البيان الختامي لمباحثات تقدم بسلفاكير
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
جوبا – نبض السودان
إلتقى وفدٌ من تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية “تقدم” – امس الجمعة الموافق ٢ فبراير ٢٠٢٤ – فخامة الرئيس سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان ، بمقر الرئاسة بالعاصمة جوبا، بحضور مستشار الرئيس للشئون الأمنية والسياسية ووزيري شئون مجلس الوزراء والاستثمار ونائب وزير الخارجية.
قدم الوفد شرحاً للرئيس سلفا كير لتطورات الأزمة في السودان وتفاقم الكارثة الإنسانية – في ظل استمرار حرب 15 أبريل للشهر العاشر – وما تمثله من تهديد لانزلاق السودان نحو الحرب الأهلية والفوضى الشاملة والتقسيم.
عَرَض الوفد رؤية تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية التي تؤكد على أهمية وقف الحرب كأولوية قصوى لمعالجة الكارثة الإنسانية وابتدار مسار سلمي سياسي لمخاطبة قضايا الأزمة الوطنية المتراكمة والتوافق على معالجاتها بما يفضي للمحافظة على وحدة السودان وتحقيق السلام المستدام والعدالة والتنمية وجيش قومي ومهني واحد وحكم مدني ديمقراطي وتنفيذ شعارات ثورة ديسمبر المجيدة.
تقدم الوفد بالشكر للرئيس سلفا كير وحكومته وشعب جنوب السودان على استضافة السودانيين النازحين بسبب الحرب، وعلى الدور الايجابي الذي ظلت تلعبه دولة جنوب السودان من أجل تحقيق السلام والاستقرار في السودان.
من جانبه أبدى الرئيس سلفا كير أسفه العميق لاستمرار الحرب في السودان وما سببته من كارثة انسانية وتهديد لوحدة واستقرار السودان مشيراً إلى أن وجود أية أزمة في السودان يعني تلقائياً وجودها في جنوب السودان بحكم الروابط المشتركة.
أكد فخامة الرئيس سلفاكير أن جنوب السودان يرى ضرورة تنسيق الجهود الدولية والاقليمية وتكاملها لوقف الحرب في السودان، وأنه سيواصل مساعيه مع قيادتي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ومع قادة المجتمع الدولي والاقليمي من أجل التعجيل بالوصول لوقف إطلاق النار؛ مشيرا لاعتزام دولة جنوب السودان تقديم تصور للقوى المدنية لحل الأزمة في السودان عبر الحوار المفضي لتحقيق السلام والاستقرار.
أعلن وفد تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية “تقدم” علي استعدادهم للتعامل الإيجابي مع أي مساعي لإنهاء الحرب واستدامة السلام وصولا لتأسيس حكم مدني ديمقراطي مستدام يلبي تطلعات الشعب السوداني ويستكمل تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
أكد وفد (تقدم) حرصه على علاقة استراتيجية مميزة بين السودان وجنوب السودان لمصلحة الشعبين الشقيقين استناداً على روابط القربى والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، وتم الاتفاق على استمرار التواصل والتنسيق المباشر بين لجنة الاتصال بـ”تقدم” ولجنة وساطة جنوب السودان لسلام السودان.
اللجنة الإعلامية
تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية “تقدم”
جوبا – ٢ فبراير ٢٠٢٤م
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: البيان الختامي بسلفاكير تقدم لمباحثات جنوب السودان فی السودان سلفا کیر
إقرأ أيضاً:
نصف خطوةٍ لليسار، خطوتان لليمين – مبادرة الحزب الشيوعي السوداني
حسام عثمان محجوب
تجاربٌ لا تُوَرث حكمةً
المبادرة التي أطلقتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في ديسمبر كبرنامج عملٍ لوقف الحرب واسترداد الثورة تشير لاستمرار عجز الحزب عن اجتراح نموذج عملٍ سياسيٍّ ملهمٍ مختلفٍ، يملأ بعض فراغ الساحة السياسية السودانية، الذي يزيد اتساعاً مع التحديات غير المسبوقة في تاريخ شعبنا وبلادنا.
