محاولة أمريكية معقدة لإطفاء النار في الشرق الأوسط.. ما علاقة التطبيع السعودي الإسرائيلي؟
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
بين ساحات المعارك والمفاوضات السريّة والعلنية، ترزح غزة تحت القصف الإسرائيلي المتواصل وشبح الجوع الذي يهدّد سكّانها والفارّين منها.
ومع اقتراب الحرب في القطاع من دخول شهرها الخامس، وسط جهود دولية مكثّفة للتوصّل إلى هدنة جديدة، تتسارع الأحداث الإقليمية مع هجوم الأردن الأخير على الجنود الأمريكيين واستعداد الولايات المتحدّد لـ"الانتقام".
وأمام ذلك، يقول الكاتب ديفيد أغناتيوس، في عموده بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، إن "الولايات المتحدة تقوم بمحاولة معقّدة في سبيل إطفاء النيران في الشرق الأوسط".
ونشر الكاتب الأمريكي البارز تفاصيل مهمة يسعى من خلالها وزير الخارجية أنتوني بلينكن إيقاف الحرب في قطاع غزة، خلال زيارته المرتقبة للمنطقة، وهي مرتبطة بالسعودية وإسرائيل و"حماس".
ويقول: "يعتزم بلينكن السفر إلى الشرق الأوسط قريباً، ومن المحتمل أن يتوقّف أولاً في السعودية، حيث يأمل في تجديد التعهّد من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذا - وفقط إذا - أنهت إسرائيل الصراع في غزة، والتزمت بإنشاء دولة فلسطينية في نهاية المطاف، تشمل غزة والضفة الغربية".
ويضيف أنّه "من المرجّح بعد ذلك أن يسافر بلينكن إلى إسرائيل، حيث سيلتقي برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الغارق في الحرب، والذي يريد بشدّة التوصّل إلى اتّفاق سلام مع بن سلمان".
اقرأ أيضاً
تقدير أمريكي: منطق التطبيع لايزال قائما بالخليج.. لكن "ثمنه" الإسرائيلي ارتفع
ويتابع: "لكن في الوقت ذاته، يرفض نتنياهو وائتلافه المتشدّد الشروط السعودية المتمثّلة في إنهاء سريع للقتال في غزة والطريق إلى الدولة الفلسطينية".
ويرى أن "هذه هي لعبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فهو يريد أن يقدّم لنتنياهو عرضاً لا يمكن لائتلافه قبوله سياسياً، لكن رئيس الوزراء، الذي تحطّم إرثه كزعيم إسرائيلي تاريخي، قد لا يتمكّن شخصياً من مقاومته".
ويزيد: "إذا تبنّى نتنياهو الاقتراح السعودي، فسيتفكّك ائتلافه وسيحتاج إلى العثور على شركاء جدد، وإذا رفض، فقد يتم إسقاط حكومته من قبل المنافسين الذين يتبنّون الصيغة الأمريكية لإنهاء الحرب".
ويضيف الكاتب ذو المصادر الواسعة: "يقدّم مارتن إنديك، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل مرّتين، استعارة ملوّنة خاصّة به لوصف المناورة الدبلوماسية الأميركية، حيث يريد بايدن أن يجعل نتنياهو يبرم الصفقة أو يفسح المجال أمام حكومة أخرى، وفي الحالتين، تأمل الولايات المتحدة أن يتم كسر هذا الجمود".
ولم تعلن وزارة الخارجية الأمريكية عن زيارة بلينكن رسمياً، إلّا أن مسؤولين عدّة أكّدوا لوسائل إعلام بما في ذلك موقع "أكسيوس" ووكالة "فرانس برس"، تلك الزيارة وهي الرحلة السادسة لكبير الدبلوماسيين الأمريكيين للمنطقة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويتساءل: "ما هي فرصة أن يصافح نتنياهو بن سلمان؟"، قبل أن يستدرك بقوله: "قد تعتقد أن النسبة صفر، نظراً لرفضه (نتنياهو) العلني المتكرّر للدولة الفلسطينية.. لكن (المواطن) الإسرائيلي الذي يعرفه جيّداً يقول إن نتنياهو يدرك أنّه يواجه خياراً جدّياً وأنّه سيزن العوامل السياسية بعناية".
