في محاضرة عامة بمكتبة الإسكندريّة دُعيت إليها في غمرة العمل الثقافيّ والسياسيّ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في أعقاب ثورة 2011 المصرية، سُئلت في تلك المحاضرة: عن رأيي في علاقتنا بإسرائيل؟
أجبت: «أريد علاقة طبيعية بيننا وبين إسرائيل»!!
وَجَم أكثر الحاضرين، إذ كان موقفي من اتفاقية كامب ديفيد معلنًا غير خفيّ، ومدونًا في طبعات متتالية من كتابي: (في النظام السياسي للدولة الإسلامية)؛ وكذلك كان موقفي من التطبيع، بجميع صوره، مع العدوّ الصهيونيّ منشورًا في عشرات المقالات، ومسجلًا في عدد كبير من المقابلات التلفزيونية.
وكنت في زمن غير بعيد من تاريخ تلك المحاضرة، قد خضتُ معركة مع شيخ الأزهر وقتها، على صفحات الصحف المصرية، بعد استقباله حاخامًا صهيونيًا، وقوله ردًا على منتقديه: «لقد حدثته عن الحق الفلسطيني، وعن ضرورة تخفيف القبضة الصهيونية على أهل فلسطين…» أو كلامًا هذا معناه. فرددت عليه بمقال عنونته: «يا سيدي شيخ الأزهر.. ليتك لم تقابله ولم تقل له» [نصه في كتابنا شخصيات ومواقف عربية ومصرية، دار المعرفة بيروت 2004، ص 185].
ثم أعقبه موقف آخر لوكيل الأزهر – آنذاك- إذ نُشرت له في الصحف المصرية والصهيونية صورة يتأبط فيها ذراع حاخام صهيوني، وهما خارجان من جلسة في مؤتمر ما في بلد أوروبي. وسأَلَتْهُ الصحف عن هذه الصورة فقال ما حاصله: ليس هناك شيء يؤخذ عليّ إذا تأبطت ذراع زميل لي باعتباره رجل دين(!) فنشرت- ردًا على موقفه- مقالًا عنوانه: «تأبط شرًا» [المصدر السابق، ص 194]. وبعد ذلك بدأت وقائع معركة فكرية سياسية على صفحات الصحف المصرية.
ترحيب وحفاوةكل ذلك كان ماثلًا أمام الجمهور الغفير، الذي ضاقت به القاعة الرئيسية بمكتبة الإسكندرية، ولذلك كان الوجوم مفهومًا، وكانت علامات الاستفهام على الوجوه سائغة!
قلت بعد ذلك مباشرة علاقتنا الطبيعية مع إسرائيل: «عدو بيننا وبينه هدنة، ولكل هدنة نهاية، وليس في الدنيا معاهدة لم تنقض».
ولا تسلْ عن ترحيب الحضور بهذا الجواب وحفاوتهم به، فقد فاقا كل تصور.
سيطرة غير مشروعةمنذ مكّنت القوى الاستعمارية كافة، وبعض الخيانات العربية، لقيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين ونحن لا نشعر نحوه إلا بالعداوة الناتجة عن اغتصاب الحق العربي، والسيطرة غير المشروعة، بالقوة، على المقدسات المسيحية والإسلامية، والاعتداءات المستمرة على البشر والحجر، وسرقة الثروات وإنكار الحقوق على أصحابها.
وهي عداوة دفعت أهل الأرض، أصحاب الحق، إلى محاولات عديدة لمواجهة هذا العدو بوسائل بدائية، هي وحدها التي كانت متاحة لهم، واستطاع العدو الصهيوني في كل مرة أن يقضي على محاولة أصحاب الحق أن يستعيدوه باستعمال قوة عسكرية لا تراعي قانونًا، ولا تعتصم بخُلق، ولا تردها عن البغي الباطش مروءة إنسانية، أو قيمة خُلقية.
وكانت فئة قليلة مؤمنة بالحق العربي، كارهة للتسلط الصهيوني، ترابط على أرض فلسطين، وتعد ما استطاعت من قوة، وتبني على الإيمان بالله، واليقين بصدق وعده، نفوسَ الرجالِ والنساءِ مبشرةً إياهم بحديث رسول الله ﷺ الذي رواه أبو أمامة الباهلي وغيره: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء (الشدة والضيق) حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [مسند أحمد، رقْم 22320] وفي بعض رواياته أنه قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس».
هؤلاء المرابطون -مهما تكن انتماءاتهم التنظيمية- هم من هذه الطائفة، الثابتة على الحق، العاملة لنصرته، المقدمة أموالها وأرواحها في سبيله، المنصورة في النهاية بإذن الله، على عدوها.
هؤلاء المرابطون هم الذين صنعوا مفاجأة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م = 22 من ربيع الأول1445هـ [طوفان الأقصى].
وهو الصنيع الذي بدأت به حرب التحرير الشاملة في فلسطين، وهو الخطوة الأولى في طريق زوال إسرائيل وعودة الوطن السليب إلى أصحابه. ومن أراد أن يستيقن من صحة ذلك فليتذكر أن (طوفان الأقصى) هو المعركة الأولى في تاريخ الصراع مع العدوّ التي يبدأ فيها أصحاب الحق مهاجمة المعتدين الغاصبين.
