الحركة الإسلامية التونسية.. الغنوشي ونورالدين بن خضر.. جدل التاريخ والفكرة
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
أوردنا في رأس هذه السلسلة من المقالات قولا للمناضل السياسي والحقوقي نور الدين بن خضر يتضمّن موقفه من راشد الغنوشي ـ المفترض أنّه خصمه السياسي ـ يكاد يناقض موقف عموم اليسار التونسي منه. وقد ورد في حوار كانت قد أجرته معه مجلّة "المغرب" التونسيّة في العدد 94 ليوم الجمعة 1 أبريل سنة 1988 يقول: "حاليا أعتبر راشد الغنّوشي من المثقّفين العضويين والممتازين في تونس، ومن حقه المشروع أن يتكلّم علنا وبصراحة ويعبّر عن أفكاره، وتعبيره ضروري في بلدنا، وقد يكون أكثر جدارة منّي ليعبّر عن عمق ثقافة ومشاعر المجتمع لطبيعة خطابه الذي يكرر الترسبات والحنين إلى مجد الأسلاف".
وللإجابة على مثل هذا السؤال رأينا مدخلا طريفا تاريخيا وفكريا لمقاربةٍ تقوم على المقارنة بين الرّمزين ووجه الطرافة أّنهما من بلد واحد بل من حارة واحد وفي سنّين متقاربين.( ولد بن خضر9 فبراير 1939 والغنّوشي في 22 يونيو 1941)
الأصول والخيارات الطبقيّة
وُلد الرجلان في مدينة "الحامّة من محافظة قابس بالجنوب التونسي المعروفة بمنطقة "الأعراض" في التصنيف القبلي. وهي مدينة معروفة برموز كثيرة وطنية مثل محمد الدّغباجي المجاهد والمصلح الطاهر الحدّاد والنقابي محمّد علي الحامّي والمناضل الطاهر لسود والسياسي الجلولي فارس.. وصولاً إلى زعيم اليسار المؤسس نورالدين بن خضر وزعيم الحركة الإسلامية المؤسس راشد الغنوشي.
بلا شكّ كلاهما قد ورث تاريخ الرّفض والتمرّد لهذه المدينة ونشأ في هذا السياق بما جعل منهما حلقة من حلقات المعارضة السياسيّة ولكن بفكرتين متعارضتين أيضا. ولعلّنا نجد في أصولهما ما يلقي الضوء على هذه الخيارات الكبرى: عاش الغنوشي في أكناف عائلة كما يقول " متوسطة الحال ليست بالمعدمة. كنا في قريتنا نشتغل في الحقل ... ولكن عيش الفلاحين في ذلك الزمان كان عيشا متواضعا جدا"( ص14) في حين ينحدر بن خضر من عائلة توارثت النفوذ والثروة منذ القرن 19 وكان جدّه "خليفة الحامّة" وهي أرفع الرّتب المحليّة وقد وصفه نور الدين بن خضر ب"أنه كان شبه اقطاعي"( ص 118).
بهذا المعنى يمكن أن نقول إنّ منزلة الرجلين الطبقيّة قد نحت بهما إلى الرغبة في "التمرّد": على الوضع "العبودي" للفلاّح عند الغنوشي وعلى الوضع " الاستغلالي" للإقطاعية عند بن خضر. مثل هذا يترسّب في لاوعيهما ويشكّل مسارا مشتركا سوف يتبلور مع مسارهما التعليمي.