أتت المبادرة المقدمة لجماهير وقوى الشعب السوداني بعد عشرين شهراً من اشتعال الحرب، التي تشكل أكبر تهديدٍ وجوديٍّ للسودان، شعباً وكياناً ودولةً، وأثناء استقطابٍ قسَّم الشعب السوداني وقواه السياسية والمجتمعية بعمقٍ متزايدٍ منذ انطلاق ثورة ديسمبر. ولكن المبادرة تقاصرت عن الاقتراب من تناول قضايا شديدة التعقيد يناقشها السودانيون والسودانيات، بمن فيهم أعضاء وعضوات الحزب وأصدقاؤه وصديقاته، بصورةٍ يوميةٍ منذ اندلاع الحرب.
بدلاً من ذلك، يبدو أن من أهم ما حملته المبادرة تدشين محاولةٍ خجولةٍ لعودة الحزب الشيوعي إلى تحالف النادي السياسي القديم، وإكمال هذه الحلقة من مسلسل تحالفات الحزب السياسية المعاد، والتي يمكن تأريخها بنهاية ديسمبر 2018، حين شارك الحزب في تأسيس قوى الحرية والتغيير (قحت)، ثم انتقدها، وخرج منها، وأسس تحالف قوى التغيير الجذري المضاد لها، وها هو الآن يتهيأ للعودة لمتحورها تقدم (حين أطلقت المبادرة – أو المتحور الأحدث صمود). لتطرح أسئلةٌ مثل: فيم كان الخروج الأول، ولم العودة الآن، ولماذا تأخرت؛ إضافةً لأسئلةٍ أخرى أهم عن أداء الحزب ومنهجه وأولوياته.
ظلت قضية التحالفات مركزيةً في نظرية وممارسة الحزب الشيوعي السوداني منذ تأسيسه، ولقيت حظاً وافراً من المناقشة منذ منتصف التسعينات، خصوصاً مع التطورات الكبرى المتلاحقة التي واكبت تحالفي التجمع الوطني الديمقراطي وقوى الحرية والتغيير، وشعور عددٍ من العضوية بأن الحزب لم يقم بتوثيق ونقد هذه التجارب بمعايير النقد الذاتي الصارمة التي اختطها، ولذلك فلم يستفد منها وظل يُعيد بعض أخطائها.
تُكرر المبادرة المقولة/الشعار أن تجارب شعبنا تثبت أن وحدته كانت العامل الحاسم في نجاح ثورة ديسمبر وانتفاضة أبريل وثورة أكتوبر. ورغم فخامة هذه المقولة وشاعريتها، إلا أن الحقيقة أن التجارب الثلاثة تثبت أن الوحدة التي أدت لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية الثلاثة، أو رؤوسها، كانت هي نفسها عاملاً مهماً في فشل الثورات الثلاثة في تحقيق شعاراتها وتطلعات الجماهير التي قامت بها. فهي وحدةٌ تقوم بتغبيش وعي الجماهير حول القضايا والمواقف ومواقع القوى والأفراد، وتخدرهم بمظنة وجود حلولٍ مختصرةٍ، وبوجاهة الاعتماد على القوى الحليفة، وحين تفشل المراحل التي تعقب هذه الثورات فإنها ترجعها لأخطاءٍ في التكتيكات أو التفاوض أو الأشخاص أو نصوص الاتفاقات أو تنفيذها، يمكن تلافيها في المرة القادمة. الإصرار على تكرار محاولة تحقيق هذه الوحدة مرةً بعد أخرى هو ضربٌ من الجنون وتجريب المجرب.
