بيروت- تساور اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مخاوف حقيقية على مصيرهم، وخشية من تفاقم معاناتهم الخدماتية والإنسانية والاقتصادية، عقب قرار أكثر من 16 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" المسؤولة عن رعايتهم وتشغيلهم، بعد اتهام إسرائيل 12 موظفا في الوكالة بالمشاركة أو بتأييد معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تأسست "أونروا" في عام 1949، وفوّضتها الأمم المتحدة بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المسجلين في مناطق عمليات الوكالة، والتي تشمل: الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا، حتى يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم من النكبة واللجوء.

ولسنوات عديدة، حاولت إسرائيل بشكل سري وعلني، وبدعم من الولايات المتحدة، إيقاف تمويل وكالة الأونروا، بهدف إنهاء نشاطها وتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة.

وقد بلغت هذه المحاولات ذروتها خلال فترة رئاسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي أطلق ما يعرف بـ"صفقة القرن"، وقام بتعليق الدعم المالي للوكالة، الذي كان يمثل حوالي ثلث ميزانيتها آنذاك، والذي كان يُقدر بنحو 350 مليون دولار.

جولة تفقدية للمفوض العام للأونروا (الثاني من اليمين) مع اللجان الشعبية للتأكد من جاهزية المدارس في مخيم عين الحلوة (الجزيرة) الفلسطينيون في لبنان

لا يزال مدى تأثير هذا القرار على اللاجئين الفلسطينيين في الشتات غامضا حتى اللحظة، وخاصة في لبنان؛ حيث يبلغ عددهم 489 ألفا و292 شخصا وفقا لإحصائيات مارس/آذار 2023.

ويعيش حوالي 250 ألف لاجئ معتمدين على خدمات الوكالة في المجالات الصحية والتعليمية والمالية، بينما يظلون محرومين من حقوقهم المدنية والإنسانية من قبل الدولة اللبنانية، نتيجة للتركيبة السياسية والديمغرافية الصعبة في المنطقة.

يقول مسؤول الروابط ولجان الأحياء في العمل الجماهيري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بلبنان، فضل طه، إن "قرار تعليق تمويل الأونروا غير مبرر، ويطرح تساؤلات حول خلفيته الحقيقية، إذ جاء مفاجئا وجماعيا دون تقديم أي تفسير منطقي، سواء من إسرائيل أو من أميركا التي سبق وقدمت صفقة القرن ووقف التمويل كجزء من فكرة إلغاء الأونروا".

وأضاف طه، في حديث للجزيرة نت، أن هذا القرار ستكون له تأثيرات سلبية على الأونروا وعلى مجتمعات اللاجئين والحكومات المستضيفة. ويرى أنه "يتسق مع الاحتلال الصهيوني الذي يرتكب جرائم قد تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني"، ويشير إلى أنه جاء بعد قرار محكمة العدل الدولية ودعوتها لزيادة المساعدات الإنسانية عبر الوكالة نفسها.

ويؤكد طه أن "هذه الدول التي قررت وقف التمويل تتماشى مع سياسة الكيان الصهيوني، التي تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين، وإنهاء عمل الوكالة كرمز تمثله، وإذا تم تنفيذ هذا القرار، سيصبح اللاجئون الفلسطينيون ليسوا لاجئين فحسب، بل مشردين في مختلف أنحاء العالم اقتصاديا واجتماعيا وهوياتيا، وهو أمر غير مقبول". وعبر عن تمسك "حماس" بـ"الأونروا" كشاهد حي على قضية اللاجئين حتى عودتهم وتحرير أرضهم.

ويقول الأمين العام للجان الشعبية الفلسطينية في لبنان عبد المنعم عوض للجزيرة نت، إن "القرار يشمل جميع أقطار عمل الأونروا في الداخل الفلسطيني والشتات، نظرا لأن الميزانية موحّدة وتوزع وفقا للبرامج والطوارئ والمشاريع".

ويضيف أنه "حتى إذا كان القرار يشمل غزة فقط، يظل من واجبنا الوقوف مع أهلها، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي الذي يتسم بالإبادة الجماعية، وتهديد المجاعة الذي يلوح في الأفق".

