علي جمعة: أمرنا رسول الله بحب آل بيته ووصانا بهم
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن الله عز وجل قال في كتابه الكريم : ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، وصح عن سعيد بن جبير رحمه الله أن قال في معنى هذه الآية : « لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة »(البخاري)، فهذه توصية بقرابته يأمره الله أن يبلغها إلى الناس.
وقد أمرنا رسول الله ﷺ بحب آل بيته والتمسك بهم، ووصانا بهم - عليهم السلام أجمعين - في كثير من أحاديثه الشريفة، نذكر منها قوله ﷺ: « أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين؛ أولهما : كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ». فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال : «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي». فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال : ومن هم ؟ قال : هم آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم» (مسلم) ، وقوله ﷺ: « يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله، وعترتي أهل بيتي »(أحمد).
فنحن نحب الله حبًا كبيرًا، وبحبنا لله أحببنا رسوله ﷺ الذي كان نافذة الخير التي رحم الله العالمين بها، وبحبنا لرسوله ﷺ أحببنا آل بيته الكرام الذين أوصى بهم ﷺ وعظمت فضائلهم وزادت محاسنهم.
فموقع محبة أهل بيت رسـول الله ﷺ من كل أعماق قلب المسلم، وهو مظهر حب رسول الله ﷺ فبحبه أحببتهم، كما أن محبة النبي ﷺ هي مظهر محبة الله، فبحب الله أحببت كل خير، فالكل في جهة واحدة وسائل توصل للمقصود والله يُفهمنا مراده.
والمغالاة لا تكون في المحبة، وإنما تكون في الاعتقاد، فطالما أن المسلم سليم الاعتقاد، فلا حرج عليه في المحبة لرسول الله ﷺ وأهل بيته، فنحن نعتقد أنه لا إله الله، وأن سيدنا محمد هو رسول الله ﷺ ، وأن الأنبياء معصومون، وغير الأنبياء من العترة الطاهرة والصحابة الكرام ليسوا بمعصومين وإنما هم محفوظون بحفظ الله للصالحين، ويجوز شرعًا وقوعهم في الآثام والكبائر، ولكن يحفظهم الله بحفظه. فطالما أن المسلم سليم الاعتقاد في هذه النواحي فيحب أهل بيت رسول الله ﷺ من كل قلبه، وهي درجات يرزقها الله لمن أحبه، فكلما زاد حب المسلم لأهل البيت ارتقى بهذا الحب في درجات الصالحين؛ لأن حب أهل البيت الكرام علامة على حب رسول الله ﷺ ، وحب رسول الله ﷺ علامة على حب الله عز وجل.
وزيارة آل بيت النبوة من أقرب القربات وأرجى الطاعات قبولاً عند رب البريات ؛ لأن في زيارتهم ومودتهم برًّا وصلة لرسول الله ﷺ كما قال تعالى : ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ ، بل إن زيارة الإنسان لقبورهم آكد من زيارته لقبور أقربائه من الموتى ، كما قال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه : «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي »، وقال رضي الله عنه أيضًا :« ارْقُبُوا –سيدنا- مُحَمَّدًا ﷺ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رسول الله ﷺ أهل بیته الله فی
إقرأ أيضاً:
ارتباط السماء بالأرض في رمضان
شهر رمضان شهر له مكانة خاصة عند المسلمين، فهو شهر تفرح به النفوس، وتُفتح له القلوب، وترفرف السعادة والطمأنينة على الأنام، ففيه تتضاعف الحسنات وتتنزل الرحمات، وتفتح أبواب الخيرات. ويكفيه شرفا أن فيه نزل القرآن الكريم على سيد الأنام.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما تقاربت سنه الأربعين حُبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور، ومعه أهله قريبا منه، فيقيم في شهر رمضان يطعم من جاءه من المساكين، ويتعبد ويفكر فيما حوله من مشاهد الكون، غير مطمئن لما عليه قومه من طقوس دينية مخالفة للفطرة الإنسانية بعبادة الأصنام. وهو في الوقت نفسه لا يجد طريقا واضحا أمامه يسير فيه ويرضاه.