المبادرة تؤكد أن استعادة الوحدة التي أسقطت البشير ضروريةٌ الآن لإيقاف الحرب واستعادة الثورة، وهذا يعني عملياً وحدةً بين الحزب الشيوعي وتحالف قوى التغيير الجذري، الذي أشير له بـ "قوى ومنظمات التغيير الجذري"، من جانبٍ، وقحت/تقدم (والآن صمود) التي يمكن أن تدخل تحت مظلة "القوى السياسية الوطنية والقوى المدنية وحركات الكفاح المسلح والكيانات المهنية والمطلبية". ولأن ممارسات ومواقف قحت ونقد الحزب الشيوعي لها ما زالت حيةً في ذاكرة جماهير الحزب والشعب السوداني خارج قحت، فقد طلبت المبادرة من القوى السياسية النقد الموضوعي لتجربة الفترة الانتقالية كمقدمةٍ للوحدة.
ويبدو هذا الطلب (الشرط؟) ضعيفاً وقابلاً لتجاوزه في أولى خطوات الوحدة. فبإمكان قحت – إن أرادت الاستجابة لهذه المبادرة – إعادة التباهي بأنها نظمت ورشةً غير مسبوقةٍ لتقييم الفترة الانتقالية نشرتها في كتابٍ من 600 صفحةٍ، رغم النواقص الكبرى التي شابت تلك الورشة وما نتج عنها. وتكفل المبادرة قبول هذا التبرير، فالحزب الشيوعي نفسه لم يقم بنقد تجربة تحالف قوى التغيير الجذري، كما أن النقد الخجول الذي قدمه لمواقفه أثناء الفترة الانتقالية لا يختلف عن ورشة قحت إلا اختلاف مقدار، فالحزب لم يقم بَعدُ بِنَقد أدائه في تلك الفترة، مستقلاً وضمن تحالفات، بصورةٍ وافيةٍ، ولم يقم بِنَشر تفاصيل الأحداث والمواقف ولا محاضر الاجتماعات والتفاوض والنقاشات، كما أنه قام بتأسيس تحالف قوى التغيير الجذري على نفس شكل قحت. والدليل الأبرز على قصور نقد الحزب هو مبادرته هذه.
تعكس الأخطاء الواردة في نص المبادرة وهيكلها المرتبك ضعفها السياسي وتخبطها. من ذلك أنها تذهب في تفصيل أهداف لثورة ديسمبر موحيةً بكونها أهدافاً متفقاً عليها بين قوى الحرية والتغيير. والحقيقة أن تلك الأهداف لم ترد في إعلان الحرية والتغيير، ولم تلتزم أو تدع لها قحت أو الحكومة الانتقالية، بل بذلتا جهداً عظيماً في مهاجمتها وتسفيه القوى الداعية لها، ومنها قطاعاتٌ واسعةٌ من الجماهير ولجان المقاومة، إضافةً للحزب الشيوعي. أبلغ من ذلك أن قحت وحكومتها الانتقالية تراجعتا عن تنفيذ بنود إعلان الحرية والتغيير – وهو أقل جذريةً بكثيرٍ من الأهداف التي أوردتها المبادرة – ولم تبد قحت/تقدم/صمود أي إشارةٍ فيما بعد إلى أنها ترغب في مراجعة موقفها من هذه الأهداف.
ومن ذلك أيضاً إشاراتٌ لمواثيق لجان المقاومة والجبهة النقابية والتغيير الجذري التي هاجمتها أو تجاهلتها قحت/تقدم/صمود، وذكرٌ لسياساتٍ بديلةٍ تنصل عنها رئيس وزراء الانتقال إبان توليه منصبه، ثم تراجع هو وقحت عنها سياسةً سياسةً حتى الانقلاب، ولميثاقٍ يوحي نص المبادرة أنه تم توقيعه مع إعلان قوى الحرية والتغيير في يناير 2019، وهو ما لم يحدث.