ووصف عوض قرار الدول تعليق مساعداتها بـ"الجائر؛ إذ لم تنتظر التحقيق النهائي بحق المتهمين، بينما استعجل المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، اتخاذ قرار بإنهاء عقود المتهمين على مجرد تهمة إسرائيلية، وهو ما نرفضه".

وعبّر عن مخاوف اللاجئين الحقيقية من تداعيات هذا القرار على خدماتهم في لبنان، في ظل الأزمة المعيشية الخانقة، التي زادت من نسبة الفقر المدقع بينهم.

وذكّر أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان للجزيرة نت، بسعي إسرائيل الدائم لإنهاء عمل الوكالة. لكنه أكد أن "الأونروا محمية بالقرار الدولي 302، ولا يمكن إلغاؤها إلا بقرار مماثل من الجمعية العامة للأمم المتحدة".

قرار وقف تمويل الأونروا ستكون له تداعيات خطيرة على حياة اللاجئين الفلسطينيين (الجزيرة) العودة إلى المدارس

من جهة أخرى، أعادت "الأونروا" فتح أبواب 3 مدارس في مخيم عين الحلوة، بعد نقل طلابها إلى المدارس المجاورة في مدينة صيدا، عقب الاشتباكات الأخيرة التي وقعت في المخيم بين حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" و"تجمع الشباب المسلم" في 30 يوليو/تموز 2023، وأدت إلى تضررها بشكل كبير أو جزئي.

وعلمت الجزيرة نت أن جدلا كبيرا دار بين القوى الفلسطينية، بين مؤيد لإعادة افتتاحها، وبين داع إلى التريث ارتباطا بالوضع الأمني الهش، بعد سلسلة من الإشكالات المتنقلة والتي أثارت المخاوف.

ودفع هذا الوضع مديرة الوكالة في لبنان دوروثي كلاوس، إلى القيام بجولة زيارات لاستماع آراء الفاعلين المحليين، قبل أن يتم الاتفاق على إعادة افتتاح المدارس بدعم من السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، و"بعد الحصول على ضمانات أمنية للحفاظ على الاستقرار في المخيم"، وفقا لبيان رسمي صادر عن الوكالة.

وشملت المرحلة الأولى من الافتتاح 3 مدارس فقط من بين 8، تقع في مجمعين تربويين بين منطقة الطوارئ (الشارع الفوقاني) وبستان القدس، بعد تطهيرها من الذخائر غير المنفجرة وإعادة تأهيلها.

ومن المتوقع أن يتم افتتاح المدرسة الرابعة "مرج بن عامر" يوم الاثنين المقبل بعد الانتهاء من صيانتها، بينما لم تتسلم الأونروا المدارس الأربع الباقية بعد بسبب استمرار إغلاق الطريق إلى منطقة الطوارئ.

ويؤكد مسؤول الجبهة الديمقراطية في مخيم عين الحلوة فؤاد عثمان للجزيرة نت أن "افتتاح المدارس خطوة على طريق افتتاح جميع المدارس، وضمان استمرار العملية التربوية في المخيم وفقا لما كانت عليه سابقا".

ويركز على أن "الجهود تتم على محورين؛ الأول هو الضغط على إدارة الأونروا لتسليم المدارس الباقية، لمنعها من التجاوب مع الحفاظ على الإغلاق وتأخير إعادة افتتاحها، وفقًا لما ألمحت إليه المديرة كلاوس، والثاني هو بذل الجهود لإعادة فتح الطريق إلى منطقة الطوارئ، حيث وعدت حركة فتح بمناقشته مع أهالي الشهداء الذين سقطوا في الاشتباكات الأخيرة".

وشدد عثمان على أن الوضع الأمني في المخيم مستقر، مشيرا إلى أهمية إعادة فتح المدارس كوسيلة لاستئناف الحياة بشكل طبيعي، وتوفير نفقات الانتقال إلى المدارس على أهالي الطلاب والأونروا على حد سواء.

