هو صحابي جليل اشتهر بكنيته “أبي لبابة” واسمه بشير بن عبد المنذر من سادات بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري وترتبط قصة توبته بعامود أو أسطوانة في المسجد النبوي كُتِبَ عليه “أسطوانة أبي لبابة – وتعرف بالتوبة” وموقعها الرابعة شرق المنبر،
وقد بدأت القصة مع الرسول عليه الصلاة والسلام عندما توجه مع أصحابه إلى يهود بني قريضه بعد أن نقضوا العهود وتآمروا مع الأحزاب في غزوة الخندق رغم اتفاقهم مع المسلمين،
ففرض النبي عليه أفضل الصلاة والسلام عليهم الحصار خمسة وعشرين ليلة متصلة، فقال لهم زعيمهم كعب بن أسد “والله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم” ثم عرض عليهم ثلاث خصال وهي إما أن يُسْلِموا ويدخلوا مع محمد عليه الصلاة والسلام في دينه لِيَأمَنوا دمائهم وأموالهم ونسائهم وأبنائهم وإما أن يَقْتُلوا ذراريهم ونسائهم بأيديهم ويخرجوا لقتال النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين بالسيوف حتى يظفروا بهم أو يُقتَلوا عن آخرهم، وإما أن يهجموا على النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه يوم السبت لأنهم أمِنُوا أن يقاتلوهم فيه،
فأبوا أن يجيبوه ولم يبق لهم إلا أن يستسلموا، وبعثوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليرسل لهم أبا لبابة ليستشيروه لأنه كان حليفاً لهم في الجاهلية، وعندما أرسله النبي إليهم جهش النساء والصبيان بالبكاء في وجهه فَرَقَّ لهم وقالوا له: أترى أن ننزل على حُكْمِ محمد؟ فقال: نعم،
وأشار بيده إلى حلقه، ليقول إنه الذبح (أي ستذبحون)، وشعر أبي لبابة أنه خان الله ورسوله وقال: “فو الله ما زالت قدماي ترجفان حين عرفت أني قد خنت الله ورسوله”،
ثم أنطلق ولم يَأتِ الرسول عليه الصلاة والسلام حتى ارتبط إلى عمود بالمسجد وقال: “لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مِمَّا صنعت” وعاهد الله أن لا يطأ بني قريضه أبداً،
فأنزلَ اللهُ تعالى قوله على رسولِه عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال-27) وعَلِمَ الرسول عليه الصلاة والسلام بخبره وكان قد استبطأه فقال: “أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، فَأَمَّا إِذْ فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ، مَا أَنَا بِالَّذِي يُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ”.
وذكر ابن هشام في سيرته “أقام أبو لبابة مرتبطاً بالجذع ست ليال، تأتيه امرأته في كل وقت صلاة، فتحلِّه للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع” وهو دليل قاطع على صدق توبة هذا الصحابي الجليل والتزامه بما عاهد الله عليه.
أما فرج الله وتوبته على أبي لبابة فقد نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام وهو في بيت أمِّ سَلَمَة عندما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السَّحَرِ يضحك، فقلت: ما يضحكك؟ أضحك اللهُ سِنَّك. فقال ” تِيبَ عَلَى أبي لُبَابَة”،
فقلت: ألا أبشِّرُهُ يا رسول الله بذاك؟ فقال: “بَلَى إِنْ شِئْتِ” فقُمْت على باب حجرتي – وذلك قبل أن يُضْرب علينا الحجاب – وقلت: يا أبا لبابة، أبشر، فقد تاب الله عليك، فثار الناس إليه ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده، وأطلقه المصطفى عليه الصلاة والسلام لما مَرَّ عليه خارجاً إلى صلاة الفجر.
