الجزيرة:
2024-11-18@00:26:38 GMT

المرابطون والمرجفون..

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

المرابطون والمرجفون..

في محاضرة عامة بمكتبة الإسكندريّة دُعيت إليها في غمرة العمل الثقافيّ والسياسيّ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في أعقاب ثورة 2011 المصرية، سُئلت في تلك المحاضرة: عن رأيي في علاقتنا بإسرائيل؟

أجبت: «أريد علاقة طبيعية بيننا وبين إسرائيل»!!

وَجَم أكثر الحاضرين، إذ كان موقفي من اتفاقية كامب ديفيد معلنًا غير خفيّ، ومدونًا في طبعات متتالية من كتابي: (في النظام السياسي للدولة الإسلامية)؛ وكذلك كان موقفي من التطبيع، بجميع صوره، مع العدوّ الصهيونيّ منشورًا في عشرات المقالات، ومسجلًا في عدد كبير من المقابلات التلفزيونية.

وكنت في زمن غير بعيد من تاريخ تلك المحاضرة، قد خضتُ معركة مع شيخ الأزهر وقتها، على صفحات الصحف المصرية، بعد استقباله حاخامًا صهيونيًا، وقوله ردًا على منتقديه: «لقد حدثته عن الحق الفلسطيني، وعن ضرورة تخفيف القبضة الصهيونية على أهل فلسطين…» أو كلامًا هذا معناه. فرددت عليه بمقال عنونته: «يا سيدي شيخ الأزهر.. ليتك لم تقابله ولم تقل له» [نصه في كتابنا شخصيات ومواقف عربية ومصرية، دار المعرفة بيروت 2004، ص 185].

ثم أعقبه موقف آخر لوكيل الأزهر – آنذاك- إذ نُشرت له في الصحف المصرية والصهيونية صورة يتأبط فيها ذراع حاخام صهيوني، وهما خارجان من جلسة في مؤتمر ما في بلد أوروبي. وسأَلَتْهُ الصحف عن هذه الصورة فقال ما حاصله: ليس هناك شيء يؤخذ عليّ إذا تأبطت ذراع زميل لي باعتباره رجل دين(!) فنشرت- ردًا على موقفه- مقالًا عنوانه: «تأبط شرًا» [المصدر السابق، ص 194]. وبعد ذلك بدأت وقائع معركة فكرية سياسية على صفحات الصحف المصرية.

ترحيب وحفاوة

كل ذلك كان ماثلًا أمام الجمهور الغفير، الذي ضاقت به القاعة الرئيسية بمكتبة الإسكندرية، ولذلك كان الوجوم مفهومًا، وكانت علامات الاستفهام على الوجوه سائغة!

قلت بعد ذلك مباشرة علاقتنا الطبيعية مع إسرائيل: «عدو بيننا وبينه هدنة، ولكل هدنة نهاية، وليس في الدنيا معاهدة لم تنقض».

ولا تسلْ عن ترحيب الحضور بهذا الجواب وحفاوتهم به، فقد فاقا كل تصور.

سيطرة غير مشروعة

منذ مكّنت القوى الاستعمارية كافة، وبعض الخيانات العربية، لقيام الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين ونحن لا نشعر نحوه إلا بالعداوة الناتجة عن اغتصاب الحق العربي، والسيطرة غير المشروعة، بالقوة، على المقدسات المسيحية والإسلامية، والاعتداءات المستمرة على البشر والحجر، وسرقة الثروات وإنكار الحقوق على أصحابها.

وهي عداوة دفعت أهل الأرض، أصحاب الحق، إلى محاولات عديدة لمواجهة هذا العدو بوسائل بدائية، هي وحدها التي كانت متاحة لهم، واستطاع العدو الصهيوني في كل مرة أن يقضي على محاولة أصحاب الحق أن يستعيدوه باستعمال قوة عسكرية لا تراعي قانونًا، ولا تعتصم بخُلق، ولا تردها عن البغي الباطش مروءة إنسانية، أو قيمة خُلقية.

وكانت فئة قليلة مؤمنة بالحق العربي، كارهة للتسلط الصهيوني، ترابط على أرض فلسطين، وتعد ما استطاعت من قوة، وتبني على الإيمان بالله، واليقين بصدق وعده، نفوسَ الرجالِ والنساءِ مبشرةً إياهم بحديث رسول الله ﷺ الذي رواه أبو أمامة الباهلي وغيره: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء (الشدة والضيق) حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [مسند أحمد، رقْم 22320] وفي بعض رواياته أنه قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس».

هؤلاء المرابطون -مهما تكن انتماءاتهم التنظيمية- هم من هذه الطائفة، الثابتة على الحق، العاملة لنصرته، المقدمة أموالها وأرواحها في سبيله، المنصورة في النهاية بإذن الله، على عدوها.

هؤلاء المرابطون هم الذين صنعوا مفاجأة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023م = 22 من ربيع الأول1445هـ [طوفان الأقصى].

وهو الصنيع الذي بدأت به حرب التحرير الشاملة في فلسطين، وهو الخطوة الأولى في طريق زوال إسرائيل وعودة الوطن السليب إلى أصحابه. ومن أراد أن يستيقن من صحة ذلك فليتذكر أن (طوفان الأقصى) هو المعركة الأولى في تاريخ الصراع مع العدوّ التي يبدأ فيها أصحاب الحق مهاجمة المعتدين الغاصبين.

نعم! هي المرة الأولى التي يكون فيها زمام المبادرة في يدنا، ويكون لنا الفعل لا رد الفعل. ولا أقول المرة الأولى من 1948 ولكنها المرة الأولى، منذ بدأ الاستيطان الصهيوني -تحت رعاية بريطانية- التي نفعل فيها ذلك.

أخرجنا (طوفان الأقصى) والمرابطون الذين صنعوه من أسْر (المفعول به) إلى حرية (الفاعل). وإنه لنبأ لو تعلمون عظيم.

هزيمة نفسية

وكما عرفت الأرض المقدسة «المرابطين»، عرفت أصنافًا من «المرجفين» المخذِّلين الذين تفضح أقوالهم ما انطوت عليه قلوبهم من هزيمة نفسية، وما يعيشون في ظله من استحواذ الشياطين عليهم حتى أنسوهم وعد الله- تعالى- بالنصر: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتُهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار} [غافر: 51-52].

يقول هؤلاء المرجفون: ماذا كسب أهل فلسطين من هذه الحرب التي شنها المقاومون (المرابطون) ضد «دولة إسرائيل»؟! قتلُ الآلاف، وإصابةُ أضعافهم، وهدمُ نسبة كبيرة من البيوت -بل الأحياء السكنية كاملة- على رؤوس قاطنيها، ثم لن يكون لنا نصر، مهما حاولنا، على أقوى دولة في الشرق الأوسط
-زعموا!- وخامس جيش أو سابع جيش في العالم.

وهؤلاء يجهلون، أو يتجاهلون، أنهم ينعون هدم الحجر دون أن يأبهوا لحقوق البشر. ويجهلون أو يتجاهلون أن الذين بنوا (غزة) أول مرة يستطيعون بناءها مرات ومرات.

وهم يجهلون، أو يتجاهلون، أن الموت بكرامة وعزة وشجاعة أفضل ألف مرة -عند ذوي العقول- من الحياة مع الهوان والمذلة والاستسلام.

وهم يجهلون، أو يتجاهلون، قول الله- تبارك وتعالى- لنبيه وأصحاب نبيه: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا([النساء: 104].

وهم يجهلون، أو يتجاهلون- عندما يعيروننا بشهداء المرابطين- ما قاله عمر (رضي الله عنه) لأبي سفيان يوم أحد عن قتلى المشركين وشهداء المسلمين، قال: «ليسوا سواءً، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار».

فتح قريب

ولا يعلم إلا الله متى يتوقف القتال، ومتى نضع القلم عن القول في المرابطين والمرجفين. لكننا بعد مائة وستة عشر يومًا نرانا أقرب كثيرًا من يوم الفتح، يوم زوال الدولة الصهيونية الغاصبة، مما كنا عليه يوم انطلق (طوفان الأقصى).

لا أقول سيكون ذلك غدًا، لكنني أقول ما قاله رب العالمين: )وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء: 51].

والحديث موصول إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين.

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

ما هي البدعة التي حذرنا منها رسول الله؟ .. علي جمعة يوضحها

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه لابد علينا أن نُحَرِّرَ مفهوم البدعة، سيدنا النبي ﷺ قال حديثًا عَدَّه الأئمة الأعلام -منهم الإمام الشافعي- من الأصول التي بُنِيَ عليها الدين: « مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ». قال العلماء: قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، ولم يقل: من أحدث في أمرنا هذا شيئًا فهو رد. الشريعة جاءت لتعليم المناهج وبيان القواعد التي يُبنَى عليها الأمر متسعًا، فمن أراد أن يَحْصرها في الوارِد فقد ضيَّق موسَّعًا، وهذا هو البدعة.

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان رسول الله ﷺ وضع أُسُسًا لكيفية التعامل مع الحياة بنَسَقٍ منفتح، فمن أراد أن يجعل النَّسَقَ ضيقًا ويجرُّ الماضي على الحاضر من غير اتساع فهو مبتدع، قال: ما ليس منه، ولم يقل: من أحدث شيئًا، لو قال شيئًا أغلق الأمر كما أرادوا أن يُغلقوه على أنفسهم، لكن لا، قال: ما ليس منه. أخرج الإمام النسائي أن رسول الله ﷺ بعدما انتهى من الصلاة قال: مَن الذي قال مَا قال حينما رفعت من الركوع؟ فخاف الصحابة ولم يتكلَّم أحد، قال: «مَن قال ما قال فإنه لم يقل إلا خيرًا» قال: أنا يا رسول الله، قال: «ماذا قلت؟»، قال: قلت ربنا لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا طاهرًا مباركًا فيه ملءَ السموات والأرض وملء ما شئت من شيء. قال: «رأيت بضعًا وثلاثين ملكًا يبتدرها أيهم يصعد بها إلى السماء».

قال العلماء: وذلك التصعيد قبل إقرار النبي ﷺ ليعلمنا ما البدعة، وما الزيادة التي ليست ببدعة، فلما كان الكلام جميلاً فيه توحيد الله سبحانه وتعالى، فيه إخلاص واعتراف بالمنة له سبحانه وتعالى، كان وإن لم يسمعه من النبي، وإن كان قد زاده في الصلاة مقبولاً. وعندما سمع النبي في التلبية أعرابًا يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلَّا شريكًا هو لك، ملكته ومَا مَلَكَك، أوقفهم وعلَّمهم، وأنكر عليهم، لأن هذا مخالف لما جاءت به الشريعة من إفراد التوحيد لله، فأنكره.

واستدل العلماء بحديث بلال: أن النبي ﷺ قام من ليلته فقال: «يا بلال، سمعتُ خشخشة نعليك قبلي في الجنة، فبما هذا؟»، قال: والله يا رسول الله لا أعرف، قال: إلا أنني كلما توضأت صليت ركعتين. رأى النبي مقام بلال من أجل الركعتين قبل أن يُقرَّهُما، وهو لم يعلمها بلالًا، بل إن بلالًا قد وفَّق بين الشريعة فرأى الوضوء شيئًا حسنًا والصلاة شيئًا حسنًا، فجمع بين هذا وذاك من غير استئذان النبي ﷺ ومن غير توقُفِ فعله على إقرار النبي، وذلك ليعلمنا كيف نعيش بنسقٍ مفتوح في عالمنا حيث نفتقد رسول الله ﷺ بوحيه وفضله المعروف العليم.

فإذا أحدثت شيئًا فلابد أن يكون من الشريعة، لا ضدًا لها، الأمر على السعة فإن جئت فضيقت وقلت: لا ذكر ودعاء إلا بكلام رسول الله ﷺ فقد ضيقت واسعا .

مقالات مشابهة

  • ما هي الأعمال التي تجعلنا نرى رسول الله في الجنة؟
  • قائد المسيرة القرآنية والرئيس الصماد.. شهيدان على طريق الحق
  • شاهد| عملية استهداف المقاومة الإسلامية في لبنان تحشّدات جيش العدو الصهيوني في ثكنة يفتاح شمال فلسطين المحتلة
  • اليمن.. صمودٌ أبديٌّ وعزيمةٌ لا تلين
  • علماء اليمن تدين استهزاء النظام السعودي بالكعبة المشرفة
  • ما هي البدعة التي حذرنا منها رسول الله؟ .. علي جمعة يوضحها
  • ‏احتلال أرض فلسطين وصمةُ عار في جبين الإنسانية
  • نور القلوب: كيف تفتح الواردات الإلهية والذكر أبواب الحق في حياتنا؟
  • دليل السلوك السياسي لقيمة الثورة الحق: المفاهيم والإجراءات الواجبة
  • حزب الله يصعد من عملياته ضد العدو الصهيوني