وهذا يعكس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعمل لنفسه فقط، بل إن جوامع الخير لم تفارقه، فكان ما يقدمه من إطعام المساكين نموذجا حيا للرحمة بالخلق، ومد يد المساعدة للمحتاج.
ولما أكمل النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين سنة نزل عليه جبريل بالوحي في شهر رمضان، حيث كان يتعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى زوجته خديجة، فيتزود لمثلها، وقال له جبريل: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه (أي ضمه وعصره) حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه الثانية حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه الثالثة حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق: 1-5).
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: مالي، وأخبرها الخبر، لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عم خديجة، وكان امرئ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم. قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي.
ومما يذكر أيضا من خبرة خديجة وتفكيرها الابتكاري ونعمة الله على رسوله في زواجه منها رغم أنها أكبر منه سنا، أن هذا الفارق في السن ما كان إلا توفيقا في الاستفادة من عقلها الرشيد في علاج واقعة نزول الوحي، واحتواء الأمر بصورة بصيرة.
فقد قالت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: "نعم"، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به. فجاءه جبريل عليه السلام، كما كان يصنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة: "يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني"، قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم"، قالت: فتحول، فاجلس على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: "نعم"، قالت: فتحول فاجلس على حجري، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: "نعم"، فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه؟ قال: "لا"، قالت: يا ابن عم، اثبت وأبشر، فوالله إنه لملَك وما هذا بشيطان.
لقد ارتبطت السماء بالأرض في رمضان، ونزل جبريل بالوحي طالبا من النبي القراءة، وهذا يبرز أهمية العلم في بناء الحضارات والأمم، ولا قيمة لأمة يعلوها الجهل وينتكس فيها العلم، فهي أمة لا حاضر ولا مستقبل لها، لذا كانت بداية دعوة الرسول من اقرأ ومن القلم الذي يكتب ما تتم قراءته
لقد ارتبطت السماء بالأرض في رمضان، ونزل جبريل بالوحي طالبا من النبي القراءة، وهذا يبرز أهمية العلم في بناء الحضارات والأمم، ولا قيمة لأمة يعلوها الجهل وينتكس فيها العلم، فهي أمة لا حاضر ولا مستقبل لها، لذا كانت بداية دعوة الرسول من اقرأ ومن القلم الذي يكتب ما تتم قراءته.
ومن المنطلق الاقتصادي يجب على الأمة أن تبني نظرياتها الاقتصادية من المنهج الرباني وربط فقه النص بواقع العصر، والاستفادة من كافة وسائل التعليم والتعلم المستحدثة، فلم تعد الأمية مقتصرة على القراءة والكتابة، بل هناك أمية العلوم، وأمية التخصص، وأمية التكنولوجيا وغيرها.
كما أن خديجة رضي الله عنها بما تملكه من خبرة وسن رشيد زملت زوجها، وهدأت من روعه، وقدمت له كلمات تكتب بماء من نور خلدها التاريخ.. كلمات تعكس أبعادا اقتصادية واجتماعية اتسمت بها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.. كلمات يجب أن يتأسى بها كل صاحب دين وضمير يقظ.. فهو واصل للرحم مكرم للضيف معين كل صاحب حق سواء كان حقا ماليا أو شخصيا، فضلا عن أنه يمد يده حاملا أثقال الفقراء والضعفاء والأيتام بالإنفاق عليهم وتلبية حاجتهم، مكسبا للمعدوم آخذا بيده من تراب الفقر ليستكفي عن غيره.
إنها كلمات في موقف من أشرف وأجل المواقف استحقت من أجلها أن يحييها رب العالمين، فيرسل لها السلام مع الروح الأمين، فقد "أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيها ولا نصَب".
x.com/drdawaba