الصين وحرب غزة.. تباين مع واشنطن وبحث عن دور بالمنطقة
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
طالما حافظت الصين على سياسة خارجية "متوازنة" في الشرق الأوسط، إذ تنأى بكين بنفسها عن الصراعات الحادة في المنطقة، وتستبدل ذلك بمواقف تدعو لخفض التوترات وتجسير الهوة بين الفرقاء.
وتلتزم التفاعلات الدبلوماسية للمسؤولين الصينيين مع المنطقة بشكل صارم بسياسة بكين المتمثلة في تحقيق التوازن بين دول الخليج وإيران وبين القوى الإقليمية الرئيسية والاحتلال الإسرائيلي.
كما أن تاريخ السياسة الخارجية الصينية يعد فقيرا في قدرتها على تحقيق اختراقات حقيقية في أزمات المنطقة، ويعد نجاحها في توقيع طهران والرياض لاتفاق استعادة العلاقات حدثا استثنائيا في علاقتها بالمنطقة.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فلدى الصين موقف ثابت في إدانتها للاحتلال الإسرائيلي ودعوتها الدائمة لحل الدولتين وفقا للقرارات الدولية.
وفي هذا الإطار، جددت الصين، هذا الأسبوع، دعوتها إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بشأن القضية الفلسطينية وصياغة "خريطة طريق" لتنفيذ حل الدولتين.
وقال متحدث وزارة الخارجية وانغ وينبين "أوضح الرئيس شي جين بينغ عدة مرات موقف الصين بشأن تسوية القضية الفلسطينية ودعا في كل مناسبة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي عندما استقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي كان في زيارة للصين".
نحاول في هذا التقرير التعرف على أهداف الصين من الدخول على خط القضية الفلسطينية من خلال مؤتمر دولي.
وهل ستجد دعوتها قبولا في الأطراف المعنية في ظل الهيمنة الأميركية على المنطقة والأطراف المعنية؟
وما الذي يمكن أن تقدمه الصين للقضية في حال نجحت في عقد المؤتمر؟
التباين مع واشنطن
وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجدت الصين نفسها أمام النموذج الذي تفضله في السياسة الدولية القائم على إظهار التباين عن الموقف الأميركي.
ففي ظل الدعم الواسع الذي تقدمه واشنطن للاحتلال الإسرائيلي على الصعيد العسكري والسياسي والدبلوماسي، تسعى الصين لإظهار موقف أكثر حيادا، وركزت في تصريحاتها ومواقفها على دعوة الجانبين لضبط النفس وتأكيد "حل الدولتين" بديلا للصراع.
كما انتقدت بكين القصف الإسرائيلي الشامل للمدنيين وأدانت انتهاكات القانون الدولي، وطالبت في معظم تعليقاتها على المواجهة في غزة لتنفيذ حل الدولتين والدعوة إلى إنشاء ممر إنساني للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر.
وذهب وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أبعد من ذلك، واصفا القصف الإسرائيلي للمدنيين في غزة بأنه تصرفات "تتجاوز نطاق الدفاع عن النفس".
ويشير موقف الصين في استخدام حق النقض "الفتيو" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد مشاريع قرارات أميركية بشأن الحرب على غزة إلى حرص الصين على التمسك بنهجها بعدم الانحياز لأي من جانبي الصراع وفي نفس الوقت المحافظة على التباين مع الموقف الأميركي.
مؤتمر للسلام
مؤخرا، دعت وزارة الخارجية الصينية، إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لحل القضية الفلسطينية في أقرب وقت ممكن وكانت وزارة الخارجية الصينية، قد شددت في وقت سابق على أن الأولوية القصوى هي وقف إطلاق النار وضمان أمن منشآت الأمم المتحدة ومنع كارثة إنسانية واسعة بغزة.