اقرأ أيضاً
السعودية مستعدة لقبول "التزام سياسي" من إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع
ويعرب أغانتيوس عن اعتقاده بأن "السبيل الوحيد لنتنياهو لتجنّب العار الدائم جراء الهجوم الإرهابي الذي نفّذته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول قد يكمن في أن يتحوّل إلى صانع سلام مع السعوديين".
ويستعرض الكاتب الصعوبات التي من شأنها أن تعيق هذه المحاولة "عالية الخطورة"، التي "قد تكون أفضل وسيلة لإخماد جحيم الحرب المستعرة في غزة"، ويقول إن "التوقيت أمر بالغ الأهمية بعد أن أبلغت الولايات المتحدة إسرائيل أن اتّفاق التطبيع السعودي يجب أن يبدأ خلال الشهرين المقبلين".
ويتابع قائلاً، إن "ذلك يرجع جزئياً إلى أن بن سلمان يطالب كجزء من حزمة التطبيع، بمعاهدة توفّر ضمانات شبيهة بضمانات الناتو للأمن السعودي.. ونظراً لأنّه عام انتخابي في الولايات المتحدة، فمن المرجّح أن تحصل مثل هذه الصفقة على تصديق مجلس الشيوخ بحلول يونيو/حزيران، قبل أن تدفن في سياسات الحملة الانتخابية".
ويعتبر أغناتيوس أن "الجزء الأصعب في هذه الدبلوماسية المعقدة هو أن العملية برمّتها يجب أن تبدأ بعد انتهاء القتال في غزة"، وهو العنصر الأخير لهذه المحاولة.
ويشير أحد المصادر الإقليمية لوكالة "رويترز"، إلى أن المسؤولين السعوديين حثّوا واشنطن في أحاديث خاصة على الضغط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة والالتزام "بأفق سياسي" لإقامة دولة فلسطينية، وقالوا إن الرياض ستقوم بعد ذلك بتطبيع العلاقات مع تل أبيب، والمساعدة في تمويل إعادة إعمار غزة.
من جانبه، يقول رئيس مركز الخليج للأبحاث في جدة عبدالعزيز الصغير، وهو مطّلع على المناقشات الجارية، إن "رسالة المملكة إلى أمريكا كانت: أوقفوا الحرب أولاً، واسمحوا بالمساعدات الإنسانية، والتزموا بحل عادل ودائم لمنح الفلسطينيين دولة... بدون ذلك، لا تستطيع السعودية أن تفعل أي شيء".
الخميس، أعلنت قطر أن حركة "حماس" أعطت "تأكيداً إيجابياً أوليّاً" بشأن مقترح هدنة إنسانية في قطاع غزة الذي وافقت عليه إسرائيل أيضاً، فيما لا تزال المعارك مستعرة في القطاع الفلسطيني المحاصر.
اقرأ أيضاً
أكسيوس: أقرب مقربي نتنياهو في واشنطن لمناقشة تطبيع السعودية مقابل وقف حرب غزة
إلّا أن مصدراً مطّلعاً على المحادثات في غزة، أكّد أنّه "لا يوجد اتّفاق على إطار الاتفاق بعد، والفصائل لديها ملاحظات مهمّة، والتصريح القطري فيه استعجال وليس صحيحاً".
من جهّته، يشير أغانتيوس نقلاً عن مصادر أمريكية وإسرائيلية وعربية، إلى أن صفقة الأسرى "أصبحت قريبة بشكل مثير، ولكن الأمر قد يستغرق أسابيع للانتهاء منها".
ويردف: "بمجرد أن تصمت الأسلحة، يصبح من الممكن وقف التصعيد على نطاق واسع: فقد يتحرّك السعوديون نحو التطبيع، وقد يصبح التوصل إلى اتّفاق حدودي بين إسرائيل ولبنان ممكناً، ويمكن أن يبدأ التقدّم نحو إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف".
ويتابع: "يقول أحد الأشخاص المشاركين في المفاوضات، إن الطريقة الوحيدة لتهدئة غزة هي صفقة الأسرى، مشدّداً على أن هذه هي المفتاح لعكس دائرة العنف التي دفعت الشرق الأوسط إلى حافة حرب شاملة".
ويوضح أن "السبب وراء تفاؤله (الشخص المشارك في المفاوضات) هو أن الإسرائيليين يعتبرون إطلاق سراح الأسرى أولوية قصوى بعد صدمة الهجوم الذي شنته حماس".
