من اللافت أن إختبار الحرب الذي اندلعت في المنطقة منذ 7 تشرين حتى اليوم، لم يؤثر سلباً على العلاقة الايجابية المستجدة بين المملكة العربية السعودية وإيران، الامر الذي يوحي بأن مسار التواصل والتنسيق بين الطرفين سيصل إلى ترتيب اتفاقات وحلول مرتبطة بمختلف الدول والساحات التي تشهد صراعات واختلافات بين الطرفين او حلفائهما، وهذا يحتاج إلى وقت طويل نسبياً خصوصاً وأن ترتيب اصول العلاقة الثنائية لم ينته بعد.
لكن، إضافة الى هذا المسار الذي بدأ قبل اشهر برعاية صينية، يبدو أن الدولتين الاقليميتين ستخرجان بعد الأزمة والمعارك الحالية أكثر قوة او الأصح اكثر نفوذاً من السابق خصوصاً ان إسرائيل تضررت كثيراً في الحرب الحالية، وستكون مشغولة بشكل كبير بخلافاتها الداخلية والانقسام الداخلي، وعليه ستخرج تل ابيب من دائرة التأثير الإقليمي لعدة سنوات ولن تكون الولايات المتحدة الاميركية راغبة بتأمين الرافعة لها.
في ظل الانشغال الاميركي بكل من روسيا والصين في المرحلة المقبلة، والرغبة الحقيقية بالوصول الى تسوية للقضية الفلسطينية وتكريس التهدئة في المنطقة، ستتمكن السعودية من فرض نفسها كأحد المداخل الإلزامية لحلّ الدولتين، اذ انها ستفتح باب التطبيع العلني في حال تنازلت اسرائيل عن شروطها وقبلت بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم بدولة كاملة الأوصاف، وهكذا تدخل المملكة بأعلى مستوى تأثير إلى الحياة السياسية في الاقليم وترعى الدولة الفلسطينية الجديدة.
وكذلك سيكون وضع إيران، التي تمتلك مفاتيح الاستقرار في المنطقة العربية بشكل كامل، في ظل وجود فصائل عراقية وسورية، اضافة الى "حزب الله" وهم يستطيعون التأثير سلباً على أي تسوية من خلال قدرتهم على فتح الجبهات العسكرية ضدّ اسرائيل نظراً لإمكاناتهم العسكرية الكبيرة، وعليه فإن ايران ستكون جزءاً من التسوية وهي اليوم لم تتأثر بشكل مباشر، بالحرب بين إسرائيل وحماس.
خروج طهران والرياض محصنتان من الحرب، واستمرار مسار التهدئة والتنسيق بينهما سيجعلهما أكثر قدرة على ابتكار الحلول والتفاهم على كيفية ترتيب اوراق المنطقة بشكل يؤمن الربح السياسي لهما معاً، وهذا ما لن يكون للولايات المتحدة الاميركية اي قدرة على تعطيله، لأن اولوياتها ستكون الخروج السريع من المنطقة وتثبيت الاستقرار فيها حتى لو لكان لصالح التفاهم الايراني السعودي ورفع مستوى نفوذ هاتين الدولتين بشكل لافت.
بعد الحرب الأوكرانية والحرب على غزة بدأت مؤشرات النظام الدولي الجديد تظهر جديا، اذ ستكون الدول الاقليمية احدى ركائزه، وهذا ما تمهد له الدول المؤثرة في المنطقة، وتحديدا ايران والسعودية في ظل امكانية حصول تكامل ممكن على الصعيدين السياسي والاقتصادي..
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحدث في المنطقة؟
يمانيون ـ بقلم ـ عبدالرحمن مراد
على مدى فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز عشرة أَيَّـام، تسقط دولة بكل مقدراتها ويغادر رئيسها، ويحدث أن تتحَرّك المعارضة إلى المدن ولا يتجاوز الحدث دور التسليم والاستلام، وكأن الأمر قد دبر بليل والصورة الظاهرة لا تتجاوز الشكل الظاهر للناس، فما الذي يحاك للأُمَّـة؟
تتسع دائرة الأهداف للعدو الصهيوني فيحتل جزءاً كَبيرًا من الأراضي السورية بعد أن دخلت المعارضة السورية إلى دمشق، وتنشط الماكنة العسكرية لتضرب أهدافاً عسكرية ومعامل كيميائية وتشل حركة القدرات والمقدرات التي تراكمت عبر العقود الطويلة، وتتجاوز المعارضة فكرة الفوضى الخلاقة وتمنع المساس بمؤسّسات الدولة، وتتجاوز هيئة تحرير الشام فكرة الغنيمة التي كانت فكرة أصيلة في معتقدها، وتذهب إلى النظام، وحفظ المقدرات، وتعلن إجراءات احترازية لضمان الأمن والاستقرار، ثم تبادر “إسرائيل” لضرب المعامل ومخازن الأسلحة بحجّـة تأمين أمن “إسرائيل”، وضمان عدم وصول الأسلحة للجماعات العقائدية التي استلمت السلطة في سوريا، وتذهب قوات سوريا الديمقراطية المتعددة الأعراق والأهداف إلى خيار التسليم لبعض المدن مع احتفاظها بقرى متاخمة، وعدد كبير من جيش النظام السوري السابق يدخل العراق بكل عتاده، ثم يأتي مستشار الأمن القومي الأمريكي ليزور المنطقة، ويعلن أن ضمان أمن “إسرائيل” فرض ضرورة القيام بعمليات عسكرية احترازية، ويعلن صراحة أن “إسرائيل” أصبحت أقوى من أي وقت مضى.
