلهم فقط.
وما إن تخرج من بيتك لقضاء حاجة ما، إلا وترى عن يمينك وشمالك أناس بانت على ملامحهم قسوة الحياة والذل والحاجة، وارتسمت على وجوههم التي شاخت، تفاصيل أحزان كبيرة وهموم كثيرة.
وترى آخرين يفترشون الأرض يعرضون مُنتجات ومياه شرب، وفريقاً لم يتيسر له ذلك، فيتجول في الطرقات والحواري بحثاً عن فاعل خير ومنقذٍ له، وعلَّه يجد هنا أو هناك كريماً، يشفق عليه، فيسد رمقه ويشبع جوعه ويروي عطشه ويقضي حاجته، والذي يفعل ذلك فهو متصدق على نفسه ومقدم لنفسه، وراحمًا لنفسه ولولده ولأهله، فأثار الصدقة وفعل الخير يمتد حتى إلى دابتك فكيف بأولادك وأهلك وبيتك.
وحينما تكون أنت محتاجا وفي وضع ليس بأقل ممن تقدم ذكرهم، وينعم عليك المولى عزَّ وجلَّ في وقت ما بمبلغ بسيط ويأتيك سائل، من كرمك وطيبتك وأخلاقك وحبك للناس وللخير وفعله، تسارع إلى اقتسام ما عندك معه، من أجل التيسير عليه والتخفيف عنه، وإدخال السرور على قلبه.
رائدك في ذلك عون الله ورحمته ولطفه، قائلا في نفسك أنا اليوم أفضل حالا من هذا بسبب بضعة الريالات التي عندي، طبعاً تقول ذلك وأنت هكذا وضعك، فكيف لو كنت ميسور الحال، مؤكدٌ أنه من كرمك لن ترد محتاجًا ولن تنهر سائلاً.
في هذه الحياة هناك قصص كثيرة ومواقف عديدة ومشاهد مُحزنة ومُؤلمة مختلفة، فمنا من يعيش جائعاً وبدون مأوى ولا طعام، وهناك من يعيش خيرا وبطنه شبعان، ورصيده مليان، ولكنه ذميم بخيل ليس به خيرٌ ولا فيه خير لعباد الله إطلاقاً، متخذاً شعار أنا لست جمعية خيرية.
كثيرة هي الحالات الموجعة التي نراها أمامنا وودنا ألا تكونَ موجودة أبدًا، وأن يكون بمقدورنا مساعدة جميع من هم بحاجة للمساعدة وللعون ولتفريج همومهم.
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن ننفق مما رزقنا وأن نساعد الكل ولا نفرق بين هذا وذاك، والذي ليس به خيرٌ للناس، فهو في شر من الناس وفي الناس، ومن هكذا وضعه أجارنا الله منه ولا جعلنا من شاكلته وصنفه، إنسان مكروه منبوذ، مدفوع من رحمات الله ومُبعد عن حياة الصالحين والأخيار.
إن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس، ونحن في شهر رجب وتفصلنا عن شهر رمضان أيام قليلة. لذلك فيا أخي الذي ترى نفسك أفضل من غيرك بمالك، أذكرك أن ما أنت فيه من الله، فدائمًا كن رحيمًا بعباد الله، فمن لا يَرحم لا يُرحَم، والأيام دُوَل، وكل معروف يصنعه الإنسان فهو لنفسه في الدنيا والآخرة.