وقالت الخارجية الصينية، "نشعر بحزن عميق إزاء الخسائر بين المدنيين في غزة، وندين جميع الأعمال التي تنتهك القانون الدولي". كما أعربت عن صدمتها من الهجمات الإسرائيلية على منشآت الأمم المتحدة في قطاع غزة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تدعو فيها الصين لعقد مؤتمر دولي للسلام، إلا أن دعواتها السابقة لم تأخذ حيز التنفيذ ولم تلقى الاستجابة المطلوبة من جانب الاحتلال الإسرائيلي والأطراف الدولية الرئيسية. واقتصر الترحيب على الجانب الفلسطيني، الذي يرى في ذلك مجاملة للصين كطرف دولي مهم ما زال يدعو لحل الدولتين الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية.
تدرك بكين حجم التعقيدات التي تعتري الصراع في الشرق الأوسط، وأن الدخول في أتون هذا الصراع يتطلب انخراطا أوسع للصين في السياسة الشرق أوسطية التي تهيمن عليها بشكل واسع الولايات المتحدة. إلا أن دعوات الصين المتكررة لعقد مؤتمر دولي للسلام يأتي في سياق إثبات سياستها الدولية المنافسة لواشنطن وتجاوز الاحتكار الذي تمارسه الأخيرة في الملفات الدولية.
أوراق الصين
ومع ذلك، فإن لدى الصين عددا من الأوراق يمكن أن تطرحها في الدفع قدما نحو مقاربتها، حيث تربطها علاقات جيدة مع الفلسطينيين والدول العربية الرئيسية في المنطقة كالسعودية ومصر وقطر.
في المقابل، فإن العلاقات الصينية الإسرائيلية ذات الأبعاد الاقتصادية تطورت على السنوات الأخيرة، إلا أن هذه العلاقات تتعرض لضغوط أميركية على الجانب الإسرائيلي تحول دون تحولها لعلاقات فاعلة.
كما ترتبط الصين علاقات واتفاقات إستراتيجية مع طهران، حيث للأخيرة دور مؤثر في مجمل ملفات المنطقة من بينها القضية الفلسطينية عبر دعمها المتعدد الجوانب المقاومة الفلسطينية.
وكون حركة حماس باتت طرفا رئيسيا لا يمكن تجاوزه في المشهد الفلسطيني والإقليمي، يتطلب ذلك من بكين أن تعزز من علاقتها مع الحركة وترفع من مستوى العلاقات والإعلان عنها حتى تتمكن من لعب دور أكثر فاعلية.
فالعوامل الرئيسية المطلوب توافرها حتى تلعب الصين دورا فاعلا في القضية الفلسطينية، يجب أن تشمل مقاربة صينية تشترك فيها أطراف دولية وإقليمية فاعلة في القضية الفلسطينية.
كما يتطلب ذلك تعبيرا أكثر وضوحا للصين في قدرتها على ممارسة ضغوط على الاحتلال الإسرائيلي الذي يتصرف كأنه فوق القانون الدولي.
استجابة شبه منعدمة
وقد أظهرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وما ارتكبه الاحتلال من مجاز وإبادة جماعية بحق الفلسطينيين، بالإضافة لاعتداءاته المتواصلة في الضفة الغربية وتوسيعه لخطط الاستيطان وضم أراضي الفلسطينيين أن فرصة قبوله بدعوات بكين لعقد مؤتمر للسلام شبه منعدمة.
كما أن أدوات الصين في الضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تظهر للعيان نظرا لطبيعة العلاقة بين الجانبين وحداثة تطورها، والدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة والدول الغربية يجعلها تشعر أنها خارج أي ضغوط.
ويتطلب انخراط الصين في الصراع -وإن كان من بوابة عقد مؤتمر دولي- منها توسيع مقاربتها في عموم منطقة الشرق الأوسط وهو الذي ما زال أمام بكين جهود أكبر لتطويريه خاصة على الصعد الإستراتيجية والأمنية.
مناهضة الغرب
ولا يبدو، حتى الآن، أن الصين تطمح إلى الحلول محل الموقف الأميركي في الشرق الأوسط، ولكنها قد تكون راغبة في الولوج عبر انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل. فلطالما وظفت بكين انجرار واشنطن المتكرر إلى الصراع في المنطقة.
