أعلن رجل الأعمال وقطب التكنولوجيا الملياردير إيلون ماسك يوم 30 يناير 2024 أن شركته «نيورالينك» قد نجحت فى زرع إحدى شرائحها الإلكترونية اللاسلكية فى مخ الإنسان، ثم أردف قائلا على صفحته على موقع X (تويتر سابقا) أنه تم اكتشاف نشاط دماغى «واعد» بعد العملية وأن المريض «يتعافى جيدا».
ومع أن «نيورالينك» لم تكن سباقة فى هذا المجال إلا أنها لحقت بعدد محدود من الشركات التى تعمل به وحققت تقدما مماثلا مثل مدرسة البولى ــ تكنيك الفيدرالية فى لوزان (EPFL) بسويسرا، والتى نجحت فى تمكين رجل يعانى من الإعاقة الحركية الكلية من المشى بمجرد التفكير.
ولكن كون أن الذى أدلى بهذا التصريح هو إيلون ماسك مؤسس ومالك شركة «نيورالينك»، فعلينا الانتباه. فهذا الرجل ليس فقط هو أغنى إنسان فى العالم حيث تتعدى ثروته الشخصية المائتى مليار دولار، بل هو أيضا مؤسس وصاحب عدد آخر من الشركات العملاقة مثل شركة «تسلا» رائدة إنتاج السيارات الكهربائية، وشركة «سبيس إكس» التى تنتج الصواريخ التى تحمل سفن الفضاء فى مهمات إلى الفضاء الخارجى والقمر. علما بأن هذه الشركة قد طورت تكنولوجيا جديدة جعلت هذه الصواريخ يعاد استخدامها، وهى سابقة فى تاريخ هذه الصناعة. وأخيرا فماسك أيضا يمتلك حاليا شركة X وهى واحدة من أكبر شركات التواصل الاجتماعى التى يتعدى عدد مستخدميها النصف مليار مستخدم.
هذه المميزات جعلت الجميع يطارد هذا الرجل ليتحدث إليهم تارة ويعرض للعالم رؤياه وخططه المستقبلية تارة أخرى، وهنا لا أتحدث فقط عن وسائل الإعلام العالمية بأشكالها وأنواعها المتعددة بل أيضا عن أكبر المسئولين وأكثرهم نفوذا، فالكثير منهم يتمنون لقاءه ومن بينهم رؤساء وزراء وكان آخرهم «ريتشى سوناك» رئيس الوزراء البريطانى الذى «استغل» وجود ماسك فى مؤتمر أمان الذكاء الاصطناعى الذى استضافته قرية «بليتشلى بارك» الإنجليزية فى مطلع شهر نوفمبر الماضى، و«حظى» بحوار معه استمر لأكثر من خمسين دقيقة قام خلاله رئيس الوزراء بمهمة «المذيع والمحاور»!
نعود لأصل الموضوع وهو زرع شرائح إلكترونية فى مخ الإنسان حيث أسس ماسك شركته الجديدة «نيورالينك» عام 2016، وعندما تساءل المتخصصون عن سبب إنشاء ماسك هذه الشركة لم يخف شيئا وأجاب بأنها شركة لتطوير «التكنولوجيا العصبية» متخصصة فى تصميم وإنتاج واجهات المخ البشرى وآلات قادرة على زرع شرائح إلكترونية فى العقل البشرى. وأضاف بأن أول تطبيقين مستهدفين فى التجارب على البشر باستخدام أدوات «نيورالينك» سيكونان استعادة البصر وإتاحة الحركة لعضلات الأشخاص العاجزين عن ذلك. واستطرد قائلا: حتى لو لم يكن الشخص مبصرا أبدا، كأن يولد أعمى، فنحن نعتقد أنه ما زال باستطاعتنا إعادة البصر له.
وكما الحال فى باقى شركاته، تسارع العمل فى «نيورالينك» فأجرت تجاربها على الحيوانات أولا، تلاها إعلان ماسك عن أن الشركة سوف تقوم بزرع شريحة دماغية لإنشاء واجهة عمل تربط بين مخ الإنسان والكمبيوتر. ولتحقيق ذلك فإن الشركة قامت بتصميم وإنتاج روبوت «يشبه ماكينة الخياطة» يقوم بزرع خيوط رفيعة جدا فى المخ البشرى قطرها يتراوح ما بين 4 و6 ميكرونات (الميكرون جزء من ألف من المليمتر)، وأضاف قائلا: «وبذلك فإن الشركة تستعد لأول عملية زرع بشرى، نحن فى انتظار الموافقات المطلوبة والمزيد من اختبارات السلامة. ونتمنى أن نبدأ فى عمليات زرع الشرائح بنهاية عام 2022». وفى 30 نوفمبر 2022، أعلن ماسك أنه من المتوقع بدء تجارب زرع «شريحة داخل المخ البشرى» فى خلال ستة أشهر. ثم جاء الخبر السعيد لماسك فى 25 مايو العام الماضى حاملا معه موافقة «هيئة الأغذية والدواء الأمريكية FDA» بالسماح لشركته بأن تبدأ الاختبارات على البشر لمدة ست سنوات عندما تكون مستعدة لذلك. وردت الشركة فورا قائلة: بأن «هذا التصديق يمثل خطوة أولى مهمة ستسمح يوما ما لتقنيتنا بمساعدة العديد من الأشخاص».
والحقيقة أن العمل الذى تقوم به هذه الشركة هو اختراق علمى تاريخى، وعمل ممتاز مفيد للبشرية، وأعتقد أن توقعاتهم باستعادة البصر لفاقديه وإتاحة الحركة لعضلات الأشخاص العاجزين عن ذلك سوف تتحقق. إلا أننا لا يجب أن نغفل الجانب الآخر لنوايا ماسك، والتى يمكن تحديدها فى توجهه المستمر للهجوم على الذكاء الاصطناعى وعلاقة هذا الهجوم بموضع هذا المقال وهى شريحة ماسك أو «Telepathy» كما أطْلق عليها. فمنذ سنوات عديدة وماسك يقود حملة شرسة ضد الذكاء الاصطناعى، محذرا من خطورته، فأدلى فى مارس 2018 بحديث فى مؤتمر «الجنوب فى الجنوب الغربى للتكنولوجيا South by Southwest» فى أوستن تكساس، أكد فيه على أن الذكاء الاصطناعى أخطر من الأسلحة النووية. ثم استكمل هذه الحملة بتحذير العالم قائلا فى مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز فى يوليو 2020 «إن الاتجاهات الحالية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يتفوق على البشر بحلول عام 2025، وإن البشر يخاطرون بأن يعاملوا مثل الحيوانات الأليفة المنزلية عن طريق الذكاء الاصطناعى، محذرا من أن التهديد الوجودى للبشرية الذى يشكله الذكاء الاصطناعى أقرب بكثير مما كان متوقعا فى السابق «ما لم يتم تطوير التكنولوجيا التى يمكنها توصيل العقول بأجهزة الكمبيوتر، وبذلك سيستطيع البشر التنافس مع الذكاء الاصطناعى»!!. وهذا هو بيت القصيد، فماسك يتحدث هنا عن هذه الشريحة والتى يريد أن يزرعها فى المخ البشرى حتى «يستطيع الإنسان أن يتحدى الذكاء الاصطناعى»!
إذن يجب أن نتوقف هنا ونشير إلى أن ماسك كان يتحدث عن أن شريحته هى جدار لحماية الجنس البشرى من أخطار الذكاء الاصطناعى، وأن من يريد أن يتحدى الذكاء الاصطناعى فعليه أن يزرع شريحة فى رأسه تتواصل مع جهاز حاسب آلى يساعده فى ذلك. فهل هذا ممكن؟. الحقائق تفيد بأن «نيورالينك» قد بدأت العمل فى زرع الشرائح فى مخ الإنسان وأن هذه العملية تتم حاليا باستخدام روبوت لوضع «خيوط مرنة فائقة الدقة» وشريحة إلكترونية قطرها نحو 20 ملليمترا وسمكها لا يتعدى المليمترين وتشحن لاسلكيا. إذن فعملية زرع الشرائح هى عملية «مميكنة» وبالتالى فالمنطق والتطور العلمى يرجحان بأنه يمكن فى المستقبل أن يتضاعف عددها إلى المئات والآلاف فى اليوم الواحد، ولن يخضع لهذه العملية المرضى فقط بل سوف ينضم لقائمة الانتظار الآلاف من الأصحاء الذين يتمنون أن يستفيدوا بقدرات «الآلة» فى حياتهم اليومية. أما عن «نيورالينك» فسوف تطور من أبحاثها فى هذا المجال، وتستفيد من الشرائح والخيوط الإلكترونية التى تم زرعها، وتحتفظ بمعلومات العقول البشرية التى تعاملت معها، ثم ــ وهو الأهم والأخطر ــ تسيطر عليها وتتحكم فيها ثم توجهها إلى حيث ما تريد برغبة «حامل» شريحتهم أو بدونها.
(الشروق المصرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التكنولوجيا ماسك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ماسك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعى
إقرأ أيضاً:
ترامب: ماسك ليس أمريكي ولن يصبح رئيسا
قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، إنّ حليفه إيلون ماسك، لا يمكن أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة.
وفي حديثه لأكثر من ساعة في مؤتمر "أميركا فاست"، الأحد، قال ترامب إنه "حتى لو أراد ماسك أن يصبح رئيسا، فلن يتمكن من ذلك هل تعلمون لماذا لا يستطيع أن يصبح رئيسا؟ لم يولد في هذا البلد".
وكان ترامب يرد بذلك على منتقديه، ولا سيما من المعسكر الديمقراطي الذين وصفوا أغنى رجل في العالم في الأيام الأخيرة ، بأنه "الرئيس ماسك"؛ نظرا إلى مدى حضوره على الساحة السياسية إلى جانب الرئيس المنتخب.
ماسك ولد في جنوب أفريقياولكي يصبح الشخص رئيسا، يتطلب دستور الولايات المتحدة أن يكون مواطنا مولودا في الولايات المتحدة، لكن ماسك ولد في جنوب أفريقيا.
وأنفق أغنى رجل في العالم أكثر من ربع مليار دولار لمساعدة الرئيس الجمهوري المنتخب على الفوز بولاية ثانية وكان حاضرا بشكل شبه دائم في منزل ترامب في مارالاغو منذ ذلك الحين.