مرحلة التمدرس لكليهما لا تكاد تختلف: في حين دخل بن خضر الكُتّاب وحفظ نصف القرآن في سنّ مبكرة، كان الغنوشي يتلقّى القرآن عن والده ويستظهره عليه، وفي السهرات العائلية " تتردد الأناشيد والمدائح الدينيّة في نغمات جماعية توحي بالوجد والخشوع"(ص 14). وأمّا عن التعليم فقد التحق بن خضر بالمدرسة التي بناها جدّه مفتاح بن خضر حتى حصوله على "شهادة السيزيام" (الابتدائية) سنة 1951 وانتقل بعد ذلك إلى العاصمة لمواصلة الثانوية بالمعهد العلوي. وأمّا الغنوشي فقد التحق بجامع الزيتونة لمواصلة تعليمه حتى الحصول على شهادة "التحصيل" (الثانوية العامة). وكان أكثر ولعه بالفلسفة التي ـ والقول له ـ :" تسلّط عليّ بعض الشكّ ... وأحيانا كنت أفعله لمجرّد اغاظة المشايخ وتعجيزهم والسخرية منهم، إذ كنت أبغض أكثرهم، ربما لأنني من أبناء الريف وهم من أرستقراطية المدينة" (ص 19). في ظلال القرآن نشأ الصبيّان وافترقا في المرحلة الثانويّة بين التعليم العصري في المعهد العلوي والتعليم التقليدي في جامع الزيتونة. ولكن رغم هذا فكلاهما كان يضيق بالمرحلة ونظام التعليم.
لم تمرّ سنوات ثلاثة على بن خضر حتى وقع طرده من المبيت بعد تحرّك تلمذي وقد غنم من تلك الفترة انفتاحه على الفرنسيين والإيطاليين من الذين التقاهم بمكتبة "الآباء البيض". وفي نفس الفترة تقريبا كان الغنوشي يتبرّم من انغلاق المعرفة الزيتونية على نفسها. فيقول :" كنا نشعر عندما ندخل حلقة الفقه أنّنا ندخل متحفا تاريخيا، وعندما نخرج نجد عالما آخر تسوده الحداثة والمعاصرة ولا علاقة له بالإسلام" (ص 16). يبدو جليا عندنا أنّ كلا المراهقين كانا على نفس الدرجة من التوتر في علاقتهما بالواقع الجديد ولكن أهمّ من هذا هو أنّ فكرة "الحداثة" قد بدأت مشغلا مركزيا عندهما. لكن "حداثة" بأيّ معنى؟. هنا يكون المفترق.
رحلة البحث
في ستينيات تونس، كان وضع الدولة الوطنية حديثة العهد بالاستقلال غيرَ ثابتٍ بعد المعركة الدامية بين بورقيبة وبن يوسف التي كان أولى ضحاياها علي بن خضر والد نور الدين (وقع اغتياله بالرصاص يوم 20 يناير/ كانون ثاني1956) وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة للزهر الشرايطي وتنفيذ حكم الإعدام فيه وحظر نشاط الحزب الشيوعي التونسي في شهر يناير/ كانون ثاني1963. كان الوضع السياسي يسير حثيثا نحو الانغلاق ممّا دفع طلبة كثيرين إلى مغادرة البلاد لمواصلة التحصيل العلمي أو للبحث عن "فكرة" أخرى خارج شمولية الحزب الحرّ الدستوري الحاكم. فاتّجه الغنّوشي نحو الشرق فيما أخذ بن خضر اتجاه الغرب. هذه الفترة كانت حاسمة في توجّه الرجلين نحو أكثر من تجربة سياسية وفكرية.
أمّا الغنّوشي فقد حلّ بمصر وسجّل في كلية الزراعة وكان ـ كما يذكر ـ " يدفعني إلى هذا الاختصاص ما عانيته وأبناء قريتي من مشاق الزراعة البدائيّة"(ص 18) ولكن هذه التجربة لم تعمّر إلا ثلاثة أشهر من عام 1964 ليستقرّ دارسا للفلسفة في سوريا. وأمّا بن خضر فقد سبق الغنّوشي إلى فرنسا منذ سنة 1958 وهناك أحرز على شهادة الباكالوريا وأنهى السنة الأولى بنجاح في اختصاص العلوم الاقتصادية. وبعد سماعه إهانة من متسكّع هناك (sale arabe ) قرّر العودة إلى تونس. كان ذلك في نفس السنة التي هاجر فيها الغنّوشي.
