مرفأ قراءة.. مئوية المنفلوطي في معرض الكتاب
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
- 1 -
ضمن فعاليات الدورة الـ55 من معرض القاهرة الدولي للكتاب المنعقد حاليا خلال الفترة (24 يناير- 06 فبراير 2024)، خصص محور للاحتفال بمئوية "رحيل" أمير النثر العربي في مطالع القرن العشرين، صاحب الظاهرة والتأثير الأكبر في تطور النثر العربي الحديث مصطفى لطفي المنفلوطي (1876-1924).
"المنفلوطي" هو المحطة الأبرز في حركة النثر العربي وتطوره منذ الربع الأخير في القرن التاسع عشر وحتى الثلث الأول من القرن العشرين.
ولعل هذا التأثير الواسع الممتد وحضور أعماله الشهيرة النظرات والعبرات وما تمت صياغته عن ترجمات لنصوص رومانسية فرنسية بالتحديد هي ما حدت بناقد مهم وقدير هو الدكتور ناجي نجيب إلى تخصيص دراسة كاملة وفريدة لبحث الظاهرة المنفلوطية بعنوان «كتاب الأحزان ـ فصول في التاريخ النفسي والوجداني والاجتماعي للفئات المتوسطة العربية»، كما خصص له أستاذ ومؤرخ أدب شهير بكلية دار العلوم، هو الراحل الدكتور محمد أبو الأنوار، دراسة شاملة مستفيضة في ثلاثة أجزاء ضخام بعنوان «مصطفى لطفي المنفلوطي ـ حياته وأدبه»
- 2 -
كان من حسن حظي، وأبناء جيلي، أننا درسنا نصًّا نثريا للمنفلوطي في نهاية المرحلة الإعدادية بعنوان "الجمال"، كانت هذه المرة الأولى التي يخامرني فيها هذا الشعور الغامر بجمال "النثر الفني" للغة، لكل لغة إيقاع داخلي ملحوظ مسموع إذا أحسن قراءته، فقط نحتاج إلى إرهاف السمع والإنصات جيدًا، وكانت المرة الأولى أيضا التي أنتبه فيها إلى جمال الأسلوب وأكاد أحفظ النص حفظا من المرة الأولى التي طالعته فيها.
فيما بعد عرفت أن هذا الإحساس يترجم جماليًّا وفق عبارات علم البلاغة العربية "الكلاسيكي" بأن "أسلوب المنفلوطي يتميز بالعناية الشديدة بموسيقى ألفاظه، وكان حريصًا على توازي الجمل وخاصية الازدواج، وإيقاعها، وعلى رصانة اللغة ونصاعتها. وكان يمتاز بكثرة الاقتباس، والتضمين القرآني".
ويفيدنا علماء الأدب ونقاده المعنيون بكتابة المنفلوطي بأن دوره في تيسير أسلوب الكتابة الفنية، بل تطوير النثر الفني العربي كله، وتخليصه من كثيرٍ مما كان يقيده ويحد من تحرره كان دورًا عظيمًا ومؤثرا، "فعناية المنفلوطي ودوره في مجال الأسلوب، وانتماؤه إلى ما سميناه مدرسة الأساليب "الأدبية" في المقام الأول، وأن دوره في مجال الفكر والآراء في المقام الثاني- لا ينقص من قدره، بل يؤكد الدور الخطير الذي أداه للأدب العربي، وهو تطوير مدرسة الأسلوب إلى مدرسة جديدة.
فإذا قورنت كتابات المنفلوطي بكتابات المفكرين -كرفاعة رافع الطهطاوي، والسابقين عليه، أو بكتابات الأدباء المعاصرين له، وخاصة "جبران خليل جبران" الذي كان أيضًا مثار شغف وشوق لدى شباب القراء في الجيل الماضي- نقول إذا وازنا بين أسلوب المنفلوطي، وبين أسلوب هذين الكاتبين، وضح فعلا ما ندين به جميعًا للمنفلوطي من أنه وضعنا على الطريق الصحيح بحسه الجمالي، وموسيقاه العاطفية، وفتح آفاقًا أمام اللغة العربية طوعتها للحياة الأدبية وخلصتها من عقد التكلف والتعقيد".
(من مقال المنفلوطي صاحب أسلوب، للدكتور عبد العزيز الأهواني)
- 3 -
حين قرأت نص المنفلوطي أدركت ساعتها -أو حينها- أن القراءة الجهرية أو القراءة بصوتٍ عال تلعب دورًا خطيرا في تنمية الإحساس الجمالي بإيقاع اللغة، جنبًا إلى جنب السماع أو الاستماع إلى من "يقرأ" أو إلى أي مادة لغوية "مسموعة" بهذه الطريقة والتركيز فيها.
وفي ظني أن سر جاذبية المنفلوطي وتأثيره العميق والواسع يعود إلى هذه الخصيصة "الإيقاعية" بصفة أساسية، فضلا على موهبته الفطرية وثقافته التراثية الأصيلة، وإدراكه اللا شعوري بضرورة تحرير اللغة من قيودها الزخرفية والمحسنات التي أثقلتها وكبلتها لقرون طويلة. وأظن أنه كان يكتب وهو يقرأ ما يكتب بصوت مسموع، وربما كان هذا الحرص على السماع (أو الكتابة وفقا للإيقاع المسموع إذا جاز التعبير) وراء تميز أسلوب المنفلوطي بالعناية الشديدة بموسيقى ألفاظه، وكان حريصًا على توازي الجمل، وإيقاعها وجرسها الداخلي وعلى رصانة اللغة ونصاعتها. وكذلك كان يمتاز بكثرة الاقتباس، والتضمين القرآني.
ولست أشك في أن هذه الخصائص الصوتية والإيقاعية المولدة للجرس الموسيقي الذي ميز كتابة المنفلوطي وراء الإعجاب الشديد من أجيال وأجيال بكتاباته بل وافتتانهم به، فيما يمكن أن نطلق عليه "ظاهرة التلقي المنفلوطية".
كما لست أشك أيضًا في عظم تأثير المنفلوطي على أكبر كتاب عصره، ومن جاءوا بعده، وأخص طه حسين ونجيب محفوظ، وبينهما يحيى حقي، صحيح أن طه حسين قد هاجم المنفلوطي هجومًا عنيفا في ست مقالات، معتبره نموذجًا للإنشاء التقليدي، لكنه في الحقيقة، وقد أفصح عن ذلك في مرحلة متأخرة من عمره، كان معجبا في قراءة نفسه بأسلوب المنفلوطي وجماليته وتوقيعه الموسيقي الأخاذ، ولعله دون أن يدري قد تشرب هذا الحس الإيقاعي الذي ميز كتابات طه حسين كلها تقريبا.
- 4 -
وقد التفت جل مؤرخي الأدب العربي الحديث ومؤرخي النثر العربي إلى دور المنفلوطي التأسيسي في تطوير فن المقال والارتقاء به وجعله من بين الفنون الكتابية المقروءة بل الأكثر مقروئية. يقول شوقي ضيف في كتابه عن «الأدب العربي المعاصر»: ومصر هي التي صنعت نموذج "المقالة"، وحقًّا أسهم في هذه الصناعة إخواننا السوريون واللبنانيون الذين هاجروا إلينا مثل أديب إسحاق؛ ولكن من الحق أيضًا أننا لم نصل إلى فاتحة هذا القرن حتى كان لنا كُتاب متميزون حملوا خير حمل عبء النهوض بالمقالة "سياسية" و"غير سياسية"؛ بل لقد دفعوها أشواطًا حتى أصبحت ثرية بالفكر الحي النشيط.
ومن الواجب أن نذكر هنا المنفلوطي، وهو لم يكن يكتب في السياسة؛ إنما كان يكتب في الاجتماع، فكان ينشر في صحيفة "المؤيد" مقالات تتناول بعض جوانب المجتمع بعنوان "النظرات"، ينظر فيها في بعض مساوئنا الاجتماعية، وقد جمعها ونشرها بنفس العنوان.
وليس المهم الموضوع، فكثيرًا ما طرقه كُتابنا؛ إنما المهم الإطار الذي صاغه فيه، فقد عُني بأسلوبه وأدَّى معانيه فيه أداء فنيًّا بديعًا، ولم يحاول ذلك في أسلوب "السجع" الذي أهملناه؛ وإنما حاوله في الأسلوب المرسل الجديد؛ ولكنه عُنِيَ عناية بارعة بهذا الأسلوب، عُنِي باختيار ألفاظه وانتخابها، ووفَّر لها ضروبًا من الموسيقى بحيث تسيغها الآذان وتقبل عليها. وكان شبابنا في أول القرن يعجب بهذا الأسلوب إعجابًا شديدًا، وظل ذلك الإعجاب يرافقنا طويلًا.
- 5 -
ورغم عظم الأدوار التي لعبها المنفلوطي وحضوره الجارف وكتبه التي ربما كانت الأكثر طباعة ونشرا وتوزيعا في القرن العشرين، ففي ظني لم يتم إلقاء الأضواء بشكل كاف على هذه الظاهرة، وباستثناء الدراستين المشار إليهما في مطلع هذا المقال والصفحات التي خصصت لدراسة دوره في النثر العربي وكتابة المقال وتحرير الأسلوب الأدبي من قيود السجع والمحسنات، فإن قصورا شديدا فيما أرى في التصدي لدراسة المنفلوطي بجوانبه المختلفة وليس على مستوى الكتابة الفنية فقط والأسلوب المترسل، فقد كان حلقة مهمة جدا من حلقات ما عرف بالتعريب والتمصير ومن ثم الإبداع الخالص في الأنواع الأدبية المستحدثة، بخاصة الرواية والقصة القصيرة.
ومن يقرأ كتابه الشهير «العبرات» الذي صدر عام 1915 سيجد أنه يحتوي على ثماني قصص معظمها مأخوذ من "قصص غربي"، أعاد صياغتها بأسلوبه الأنيق، ومنح نفسـه حق التصرف الكامل فيها. وعلى النهج ذاته، كان يختار بعض المترجمات السابق نشرها، ويناقش العمل المترجم مع بعض أصدقائه ممن يجيدون الفرنسية، قبل أن يعيد صياغته هو كاملا، بأسلوبه، متصرفًا في البناء والأحداث وفق هدفه ورؤيته. (كان يحيل مثلًا مسرحية من خمسة فصول إلى قصة قصيرة من بضع صفحات).. وهكذا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
طقس الإسكندرية غدا.. انخفاض درجات الحرارة والعظمى تسجل 18 مئوية
كشفت الهيئة العامة للأرصاد الجوية، طقس الإسكندرية خلال الساعات المقبلة، متوقعة استمرار انخفاض درجات الحرارة بقيم تصل إلى 3 درجات مئوية، مع استمرار نشاط حركة الرياح الجنوبية الغربية، وانخفاض قيم الحرارة الصغرى لتصل إلى 10 درجات مئوية على مختلف مدن المحافظة.
توقعات طقس الإسكندرية غدا الجمعةوأوضحت هيئة الأرصاد الجوية أنّ من المتوقع أن يسود غدا الجمعة 27 ديسمبر، طقس بارد نهارا على معظم الأنحاء، مائل للدفء على جنوب سيناء وجنوب الصعيد، شديد البرودة ليلا وفي الصباح الباكر على أغلب أنحاء البلاد، يصل إلى حد الصقيع على المزروعات في شمال الصعيد ووسط سيناء ومناطق من الصحراء الغربية.
وقالت «الأرصاد»، إنّ من المتوقع أن يحدث انخفاض جديد في درجات الحرارة على الأنحاء كافة غدا الجمعة، بقيم تتراوح من 3 إلى 4 درجات مئوية، كما تنشط الرياح الجنوبية الغربية على مناطق من القاهرة الكبرى، الوجه البحري، السواحل الشمالية الشرقية، مدن القناة، شمال الصعيد، تكون مثيرة للرمال والأتربة على المناطق المكشوفة، كما يحدث اضطراب في حركة الملاحة البحرية، وسرعات الرياح تصل إلى 50 كيلومترا في الساعة، والأمواج ترتفع إلى 4 أمتار.
درجات الحرارة غداوعن طقس الإسكندرية غدا الجمعة، تتوقع هيئة الأرصاد الجوية، أن تستمر درجات الحرارة في الانخفاض، لتكون العظمى على محافظة الإسكندرية 18 درجة، في حين تكون الصغرى 10 درجات مئوية، وتسجل على السواحل الشمالية 8 درجات مئوية، في حين تسجل على شمال الصعيد 4 درجات، وعلى جنوبه 7 درجات مئوية، وتأتي كالتالي:
القاهرة الكبرى والوجه البحري: العظمى 17 درجة والصغرى 10 درجات مئوية.
السواحل الشمالية: العظمى 17 درجة والصغرى 8 درجات مئوية.
شمال الصعيد: العظمى 17 درجة والصغرى 4 درجات مئوية.
جنوب الصعيد: العظمى 21 درجة والصغرى 7 درجات مئوية.