ما قيمة #الرأي_العام_العالمي؟
د. #فيصل_القاسم
كلما اندلعت قضية كبرى في العالم يعود إلى الأضواء مصطلح «الرأي العام الدولي» فيفرح به بعض البسطاء، لا بل يطبلون ويزمرون له وكأنه انتصار عظيم لقضيتهم، دون أن يتعلموا من التاريخ شيئاً. حتى لو كان هناك تيار عالمي جارف مؤيد لهذه القضية أو تلك، ماذا يمكن أن يقدم على أرض الواقع يا ترى؟ إن هذا المصطلح الهلامي المطاطي السريالي يذكرني بجملة قالها البطل في إحدى روايات (توماس هاردي) قال: «ليس لدي ما أقدمه للفقراء والمنكوبين سوى الدموع».
وكي لا تظنوا أننا نتكلم في العموميات، تعالوا ننظر إلى تاريخ التعاطف الشعبي الغربي مع بعض القضايا العربية. نحن هنا لا نتحدث عن دول عربية ديكتاتورية لا يساوي فيها الرأي العام قشرة بصل، ولا يُسمح له أصلاً بالتعبير عن نفسه لا في وسائل الإعلام ولا في الشارع، بل نتحدث عن دول تسمح بحرية التعبير والتظاهر. هل تتذكرون الضجة العالمية التي رافقت التحضيرات الأمريكية والبريطانية لغزو العراق؟ أتذكر وقتها أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير واجه في برامج تلفزيوني جمهوراً بريطانياً كبيراً، وكانت الأغلبية الساحقة ممن وجهوا الأسئلة لرئيس الوزراء رافضة لأي مشاركة بريطانية في الغزو. وقد بدا بلير وقتها وكأنه مُحاصر شعبياً. ثم أطلت علينا صحيفة (الديلي ميل) بعد ذلك بنتيجة استفتاء صاعقة، إذ عبر أكثر من أربعة وثمانين بالمائة من البريطانيين عن رفضهم للغزو الأنكلو أمريكي للعراق. لكن هل اتعظت الحكومة البريطانية، أو غيرت رأيها؟ لا أبداً، فقد تجاهلت الرأي العام تماماً، وشاركت في الغزو وما نتج عنه من كوارث تاريخية. لا بل إن رئيس الوزراء توني بلير الذي ضرب عرض الحائط برأي الشارع، حصل فيما بعد على وسام الفروسية من الملكة.
ولا ننسى أيضاً أن حتى الإضرابات والمظاهرات قلما تحقق مطالبها على الصعيد الداخلي في الغرب. ولعلنا نتذكر أن شوارع بريطانيا تحولت قبل عقود إلى ما يشبه ساحة حرب عندما فرضت رئيسة الوزراء وقتها مارغريت ثاتشر (الضريبة الشخصية) فثارت ثائرة الشعب لشهور وشهور، وفي النهاية لم تلغ الحكومة الضريبة، بل فقط غيرت اسمها.
أعظم المظاهرات الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية خرجت في الغرب، لكن وماذا بعد؟ هل أوقفت العدوان على غزة؟ هل أثرت على المواقف الرسمية لحكوماتها؟
مقالات ذات صلة الحرب التي تتجنبها واشنطن 2024/02/03وكيف لا نتذكر إضرابات عمال المناجم بقيادة آرثر سكارغل التي هزت بريطانيا لفترة طويلة في ثمانينيات القرن الماضي، ثم أخمدتها الحكومة بشيطنة سكارغل وتصويره على أنه شيوعي أزعر. وهذا مجرد مثال بسيط على أن قيمة الرأي العام على الصعيد الداخلي حتى في البلدان الديمقراطية لا تساوي قرشاً في بعض الأحيان، فما بالك على الصعيد الخارجي، حيث لا تتردد الحكومات الغربية في أن تتصرف كوحوش كاسرة، فتمارس كل أنواع الهمجية والوحشية والسلب والنهب بحق الآخرين. ولا داعي للتذكير بما فعلته الديمقراطيات الغربية أثناء استعمارها لأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لهذا لا تتوقعوا أبداً أن يكون الرأي العام في الغرب صاحب قرار عندما يتعلق الأمر بقضية خارجية، وكل ما يستطيع فعله التعبير عن تضامنه وتعاطفه مع هذه القضية أو تلك بدموعه وعواطفه فقط.