يعنينا من هذه الفترة بداية تبلور وعي الرجلين من خلال الاطلاع المباشر في تجربة المهجر والمعاينة للساحة السياسية في المشرق وفي الغرب زمن الأفكار الكبرى والسرديات الإيديولوجية التحررية. فقد تقلّب الغنوشي في التجارب يدخل هذه ليترك تلك: فقد بدأ ناصريا قوميا، يقول : "كنت في البداية ناصريا بالعاطفة لأنّ الصراع في تونس في بداية الاستقلال كان في وجه بارز من أوجهه صراعًا بين الاتجاه العروبي والاتجاه التغريبي"(ص 123). وانتمى إلى "الاتحاد الاشتراكي" ولكنّه لم يبق فيه إلاّ سنة واحدة انتقل "بعدها من قومي عاطفي إلى قومي ايديولوجي" ( ص24 ) ثمّ سريعا ما اعتقد أنّها خديعة: "واكتشفتُ ويا للهول أنني متورّط في عروبة أخرى ليس لأهل شمال أفريقيا بها علاقة" ( ص26) وهو ما أفضى به إلى ما سمّاه " الدخول إلى الإسلام" ومن ثمّة اكتشف كتابات محمد اقبال والمودودي وسيد قطب والبنّا والسباعي ومالك بن نبيّ الذي سيكون له تأثير بالغ في شخصيته وفكره. ويؤكّد الغنوشي بشكل حاسم أنّه" ليس صحيحا ما قيل عن انضمامي إلى الاخوان في سوريا (ص 28).
أمّا نور الدين بن خضر فقد وقع في أوّل تشكل فكره تحت تأثير الفلسفة الوجودية يقول: "لقد كانت هذه الفلسفة تغريني"(ص 124) لأنّ سارتر مثله مثل أغلب مثقفي فرنسا آنذاك قد أبدى تعاطفا مع الثورة الكوبية وحق شعوب العالم الثالث في التنمية. وهذا ما قاده ايديولوجيا إلى التروتسكية وهو ما سنجد آثاره فيما بعد في مجموعة "التجمع الدراسات والعمل الاشتراكي التونسي. ومن خلال ما نشر من مقالات يذكر بن خضر مفكرين كسارتر وفرانس فانون وهايدغير ومالرو ..ولا يذكر أبدا آباء الماركسيّة. ولكنّه مع تأسيس مجموعة "بيرسبكتيف" واصدار نشريتها "آفاق" التي كان بن خضر يكتب افتتاحياتها، أعلن عن تبني الاشتراكية الماركسية في توجهها الماوي تأثّرا بالتجربة الصينية آنذاك( ص 131).
انتهى كلّ من الغنوشي وبن خضر إلى فكرين متناقضين ليصبح كلاهما عَلَمًا في تياره وزعيما. فنور الدين بن خضر هو أب اليسار في تونس والغنّوشي هو "شيخ" الحركة الإسلامية وليس هناك ما يؤكّد التقائهما ولكنّهما بلا شكّ يعرف أحدهما الآخر. وبلا شكّ أيضا ـ وهذه الواقعة أؤكّدها شخصيا ـ أنّ الغنّوشي قد هاتف عائلة نور الدين بن خضر لتعزيتهم في موته سنة 2005 وقال :" لقد خسرت تونس مثقفا عظيما".
إنّ رحلة العمر التي عاشها الرجلان قد أدّت إلى خيارات ايديولوجية متناقضة. فالغنّوشي اتجه للتحزّب والتنظيم وكتب كتبا في رؤيته للإسلام وللحركة الاسلامية وخاض في السياسة ممارسة وتنظيرا، في حين اكتفى بن خضر بتجربة محدودة مع "العامل التونسي" ثمّ انصرف إلى الثقافة والنضال الحقوقي وأسس أوّل فرع لمنظمة العفو الدولية واكتفى حتّى وفاته بالنّشر وتوزيع الكتب.
