الحرب الناعمة الصامتة: المسلسلات الأجنبية” المدبلجة” تهديد حقيقي لتماسك الأسرة في المجتمعات الإسلامية
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
في ظل التحديات والمخاطر التي تتعرض لها اليمن ومختلف المجتمعات العربية والإسلامية من قبل قوى الشر العالمي والتي تحاول بكل الوسائل العسكرية والاقتصادية إحكام سيطرتها على مقدرات الأمة، وفي اطار المقاومة الباسلة التي أبدتها اليمن وهي تتصدى للآلة العسكرية الأمريكية والغربية في البحر الأحمر مؤخرا تبرز مجدداً مخاطر الحرب الناعمة، حيث يجد فيها الأعداء وسيلة مؤاتيه لضرب تماسك المجتمعات والأسر الإسلامية وهذا النوع من الحرب يأخذ أشكالا متعددة يتصدرها، كما يقول مختصون، الغزو الفكري المتمثل في ظاهرة المسلسلات الأجنبية المدبلجة التي تبث في الفضائيات العربية بشكل مخيف وهي محملة بقيم غريبة وأساليب غير معهودة للحياة الأسرية في المجتمع اليمني والمجتمعات الإسلامية بصورة عامة.
الاسرة /خاص
هذه المسلسلات الرائجة ليست عفوية وإنما تتم وفق المهتمين من خلال سياسات وتوجهات تتبناها كيانات وأنظمة معينة. كما أن هناك دوافع اجتماعية ومحفزات طبيعية تدفع الجمهور لمتابعتها ما يجعلها ذات تأثير سلبي على المدى القريب وعلى المستوى الاستراتيجي.
استثمار الدوافع الاجتماعية والاحتياجات النفسية
يصنف علماء الاجتماع الدوافع الاجتماعية والحاجات النفسية لرواج المسلسلات والأعمال الفنية المدبلجة إلى ثلاثة مستويات، يكون أولها الحاجات والأنشطة السلوكية العامة لكل البشر، ومن أمثلتها تكوين الأسرة وتربية الأطفال، وثانيها الأنشطة السلوكية الثقافية، ومنها التي ترتبط بالثقافة والدين، وهي الخصوصيات الاجتماعية والثقافية لكل أمة، وثالثها الأنشطة السلوكية الفردية التي يختلف فيها الرجل عن المرأة والكبير عن الصغير وحتى الأخ عن أخيه.
هذه المحركات السلوكية تنطوي على فروقات شاسعة بين الثقافة العربية الإسلامية وثقافة هذه المسلسلات الغريبة التي تخلق أسئلة كثيرة عن أسباب إدمان المواطن العربي على متابعتها، حيث لا يوجد سبب يبرر ذلك سوى ما يسميه علماء النفس إشباعات وهمية، حيث يستمتع الشاب المراهق أو المراهقة بمشاهدة بطل المسلسل ويتقمص شخصيته لباسا وحديثا وسلوكا
كما يصنف علماء النفس الحاجات النفسية إلى حاجات أساسية، منها الحاجة إلى الأكل والشرب والنوم والأمن، وهي حاجات أساسية تحافظ على بقاء النوع واستمراره، وأخرى مكتسبة أو ثانوية ومنها الحاجة إلى الحب والقبول من الآخرين والترفيه وحرية الاختيار وتحقيق الذات وإشباع الميول والاتجاهات التي يكتسبها الفرد خلال مراحل نموه.
ويشيرون إلى ان الأوضاع السيئة التي تعيشها كثير من البلدان العربية تجعل المواطن يحاول الهرب من واقعه السيء إلى متابعة مثل تلك الأعمال الفنية الهابطة.
ويرى علماء التربية وعلم النفس بان الفرد مزود بقدرات مناعية نفسية تسمى “وسائل الدفاع النفسي” يستخدمها الفرد كحيلٍ لاشعورية لإشباع حاجاته وهمياً أو خيالياً، ما يساعده على خفض التوتر الناتج عن الفشل والإحباط الناتج عن عدم قدرته الفعلية على الإشباع.
ومن هذه الحيل -كما يقولون- الكبت والتقمص والتوحد، حيث يعتقد بأن هذه الإشباعات الوهمية هي ما يجده في مشاهدة المسلسلات، حيث يستمتع الشاب المراهق أو المراهقة بمشاهدة بطل المسلسل ويتقمص شخصيته لباسا وحديثا وسلوكا طمعا منه في استقطاب عطف أو حب أو انتباه الجنس الآخر.