لاحظوا اليوم أن الشعوب الأوروبية والأمريكية في واد وحكوماتها في واد آخر. لا أحد ينكر أن أعظم المظاهرات الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية خرجت في الغرب، لكن وماذا بعد؟ هل أوقفت العدوان على غزة؟ هل أثرت على المواقف الرسمية لحكوماتها؟ أم إن القيادات الغربية تزداد تصلباً وانحيازاً لإسرائيل على عكس رغبة شعوبها تماماً، حتى أنها أوقفت معونات (الأونروا) القديمة في أحلك وأصعب وقت بالنسبة للشعب الفلسطيني، ليس فقط لأنها تنصاع انصياعاً أعمى للحركة الصهيونية، ولا تتجرأ على معارضتها، بل أيضاً لأنها تعتبر إسرائيل قاعدة متقدمة للغرب في الشرق الأوسط، يجب حمايتها والحفاظ عليها بكل الوسائل، وليذهب الرأي العام إلى الجحيم. ولا ننسى أن وسائل الإعلام الغربية تخضع للمشيئة الإسرائيلية أصلاً، مما يزيد في تهميش الرأي العام الغربي وتقزيمه.
أما الرأي العام في الديكتاتوريات العربية والإسلامية فهو أصلاً في محل مجرور، وانظروا فقط ما حصل للمطاعم والمحلات التجارية التي حاولت التضامن مع غزة بوضع اسم (السابع من أكتوبر) على واجهاتها، فقد أزالتها السلطات بلمح البصر بضغط إسرائيلي. وبالتالي، إذا كان الرأي العام الحر في الغرب لا يقدم ولا يؤخر، فما فما بالك في البلدان التي تتحكم فيها الأنظمة العربية بكل ما يصدر عن الشارع. هل أعارت إسرائيل في تاريخها أي اهتمام لما يسمى بالرأي العام العربي؟ وكذلك إيران، فبالرغم من أن هناك تياراً عريضاً ضدها في الشارع العربي، إلا أنه يبقى مجرد عويل. هل تأثر النظام السوري أو غيره من الأنظمة العربية المكروهة برأي الشارع؟ طبعاً لا.
ولعل أفضل مثال على عبثية ما يسمى بالرأي العام الدولي كان (بان كي مون) الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة التي تمثل الدول المغلوبة على أمرها في العالم، أو ما يُسمى (الشارع الدولي) بينما مجلس الأمن يمثل القوة الحقيقية التي تدير العالم. وكان أقصى ما بإمكانه أن يفعله ذلك المسكين (بان كي مون) على الدوام هو التعبير عن القلق حيال القضايا الدولية.
إن التعاطف والتضامن الشعبيين الدوليين مع قضايانا لا يذكرني إلا بلايكات فيسبوك وتويتر.
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الرأي العام العالمي فيصل القاسم الرأی العام فی الغرب
إقرأ أيضاً:
“مجمع الملك سلمان العالمي” يختتم مؤتمر “اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية”
المناطق_واس
اختتم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بالشراكة مع جامعة القصيم، فعاليات مؤتمر (اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية)، الذي أُقيم برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، في مركز المؤتمرات بجامعة القصيم، وسط حضور نوعي من المسؤولين والأكاديميين والمختصين والمهتمين باللغة والثقافة الوطنية، ومشاركة أكثر من 20 جهة.
وثمَّن الأمين العام للمجمع الدكتور عبدالله بن صالح الوشمي الدعم الذي يحظى به المجمع من صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس أمناء المجمع، مؤكدًا أن هذا المؤتمر يمثل إحدى المبادرات الحيوية لتعزيز حضور اللغة العربية في المؤسسات والمجتمع، وربطها بمسارات التنمية والهوية الوطنية وفق مستهدفات رؤية 2030.
أخبار قد تهمك حلبة كورنيش جدة تستضيف بطولة السعودية تويوتا كسر الزمن في موسمها الجديد 30 أبريل 2025 - 5:53 مساءً المنتخب السعودي للدراجات البارالمبية يخوض غدًا منافسات كأس العالم “الجولة الأولى” 30 أبريل 2025 - 5:52 مساءًوفي كلمته الافتتاحية قدم الوشمي شكره وتقديره لسمو أمير منطقة القصيم على رعايته لأعمال المؤتمر، ولجامعة القصيم دعمها المتواصل لقضايا اللغة العربية.