السؤال الضروري
هل يمكن أنّ يكون هذا الثنائي "مقدّمة" لحوار عميق في المشتركات الفكرية بين اليسار والإسلاميين؟
نعتقد أنّ الأمر ممكن بل ضروريٌ. فهذا التناقض الظاهر بين "مؤمن" و"ملحد"، وبين مادي تاريخي وقدري، وبين يساري ويميني... ينطوي على تفاهمات يمكن تقريب وجهات النّظر فيها ومنها مفهوم الحداثة" التي تعني عند الرجلين الأخذ من ثمار الفكر الإنساني في غير اغتراب فيه واحياء لحظات التنوير في التراث بشكل تتحقق فيه معادلة الأصالة والمعاصرة. وقد عبّر الغنّوشي عن هذه المراجعات في قوله :" ومن هنا تأتي أهمّ اضافة أضافتها الحركة الإسلامية في تونس للفكر الإسلامي المعاصر، ألا وهي الانتقال في التعامل مع الفلسفة الغربية وكيفيّة النظر فيها من مرحلة النّقد المطلق الذي يفقد هذه النظريات أيّ وجهٍ للحقّ باعتبارها باطلا محضا إلى مرحلة "الرفض النّسبي" أو التعامل الموضوعي، وهو ما أفسح المجال أمام إمكان قيام علاقات حوار وتفاهم وتعاون بين التيّار الإسلامي والتيارات العلمانيّة: ليبرالية ويسارية، ومن ذلك الدفاع عن الحريات وعن مؤسسات المجتمع المدني وعلى استقلال المنظمة النقابية" (ص 39)
إنّ مثل هذا الموقف "التقدمي" للغنوشي يؤكّد أنّه على وعي مبكّر بانّه لا تناقض جوهري بين أطروحة "البروليتاريا" الساعية إلى ارساء الاشتراكية وتحقيق التقدم وأطروحة "المستضعفين" الذين يريد أن يمنّ الله عليهم ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين. وأنّ الحوار والتفاهم والتعاون ممكنٌ مع تيّار أصيل في تونس.
قد يكون التموقع السياسي حائلا دون هذه التفاهمات والعقبة الكأداء أمام هذا اللقاء الممكن بين اليسار واليمين في تونس وقد يكون للعامل الخارجي دخل أيضا في تغذية هذا الصراع لأنّه سوف يكون مقدّمة للتحرر واستقلال القرار الوطني، غير أنّه رغم هذا حتميّ بعد التخلّص من الثارات القديمة والخروج من التعصّب المذهبي.
ربّما تكون ما سمّيت بظاهرة "الاسلاميون التقدميون" وهي امتداد ل"اليسار الإسلامي" في المشرق هي من بواكير المحاولات لرأب هذا الصدع بين الإسلام والاشتراكية. ولكن هذا أيضا يتطلّب نظرا.
اعتمدنا في هذا المقال على نصّين تمّت الاحالة عليهما وهما:
ـ (الغنّوشي) راشد: من تجربة الحركة الإسلامية في تونس ( فصل: من القرية إلى الزيتونة)، دار المجتهد للنشر والتوزيع، ط1، 2011 تونس
ـ (ضيف الله) محمد : مقال "بين الثقافة والسياسة: مسيرة المناضل اليساري نورالدين بن خضر" (1939 ـ 2005 )، مجلّة روافد (مجلة المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر) العدد 21 لسنة 2016
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير التونسي تاريخ السياسة الاسلاميون تونس تاريخ سياسة اسلاميون أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرکة الإسلامیة د الغنوشی فی تونس ولکن ه
إقرأ أيضاً:
يابوس تحت القصف: محاولات جر الحركة الشعبية إلى الحرب
عمار نجم الدين
“يا تشرب يا نكسر قرنك”.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه في ظل التصعيد الأخير: هل يختبر الجيش السوداني صبر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال على الاعتداءات المتكررة التي يشنها الجيش السوداني على مناطقها؟
القصف الوحشي الذي استهدف منطقة يابوس في إقليم الفونج الجديدة بتاريخ 19 ديسمبر 2024، ليس مجرد حادثة معزولة، بل هو جزء من سياسة ممنهجة يتبعها الجيش السوداني لجر الحركة الشعبية إلى الصراع الذي يشتعل بين الجيش وقوات الدعم السريع. منطقة يابوس، التي ظلت آمنة وخالية من أي نشاط عسكري منذ عام 2017، استُهدفت بقصف جوي متعمد طال مبنى تابعًا لبرنامج الأغذية العالمي، وأسفر عن مقتل ثلاثة من العاملين الإنسانيين، وتدمير منشآت ومخازن طعام حيوية تخدم النساء والأطفال، الذين يشكلون غالبية السكان هناك.