إضافة إلى ما يحتويه المسلسل من أزياء مبهرة، ومناظر طبيعية خلابة، وجمال، ووسامة الممثلين والممثلات، تجعل المراهقين يعيشون ساعة رومانسية جميلة حتى لو كانت خيالية .
آثار خطيرة
أغلب المسلسلات الأجنبية -بحسب المختصين- ان لم تكن جميعها تستهدف إفساد الشباب المسلم من خلال الإثارة الجنسية مستغلة بذلك بطالته وحرمانه وضعف أداء وسائل إعلامه، لتدفع به إلى أنماط سلوكية انحرافية تتناقض مع قيمه ومعتقداته الدينية..
ويؤكد مختصون إن ما يدور في حلقات المسلسلات الأجنبية المدبلجة من أحداث هي في الأساس تمثل انقلابا خطيرا على معايير القيم السوية وتبث سموم أخلاقية خطيرة تهدد الأسرة والمجتمع والأمة بأسرها .
أما فيما يخص الآثار السلبية على المشاهد فقد تكون الأبعاد التربوية السلبية أكثر وقعا على الشباب والمراهقين من الجنسين الذين ما زالوا في مرحلة تنمية ميولهم واتجاهاتهم وتحديد مسارات سلوكياتهم القيمية والأخلاقية والدينية والفلسفية.
وأما الرجال والنساء الذين تجاوزوا مرحلة الشباب فقد يتأثرون سلبا بمشاهدة تلك المسلسلات، غير أن هذا الأثر يعتقد بأنه وقتي، كحدوث بعض حالات الطلاق التي لها آثار مدمرة تربويا على الأطفال.
يتضح مما سبق أن الجمهور العربي يرى أن الأوضاع العربية السيئة في بعض الأقطار هي التي تؤدي إلى محاولة الهروب من الواقع والبحث عن شيء يحقق الارتياح ولو بطرق غير واقعية مثل متابعة برامج القنوات الفضائية والمسلسلات الأجنبية.
ضعف الوازع الديني
يؤكد مختصون اجتماعيون ان الإقبال على المسلسلات الأجنبية يعكس ضعف الوازع الديني والخواء الفكري وغياب الرقابة الأسرية.. وهو ما يؤدي إلى مخاطر وأثار تدميرية على تماسك الأسرة وانحراف الأطفال، ويوضحون ان الحل يكمن في تحمل مسئولية أولياء الأمور من الآباء والأمهات لواجباتهم في توعية أبنائهم بضرورة التمسك بالثقافة القرآنية والهدى الرباني باعتباره افضل الوسائل لتحصينهم من هذه الأفكار ومن قوة أساليب وتأثير الغزو الفكري على العقول والسلوكيات.”
ويرون ان أفضل السبل لمواجهة هذا النوع من الغزو يكمن في تعزيز الهوية الإيمانية وترسيخ قيم الإسلام ومبادئه المثلى في نفوس النشء من خلال تكثيف البرامج التعليمية والتوعوية وذلك يجب ان تضطلع به المؤسسات التربوية والإعلامية، وكذلك تفعيل جوانب الإرشاد الديني عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد وغيرها من الوسائل المتاحة وذات التأثير الإيجابي على المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الدراما التلفزيونية السورية المنتظرة وتجسيد ثقافة المواطنة
تُعد الدراما التلفزيونية من أكثر الفنون تأثيراً في نفوس المشاهدين. فهي لا تقتصر على التسلية فقط، بل تُسهم بشكل كبير في رفع وعيهم من خلال عرض التحديات الاجتماعية والأفكار المتوارثة التي تعيق تقدم المجتمع.
كما توجه سلوكهم نحو تحسينه، ضمن سياق درامي يتسم بالجاذبية ويحتوي على المقومات الفكرية والفنية اللازمة لإثارة اهتمامهم.
نأي عن تمجيد الفردلكن، هل يختلف دور الدراما التلفزيونية السورية في ظل المستجدات الحالية، كما حدث بعد سقوط نظام آل الأسد؟
بالتأكيد، فإن المطلوب من الدراما الآن يتجاوز ما كانت تلتزم به سابقاً تحت تأثير الرقابة السياسية، إذ أصبح من الضروري أن تبتعد عن تقديم الأعمال التي تشكل تهديداً لوعي المشاهدين، خاصة تلك التي تعتمد على السير الشعبية التي لا تعزز أية قيمة سوى قيمة الفرد المخلص، مثل مسلسل "الزند".