وينقل أغانتيوس عن مسؤول شارك في المفاوضات بين إسرائيل و"حماس" قوله، إن "لحظة الحقيقة لم تأتِ بعد"، لكن الكاتب الأمريكي قال إنّها "قادمة".
ويختم عموده بالقول عن هذه العملية الدبلوماسية، إنّه "بالنظر إلى البدائل القاتمة، فإن الأمر يستحق المحاولة".
اقرأ أيضاً
واشنطن بوست: تطبيع السعودية يدفع أمريكا للضغط على حماس وإسرائيل للتهدئة بغزة
المصدر | ديفيد أغناتيوس/ واشنطن بوست - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: التطبيع السعودية أمريكا بلينكن إسرائيل حرب غزة بن سلمان الولایات المتحدة دولة فلسطینیة الشرق الأوسط اقرأ أیضا بن سلمان فی غزة
إقرأ أيضاً:
جنرال إسرائيلي: العالم يعيد ترتيب الشرق الأوسط بدوننا ونتنياهو منشغل بحرب غزة
هاجم الجنرال يسرائيل زيف، الرئيس الأسبق لسلاحي المشاة والمظليين، وقائد فرقة غزة، ورئيس شعبة العمليات في الجيش، سياسة حكومة نتيناهو متهما إياها بأنها تسببت بإبعاد "إسرائيل" عن ترتيب الشرق الأوسط.
وأكد أنه "لا يوجد فراغ في منطقتنا، ولو للحظة واحدة، والواقع صعب للغاية لدرجة أن خسارة المبادرة تعني فعلياً ترك دولة إسرائيل بعيداً جداً عن الصورة، رغم أن الحرب على غزة أتاح لها فرصاً استثنائية لتغيير المنطقة، وبناء نظام جديد فيها قد يمنحه، في فترة زمنية محدودة، القدرة على أن تصبح قائدة الإقليم، لكن حكومتها فضلت تحقيق أطماعها الحزبية الداخلية، فيما استفاد الآخرون من إنجازات الحرب".
مفاوضات إيران
وأضاف في مقال نشرته "القناة 12"، وترجمته "عربي21" أنه "في الممارسة العملية، تواجه دولة إسرائيل الآن واقعاً يتحول ضدها: الولايات المتحدة تأخذ زمام المبادرة، وتستغل ضعف إيران، وتعمل ضدها بشكل مباشر في مفاوضات نزع السلاح النووي، وفي الوقت نفسه تعمل على كبح جماح خطة الاحتلال الهجومية، وتتركه خارج المفاوضات الدبلوماسية، ويرجح أن يؤدي حرص ترامب على التوصل لاتفاق سريع لاتفاق أسوأ بكثير من اتفاق 2015".
وأوضح أن "احتمالات أن يشنّ الاحتلال هجوما على إيران بدون الولايات المتحدة لا وجود لها، إلا إذا فشلت المفاوضات، أو وصلت لطريق مسدود، حينها فقط ستسمح الأخيرة بذلك، ولكن بدونها، فإن الأمر يستحق ترك خيار مواصلة المفاوضات، وفي حال وقوع هجوم إسرائيلي دون مشاركة عسكرية أمريكية واسعة النطاق، فإن النتيجة ستكون غير كافية، وستدفع الإيرانيين لحرب نووية شاملة".
وأشار إلى أن "رهان الاحتلال المبكر على ترامب كان ضخمًا وخطيرًا أيضًا، وقد تتحول أهمية نجاحه لمشكلة تاريخية، حتى لو حصلنا منه على المزيد من القنابل، فإنه سيجلب اتفاقًا نوويًا سيئًا، ويعطي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساحة للسيطرة في سوريا، وفي النهاية سيجبرنا على إغلاق الحرب في غزة عندما نزعجه مع السعودية، دون إحضار التطبيع معها، وحينها سيتحول الحدث بأكمله لموكب جنازة كبير لمسيرة نتنياهو المهنية".
خسارة سوريا
وأضاف أن "إسرائيل لم تستغل إنجازاتها العسكرية في كافة القطاعات: ففي سوريا فاتها القطار، لأن تركيا، بعلم الولايات المتحدة، تسيطر عليها، وتخلق قاعدة إقليمية جديدة، حيث لا تقف إسرائيل خارج هذا الباب فحسب، بل تلعب دور الهدف المعادي للتحالف المشترك ضدها، وقد نجحت بمفردها بوضع نفسها في مركز الكراهية الإقليمية للتحالف التركي الجديد الذي يجري بناؤه ضد المحور الإيراني".
وضرب على الإخفاق الاسرائيلي مثالا آخر في لبنان، "حيث يتم إعادة إعمارها بفضل المبادرة السياسية الأمريكية الفرنسية، حيث يستعد البلدان للسيطرة على البلاد تدريجيا، وبطبيعة الحال، لن يمر وقت طويل قبل أن يتم دفع إسرائيل للخارج، وإجبارها على إعادة جميع التصحيحات الحدودية".
تراجع تطبيع السعودية
وأكد أنه "في هذه الأثناء، يجري صياغة الاتفاق السعودي خلف الكواليس، وسط تقديرات باستبعاد دولة إسرائيل أيضاً، لأنها لم تنهِ الحرب في غزة، ومع مرور الوقت تتحول إلى دولة تُسبّب الاشمئزاز، وتتحول من كونها مصدراً للثروة إلى عبء إقليمي، ولعل سلوكها في سوريا يشكل مثالاً واضحاً على غبائها، مع أن تغيير نظامها شكل مفاجأة كاملة لها، لكن تم التخطيط لها مسبقًا من قبل تركيا، التي تحالفت مع المعارضة المسلحة، بعد أن شكل إضعاف حزب الله فرصة ذهبية للإطاحة بالأسد، وهو ما حدث بالفعل، أما إسرائيل ذاتها ففكرت بطريقة ضيقة، للقضاء على بقايا أسلحة جيش الأسد، ورغب بالتباهي بإنجازاتها اندفعت دون أي تفكير استراتيجي".
وأشار إلى أن "أنقرة التقطت بهدوء كل الجوائز، وانضمت بشكل كامل للمعارضة السورية المسلحة، وأعادت بناء مجال نفوذها الإقليمي بالتنسيق الكامل مع ترامب، بالطبع خلف ظهر نتنياهو، المشغول "بالتقاط صورة" على قمة جبل الشيخ، وبين ليلة وضحاها، أصبحت تركيا ذات وضع إقليمي سياسي وعسكري في سوريا والمنطقة، وأصبحت إسرائيل شركة سياحية للمستوطنين، وكل واحد ومصالحه الإقليمية، مع العلم أن الخطة التركية أكبر بكثير، وليس فقط في سوريا، بل استراتيجية سنية إقليمية معادية لإسرائيل، تشمل العراق، ولبنان لاحقا، وربما الأردن".
فوز تركيا
وأشار إلى أن "أساس المصلحة المشتركة بين كل هذه الدول هو كبح جماح "الإمبريالية الإسرائيلية"، التي يرتكز سردها على احتلال غزة، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية، حتى الأردن، الذي سيُطلب منه الانضمام لهذه الخطوة، سيجد صعوبة بالوقوف في وجهها نظراً لاستخفاف حكومة نتنياهو المستمرة به، وحاجته الداخلية لإظهار التضامن المناهض للاحتلال بسبب القضية الفلسطينية التي تعمل إسرائيل على تفاقمها بشكل متزايد، وباستثناء العمليات العسكرية التي يبادر إليها الجيش في الغالب، لا يوجد لديها أي تخطيط سياسي على الإطلاق، ولا تفكير ولا رؤية سياسية إقليمية".
وأوضح أن "انشغال نتنياهو المفرط بشؤونه الخاصة، والائتلاف، والسياسات السامة، قاد الدولة، بعد كارثة أكتوبر الكبرى، لأكبر خسارة لإنجازات الحرب التي كلفتها الكثير من الدماء، لأن سُكر القوة والعمى المطلق دفعا إسرائيل للزاوية بعيداً عن الموقع المركزي الذي احتلته للتوّ، وبما أن حلم التطبيع مع السعودية، الذي بدا قريباً، يبدو الآن أبعد من أي وقت مضى، والإنجاز الوحيد المتبقي هو ضمّ غزة وسكانها، وهو ما تحتاجه إسرائيل حتى تنهار في النهاية!".