نعم! هي المرة الأولى التي يكون فيها زمام المبادرة في يدنا، ويكون لنا الفعل لا رد الفعل. ولا أقول المرة الأولى من 1948 ولكنها المرة الأولى، منذ بدأ الاستيطان الصهيوني -تحت رعاية بريطانية- التي نفعل فيها ذلك.
أخرجنا (طوفان الأقصى) والمرابطون الذين صنعوه من أسْر (المفعول به) إلى حرية (الفاعل). وإنه لنبأ لو تعلمون عظيم.
هزيمة نفسيةوكما عرفت الأرض المقدسة «المرابطين»، عرفت أصنافًا من «المرجفين» المخذِّلين الذين تفضح أقوالهم ما انطوت عليه قلوبهم من هزيمة نفسية، وما يعيشون في ظله من استحواذ الشياطين عليهم حتى أنسوهم وعد الله- تعالى- بالنصر: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتُهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} [غافر: 51-52].
يقول هؤلاء المرجفون: ماذا كسب أهل فلسطين من هذه الحرب التي شنها المقاومون (المرابطون) ضد «دولة إسرائيل»؟! قتلُ الآلاف، وإصابةُ أضعافهم، وهدمُ نسبة كبيرة من البيوت -بل الأحياء السكنية كاملة- على رؤوس قاطنيها، ثم لن يكون لنا نصر، مهما حاولنا، على أقوى دولة في الشرق الأوسط
-زعموا!- وخامس جيش أو سابع جيش في العالم.
وهؤلاء يجهلون، أو يتجاهلون، أنهم ينعون هدم الحجر دون أن يأبهوا لحقوق البشر. ويجهلون أو يتجاهلون أن الذين بنوا (غزة) أول مرة يستطيعون بناءها مرات ومرات.
وهم يجهلون، أو يتجاهلون، أن الموت بكرامة وعزة وشجاعة أفضل ألف مرة -عند ذوي العقول- من الحياة مع الهوان والمذلة والاستسلام.
وهم يجهلون، أو يتجاهلون، قول الله- تبارك وتعالى- لنبيه وأصحاب نبيه: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا([النساء: 104].
وهم يجهلون، أو يتجاهلون- عندما يعيروننا بشهداء المرابطين- ما قاله عمر (رضي الله عنه) لأبي سفيان يوم أحد عن قتلى المشركين وشهداء المسلمين، قال: «ليسوا سواءً، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار».
فتح قريبولا يعلم إلا الله متى يتوقف القتال، ومتى نضع القلم عن القول في المرابطين والمرجفين. لكننا بعد مائة وستة عشر يومًا نرانا أقرب كثيرًا من يوم الفتح، يوم زوال الدولة الصهيونية الغاصبة، مما كنا عليه يوم انطلق (طوفان الأقصى).
لا أقول سيكون ذلك غدًا، لكنني أقول ما قاله رب العالمين: )وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء: 51].
والحديث موصول إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
الحسيني يكشف عن الدولة التي اغتالت حسن نصر الله| ويؤكد: ليست إسرائيل
الباحث الشيعي محمد علي الحسيني (مواقع)
في تصريحات مفاجئة وغير متوقعة، كشف محمد علي الحسيني، الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي، عن حقيقة مثيرة تكشف لأول مرة بشأن اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله.
ففي لقاء تلفزيوني مع الإعلامي عبدالله المديفر، خلال برنامج "الليوان"، رد الحسيني على سؤال المديفر حول من قتل نصر الله بشكل صادم، قائلاً: "من قتل حسن نصر الله هو الجيش الأمريكي، وليس الجيش الإسرائيلي."
اقرأ أيضاً صنعاء تكشف عن خيارها الوحيد لإسقاط القرار الأمريكي الأخير 4 مارس، 2025 هل الأرز أفضل من الخبز؟: مختص يكشف الحقيقة الصحية التي ستغير نظامك الغذائي 4 مارس، 2025الحسيني، الذي لم يتردد في الإشارة إلى الجيش الأمريكي باعتباره المسؤول عن الاغتيال، شدد على أنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا التصريح.
الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وحزب الله في تلك الفترة، ويزيد من الغموض المحيط بمقتل نصر الله الذي لطالما ارتبط اسمه بإسرائيل في الأذهان كالدولة المسؤولة عن اغتياله.
غموض حول المصادر:
ورغم خطورة التصريح، رفض الحسيني الإفصاح عن أي تفاصيل إضافية حول المصادر التي استند إليها في هذه الفرضية المثيرة.
وأوضح قائلاً: "هذه من مصادري، ولا أتكلم عن القوة في مصادري، لكنها مصادر قوية وعميقة، تسمع وترى وتحلل." ما يفتح الباب أمام مزيد من التساؤلات حول ماهية هذه المصادر، التي يعتقد الحسيني أنها تقدم معلومات غير متاحة للعامة.
ماذا يعني هذا التصريح؟:
هذه التصريحات جاءت لتزيد من تعقيد قضية اغتيال حسن نصر الله، وتثير شكوكًا جديدة حول الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في المنطقة.
إذا كانت هذه المعلومات صحيحة، فإنها قد تفتح بابًا جديدًا لفهم علاقات القوى العالمية مع حزب الله، وتسلط الضوء على التوترات الخفية التي قد تكون قد دارت خلف الكواليس.
هل سيؤدي هذا الكشف المفاجئ إلى تغييرات في فهم العالم لكيفية تعامل القوى الكبرى مع حزب الله؟ الأيام القادمة قد تحمل إجابات جديدة لهذا اللغز المثير.