والأمر نفسه ينطبق على المسلسلات التي تروج لخارجين عن القانون في مختلف المجالات، مثل السرقة أو التهريب أو تجارة المخدرات، والتي تتضمن غالباً مشاهد قتل دون أي اعتبار لوجود السلطات الأمنية، التي تكون مغيبة تماماً في تلك الأعمال، كما في مسلسلات "هوا أصفر"، "على صفيح ساخن"، "مع وقف التنفيذ"، و"ولاد بديعة" للكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي، أو مثل مسلسل "الهيبة" بجزئه الثالث للكاتب هوزان عكو.
كما ينبغي الابتعاد عن المسلسلات "البيئة الشامية" التي كانت تقدم خطاباً رجعياً يحاول إحياء تقاليد وقيم بالية تحت ذريعة مقاومة المستعمرين الفرنسيين أو العثمانيين، على نحو ساذج وغير مكلف إنتاجياً، مما جعل شركات الإنتاج تستثمر الأزياء والديكورات في أكثر من جزء، مقدمة صورة مشوهة عن تاريخ دمشق تحت ذريعة "الدراما المتخيلة" وليست التاريخية، ما يتناقض مع مقومات المكان وأزيائه وعاداته.
تحت سقف القانونأما ما نحتاجه من الدراما للمساهمة في بناء الحياة الجديدة، حتى إذا استعدنا بعض السير الشعبية، فهو أن تكون على غرار ما قدمه الكاتب الراحل ممدوح عدوان في مسلسله المميز "الزير سالم".
ففي هذا المسلسل، استعاد عدوان السيرة الشعبية ولكن بأسلوب يتسم بالمسؤولية، حيث تجسد شخصية "كُليب" ليس كرمز للاستبداد أو الثأرية، بل كمثال على ضرورة وجود "نظام سياسي" يحترم القانون، ويجب على الجميع الالتزام به، حتى وإن كانوا من أقرب الناس.
ولم تشفع قرابة "البسوس" له عندما خالفت القانون، ففرض عقوبتها عليها.
وهذا هو جوهر الخطاب الفكري في "الزير سالم"، أي فرض سيادة القانون على الجميع، وتجاوز العصبية القبلية وقرابة الدم.
إذا تأملنا المجتمعات المستقرة التي تحقق الإنجاز والتطور وتحترم حقوق الإنسان، سنجد أنها المجتمعات التي تضع القانون فوق الجميع من دون وساطات أو تحيزات.
لكن في الوقت نفسه، سلط ممدوح عدوان الضوء على استبداد "كليب" الذي أفضى إلى طيش "جساس" وثأرية "الزير سالم"، مما أدى إلى فوضى أو حرب أهلية.
من خلال هذا الضوء، حذر عدوان من خطورة التفرد بالسلطة وإصدار القوانين من دون مراعاة المصلحة العامة.
لا يمكن إغفال ما قدمه هذا المسلسل الهام، إلى جانب أعمال أخرى، من خطاب درامي يركز على تعزيز قيم مؤسسات الدولة واحترامها.
هذا النهج تجسد في بعض المسلسلات التي قدمها الثنائي الراحل حسن سامي يوسف ونجيب نصير، ومسلسل "المفتاح" للراحل خالد خليفة، ومسلسل "رياح الخماسين" لأسامة إبراهيم. كلها أكدت، بأشكال مختلفة، ضرورة احترام المؤسسات والقوانين، رغم ما تعرضت له هذه المؤسسات من ترهل وفساد، كما ألمحت إلى ذلك بعض الأعمال الكوميدية مثل مسلسل "سعادة الوزير وحرمه" للكاتب محمود الجعفوري، وبعض لوحات "مرايا" و"بقعة ضوء"، التي طرحت ضرورة خضوع المجتمع بأفراده وشرائحه، بما في ذلك قياداته، للقانون.
المشاهدون السوريون اليوم بحاجة إلى خطاب درامي مشابه لما قدمته هذه المسلسلات، وأعمال أخرى تعزز ثقافة المواطنة بين أفراد المجتمع، وهي ثقافة تنبذ التمييز على أساس قومي أو ديني أو طائفي أو حزبي أو قبلي أو عائلي أو جنسي، وتعتبر الفرد مواطناً سيداً حراً، مساوياً لغيره أمام القانون. دراما تعزز مثل هذه الثقافة تسهم في تجاوز جراح الماضي وتحفز مشاعر التعاون لبناء مجتمع جديد. فالفنون هي اليد التي تقود الناس إلى إنسانيتهم نحو تمجيد "الثالوث الأقدس" الحق والخير والجمال.