كما تخص المبادرة بالذكر قضايا غير مترابطةٍ دون منطقٍ يوضح لماذا هذه القضايا وليس غيرها، ولماذا هذا التفصيل، مثل مهام المجلس التشريعي والتمييز الإيجابي للنساء. وتختتم المبادرة بالمؤتمر الدستوري، حجوة أم ضبيبينة التي تصر عليها أدبيات الحزب الشيوعي دون الاستفادة من دروس عشرات الوثائق الدستورية التي توافقت عليها القوى السياسية طوال تاريخنا الحديث، ثم اتضح أنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
أسئلة للإجابة
في قسم المبادرة الأهم الذي يتناول تكوين الجبهة الجماهيرية القاعدية العريضة لوقف الحرب، والمفترض أن يحدد واجباتٍ واضحةٍ للسودانيين والسودانيات أفراداً وجماعاتٍ، تبدو عدة تناقضات حول طبيعة الحرب وأدوار الأطراف المختلفة فيها، محليةً وخارجيةً. ويغيب تقديم وتحليل ونقاش سيناريوهات إيقاف الحرب، والمهام التي يمكن أن تقوم بها جماهير وقوى الشعب السوداني لتحقيق أفضل النتائج الممكنة بحسب هذه السيناريوهات.
مثلاً، تبدو المبادرة – والعديد من مواقف الحزب – ملتبسةً في علاقة الخارج بالداخل في الحرب، وكيفية تعاطي الجماهير مع الخارج لإيقافها. فرغم وثيقة الحزب الشيوعي المهمة " خمس سنواتٍ من اندلاع الثورة – عامٌ من الحرب" التي تناولت الوضع الدولي، إلا أنه ليس هناك تحديدٌ لحلفاء الطرفين الخارجيين ولا لأدوارهم، ولا توضيحٌ لواجباتٍ تستطيع الجماهير القيام بها لتجبر الطرفين والحلفاء على إيقاف الحرب، ولا شرحٌ لكيف توحد جهودها لـ "هزيمة التآمر والمخطط الخارجي" مع قوىً نعلم يقيناً اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى رضاها أن تكون دميةً لدى هذا الطرف الخارجي أو ذاك. كما لم يقدم الحزب آراءً واضحةً من الدروس المستفادة من تجارب العالم في مسائل خطيرةٍ مثل التدخل الدولي وحظر الطيران وتسليح الأطراف المتقاتلة.
حرب 15 أبريل هي مجموعة حروبٍ متعددةٍ ومتداخلةٍ ومعقدةٍ ومتحورةٍ، أدخلت باندلاعها واستمرارها البلاد وشعبها في محنةٍ لا يدل التاريخ والتحليل الموضوعي أن التعافي منها وتحقيق السلام الدائم العادل ممكنان قبل عقودٍ قادمةٍ. ولذلك فلا ينبغي تجنب طرح الأسئلة الصعبة ونقاشها بصورة جادة بما في ذلك الإقرار بأننا لا نملك إجاباتٍ عليها. الأسئلة التي يجب أن تكون هاديةً لنقاشات الحزب والقوى السياسية ومبادراتها حول الحرب يجب أن تنطلق من كيف يمكن حفظ حياة الناس وسلامتهم وممتلكاتهم وسبل عيشهم الآن وفي المستقبل، وما هي الأطراف التي يمكن أن تقوم بدورٍ في تحقيق هذه الأهداف، وما هي الأفعال التي يمكن للجماهير القيام بها لتحقيقها.
بالنظر عبر هذا الإطار ربما رأينا شعار "لا للحرب" شعاراً صحيحاً قابلاً للتنفيذ قبل قيام الحرب وفي أيامها الأولى – بما يعنيه من دعوة المتقاتلين لوقف إطلاق النار فوراً. وربما كانت الدعوة للتفاوض التي تستتبع الشعار صحيحةً وقابلةً للتنفيذ حينذاك أيضاً – بما تعنيه من تفاوضٍ بين المتقاتلين لا يمكن أن يفضي إلا لعودة الأمور لما كانت عليه قبل 15 أبريل مباشرةً.
