رفح (الاراضي الفلسطينية) "أ ف ب": يكتظ شارع لا يتجاوز عرضه ثلاثين مترا في وسط مدينة رفح في جنوب قطاع غزة بعشرات آلاف الأشخاص، ما يعيق حركة السيارات، ويحول دون الوصول الى خدمات أساسية ملحة ويزيد من المعاناة المتواصلة بسبب الحرب.

ويعيش في المدينة التي كان عدد سكانها أصلا يبلغ ربع مليون، أكثر من 1,3 مليون شخص حاليا، وفق أرقام الأمم المتحدة، بعد أن نزح إليها مئات الآلاف الذين يتكدّسون في شقق سكنية إما استأجروها وإما ينزلون فيها عند أقارب وأصدقاء، أو في خيام منتشرة في الشوارع الرئيسية والفرعية، في المتنزهات، في الملاعب الرياضية والساحات العامة.

وتقول نهى المدهون (47 عاما) التي نزحت من مخيم بيت لاهيا في شمال القطاع مع عائلتها المكونة من تسعة أفراد الى منزل أقارب لها في رفح، "هذه أسوأ شهور في حياتنا.... أعيش مع بناتي وأطفالي في منزل أقاربنا مع نحو أربعين شخصا. زوجي وأبنائي الأكبر ينامون في خيام. لا يتسّع المكان للجميع. ننام على الأرض ونشعر بالبرد. الأغطية ليست كافية والجو بارد. دخول الحمام معاناة".

لكنها تستدرك "لكننا أفضل حالا من الذين يعيشون في الخيام... لا توجد شقق كافية ولا أماكن حتى لنصب خيام إضافية".

وتمتد مدينة رفح على مساحة 65 كيلومترا مربعا تقريبا. وتتركّز الكثافة السكانية في الأحياء الواقعة في وسط المدينة حتى غربها بينما يتلاشى الازدحام تدريجيا مع الاتجاه نحو الشرق نحو الحدود مع إسرائيل ونحو الشمال حيث تقع مدينة خان يونس التي تشهد عمليات عسكرية مكثّفة.

وطلب الجيش الإسرائيلي منذ الأسابيع الأولى للحرب من سكان شمال قطاع غزة التوجه جنوبا. وانتقل مئات الآلاف على مراحل في اتجاه خان يونس ورفح، ثم نزح كثيرون مجددا من خان يونس حيث تتركز المعارك منذ أسابيع.

ويقول عبد الكريم مصباح (32 عاما) الذي كان يقيم أصلا في مخيم جباليا في شمال القطاع، "هربنا الأسبوع الماضي من خان يونس من الموت، من دون أن نحضر شيئا معنا. لم نجد مكانا للمبيت. نمنا في الشارع أول ليلتين، ونامت النساء والأطفال في مسجد".

ثم حصلت العائلة على خيمة من "فاعل خير"، فنصبناها قرب الحدود المصرية. لا يوجد مكان. لا يفصلنا سوى جدار عن مصر من الجنوب والبحر من الغرب. نموت من شدة البرد في الليل. أطفالي الأربعة يرتجفون من البرد ويشعرون بالمرض والتوعك طوال الوقت".

"ازدحام مرعب"

وتسبب هجوم حماس بمقتل قرابة 1160 شخصا في إسرائيل، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام رسمية. وترد إسرائيل بقصف مدمر وهجوم بري على قطاع غزة حيث قتل منذ بداية الحرب 27019، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، ونزح 1,7 مليون، وفق الأمم المتحدة.

وتعجّ شوارع رفح بالناس. وهم يعيقون تماما حركة سير المركبات الى حدّ أصبحت القيادة تحديا حقيقيا. ويبدو شبه مستحيل على السائقين تجاوز المارة في الشارع الممتد في وسط المدينة على نحو خمسة كيلومترات نحو الغرب حيث شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

على كرسيها المتحرّك، تنتظر أمجاد عبد العال (28 عاما) أمام مركز جمعية للحصول على أغطية وفرش للنازحين في طابور طويل يضمّ عشرات الأشخاص.