كما توظف الصين هذه الدعوة ضمن سياستها "الحياد المناهض للغرب" لجذب قاعدة دعم ذات كثافة سكانية عالية وأهمية إستراتيجية.
فالعديد من دول الجنوب العالمي متعاطفة مع فلسطين، وبالتالي فإن الدعوة لمؤتمر للسلام هي قضية يمكن للصين استخدامها لحشد الدعم لقيادتها لدول الجنوب.
ومن خلال التأكيد على موقفها المحايد ودورها كصوت للجنوب العالمي، تريد الصين التشكيك بالموقف الأخلاقي للولايات المتحدة وإضفاء الشرعية على تدويل القضية، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لبدء عملية السلام، وبالتالي إخراج واشنطن من سياستها المستمرة منذ عقود بكونها الوصية بلا منازع على الصراع.
فالهدف النهائي هو تحطيم مكانة الولايات المتحدة العالمية وكسب حرب "قوة الخطاب" من خلال الاستفادة من التعاطف مع الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: عقد مؤتمر دولی للسلام الاحتلال الإسرائیلی إلى عقد مؤتمر دولی القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة الخارجیة الصینیة الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
مؤتمر دولي للتنمية المستدامة في الهندسة والتكنولوجيا بجامعة المصنعة
نظّمت جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالمصنعة مؤتمرا دوليا لمدة يومين بعنوان "التنمية المستدامة في الهندسة والتكنولوجيا - ICSDET-2025"، خلال الفترة من 30 أبريل إلى 1 مايو 2025، حيث يضم المؤتمر الباحثين والمتخصصين وخبراء الصناعة في مجالات هندسة الحاسوب، وهندسة الإلكترونيات والاتصالات، والهندسة الميكانيكية، والهندسة الكهربائية، والهندسة المدنية والمعمارية، لمناقشة أحدث التطورات في مجالات التنمية المستدامة، وتبادل الأفكار، ومشاركة التوجهات البحثية في الهندسة والتقنية.
ويمثل مؤتمر التنمية المستدامة في الهندسة والتكنولوجيا منصة عالمية لتبادل الأفكار وتعزيز التعاون بين القطاعات الأكاديمية والصناعية، ودعم جهود التنمية المستدامة بما يتماشى مع "رؤية عُمان 2040"، كما يركّز المؤتمر على تشجيع الابتكار، والممارسات الصديقة للبيئة، وتعزيز المرونة في قطاع الهندسة، لدعم أهداف سلطنة عُمان في التنويع الاقتصادي، والحفاظ على البيئة، ودفع التقدم القائم على المعرفة من خلال الابتكار وتعزيز ممارسات الهندسة المستدامة.
وتركّز محاور المؤتمر على موضوعات التنمية المستدامة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا، بما في ذلك الابتكارات في تقنيات البيانات والحوسبة، وأنظمة الاتصالات والإلكترونيات للجيل القادم، وأنظمة الطاقة المستدامة ومصادر الطاقة المتجددة، والابتكارات في التصنيع والهندسة الميكانيكية، وغيرها من المجالات ذات الصلة بـ"رؤية عُمان 2040". كما تظهر أهمية التنمية المستدامة في الهندسة والتكنولوجيا بكونها وسيلة لحماية البيئة وتحقيق الجدوى الاقتصادية طويلة الأمد، بالإضافة إلى تعزيز المسؤولية الاجتماعية والقدرة على الصمود أمام مختلف التحديات المعاصرة، مما يعني تحقيق الالتزام تجاه الأجيال القادمة.
يشمل المؤتمر عرض أكثر من 100 ورقة بحثية تقدّم توجهات بحثية وابتكارات في مختلف المجالات الهندسية، كما يشمل مشاركة خمسة متحدثين رئيسيين بارزين لعرض خبراتهم وأفكارهم الريادية حول موضوعات ذات صلة بأهداف المؤتمر، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد الحضور 300 مشارك من خلفيات أكاديمية وبحثية ومهنية متنوعة، مما يعزّز تبادل الأفكار والتعاون المشترك.