وأختم بأهم الفوائد العظيمة من هذه القصة العجيبة التي حصلت لهذا الصحابي الجليل ومنها، عدم خيانة والله وخيانة الأمانة التي توكل لكل مسلم في أداء عمله أو رسالته، وتَذَكُّرْ رقابة الله علينا في كل وقت وحين والإقرار بالذنب والاعتراف به، والمبادرة إلى الصدق والتوبة النصوح وانتظار الفرج والتوبة من الله مهما طال الزمان، وعدم اليأس والقنوط من رحمة الله، والمبادرة بالتبشير والتهنئة بين المسلمين وبينهم البعض،
وحُبّ الصحابة رضوان الله عليهم لبعضهم البعض وعِظَم مقام التوبة والفرح بها لما فيها من عودة العبد للدخول إلى رضوان الله تعالى، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيها “إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه،
وإنَّ الفاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ علَى أنْفِهِ فقالَ به هَكَذا (قالَ أبو شِهابٍ: بيَدِهِ فَوْقَ أنْفِهِ)، ثُمَّ قالَ: لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وبِهِ مَهْلَكَةٌ، ومعهُ راحِلَتُهُ، عليها طَعامُهُ وشَرابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وقدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ، حتَّى إذا اشْتَدَّ عليه الحَرُّ والعَطَشُ أوْ ما شاءَ اللَّهُ، قالَ: أرْجِعُ إلى مَكانِي، فَرَجَعَ فَنامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فإذا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ” (صحيح البخاري).
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: الرسول علیه الصلاة والسلام النبی علیه الصلاة والسلام الله علیه الله ع ه علیه
إقرأ أيضاً:
حكم شرب الماء في نهار رمضان للحر الشديد.. حالة واحدة لا تبطل الصيام
ارتفاع درجات الحرارة الذي نشهده هذه الأيام يجعلنا نطرح سؤالا عن حكم شرب الماء في نهار رمضان بسبب العطش والحر الشديد ، فيتساءل أولئك الصائمين الجدد، في هذه الأجواء الحارة عن حكم شرب الماء في نهار رمضان بسبب العطش والحر الشديد، وحيث إن صيام رمضان هو رابع أركان الإسلام، وفريضة لا ينبغي التهاون فيها، فهذا ما يوجب الانتباه بذلك السؤال المطروح عن حكم شرب الماء في نهار رمضان بسبب العطش والحر الشديد، حتى لا يحرمون من الفضل العظيم ولا يتعرضون للعقوبة المهلكة.
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه فيما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أن صيام رمضان له فضل خاص عن سائر العبادات.
وأوضح «جمعة» في إجابته عن سؤال: ( حكم شرب الماء في نهار رمضان بسبب العطش والحر الشديد وهل يجوز شُرب الماء في نهار رمضان بسبب الحر الشديد؟)، أن الصيام هو الإمساك عن كلّ المُفطرات؛ من أكلٍ، وشُربٍ، وجِماعٍ، ويبدأ من طلوع الفجر الثاني، ويستمرّ إلى غروب الشمس.
واستشهد بقول الله -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)، ومن ثم فإن الصيام في رمضان هو التوقُّف والإمساك عن المُفطرات، من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، مع عقد النيّة والعزم؛ لتتميّز العادة عن العبادة، بشروطٍ مخصوصةٍ، وزمنٍ مخصوصٍ، وكيفيّةٍ مخصوصةٍ.
ونبه إلى أنه في حال أكل الإنسان أو شرب في نهار رمضان ناسيًا، فإن صيامه صحيح، ولا يُفطر، لأن للهُ عزَّ وجلَّ رحيمٌ بعبادِه، ومِن رَحمتِه أنَّه رَفَعَ عنهم المشقَّةَ والحَرَجَ، ويَسَّر عليهم فيما أخطَؤوا فيه بسَبَبِ النِّسيانِ.
ودلل بما ورد في سُنن الترمذي، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أكل أوْ شرِبَ ناسِيًا فلا يُفطِرُ ، فإنَّما هو رِزقٌ رزَقهُ اللهُ»، منوهًا بأن في هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن أَكَلَ أو شَرِبَ ناسيًا"، وهو صائِمٌ، "فلا يُفطِرْ"، أي: فلا يُفطِرُ مِن صِيامِه في هذا اليومِ اعتمادًا على أنَّه أكَلَ أو شَرِبَ، بل عليه أن يُتِمَّ صَومَه إلى نِهايةِ يَومِه.
وتابع: "فإنَّما هو رِزقٌ رَزَقَه اللهُ"، أي: إنَّ هذا الطعامَ أو الشَّرابَ الذي تناولَه ناسيًا غيرَ مُتعمِّدٍ مَعفُوٌّ عنه مِن اللهِ سُبحانَه، وهو مِن رَحمةِ اللهِ ورِزقِه للعَبدِ، ولا قَضاءَ عليه ولا كَفَّارةَ؛ فهو صومٌ صحيحٌ برحمةِ اللهِ.، بما فيه بيانُ لُطفُ اللهِ تعالى بعِبادِه، كما أنَّ تَعمُّدَ الفِعلِ هو مَحلُّ التكليفِ في الثوابِ والعقابِ، وأمَّا النسيان فهو مَعفُوٌّ عنه برَحمةِ اللهِ.