وتقول الشابة التي ارتدت سترة زرقاء وقدماها حافيتان بينما كان شقيقها يجرّ كرسيها "كان الازدحام مرعبا. استغرقتنا الطريق بالسيارة نحو ساعتين. لا يوجد عدد كبير من السيارات بسبب نقص الوقود، الجميع يمشي أو يركب شاحنة أو عربات تجرّها حمير".

ونزحت عبد العال مع 11 شخصا آخرين من أفراد عائلتها من مدينة غزة الى مدرسة تابعة للأونروا في حي الجنينة على بعد بضعة كيلومترات من هنا، وهي مسافة كانت تستغرق عادة بالسيارة مدة 15 دقيقة.

وتقول نعيمة البيومي (38 عاما) المتجهة الى مستشفى في غرب المدينة من أجل زيارة ابنة شقيقتها إنها قطعت نصف المسافة من دون أن تجد وسيلة نقل.

وتضيف منهكة "تعبت من المشي، مشيت لنحو ساعتين وما زالت أمامي ساعتان. الطريق مزدحم... ركبت عربة مع حمار بضع مرات وسقطت على الأرض من شدة التزاحم".

"الموت أرحم"

ولا يمكن للسيدة التي نزحت من شرق مدينة خان يونس أن تحبس دموعها وهي تسترجع كل المعاناة التي مرّت بها عائلتها. "استشهد توأمي أحمد ومحمد عندما سقط سطح المنزل علينا من القصف. أنجبتهما في الأسبوع الأول من الحرب بعد 13 عاما من الزواج، تمّ إنقاذي مع زوجي، واستشهد الطفلان".

وتتابع "تحقّقت أمنية حياتي بأن أصبح أما، لكن ذلك لم يستمر لأكثر من شهر. أقيم حاليا مع زوجي في خيمة من القماش. في الحقيقة، لم أعد أرغب بالعيش".

يتطوّع مواطنون لتنظيم المرور وفضّ مشاجرات متفرقة بين سائقين ومارة وأصحاب بسطات يفاقمون حركة المرور.

ويقول مهران دبابيش (41 عاما)، وهو سائق سيارة تاكسي نزح من خان يونس، "سيارتي تكسّرت من شدة الازدحام... والأمر يزداد سوءا كل يوم. الطريق بين خان يونس ورفح كانت تستغرق 20 حتى 30 دقيقة في أسوأ الاحوال، اليوم أقصر مشوار داخل رفح يستغرق ساعة ونصف وحتى ساعتين".

ويقول ابراهيم خضر النازح من مدينة غزة والذي يعيش مع 28 فردا من عائلته في خيمة في أقصى غرب المدينة "أتيت للسوق لشراء طعام لعائلتي. مشيت أكثر من ساعتين. الأسعار نار".

في الطريق، تصعد سيدة مع طفلها الرضيع، بمساعدة شبان، الى مؤخرة شاحنة تنقل عشرات الركاب الواقفين. تتشبث بجانب الشاحنة حتى لا تقع، وهي تصرخ "حسبنا الله ونعم الوكيل، الموت أرحم من هذه الحياة".

بقلم مي ياغي

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

دير البلح.. المدينة الهادئة التي استقبلت مليون نازح تعود لـالنوم باكرا

شهدت مدينة دير البلح وسط قطاع غزة لحظات مؤثرة أثناء وداعها مئات الآلاف من العائلات النازحة من مختلف مناطق القطاع لا سيما الشمال، التي كانت قد لجأت إليها هربًا من آلة الحرب الإسرائيلية.

نزحت في الحرب 9 مرات، الحمدلله في كل مكان نزحت عليه كانوا الجيران كتير مناح و مش هاين علينا ولا عليهم نروّح.