ولكنهما أُفرغا من أي معنىً وقدرةٍ على حفظ حياة الناس وسلامتهم بعد تلك الأيام الأولى مع تمدد الحرب جغرافيةً وبأساً. وانضمت "لا للحرب" لقائمةٍ من الشعارات الجذابة الصحيحة المتفق عليها والعاجزة بذاتها عن القيام بأي فعل، من شاكلة السلام سمح، ووحدتنا في تنوعنا، والعدل أساس الملك. وانضمت الدعوة لمائدة التفاوض التي تنتهي عندها كل الحروب لقائمةٍ مشابهةٍ من الوسائل التي لا يرفضها عاقل، ولكنها لا تعني أي فعلٍ محددٍ، مثل العدالة الانتقالية، والمؤتمر الدستوري، وقسمة السلطة والثروة.
لم تتواضع القوى السياسية – بما فيها الحزب الشيوعي – حينذاك بالاعتراف لشعبنا بعجزها عن إيقاف الحرب، وأن قرار الحرب ووقفها بيد حملة السلاح وداعميهم من القوى الأجنبية. ولم توضح كيف يمكن للجماهير أن تُنَزل "لا للحرب" لبرامج وأفعال يمكن أن تُوقف إطلاق النار وتحمي حياة الناس، ولم تُفَصل المآلات المحتملة لمفاوضات سلامٍ بين الجيش والدعم السريع، وهل من بينها عودة الجيش للثكنات، وحل مليشيا الدعم السريع، وتخلي الطرفين – أو أحدهما – عن السلطة والاقتصاد، وتقديم قادتهما مجرمي الحرب الانقلابيين للمحاسبة؟
لم يكن مطلوباً من الحزب الإجابة على كل تلك الأسئلة، ولكن عدم قيامه بطرحها أبعده عن الجماهير المكتوية بنار الحرب أو التي تحسست لهيبها، وصرفه عن السعي لتقديم برنامجٍ عمليٍّ مبنيٍّ على "لا للحرب" قابلٍ للنقاش والتحقيق، يمكن أن يحشد دعم الذين تتهدد الحرب أرواحهم كل ساعةٍ، ومستقلٍ عن الصورة الشائهة للشعار التي أسهمت في رسمها مواقف قحت/تقدم/صمود وأخطاؤها، مثلما أسهمت في زيادة الاستقطاب وعودة الروح لجسد الكيزان ونظامهم المتعفنين.
ليس هناك توهمٌ أن الجماهير وهي تصارع للبقاء تنتظر تنظيراً سياسياً أو إرشاداتٍ من أحدٍ، ولكنها لن تنسى مواقف القوى السياسية في أعسر لحظات بقائها. كما أن هناك كثيرين خارج مناطق الحرب المباشرة ممن يبحثون عن ما يمكنهم القيام به لإيقافها.
لا يمكن إنكار تناول الحزب الشيوعي لمهام حفظ الحياة وسبل البقاء، وإسهام كادره مع الجماهير في مبادرات غرف الطوارئ وتقديم خدمات الطعام والمأوى والمسارات الآمنة والصحة والتعليم وغيرها، ولكنه تحاشى الإقرار الصريح بأن هذه المهام تعمل في مستوىً مختلفٍ عن إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار الذي كان يبتعد كل يومٍ أكثر عن متناول القوى السياسية المدنية، ويقترب من قوىً دوليةٍ يمكن الزعم بأن بعضها أكثر قدرةٍ على اتخاذ هذا القرار من الأطراف المتحاربة نفسها. ولم يصرح الحزب أنه وإن توقفت الحرب على أيادي المتحاربين أو القوى الدولية، فإن ما سيتحقق في المدى القصير ليس سلاماً بل هدنةٌ مؤقتةٌ، وأن ما يمكن لجماهير الشعب وقواه السياسية أن تقوم به الآن العمل على بناء واقعٍ جديدٍ تملكه الجماهير ينطلق من القواعد لمستقبلٍ قد يبعد بعدد السنين ولكنه يظل قريباً بعمر الشعوب.