كما أشار إلى "ضرورة وقف حجج التسويف المستمرة التي تتعلق بنقل الطلاب إلى مدارس الأونروا، في منطقة الفيلات وصيدا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اللاجئین الفلسطینیین هذا القرار للجزیرة نت فی المخیم فی لبنان

إقرأ أيضاً:

الأزمة المتفاقمة: اللاجئون السودانيون في تشاد يواجهون نقص الغذاء وتدهور الرعاية الصحية

تقرير: حسن إسحق

مع استمرار تصاعد الأزمة الإنسانية في السودان، ترسم محنة آلاف اللاجئين السودانيين في تشاد، صورة قاتمة وسط تدهور الأوضاع. يواجه اللاجئون نقصا غير مسبوق في الغذاء وانهيارا في القطاع الصحي. وقد أصدر قادة المخيمات المحلية نداءات عاجلة للحصول على المساعدة من المنظمات الدولية، ولكن صرخاتهم لم تلق آذانا صاغية.

في تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أواخر شهر يونيو 2024، بعنوان ’’ في مواجهة الحزن والجوع، يأمل السودانيون في تشاد الا ينساهم العالم ‘‘، أكدت المفوضية أكثر من 600,000 لاجئ سوداني جديد في تشاد، مع استمرار تدفق اللاجئين كل يوم، مشيرة إلى أن الوكالات الإنسانية التي تعاني من نقص التمويل تكافح من أجل تقديم المساعدة الكافية.

وتعتبر مخيمات اللاجئين تذكير مأساوي بتأثير الصراع المستمر في السودان، وقد أدى غياب المساعدة من المنظمات الدولية إلى تفاقم حالة سكان المخيم مع تزايد سوء التغذية والمرض، وقد أدت طبيعة الأزمة الإنسانية إلى تساؤلات حول التزام المجتمع الدولي بمعالجة هذه الحالة الطارئة والآثار الأوسع نطاقا على العدالة الجنائية الدولية وإمكانية محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والصراع الذي أدى إلى تشريد هؤلاء الناس.
في مخيم تولوم بشرق تشاد، يواجه أكثر من 8,000 لاجئ سوداني ظروفًا إنسانية قاسية، مع زيادة قدرها 3,000 لاجئ عن العام الماضي.
يعاني اللاجئون من نقص حاد في الغذاء والرعاية الصحية، ورغم المناشدات المستمرة من قادة المخيم، لم تصل أي مساعدات دولية منذ فبراير الماضي. هذا الوضع يعكس التحديات المتزايدة التي يواجهها اللاجئون، حيث لم تقدم المنظمات الإنسانية أي دعم ملموس رغم الحاجة الملحة، بحسب تصريحات ممثلي اللاجئين.
كما يأوي المخيم 18 ألف لاجئ جديد فروا بسبب الحرب الأخيرة في أبريل، بالإضافة إلى لاجئين قدامى منذ عام 2003 نتيجة النزاع في دارفور. يعاني اللاجئون أيضًا من نقص المياه الصالحة للشرب وسوء المعاملة من مشرفي المخيم، مطالبين بتوزيع الغذاء وتوفير المأوى.

تصريحات قادة اللاجئين وطلب الدعم النفسي
أكد أدم أحمد محمد، ممثل اللاجئين الجدد، في مخيم تولوم، أن غياب المساعدات الدولية أدى إلى تفاقم الأزمة اليومية، حيث ازدادت حالات سوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال، وتدهورت الحالة الصحية بسبب نقص الأدوية.
من جانبها، ناشدت خديجة يعقوب (إسم مستعار) لاجئة من معسكر تولوم، الجهات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين، خاصة للنساء اللواتي عانين من تجارب قاسية نتيجة الحرب. أكدت خديجة على ضرورة تقديم العلاج النفسي في هذه المرحلة الحرجة، مشيرة إلى أن الفظائع التي ارتكبتها المليشيات في دارفور خلّفت جروحًا نفسية عميقة تحتاج إلى معالجة.

الأوضاع الصحية والخدمات المحدودة
الأوضاع الصحية في المخيم آخذة في التدهور، حيث يعاني اللاجئون من نقص حاد في الأدوية والكوادر الطبية، مع انتشار الأمراض الناتجة عن تلوث المياه وسوء التغذية. ووفق تقارير، يتم استخدام عربة بدائية تُعرف بـ"الكارو" لنقل النساء الحوامل والمرضى إلى مستشفى يبعد كيلومترين، ولكن هذا الحل المؤقت يفتقر لمعايير السلامة ويعرض حياة النساء الحوامل للخطر. بالإضافة إلى ذلك، تزداد الحاجة إلى الدعم النفسي والاجتماعي مع استمرار تدهور الوضع.

المقارنة بين مخيم تولوم والمخيمات الأخرى
مخيم تولوم يعاني من ظروف إنسانية متدهورة مقارنة بالمخيمات الأخرى في تشاد، حيث لم تتلقَ أي مساعدات دولية منذ فبراير، في حين أن بعض المخيمات الأخرى قد تلقت مساعدات محدودة. ومع ذلك، يشترك الجميع في مواجهة تحديات نقص التمويل والتدهور الصحي.

زيارة منظمة الصحة العالمية
في سبتمبر 2024، زار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تشاد، حيث التقى بالرئيس محمد إدريس ديبي لمناقشة التعاون الصحي ودعم اللاجئين. خلال الزيارة، تم الإعلان عن تبرع بقيمة 1.87 مليون دولار من الأدوية لدعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
وعلى الرغم من ذلك، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن استمرار الحرب في السودان يهدد بإحداث أزمة جوع عالمية كبرى، حيث نزح أكثر من نصف مليون لاجئ إلى تشاد.
ومن جانبه، شدد الرئيس ديبي على أهمية هذه الزيارة، مؤكدًا أنها تأتي في وقت حرج للاطلاع على الأوضاع الصعبة التي يمر بها اللاجئون السودانيون، خصوصًا من الناحية الطبية والإنسانية، في ظل التحديات التي تواجههم في شرق تشاد.
وفي وقت سابق من هذا العام، أوضحت الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في السودان تحتاج إلى تمويل يصل إلى 4.1 مليار دولار، بما في ذلك 1.4 مليار دولار لدعم اللاجئين في تشاد ودول الجوار. إلا أن نقص التمويل يعوق الجهود الإنسانية، مما يزيد من تفاقم الوضع في مخيمات مثل تولوم. كما انخفضت أيضًا المساعدات المقدمة لآلاف الأسر في معسكرات أخرى مثل حجر جديد، مما أدى إلى زيادة الاحتياجات الأساسية.

الوضع الأمني المتدهور
إلى جانب التحديات الصحية، يعاني اللاجئون في مخيم تولوم من انعدام الأمن. حيث تعرض قادة المجتمع المحلي للتهديدات والاعتداءات المسلحة، مما زاد من حدة الضغوط على اللاجئين وجعل الوضع أكثر خطورة.
أثارت هذه الأزمة تساؤلات حول مدى التزام المجتمع الدولي بحماية حقوق اللاجئين وتقديم الدعم اللازم لهم. يطالب اللاجئون في مخيم تولوم بمحاسبة الأطراف المسؤولة عن الحرب في السودان، والعمل على إيجاد حلول عاجلة لتخفيف معاناتهم الإنسانية.

ishaghassan13@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • الأزمة المتفاقمة: اللاجئون السودانيون في تشاد يواجهون نقص الغذاء وتدهور الرعاية الصحية
  • قرار هام من وزير التعليم بشأن الدارسة بالمدارس الرسمية للغات والمتميزة
  • لحل كثافة الفصول.. «التعليم» تطبق نظام الفترتين على المدارس التجريبية
  • إيران في دائرة المواجهة.. كيف سيتأثر اقتصاد كردستان بالأحداث الإقليمية الجارية؟
  • الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعلن عن تقديم خمسة ملايين دولار لدعم اللاجئين السودانيين في ليبيا
  • اتفاقية لتقديم المساعدات الإنسانية لأبناء غزة عبر "الأونروا" في لبنان
  • مفوضة اللاجئين: أكثر من 30 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا
  • اللاجئون السودانيون في مصر.. صعوبات تعرقل تسجيل أطفالهم بالمدارس
  • مفوض الأونروا: التخلص من الوكالة أصبح أحد أهداف الحرب في غزة
  • وزير التعليم: 20% من مجموع الشهادات الدولية سيخصص لمادتي اللغة العربية والتاريخ