كل مرة كنت اعاني من مشاعر الوداع، هاي المرة في دير البلح هي الاصعب، سكنت في اخر شارع 17 و عندي جيران من بيت الفليت و ابو طواحين
كنت بينهم اكتر من ابنهم

بيعز علينا الفراق — جهاد (@jehadpals) January 27, 2025 كلمة حق لأهلنا في دير البلح ❤️
ها نحن علي أعتاب عودتنا إلي شمالنا الحبيب, بعد رحلة نزوح قااسية جداً
هنا لا يسعني إلا أن أشكر من كل قلبي أهلي وناسي في دير البلح الحبيبة وكل جنوب القطاع نشهد الله أنكم ما قصرتم وقدمتم لنا كل ما تملكون, شكرا لكم على حسن الإستضافة وحسن التقدير ..❤️‍???? — الحسن ???????? ???? (@hasanfareed0) January 26, 2025

واحتضن سكان دير البلح النازحين في بيوتهم ومدارسهم، مقدّمين الدعم الإنساني في ظروف صعبة تعكس التلاحم المجتمعي الذي لطالما ميز أهل القطاع خلال 15 شهرا من الحرب.



ومع السماح لسكان شمال القطاع بالعبور إلى مناطقهم، غادر قرابة 300 ألف شخص إلى الشمال، فيما كانت تحتضن دير البلح التي يبلغ عدد سكانها بحسب آخر الأرقام الرسمية لعام 2021 أكثر من 300 ألف نسمة، قرابة مليون نازح.

دير البلح عندها ايرور
وييين الناااس — @belal_diab (@BelalDiaab) January 28, 2025 أول مرة من 15 شهر
امشي في شوارع دير البلح
ومحدش يحكيلي ظهرك ظهرك — عمر ❤️ (@om3arata) January 28, 2025 احا دير البلح فاضية فش فيها حركة ملل لأبعد حدود — ???? محمد (@mohammedohadi) January 28, 2025

ومع عودة النازحين إلى مناطقهم، بدأت دير البلح تستعيد تدريجيًا طابعها الهادئ، واختفت إلى حد ما الشوارع المزدحمة، وخيام النازحين.



كما لم ينس الفلسطينيون، ومنهم أبناء دير البلح نفسها، التندر من كون سكانها كانوا "ينامون مبكرا" لكن هذا لم يعد ممكنا بسبب الحرب الإسرائيلية من جهة، ووصول النازحين إليها من جهة أخرى.

أهل دير البلح صلوا العشا وسكروا باب الحارة وناموا ???? — التِنْحَة  ???? ???????? (@Ghadooosh_o_96) January 27, 2025 كمان ساعة الا عشرة كُلنا في دير البلح حنكون نايمين ونعود إلى سابق العهد ✌️ — Huda Elkassem (@hudaelkassem417) January 27, 2025 آن لأهالي دير البلح أن يعودوا للنوم مبكرا. — Rami Kh (@RamiNKhrais) January 27, 2025


 

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: مئات آلاف الفلسطينيين انتقلوا بالفعل من جنوبي غزة إلى الشمال
  • الأمم المتحدة: مئات آلاف الفلسطينيين انتقلوا بالفعل من جنوبي غزة إلى الشمال مرورا بشارع صلاح الدين
  • الأمم المتحدة: مئات آلاف الفلسطينيين انتقلوا بالفعل من جنوبي غزة إلى مناطق الشمال
  • غزة تنتظر الإغاثة والأعمار… مئات آلاف النازحين دون مأوى
  • أمير المدينة المنورة يُدشن الواجهة البحرية في مدينة ينبع الصناعية
  • الكونغو الديمقراطية.. جثث في الشوارع واغتصاب جماعي وفرار مئات الآلاف
  • دير البلح.. المدينة الهادئة التي استقبلت مليون نازح تعود لـالنوم باكرا
  • آلاف النازحين يواصلون العودة لشمال القطاع رغم الصعاب
  • بلدية غزة: مئات الآلاف من النازحين عادوا للشمال رغم التدمير الكامل للبنية التحتية
  • محافظ كفر الشيخ: إزالة 17 إعلانا مخالفا في مدينة بيلا