أخذت الناس نشوة الانتصار ولم يدركوا أبعاد ما يحدث في المنطقة، التي تتعرض لعملية تهجين، وصراع لن يهدأ في المدى القريب المنظور؛ فالسيناريو الذي نشاهد اليوم بعض تفاصيله لا يهدف إلى استقرار المنطقة العربية، ولكنه يمهد الطريق لـ”إسرائيل” كي تكون هي الدولة المهيمنة على مقدرات الأُمَّــة، وعلى أمنها وعلى نشاطها الاقتصادي، والعسكري، وهو المشروع الذي يقف ضده محور المقاومة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي إلى اليوم.
سوريا التي فرح الغالب من الناس بثورتها، وهللوا وصفقوا، لن تصبح دولة موحدة ومستقرة في قابل الأيّام، ومؤشرات ذلك قائمة، وتعلن عن وجودها في الأرض التي تحكمها؛ فقوات سوريا الديمقراطية خليط غير متجانس من جماعات متعددة العرقيات، وهي مدعومة بشكل كلي ومباشر من أمريكا، وهيئة تحرير الشام فصائل متجانسة لكنها تنطلق من عقائد غير موحدة وإن كان يجمعها الإطار السني، لكن تختلف العقائد والمنطلقات وكلّ فصيل له منظوره الذي قد لا يتسق مع ظاهرة الاعتدال التي بدا عليها قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع في الكثير من بياناته والكثير من تعليماته التي صاحبت دخول دمشق بعد تسليم نظام بشار الأسد لها، وفق صفقة وتوافقات تمت بين النظام وبعض الحلفاء كما تقول الكثير من التداولات التي لم يتم تأكيدها، لكن حركة الواقع دلت عليها؛ إذ ليس معقولاً أن يسقط النظام بكل تلك السلاسة والهدوء ودون أية ممانعة أَو مقاومة بأي شكل من الأشكال مهما كانت المبرّرات؛ فبشار الأسد لم يكن ضعيفاً ولكنه يملك مقومات البقاء أَو الصراع على أقل تقدير لزمن محدود لكنه اختزل المقدمات في نتائجها، فرأى التسليم خياراً لا بُـدَّ منه، وقد كان التسليم خياراً قديماً لبشار لولا حزب الله الذي قلب المعادلة في اضطرابات الربيع العربي قبل عقد ونيف من الزمان، ويبدو أن خيار الضغط على بشار قد بلغ غايته مع انشغال حزب الله بحربه مع العدوّ الصهيوني، فكان استغلال الفرصة في سقوط سوريا لأهداف متعددة، وفي المجمل هي أهداف تخدم الوجود الإسرائيلي ولن تمس حياة المواطنين بسوريا بخير ولا تعدهم برخاء ولا برفاه؛ فالمؤشرات التي صاحبت تسليم واستلام السلطة تقول إن “إسرائيل” تريد من سوريا بلدًا منزوع السلاح لا يشكل خطراً على أمنها، كما أن الخيار الدولي يذهب إلى مبدأ التقسيم؛ إذ أننا لن نشهد بلدًا موحدًا كما كان في سالف عهده، بل سوف نشهد بلداً مقسماً تتنازعه القوميات والعرقيات والعصبيات المتعددة وقد يتحول إلى دويلات صغيرة قابلة للتهجين حتى تحقّق “إسرائيل” غايتها في تحقيق دولة “إسرائيل” الكبرى.
السياسة الأمريكية اليوم تحدها موضوعياً أربعة سيناريوهات معلنة وهي:
– السيناريو الأول عدم الاستقرار على نطاق واسع.
– السيناريو الثاني عدم الاستقرار المحلي.
– السيناريو الثالث الحرب الباردة.
– السيناريو الرابع العالم البارد، وهو نتيجة منطقية للسيناريوهات الثلاثة أي الوصول إلى الاستقرار في المستقبل من خلال ثنائية الخضوع والهيمنة للشعوب التي تنهكها الصراعات والفقر.
ومن خلال سياسة عدم الاستقرار الواسعة والمحلية ومن خلال ما يصاحب ذلك من حرب باردة يصل العالم إلى حالة من تهجين الهويات التي سوف تقبل التعايش مع الواقع الذي يفرضه النظام الدولي الرأسمالي، وتعزيز قيم جديدة للمجتمع الحداثي الجديد حتى يكون عنصراً كونيًّا رافضاً الهوية الجزئية، التي تصبح فكرة غير مقبولة في مجتمع الحريات الفردية المطلقة لمجتمع ما بعد الحداثة، الذي يشتغل عليه اليوم النظام الدولي الرأسمالي، وبسبب ذلك سارعت بعض الدول مثل روسيا إلى إعلان فكرة الأمن الثقافي القومي الذي بات مهدّداً من خلال الحرب الباردة التي تنتهجها السياسة الأمريكية في مستويات متعددة منها مجال الآداب وشبكات التواصل الاجتماعي والدراما ذات الأثر الكبير في محتواها الرقمي، فمصطلح “الهجنة ” مصلح جديد يدخل المجال الثقافي ويهدف إلى تحديد نقاط الالتقاء بين الثقافات؛ بهَدفِ تذويب الفوارق لينشأ مجتمع كوني يقفز على فكرة الهويات القومية.
خلاصة الفكرة أن ربيعاً جديدًا قادماً يتجاوز فكرة الفوضى الخلاقة يقوم على تنمية الصراعات ويتخذ من الحرب الباردة سبيلاً للوصول إلى غاياته ومؤشراته بدأت من سوريا.