نزار حسين راشد حادثة سطو صغيرة على ممتلكات المدرسة أثارت سخط وحنق المدير، الذي أقسم بتربة جدّه أن يعرف الفاعل، وصرّح أن مايؤرقه فعلاً هو أن يعرف فيما إذا كان الفاعل أو الفعلة من اللصوص العاديين وفي هذه الحالة لن يكون للأمر كبير أهمية وسيكتفي بإبلاغ البوليس ليتولوا الأمر، أما إذا كان أو كانوا من طلاب المدرسة فسيكون له معهم شأن آخر، واتخذ سير التحقيق منعطفاً جادّاً حين أبلغه أحد الطلاب أن الطالب صقر يسكن في الجهة المقابلة للمدرسة تماماً ولا يفصله عنها إلا عرض الشارع، وأنه من شرفة بيته حيث يسكن في الطابق الثاني، يستطيع أن يرى كل ما يحدث في ساحة المدرسة هذا إذا كان حاضراً، قالها الطالب تخليصاً لضميره وأبدى تحفظه لافتاً نظر المدير، أنه ربما كان نائماًحيث أن التسلل والسرقة حدثا تحت جنح اللبل.
في الحقيقة كان المدير يعاني من وخز الضمير، حيث أنه هو الذي منع تعيين حارس ليلي، وأمر بإطفاء الإنارة في ساحة المدرسة في الليل، توفيراً لميزانية المدرسة! استُدعي صقر على عجل ليمثل أمام المدير، صقر الذي لم كان يكتم شيئاً ربما تفضحه نبرة الصوت أو كلمة فالتة او زلّة لسان، قدّر أنه إذا اختار المخرج الأسهل وأنكر معرفته بأي شيء فربما يثير هذا ريبة المدير خاصة أنه من النوع اللحوح والشكّاك، ولذا فقد صرّح بأنه أرق في تلك الليلة وكان ساهراً على الشرفة يتنسم الهواء، وأنه في ساعة متأخّرة في تلك الليلة ميّز بصعوبة ثلاثة أشباح يقفزون من فوق سور المدرسة ولكنهم لاذوا وراءها بعد ذلك، واعتقد أنهم فارون من شيء ما أو أنهم سيعقدون سهرة شرب كحول بعيداً عن الأعين ولم يخطر له موضوع السرقة على بال. – حسناً يا صقر! هل تستطيع أن تصف لي ملامحهم؟ – بالطبع يا سيدي، فقد كان أحدهم طويلاً والآخر قصيراً أما الثالث فمربوع! وأردف المدير الذي نفد صبره: – غير ذلك يا صقر، ملامحهم سمر بيض، شعرهم جعدي أملس، لباسهم، ماذا كان يرتدون؟ – كيف لي أن أعرف ذلك يا سيدي، فقد كانت الدنيا ليلاً والظلام دامساً إضافة إلى أن أضواء الساحة كانت مطفأة، ولا أعرف من هو ابن الحرام الذي أطفأها بعد ساعات الدوام! عند هذه العبارة تجهمت ملامح المدير ولكنه كظم غيظه وبالكاد نطق بأي شيء، فأوقف المساءلة عند هذه النقطة وأمر صقر بالانصراف: – شكراً لك يا صقر، كفّيت ووفيت. فيما تلا ذلك من أيام، لم يوفر طلاب المدرسة صقرا ً وظلوا يطاردونه متندرين: – قصير وطويل ومربوع! أحلى وصف. وأطلقوا عليه ألقاباً، مرة كونان ومرة توغو موري ومرة شرلوك هولمز! أما صقر فبينه وبين نفسه، فقد أدهشه أن المدير غفل عن السؤال الأهم وهو هل كانوا من طلاب المدرسة أم من الغرباء وهو الأمر الأجل الذي كان يؤرقه، ولعل وصفه لهم بقصير وطويل ومربوع جعله يعتقد أنه لا فائدة من مثل هذا السؤال! في الحقيقة فبينه وبين نفسه فقد كان صقر يعرف أنهم من طلاب المدرسة، فقد كان ضوء القمر غامراً في تلك الليلة وهذا أيضاً ما غفل عنه المدير ، أما ما منع صقر أن يبوح بأسماءهم فهو إشفاقه على والديهم فأحدهم كان عامل نظافة، والآخر بعين واحدة والطلاب لا يكفون عن تعييره: يا إبن الأعور، أما والد الثالث فقد كان مراسلاً في المدرسة نفسها، ولم يرد صقر أن يضيف آلاماً إلى آلامهم ويجعل حياتهم جحيماً ببن الطلاب الذين لن يكفوا عن تعييرهم والتنمر عليهم، فقال بينه وبين نفسه: اللي فيها مكفبها. ومع ذلك فقد ظل يحيك الأمر في نفسه هل فعل الصواب أم لا، إلى أن جاء يستفتيني ذات يوم لأنني ربما كنت الوحيد من بين الطلاب الذي أحرص على صلاة الجماعة، فأنهى إلي بالسؤال هامساً متلجلجاً: – هل ما فعلته حرام أم حلال؟ ربّتّ عل كتفه مطمئناً: – من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة! كنت لا أزال في جلستي بعد الصلاة، فأهوى مقبلاً رأسي وهرول خارجاً متهلل الوجه مستبشر الملامح ولم يُحدث للأمر بعد ذلك ذكرا.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
عماد الدين حسين: دمج الفصائل في جيش واحد بسوريا خطوة إيجابية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، إن إعلان الإدارة الجديدة في سوريا عن دمج جميع الفصائل تحت مظلة عسكرية واحدة يُعد خطوة جيدة، لكن الأهم هو كيفية تنفيذ هذه الخطوة واستكمالها بشكل صحيح.
وأضاف حسين، في مداخلة هاتفية مع الإعلامية هاجر جلال عبر قناة «القاهرة الإخبارية»:
"هناك مجموعة من التحديات التي تواجه هذا الأمر، التحدي الأول يتعلق بهويات الأفراد المنضمين ومرجعياتهم، وهل سيكون ولاؤهم للجيش الوطني الموحد أم للفصائل التي ينحدرون منها؟"
وتابع: "التحدي الثاني يكمن في طبيعة الإجراء الذي سيتم اتخاذه بحق الجيش القديم، هل سيتم تسريحه؟ هذا سؤال خطير للغاية، خاصة أننا نعلم ما حدث مع الجيش العراقي حينما تم حله في عام 2003، حيث أدى ذلك إلى ظهور منظمات عديدة، بعضها تحول إلى خلايا أساسية للمنظمات الإرهابية".
وأكد حسين: "الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد إمكانية الحكم على هذه الخطوة، لذا، فإن وجود جيش واحد في سوريا يُعد خطوة إيجابية، لكنها بحاجة إلى المزيد من النقاش والفهم".