وأكَّد أن المجمع يعمل على مدّ الجسور مع جميع الجهات المعنية؛ لدعم اللغة العربية، وحمايتها، وترسيخ مكانتها عالميًّا؛ انطلاقًا من الدور المحوري الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في تعزيزها.
وهدف المؤتمر إلى إبراز دور اللغة العربية في تعزيز الهوية الوطنية السعودية، ومناقشة التحديات التي تواجه هذا الدور الحيوي، واستعراض التجارب العالمية في تعزيز اللغات الوطنية، إضافةً إلى طرح المبادرات والمشروعات التي تدعم اللغة العربية، وتربطها بمسارات التنمية والهوية في المملكة العربية السعودية.
وتناول المؤتمر أربعة محاور علمية رئيسة؛ حيث ناقش المحور الأول دور الجهات الحكومية وغير الحكومية في تعزيز الهوية اللغوية، مع عرض جهود مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومبادرات دعم العربية. وناقش المحور الثاني السياسات اللغوية وأثرها في الهوية الوطنية، مستعرضًا مشروع (منظومة بيانات السياسات اللغوية العربية)، وأثر التشريعات والسياسات السعودية، مع تسليط الضوء على دور الإعلام في تمكين اللغة ضمن رؤية المملكة 2030.
في حين بحث المحور الثالث قضايا الأمن اللغوي ومهددات تمكين اللغة العربية، متضمنًا الحديث عن دور الأسرة، والتحديات المرتبطة باللغة الهجينة، ومزاحمة اللغات الأجنبية, واستعرض المحور الرابع تجارب دولية في تعزيز الهوية الوطنية، مع عرض نماذج من التجارب الإنجليزية والفرنسية والعربية عامة والسعودية خاصة، إضافةً إلى الإسبانية والصينية.
وصاحب المؤتمر معرض تعريفي بأبرز جهود المجمع والجهات المشاركة في دعم اللغة العربية، وربطها بالهوية الوطنية، استمر مدة يومين، وسط تفاعل واسع من المشاركين والزوار.
ويؤكد تنظيم المؤتمر التزام المجمع بدوره الإستراتيجي في قضايا اللغة والهوية، والحفاظ على اللغة العربية، وتعزيز حضورها في شتى مجالات التنمية والثقافة، ويبرز أيضًا الدور المحوري لجامعة القصيم في خدمة اللغة العربية تدريسًا وبحثًا؛ بواسطة برامج أكاديمية متخصصة، ومبادرات علمية تسهم في تطوير الدراسات اللغوية، وترسيخ الهوية الوطنية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 30 أبريل 2025 - 5:55 مساءً شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد30 أبريل 2025 - 5:50 مساءًبتوجيه من أمير منطقة مكة المكرمة.. الأمير سعود بن مشعل يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة أبرز المواد30 أبريل 2025 - 5:39 مساءًممارسة التمارين الرياضية ستكون وصفة إلزامية ضمن برنامج علاج مرضى السرطان أبرز المواد30 أبريل 2025 - 5:36 مساءًأمير منطقة الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على صاحب السمو الأمير ناصر بن فهد بن عبدالله بن سعود بن فرحان آل سعود أبرز المواد30 أبريل 2025 - 5:30 مساءًارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 51.400 شهيدٍ أبرز المواد30 أبريل 2025 - 4:56 مساءًمؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 11671 نقطة30 أبريل 2025 - 5:50 مساءًبتوجيه من أمير منطقة مكة المكرمة.. الأمير سعود بن مشعل يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة30 أبريل 2025 - 5:39 مساءًممارسة التمارين الرياضية ستكون وصفة إلزامية ضمن برنامج علاج مرضى السرطان30 أبريل 2025 - 5:36 مساءًأمير منطقة الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على صاحب السمو الأمير ناصر بن فهد بن عبدالله بن سعود بن فرحان آل سعود30 أبريل 2025 - 5:30 مساءًارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 51.400 شهيدٍ30 أبريل 2025 - 4:56 مساءًمؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 11671 نقطة حلبة كورنيش جدة تستضيف بطولة السعودية تويوتا كسر الزمن في موسمها الجديد حلبة كورنيش جدة تستضيف بطولة السعودية تويوتا كسر الزمن في موسمها الجديد تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً أجمل رسائل وعبارات صباح الخير وأدعية صباحية للإهداء 24 أبريل 2022 - 9:35 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن