لماذا يُتوقع من مسقط أن تنجح في الوساطة لدى الحوثيين؟
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
سلطنة عُمان كانت وجهة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، ليناقش إمكانية الوصول إلى هدنة دائمة في غزة، وسط هجمات مستمرة على سفن في البحر الأحمر من قبل جيران السلطنة: جماعة الحوثيين في اليمن.
ويُنظر إلى عُمان تاريخياً على أنّها "سويسرا الشرق الأوسط"، كما يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن الدكتور فواز جرجس لبي بي سي، مشيرا إلى حقيقة كونها "دولة حيادية لا تنخرط في صراعات إقليمية وليس لديها مطامع جيوسياسية".
تدعم عُمان الشروط التي تقدّمت بها حكومة صنعاء، بقيادة جماعة أنصار الله الحوثية، لإنهاء التوتر في البحر الأحمر: فوقف عمليّاتها مرتبط بوقف حرب غزة ورفع الحصار عنها.
لكن هذا الشرط الذي وضعه الحوثيون، برأي فواز جرجس، سيعطّل المهّمة الذي جاء من أجلها ديفيد كاميرون.
تتسم سياسات سلطة عُمان الخارجية بالحياد والتوازن تجاه قضايا المنطقة، ما دفع بالتساؤلات عن طبيعة العلاقة التي تربط السلطنة بجماعة أنصار الله الحوثية، وما إذا كانت هذه العلاقة جزءاً من سياسة الانفتاح على جميع الأطراف التي تنتهجها سلطنة عُمان، أم أنّ هناك مصالح مشتركة تخدم الطرفين؟
وفي سعيها لتحقيق مصالحها الوطنية، تعتمد السياسة الخارجية العُمانية على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل، وسعت إلى تأكيد استقلالها الذاتي خشية امتداد أي صراع إلى أراضيها.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية إنها الدولة "الوحيدة التي تُعتبر جسر سلام في المنطقة، تماماً كما فعلت في المفاوضات الأمريكية الإيرانية في المعاهدة النووية".
ويضيف "استثمرت عُمان رصيدها السياسي في وقف الحرب في اليمن، ولعبت دوراً أساسياً في (رفع) حصار قطر".
جغرافيّا، فإن موقع عُمان على طول طرق التجارة الرئيسية التي تمر عبر مضيق هرمز وبحر عمان والمحيط الهندي وبحر العرب، فضلاً عن علاقاتها الطويلة مع كل من الشرق والغرب، كلها عوامل ساهمت في تطوير نهج عُمان في السياسة الخارجية.
مع استيلاء جماعة أنصار الله الحوثية على العاصمة صنعاء عام 2014، وبدء تدهور المشهد الأمني في اليمن والتدخل العسكري بقيادة السعودية عام 2015، كانت عُمان في وضع يسمح لها بلعب دور دولي مهم.
وأيّدت سلطنة عُمان جهود دول مجلس التعاون الخليجي لحلّ الأزمة في اليمن بموجب ما عرف بـ"المبادرة الخليجية"، وبعد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، وتوقيعها اتفاق السلم والشراكة مع بقية القوى السياسية اليمنية، عادت عُمان وأعربت في مناسباتٍ لاحقة عن تأييدها لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته - خصوم الحوثيين.
ويقول فواز جرجس "جماعة أنصار الله الحوثية تثق بسلطنة عُمان، لأنّ ليس لديها أطماع ولا تتدخل في نزاعات المنطقة، ودورها محوري وأساسي في محاولة حل الخلاف بين اليمن والسعودية".
وعُمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية في 2015، وأعربت عن معارضتها للتدخل العسكري في اليمن من خلال الدعوة التي وجهتها لليمنيين كي يتفقوا فيما بينهم "لإخراج اليمن من الأزمة"، وتأكيدها على "استعداد السلطنة للتعامل مع كل اليمنيين على مقياس واحد، في سبيل استقرار اليمن".
واجهت عُمان حينها الكثير من الضغوط لثنيها عن موقفها المعارض لـ"عاصفة الحزم"، إلاّ أنها تمسكت بقرارها، وحينما اتخذ مجلس التعاون الخليجي قراراً بنقل بعثاته الدبلوماسية من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، أبقت السلطنة سفارتها في صنعاء.
واستمر الحال على ذلك، إلى أن أقدم التحالف بقيادة السعودية والإمارات على قصف السفارة العمانية في صنعاء سبتمبر/ أيلول 2015، لتخلي عُمان بعدها مباشرة سفارتها دون تصعيد كلامي مضر بالعلاقة مع السعودية، وبعد فترة وجيزة كانت عُمان تواصل جهودها لتحرير معتقلين سعوديين من سجون جماعة الحوثيين.
ودائماً ما تجدد عمان تمسكها بالقيادة المعترف بها دوليا لليمن، وبوحدة أراضيه، لكنّها تحافظ في المقابل على علاقات جيدة مع الحوثيين، كما تسعى لموازنة علاقتها بإيران بعلاقات بعيدة عن التوتر مع السعودية.
لذا، انضمت السلطنة إلى التحالف العسكري الإسلامي في الرياض لمحاربة الإرهاب عام 2015، لتقول بشكل غير مباشر، إنّ سياساتها المستقلة في المنطقة - ومنها اليمن - لا تهدف إلى معارضة الدور السعودي في المنطقة عندما لا تتوفر أسباب قوية لذلك.
سبق أن شككت قيادات موالية للسلطة المعترف بها دوليا في اليمن في "حيادية" عُمان حيال الصراع، لاسيّما وأنّ مسقط كانت قد أبدت تحفظات على فرض عقوبات دولية على الحوثيين، كما أنّها من بين الأصوات الرافضة لإدراج الجماعة على لائحة الإرهاب الدولي.
ومنذ عام 2015، تستضيف مسقط الوفد الحوثي المفاوض، الذي يقيم هناك بشكل شبه دائم، للتواصل مع اللاعبين الإقليميين والدوليين.
ويسود اعتقاد أنّ عُمان تمتلك نفوذاً سياسياً قوياً على جماعة الحوثي، بعد النفوذ الإيراني، وهو ما يجعل الجماعة متمسكة بأن تمر أي مبادرات للتسوية عبر مسقط.
وكانت زيارة وفد من رجال الأعمال العمانيين إلى العاصمة اليمنيّة، قد لفتت أنظار المتابعين للشأن اليمني، إذ أشاروا إلى أن مثل هذه الخطوة لا تخدم جهود السلطنة في طرح نفسها كـ"وسيط محايد" في الصراع الدائر منذ أكثر من تسع سنوات.
في الماضي، غالباً ما كانت عُمان تشترط على ضيوفها عدم "الانخراط بالسياسة"، وتاريخ السلطنة في التعامل مع المنفيين اليمنيين شاهد على ذلك.
على سبيل المثال، طلبت عُمان من نائب رئيس يمني سابق، علي سالم البيض، كان قد فرّ إلى مسقط في أعقاب الحرب الأهلية عام 1994، مغادرة أراضيها بعد أن استعاد نشاطه السياسي بعد فترة صمت طويلة.
لكن يبدو أن السلطنة قد عدلت هذه القاعدة في السنوات الأخيرة؛ إذ أن أغلب نشاط الأخيرين في مسقط موجه تجاه نزاعهم مع الحكومة المعترف بها دوليّاً في اليمن وحلفاء هذه الحكومة: السعودية والإمارات العربية المتحدة.
العامل الجيوسياسي
لسلطنة عمان حدود جغرافية مع اليمن تمتد من سواحل بحر العرب جنوباً وحتى الحدود السعودية-العمانية شمالاً بمسافة تقدر بحوالي 300 كلم، وتربط محافظة المهرة اليمنيّة علاقات جوار بمحافظة ظفار العمانية.
وتاريخياً شكلت هذه المحافظة عمقاً استراتيجياً للنزاع المسلّح بين جبهة تحرير ظفار والسلطنة (1965 – 1975)، لذا تّعُد عمان تلك المناطق جزءاً من أمنها القومي.
واعتمدت عُمان مبدأ "الحدود المرنة" مع سكان المحافظة المحليين والذين أصبح بمقدور الكثير منهم اجتياز الحدود العمانية والقيام بأعمال التجارة ونقل البضائع عبر الحدود، وشملت سياساتها -لضمان أمن الحدود- تقديم مساعدات إنمائية وإغاثية لعموم سكان المهرة الذين لا يتجاوز تعدادهم 350 ألف نسمة تقريباً.
أثناء الحرب، تحولت محافظة المهرة اليمنية إلى ساحة للوجود العسكري السعودي بذريعة مكافحة تهريب الأسلحة من الأراضي العمانية عبر المهرة إلى الحوثيين، لكن الحقيقة أنّ مطار المهرة وميناءها الرئيسي وقعا تحت سيطرة القوات السعودية والقوات المحلية الموالية لها التي أنشأت لنفسها قرابة عشرة قواعد عسكرية في محافظة المهرة، وقامت بتدريب ودعم قوات خفر السواحل بالأسلحة والإمدادات ونشرت معدات وأبراج مراقبة على طول ساحل المحافظة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن سلطنة عمان الحوثي البحر الأحمر أمريكا فی الیمن
إقرأ أيضاً:
الأزمة الاقتصادية للمواطنين بمناطق الحوثيين تتحول إلى مأساة إنسانية
تشهد مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي (المصنفة على قائمة الإرهاب)، ركودا اقتصاديا غير مسبوق.
وأفاد سكان محليون لوكالة "خبر"، بأن حركة البيع والشراء تراجعت بشكل حاد في صنعاء ومختلف المحافظات الأخرى الخاضعة للسيطرة الحوثية، وأصبح العثور على فرص عمل أمرا بالغ الصعوبة في ظل سيطرة مليشيا الحوثي التي ضيقت المجال على مختلف القطاعات في الأعمال وتوافرها.
من جانبه، قال أحد التجار في صنعاء - رفض الكشف عن اسمه - إن الدخل اليومي لم يعد كافيا لتغطية النفقات الأساسية، ما دفعه إلى تسريح عدد من العاملين، مضيفا بأن "الناس لا يملكون المال، وهناك هبوط حاد في الأجور، مما يزيد من حدة الأزمة".
بدوره تحدث لوكالة "خبر"، أحد سائقي سيارات النقل وقد قدم من محافظة إب إلى صنعاء، بحثا عن عمل أفضل، لكنه فوجئ بواقع صعب، موضحا "جئت إلى صنعاء بحثا عن العمل؛ ولكن لم نعد نكسب شيئا، حركة المحلات التجارية بطيئة جدا، والبضائع شبه راكدة".
وبحسب السكان، فإن التراجع الاقتصادي شمل أيضا الموظفين والمعلمين، إذ يشكو المعلمون، من تقلص الدخل رغم أعمالهم الإضافية حيث بات الأغلب منهم يعمل في دوامين وفترات الليل والبعض اضطر للعمل على الدراجة النارية بعد انتهاء الدوام، ومع ذلك أصبح الدخل شحيحا، ولم يعد من يعمل في فترات متعددة يجنون شيئا كما في السابق".
الباعة المتجولون على "العربيات"، كذلك يشكون تكبد خسائر كبيرة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وعدم قدرة المواطنين على شراء الفواكه موضحين أن معظم المواطنين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي باتوا يبحثون عن لقمة العيش والاحتياجات الضرورية ولم يعد المواطن قادر على شراء الفواكه.
كما اشتكى معظم البائعين على البسطات والعربيات من المتابعة المتكررة لسلطات الحوثي ومنعهم من البيع في معظم الشوارع الحيوية والجولات والمناطق المزدحمة بالسكان.
وبالإضافة إلى ذلك، يعاني الموظفون من انقطاع المرتبات، فيما يشعر المعلمون بخيبة أمل بسبب عدم وفاء مليشيا الحوثي بوعود صرف الحوافز التي كانوا يعولون عليها لتخفيف أعباء الحياة.
وتحولت الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي إلى مأساة إنسانية، حيث يرزح المواطنون تحت وطأة الفقر والجوع، وتتصاعد معدلات البطالة، مما يجعل الحياة أكثر قسوة، ما دفع العديد من المواطنين إلى التسول بعد أن أغلقت الأبواب في وجوههم، وسط تجاهل حوثي متعمد لحالة الموظفين.
ويرتفع صوت المواطنين - وسط هذا المشهد - مطالبين بالرفض والتظاهر ضد مليشيا الحوثي وكسر حاجز الخوف من إيجاد حلول جذرية تسهم في التخفيف من هذه الأزمة وتقديم الدعم اللازم للمتضررين.
ويرى اقتصاديون أن الأزمة الاقتصادية تعود إلى عوامل عدة، تشمل استمرار مليشيا الحوثي بالتمسك بقرار الحرب، وسوء الإدارة الاقتصادية، وهي عوامل تركت آثارا سلبية على جميع جوانب الحياة في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.
يشار إلى أن التأثر لم يقتصر على الاقتصاد فحسب، بل امتد إلى قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، ما جعل تأمين المستلزمات الأساسية أمرا بالغ الصعوبة.