لوموند: الأزمة الصحية في غزة قد تكون أكثر فتكا من القنابل
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن الهجمات الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 25 ألف شخص في قطاع غزة، وتداعياتها القاتلة على البيئة المباشرة السكان.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تلوّث الهواء والتربة وتراكم النفايات وتلوث مياه الشرب والحرب في غزة تمثل أزمة صحية بالغة الخطورة.
وحسب ديفيد بويد، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والبيئة، فإنه "للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة عواقب وخيمة، لا سيما بسبب التلوث الهائل بالكربون، سواء في الهواء أو الماء أو التربة، مما يعرض الفلسطينيين لمجموعة واسعة من المواد السامة".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر من السنة الماضية، كشفت "هيومن رايتس ووتش" أن الفوسفور الأبيض، وهو مادة سامّة قابلة للاشتعال يمكن أن تحترق عند درجات حرارة تصل إلى 800 درجة مئوية، قد استخدمته إسرائيل في غزة وجنوب لبنان.
وذكرت الصحيفة أن المنظمة غير الحكومية قامت بتحليل سلسلة من الصور وخلصت إلى أنه تم استخدام "قذائف مدفعية فسفور أبيض عيار 155 ملم". ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن أي شخص يتعامل بشكل مباشر مع الفسفور الأبيض يتعرض لخطر الغثيان والقيء والإسهال وآلام شديدة في البطن وحرقة.
وحسب وكالة الصحة العامة الفيدرالية الأميركية: "يمكن أن تحدث الوفاة خلال أربع وعشرين إلى ثمان وأربعين ساعة بسبب انهيار القلب والأوعية الدموية". وذكر بويد أن استخدام إسرائيل لهذه المادة في غزة يعد "انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي".
أشارت الصحيفة إلى أن "إسرائيل" اعترفت في سنة 2009 بأنها "استخدمت ذخائر تحتوي على الفوسفور الأبيض" أثناء هجومها العسكري على قطاع غزة بين كانون الأول/ ديسمبر 2008 وكانون الثاني/ يناير 2009.
تدمير الأراضي الزراعية
تُشير تقديرات منظمة "يوروميد للحقوق" غير الحكومية، التي تتهم الجيش الإسرائيلي باستخدام أسلحة موضعيّة الذخيرة، إلى احتمال إسقاط أكثر من 25 ألف طن من القنابل على قطاع غزة في الفترة ما بين السابع من تشرين الأول/أكتوبر وبداية تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
وحسب دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، فإن هذه "الذخائر التقليدية مصممة لنثر أو إطلاق ذخائر صغيرة متفجرة، يقل وزن كل منها عن 20 كيلوغرامًا. وقد أعلن أن استخدام هذا النوع من المدفعية غير قانوني، لأنه مميت بشكل خاص، من قبل 119 دولة موقّعة على اتفاقية أوسلو لسنة 2008، والتي ليست إسرائيل طرفًا فيها.
ووفقًا للصليب الأحمر الدولي، فإن عددًا كبيرًا من هذه الذخائر الصغيرة لا تنفجر كما هو متوقع، ووجودها يجعل الزراعة خطيرة ويعيق عملية إعادة الإعمار. وقد استخدمت إسرائيل بالفعل هذا النوع من الأسلحة، لا سيما في لبنان سنة 2006. ويمثل تدهور الأراضي، بل وحتى تدميرها، تحدياً آخر.
ونقلت الصحيفة عن عمر شاكر، مدير مكتب "هيومن رايتس ووتش" في فلسطين، أن "الأقمار الصناعية تُظهر أن الأراضي الزراعية يتم تدميرها عمداً". ويشير بشكل خاص إلى منطقة بيت حانون في الشمال، المغطاة بالقنابل، التي حسب "الجيش" الإسرائيلي، تصل إلى الأنفاق وأهداف حماس لذلك تقوم الجرافات بتهيئة طرق جديدة للمركبات العسكرية.