لماذا يصر الجيش السوداني على استفزاز الحركة الشعبية؟
الحركة الشعبية، بقيادة القائد جوزيف توكا في منطقة النيل الأزرق، أعلنت بوضوح أنها لن تنجر إلى هذا الصراع الذي تراه صراعًا بين طرفين لا فرق بينهما من حيث المسؤولية عن الأزمة الحالية في السودان. ومع ذلك، فإن الجيش السوداني لا يتوقف عن استفزاز الحركة بقصف متواصل يستهدف مناطقها منذ أغسطس الماضي، مستخدمًا الطائرات والانتنوف لتدمير القرى وقتل المدنيين الأبرياء.
التقارير الحكومية نفسها تؤكد أن قوات الدعم السريع، الخصم المعلن للجيش، تتركز شمال سنجة، بينما تبعد الحركة الشعبية عن سنجة بمئات الكيلومترات. فما الذي يبرر هذا القصف العشوائي؟ الإجابة واضحة: إنها محاولة لجر الحركة الشعبية إلى مستنقع الحرب، أو على الأقل إظهارها كطرف في النزاع، لتبرير المزيد من القصف والاعتداءات على مناطقها.
خياران أحلاهما مر
الجيش السوداني يضع الحركة الشعبية أمام خيارين: إما الانخراط في حرب لا علاقة لها بها، أو القبول بالاعتداءات المتكررة على أراضيها ومدنييها. هذا التكتيك يُظهر حالة من الإفلاس السياسي والعسكري لدى المؤسسة العسكرية السودانية، التي يبدو أنها عاجزة عن مواجهة الدعم السريع في الميدان، فتلجأ إلى استهداف مناطق آمنة لا علاقة لها بالصراع.
استهداف المدنيين: جريمة حرب تستوجب المحاسبة
القصف الذي استهدف مناطق يابوس، بليلة، مفو، بلدغو، وماكاجا، خلال الفترة من 18 إلى 20 ديسمبر، يرقى إلى مستوى جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. هذه المناطق خالية تمامًا من أي وجود عسكري أو تحركات للحركة الشعبية، فكل ما يوجد فيها هم مدنيون يسعون إلى الحياة في أمان بعيد عن فوضى الحرب.
هل تصمت الحركة الشعبية طويلًا؟
السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم: إلى متى ستصبر الحركة الشعبية على هذه الاعتداءات؟ الحركة، التي ظلت ملتزمة بموقفها الرافض للمشاركة في هذا النزاع العبثي، قد تجد نفسها مضطرة يومًا للرد دفاعًا عن أراضيها وشعبها.
لكن المؤكد هو أن هذا ما يسعى إليه الجيش السوداني. فهو يريد إخراج الحركة الشعبية من موقف الحياد الإيجابي إلى موقف المواجهة، ليبرر قصفه المتواصل، ويُظهرها كطرف في الحرب، وهو ما تدركه الحركة جيدًا، وتحاول تجنبه بقدر المستطاع.
رسالة إلى المجتمع الدولي
ما يحدث في مناطق النيل الأزرق، وخاصة يابوس، ليس مجرد اعتداءات عشوائية، بل هو مخطط لجر المنطقة إلى الفوضى. على المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي التحرك فورًا لوقف هذه الانتهاكات المتكررة، وإلا، فإن المدنيين الأبرياء سيدفعون الثمن الأكبر.
الجيش السوداني، الذي فشل في إدارة حربه مع الدعم السريع، اختار أن يصب غضبه على مناطق بعيدة عن الصراع، ويستهدف النساء والأطفال والمنظمات الإنسانية. هذه الممارسات يجب أن تُفضح ويجب أن يُحاسب مرتكبوها أمام المجتمع الدولي.
أهل يختبر الجيش السوداني صبر الحركة الشعبية أمام هذا القصف المستمر؟ وهل ستجد نفسها مضطرة للرد بطريقة قد يصعب التنبؤ بها؟ ومن يتحمل مسؤولية هذه الحرب العبثية التي تدفع السودان نحو المزيد من الخراب والتشرذم؟
الوسومعمار نجم الدين