من الأسئلة الواجب طرحها ونقاشها، خيارات الشباب والجماهير من الثوار وغيرهم، الذين لم تكن "لا للحرب" لتنجيهم حين ووجهوا بمقاتلين من دمٍ ولحمٍ وسلاحٍ وعنفٍ بالغٍ، تابعين لمليشيا فقدت السيطرة والتحكم في قواتها، فتحولت إلى مليشياتٍ متعددةٍ تجند مقاتلين برخصةٍ مفتوحةٍ للتغنم، نهباً وسلباً وخطفاً واغتصاباً، بدلاً عن المرتبات العالية التي عرفت بها فيما مضى (مقارنة بمرتبات القوات المسلحة). ويتبع ذلك نقاش الموقف ممن رأوا أن لا خيار أمامهم إلا حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم، بدلاً عن انتقادهم وتسفيههم والحسرة عليهم، ونقاش خياراتهم في حمل السلاح، بين الانضمام للقوات المسلحة أو لمليشياتٍ قائمةٍ أو تكوين مليشياتٍ مستقلةٍ. ومناقشة أوضاع المواطنين الذين يتعرضون لهجمات القوات المسلحة والمليشيات المقاتلة معها، والمواطنين الذين اضطروا للبقاء في مناطق سيطرة المليشيا.
ومما لا يمكن تبريره تقصير الحزب الشيوعي عن التحليل الماركسي للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لمظاهر تحقق ثورة الجياع المسحوقين بما يسهم في تخفيف الحنق الاجتماعي من كادحي الشعب الذين فقدوا ممتلكاتهم على يد من هم "أكدح" منهم.
يجب على الحزب والقوى السياسية أيضاً مناقشة احتمالات وقف إطلاق النار بشفافيةٍ مع جماهير الشعب السوداني، وهل يمكن ذلك بدون التواصل والحوار مع الأطراف المتقاتلة وداعميهم محليين ودوليين، ومن يمكن أن يضطلع بهذه المهام، ومتى، وشروط وحدود هذه الحوارات، وهل يشمل الحوار كوادر المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. وعلى الحزب يقع واجب القيام بتحليلٍ موضوعيٍّ مستندٍ على المنهج الماركسي للقوات المسلحة وقيادتها وأفرادها، والحركات المسلحة والمليشيات المتحالفة معها، ومقاتلي مليشيا الدعم السريع، ومواقف جماهير الشعب السوداني من هؤلاء جميعاً الآن وفي المستقبل.
تظهر المبادرة أن الحزب الشيوعي متنازعٌ بين ممارسة السياسة التقليدية الرسمية، بطريقتها الفوقية التي تدار في غرفٍ مغلقةٍ، بين مسميات أحزابٍ وأجسامٍ وشخصياتٍ، يستمد بعضها شرعيته من الخارج، ومخترقةٍ حتى النخاع بالأجهزة الأمنية الكيزانية، وبين ابتدار طريقٍ مختلفٍ صعبٍ وطويلٍ، ولكن رفقته الجماهير الواصلة ولو بعد حين.
لا تخوين بالضرورة لأصحاب الخيار الأول، ولكن التفرقة واجبةٌ بين إمكانيات التغيير والوسائل والمدى الزمني والحلفاء للخيارين. فإذا عزم الحزب على الأول، فليتوكل، وليقارع الكناتين الداخلية والمزادات الخارجية، خابراً أساليبها الانتهازية المتعجلة والمراوغة. أما مواصلة كونه الاثنين معاً، فتستوجب تقييماً صارماً لتاريخ وحاضر الحزب والسودان، وموازنة الجهد المبذول مع النتائج المتوقعة.
ومهما كانت خياراته، يعلم الحزب يقيناً أنه لن ترضى عنه الأحزاب ولا المجتمع الدولي والإقليمي، وأن طريق الشعب أوسع من زحام الضيق وقلب الشعب أرحب من رحاب الضو.
رابط المبادرة:
https://www.facebook.com/share/p/15mqYx8ivK/
husamom@yahoo.com