من جانبه، قال هي يين، وهو باحث جغرافي في جامعة ولاية كينت في أوهايو ساعد في تصميم خرائط الأقمار الصناعية لمراقبة تدمير الأراضي في غزة: "لقد وجدنا أن ما يقارب 30 بالمائة من الأراضي الزراعية قد تضررت". وأظهرت أداة أضرار النزاع، التي أنشأها الأكاديميان الأميركيان جامون فان دن هوك من جامعة أوريغون وكوري شير من جامعة نيويورك من أجل تصور الأضرار الناجمة عن الصراع باستخدام صور الأقمار الصناعية، أنه اعتبارًا من 17 كانون الثاني/ يناير، "من المحتمل أن تكون ما بين 49.7 بالمئة إلى 61.5 بالمئة من مباني غزة قد تضررت أو دمرت".
وأضافت الصحيفة أنه عندما تنفجر المباني أو البنية التحتية أو المساكن، يتم إطلاق كميات هائلة من الغبار والحطام في البيئة. وفي سنة 2021، قدّر تقرير للبنك الدولي عن الحملة العسكرية الإسرائيلية في ذلك العام على غزة أن "30 ألف طن من النفايات الخطرة، بما في ذلك الأسبستوس والمبيدات الحشرية والأسمدة و أنابيب الأسبستوس والأسمنت، قد لوثّت المنطقة".
وهذا السيناريو تضاعف اليوم عشرة مرات بسبب حجم الهجوم الإسرائيلي. وفي هذا الصدد قال آدم، وهو شاب من جباليا شمال القطاع ولاجئ حاليا في رفح جنوبا: "نحن نعاني من الهواء الملوث بسبب القنابل، المزيد والمزيد من الناس يمرضون".
الحصول على مياه الشرب مثير للقلق
نقلت الصحيفة عن خبير نزع السلاح فيم زويننبرغ، ومؤلف تقرير منظمة "باكس من أجل السلام" الهولندية غير الحكومية حول المخاطر البيئية والصحية للحرب في قطاع غزة، أن المواد الموجودة في هذا النوع من الحطام قد تم تحليلها في صراعات سابقة أو أثناء الكوارث الطبيعية مثل زلزال شباط/فبراير 2023 الذي ضرب جنوب تركيا وتبين أنها يمكن أن تسبب أمراضًا خطيرة.
وإلى جانب صعوبة استنشاق الهواء، أصبح الحصول على مياه الشرب صعب المنال لكنه أمر غير جديد. في وقت مبكر من سنة 2012، قدّر تقرير للأمم المتحدة أن 90 بالمئة من المياه المتاحة غير صالحة للاستهلاك. ووفقاً لليونيسيف، بعد عشرة أيام من بدء الهجوم الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر 2023، انخفضت قدرات ضخ المياه الجوفية إلى 5 بالمئة من مستواها المعتاد.
مناطق غير صالحة للسكن
أوردت الصحيفة أن مياه الصرف الصحي تتدفق إلى أماكن المعيشة. وفي الرابع من كانون الثاني/يناير، أظهر مقطع فيديو نُشر على تطبيق واتساب واطلعت عليه صحيفة "لوموند" صحفيًا فلسطينيًا يصور نفسه وهو يسير عبر فيضان مياه الصرف الصحي في المدرسة التي كانت بمثابة مخيم للاجئين في جباليا.
وأضافت الصحيفة أن هذه النفايات السائلة تذهب إلى البحر، مما يشكل خطراً على صحة الإنسان والتنوع البيولوجي. وذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لسنة 2020 أنه "وجد أدلة قوية على التغير البيئي وتدهور الأراضي الفلسطينية". ووفقاً لمنظمة أوكسفام غير الحكومية، فإن معظم محطات معالجة المياه البالغ عددها 65 في غزة، خارج الخدمة حاليًا.
وذكرت دراسة نشرت في مجلة "ذا لانسيت"، أن وجود بعض البكتيريا في الماء يزيد من مقاومة المضادات الحيوية. وورد في التقرير: "دون تدخل سريع، تهدد هذه الحرب بإعادة تعريف وبائيات مقاومة مضادات الميكروبات في غزة وخارجها". وحسب تقرير للأمم المتحدة بتاريخ الثاني من كانون الثاني/يناير 2024، سجلت في غزة 179 ألف حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي الحادة، و136400 حالة إسهال لدى الأطفال دون سن 5 سنوات و55400 حالة جرب وقمل و4600 حالة يرقان.
وحذرت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، في جنيف في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قائلة: "سنرى عددًا أكبر من الأشخاص يموتون بسبب الأمراض أكثر مما نراه بسبب القصف إذا لم نتمكن من إعادة النظام الصحي إلى وضعه الصحيح، الذي يمكن بالفعل اعتباره غير صالح للسكن، لن يتمكن الناس من العودة إلى تلك المناطق".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة الصحة صحة احتلال طب غزة طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة غیر الحکومیة کانون الثانی الصحیفة أن قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
لوموند: ترامب يحارب جامعة كولومبيا باعتبارها معقلا تقدميا في أمريكا
قالت صحيفة لوموند، إن الإدارة الأمريكية صعدت من إجراءاتها غير المسبوقة ضد الحرية الأكاديمية، مستهدفة جامعة كولومبيا التي كانت معقلا للحراك الطلابي ضد العدوان على غزة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، ألغت إدارة ترامب في شهر آذار/ مارس الجاري منحا بقيمة 400 مليون دولار مخصصة للجامعة، وشككت في نزاهتها الأكاديمية، واعتقلت الطلاب المشاركين في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين.
وفي رسالة مؤرخة يوم الخميس 13 آذار/ مارس، طالبت إدارة ترامب بفرض الوصاية الأكاديمية على قسم الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا بجامعة كولومبيا لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
وفي اليوم الموالي، تم اعتقال الطالب الفلسطيني محمود خليل، أحد قادة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي. وقد ألغى وزير الخارجية ماركو روبيو بنفسه بطاقته الخضراء.
ويوم الجمعة، أعلنت السلطات الفيدرالية عن اعتقال طالب فلسطيني مشارك في تنظيم مظاهرات مؤيدة لغزة في جامعة كولومبيا.
الإجراءات تطال جميع الأقسام
اعتبرت الصحيفة أن استهداف جامعة كولومبيا يعود لعدة أسباب، حيث تحمل طابعا تقدميا وضعه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي ولد في القدس في ظل الانتداب البريطاني.
كان سعيدا متخصصا في الأدب الإنجليزي، وهو أحد مؤسسي دراسات ما بعد الاستعمار، التيار الذي ألهم حركة الاحتجاجات الحالية ضد الممارسات الإسرائيلية، وفقا للصحيفة.
وأضافت لوموند أن العدوان على غزة أحدث انقساما عميقا داخل هيئة التدريس بجامعة كولومبيا، وخاصة بين الأساتذة اليهود الذين انقسموا بين مؤيد لنتنياهو ومدافع عن الفلسطينيين، العامل الذي استغله الجمهوريون، حيث اتهموا الجامعة بعدم مكافحة معاداة السامية وعدم حماية الطلاب اليهود بشكل كاف.
وحسب الصحيفة، فقد طالت الإجراءات القمعية المستشفى الجامعي وكلية الطب، ففي العاشر من آذار/ مارس، تلقى أستاذ الهندسة الطبية الحيوية إدوارد غو رسالة عبر البريد الإلكتروني من إدارة الجامعة تُعلمه بإلغاء المنحة التي كانت تقدمها له المعاهد الوطنية للصحة وتطالبه بخفض النفقات بشكل فوري إلى الحد الأدنى الضروري لاستمرار البحث.
وفي تغريدة له على منصة "إكس"، كتب إدوارد غو، وهو واحد من مئات الباحثين الذين توقفت بحوثهم بشكل مفاجئ: "أنا عاجز عن الكلام".
وقالت إيمانويل سعادة، رئيسة قسم اللغة الفرنسية بالجامعة: "الأمر يؤثر بشكل أساسي على الطب، لكنه يطال أيضًا كلية الفنون والعلوم. الأمر يطال جميع الاختصاصات".
أرقام تثير التساؤلات
تبرر إدارة ترامب قراراتها بمكافحة "معاداة السامية" ومنع إهدار أموال دافعي الضرائب، بيد أنها تستهدف الجامعة من خلال هذه الإجراءات، وفقا للصحيفة.
في السابع من شباط/ فبراير، انتقدت وزارة الصحة الطريقة التي تستخدم بها الجامعات مساعداتها الفيدرالية. وقد صرحت المعاهد الوطنية للصحة بأن "9 مليار دولار من أصل 35 مليار دولار مُنحت للأبحاث العام الماضي استُخدمت في النفقات الإدارية العامة، المعروفة باسم التكاليف غير المباشرة"، في وقت أعلنت فيه المعاهد أن الحد الأقصى لهذه التكاليف ينبغي أن لا يتعدى 15 بالمئة من قيمة المنح.
وتناهز تكلفة السنة الدراسية في المرحلة الجامعية في جامعة كولومبيا حوالي 62 ألف دولار سنويًا، بالإضافة إلى 20 ألف دولار لاستئجار غرفة.
وبالإضافة إلى هذه الرسوم الدراسية التي تدر على الجامعة 1.5 مليار دولار، تتلقى الجامعة أيضًا 1.3 مليار دولار من المساعدات الفيدرالية و1.8 مليار دولار من عائدات مرضى المستشفى، وذلك ضمن ميزانية سنوية تبلغ 6.5 مليار دولار. كما تمتلك الجامعة صندوقا احتياطيا تبلغ قيمته حوالي 20 مليار دولار، لكنها تستخدم فوائده فقط.
وحسب الصحيفة، فإن هذه الأرقام رغم أنها معلنة، تثير العديد من التساؤلات في مناخ يسوده انعدام الثقة.
وتعليقا على الوضع الحالي، تقول إيمانويل سعادة إن الارتفاع الهائل في رسوم التسجيل يضطر الطلاب إلى التوجه نحو تخصصات توفر فرصًا وظيفية ذات عائد مالي أكبر، وتضيف: "هجمات ترامب تجد أرضية خصبة في هذا السياق".
إجراءات أخرى منتظرة
تضيف الصحيفة أنه من الواضح أن الرئيسة المؤقتة للجامعة، كاترينا أرمسترونغ، تريد أن تتجنب المواجهة، بعد أن أكدت أنها ستتعاون مع السلطات الفيدرالية، وامتنعت عن الدفاع عن الطلاب المعتقلين.
ورغم التوترات، نجحت أرمسترونغ في استئناف الحوار مع أعضاء هيئة التدريس والطلاب، وهو ما فشلت فيه سابقتها نعمت شفيق ذات الأصول المصرية البريطانية، والتي وجدت نفسها -حسب الصحيفة- عالقة بين الدفاع عن حرية التعبير ومكافحة معاداة السامية.
واعتبرت الصحيفة أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة دونالد ترامب قد تؤدي إلى إثارة الانقسامات داخل الجامعة، حيث إن الطب التي كانت نشطة في مكافحة معاداة السامية، تحملت العبء الأكبر من تخفيض المساعدات الفيدرالية، بينما تأثرت أقسام العلوم الإنسانية بشكل أقل، رغم أنها الأكثر تنظيما للاحتجاجات.
وقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا في 11 آذار/ مارس بعنوان: "حرب بين الكليات تندلع في كولومبيا"، لكن إيمانويل سعادة ترفض هذا الطرح بشدة، قائلة: "هناك تضامن موضوعي. سنقدم لهم الأموال من خلال الرسوم الدراسية التي نحصل عليها".
وذكرت الصحيفة أن إدارة الجامعة تعمل في الوقت الراهن على تشديد قبضتها من خلال تجميد الرواتب وإيقاف الانتدابات مطالبة جميع الأقسام بتقديم ميزانيات منخفضة بنسبة 6 بالمئة.
ولا يبدو أن الإجراءات العقابية ستتوقف عند هذا الحد، حيث عبرت إيمانويل سعادة عن قلقها من إمكانية حرمان بعض البرامج من الاعتماد الفيدرالي، وتفكير إدارة ترامب في فرض ضرائب على عائدات الصناديق الجامعية التي كانت معفاة من الضرائب، بالإضافة إلى الحد من قيمة القروض، التي يمكن للطلاب الحصول عليها.
ولخصت سعادة الوضع قائلة: "في الحقيقة هم لا يهتمون بارتفاع الرسوم الدراسية. الهدف هو إسكاتنا".