وأشار إلى أنه من أسباب تسمية شهر رمضان بهذا الإسم ، أن رمضان من الرَّمَض؛ وهو شدّة الحَرّ؛ لأنّه غالباً ما كان يأتي في وقت الحَرّ في جزيرة العرب، وكانت العرب تُسمّي الشهرَ بالزمن الذي يقع فيه.
مفطرات صيام رمضانوأفادت دار الإفتاء المصرية ، بأن مبطلات الصوم (المفطرات) تنحصر في ثمانية أفعال أولها تعمد إدخال عَيْنٍ - شيء ما- إلى الجوف من مَنْفَذٍ مفتوح (كالفم – والأنف) ولا تُعْتَبَر العين مَنْفَذًا مفتوحًا، وكذا مسام الجلد.
ولفتت إلى أن الجوف عند الفقهاء: ما يلي حلقوم الإنسان كالمعدة، والأمعاء، والمثانة –على اختلاف بينهم فيها-، وباطن الدماغ، فإذا تجاوز المُفَطِّر الحلقوم ودخل الجوف إلى أيِّ واحدة منها من منفذٍ مفتوح ظاهرًا حِسًّا فإنه يكون مفسدًا للصوم.
وأضافت أن ثانيها تعمد الإيلاج في فَرْج (قُبُل أو دُبر)، ولو بلا إنزال، وثالثها خروج الْمَنِي عن مُبَاشَرة، كَلَمْسٍ أو قُبْلَة ونحو ذلك، ورابعها الاسْتِقَاءة، وهي تعمُّد إخراج القيء، أما من غَلَبه القيء فلا يفطر به، وخامسها خروج دم الحيض، وسادسها خروج دم النفاس، وسابعها الجنون، وثامنها الرِّدَّة.
صيام رمضانجعل الله -تعالى- صيام رمضان من فرائض الدين، ورُكناً من أركان الإسلام الخمس، وقد ثبتت فرضيّة الصيام في كتاب الله -تعالى-، وسُنّة نبيّه -عليه الصلاة والسلام-؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإسْلامُ علَى خَمْسٍ) -وذكر منها- (صَوْمِ رَمَضانَ)، وقد أجمع المُسلمون على وجوب الصيام على المُكلَّف، ولم يُخالف هذا الحُكمَ أحد.
فضل صيام رمضانتترتّب على الصيام العديد من الفضائل، يُذكر منها: خصّ الله -سبحانه- عبادة الصيام بالأجر العظيم المُضاعف؛ ومع أنّ كلّ عملٍ صالحٍ يؤدّيه المسلم يُجازيه به الله بمُضاعفة الحسنة إلى عشرة أضعافٍ، وإلى سبعمئة ضعفٍ، إلّا الصيام؛ فقد نسبه الله -تعالى- إليه.
ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به)، ولا يخفى أنّ طبيعة عبادة الصيام تتضمّن عبادات أخرى، ولعلّ أهمّها الصبر على ملذّات النفس وشهواتها، كالأكل، والشُّرب؛ والصائم إذ يحملُ نفسه على ترك هذه الرّغبات فإنّه ينال أجر الصابرين، حيث يقول سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وورد من فضل صيام رمضان ، مجازاة الصائمين بدخولهم الجنّة في الآخرة من بابٍ خاصٍّ بهم يُسمّى باب الريّان، وقد ثبت ذلك فيما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ). نيل الصائم فرحتَان؛ إحداهما في الدنيا، والأخرى في الآخرة، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ).
وجاء من فضل صيام رمضان كذلك فَتْح أبواب الجنّة، وغَلْق أبواب النار، وتصفيد الشياطين في شهر رمضان، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ)، وطِيْب رائحة فم الصائمين عند الله -سبحانه وتعالى-؛ إذ أخرج البخاريّ في صحيحه عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ)، وتحصيل الخيرات والرَّحَمات في شهر رمضان، ونَيْل ما فيه من الرحمة والمغفرة من الله، والعِتق من النار، ونيل الدرجات الرفيعة، والحسنات، والأُجور المُضاعَفة.