تمكن المصريون القدماء من صناعة ورق البردى، واحتكروا تداوله، وكانت تصدره عن طريق الإسكندرية فى العصر البطلمى، حيث كانت تنتشر المصانع من الإسكندرية، وشرق الدلتا، والفيوم، وكانت الفسطاط أقوى مراكز إنتاجه، واقترنت المساكن بوجود تلك المصانع، وكانت المصانع المصرية تنتج منه سبعة أصناف، واستخدم المسلمون هذا الورق، وأطلقوا عليه قراطيس، وآخر ما وجد منه يعود إلى بدايات الدولة الإخشيدية سنة 323هـ/935م.
كان الصينيون رواد صناعة الورق من لحاء الشجر، ومن شرانق الحرير، وعنهم انتشر فى كوريا واليابان، حتى وصل الورق إلى المدينة الأزباكستية سمرقند سنة 81هـ/700م، التى فتحت على يدى القائد قتيبة بن مسلم الباهلى سنة 93هـ/712م، قبل أن يخربها جنكيز خان سنة 1229م، فتيمور لنك، كما عرفه العرب منذ فتْح فرغانة، ثم عرفتْ العراق الورق لقربها من سمرقند، فاحتضنت بغداد أولى (طواحين) مصانع الورق، وأدرك الخليفة المنصور أهمية الورق وحاجة النساخ إليه فى مخطوطاتهم العلمية والأدبية فتوسع فى صناعته، فزادت معرفتهم به أيام الرشيد، وأسس الفضل بن يحيى والى خراسان وابن يحيى البرمكى وزير هارون الرشيد مصنعا، وانتقلتْ صناعته إلى العرب على أيدى الأسرى الصينيين عام 751م، فانتشرتْ مصانعه بالعراق، وبلاد ما وراء النهر، ثم بدمشق، وبطرابلس الشام وطبرية بفلسطين، وشمالى المغرب العربى، ثم إلى إسبانيا 268هـ/950م، وبخاصة طليطلة، ثم صقلية 1102م، وإيطاليا 1154م، فألمانيا 1228م، ليتأخر عن انجلترا حتى عام 1309م، وسائر أوروبا، بعد أن كان قد صنع بمصر 184هـ/800م، وبمكة المكرمة سنة 171هـ/787م، الأمر الذى ساعد المخطوط العربى على الانتشار، على نحو ما نرى فى اللسان لابن منظور، والفهرست لابن النديم ص 31، وعند عبدالستار الحلوجى، المخطوط العربى منذ نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجرى، فى مواضع عديدة)، وعائشة عبدالرحمن، ذخائر البردى فى مكتبة ألبرتينا، حولية كلية البنات، ع5، يوليو 1967، ونشر 1969مستخلصا فى 58ص؛ لتتمثل مواد الكتابة فى: العسب والكرانيف، والأكتاف والأضلاع، واللخاف: الحجارة الرقيقة البيضاء، والرق والأديم والقضيم من الجلود، والمهارق: الثوب الحيرى الأبيض، والبردى، والورق، وأدواتها فى: القلم، والمدْبة، والمقط، أو المعصمة: قطعة صلبة من الرخام، والمقْلمة، والمفرشة، والممسحة، والمداد من: العفص، والزاج، والصمغ، أو السناج (الدخان)، والدواة.
هكذا دلّتْ جذور الكلمة على أصالتها المعجمية، واستعمالاتها التراثية، وفى المصادر العربية القديمة ما يلقى الضوء على الحضانة التاريخية، والدور الحضارى الذى قام به المسلمون فى تاريخ الكتب والمكتبات؛ إذْ حفلت المكتبة العربية بتاريخ لامع على مر العصور، بلغ فيه الاهتمام بالكتاب مبلغا كبيرا، حتى صارت المكتبة بمثابة المعهد العلمى أو المدرسة، أو المنتدى العلمى، او المركز الثقافى، يضم القراءة والترجمة والنقل والتعليم.
وحدّثتْنا كتب عن طرق إعداد الكتاب، وصناعته، ومن ذلك كتاب (صبح الأعشى فى صناعة الإنشا) للقلقشندى، أبى العباس أحمد بن على، على نحو ما سنرجع إليه كثيراً، الذى يضم معارف عامة وجغرافية وتاريخ سورية ومصر، بتحقيق محمد حسين شمس الدين، مفيدا من التحقيق السابق له على يد محمد قنديل البفلى بإشراف سعيد عبدالفتاح عاشور، مكتبة عالم الكتب، القاهرة 1390هـ، وقد عرض الكتاب عبدالهادى عباس فى كتابه سرديات الدهشة، قراءات فى الشعر والنثر.
تضيف المقدمة التى كتبها فوزى محمد أمين الجديد، والصادر فى 16 مجلدا بزيادة جزأين لتعريف المصطلحات فى جزء، والفهارس فى جزء، وقام بهما محمد قنديل البقلى، ليبلغ عدد الصفحات نحو سبعة آلاف صفحة، فى مقدمة وعشر مقالات هى: التمهيد عن الكتابة، ودراساته، والجغرافيا، والمكاتبات، ومقالات الكتّاب، والولايات وتنظيمها، والوصايا الدينية، والإقطاعات، والأيْمان، والعهود، ونماذج من الرسائل الملوكية، بما فى ذلك من معلومات.
و(جوهر الكنز - تلخيص كنز البراعة فى أدوات ذوى البراعة) لنجم الدين أحمد بن إسماعيل بن الأثير الحلبى، و(مواد البيان)، الذى نقل عنه القلقشندى كثيراً، وهو لعلى بن خلف الذى قال فى نهاية الباب الأول من كتابه إنه يصنـّف: «كتاباً جامعاً لما تنظمه صناعة الكتابة من العلوم والآداب الخاصة بها ليجد من يعنى بهذه الصناعة جميع ما يرومه من أصولها وفروعها التى فرّقها المصنفون فى كتبهم مودعة فيه، ويعرف بها الطالب جلالة خطرها وارتفاع قدرها من بين الصنائع، ويصْرف همته إليها …
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وصناعة الكتاب المصريون القدماء طريق الإسكندرية
إقرأ أيضاً:
مكي «الجريء» (بروفايل)
حليق الرأس مفتول العضلات يرتدى جاكيت من الجلد الأسود يناسب هيئته الخارجية القاسية، بينما تقف على كفيه حمامتان تمنحه إحداهما الإذن بالاقتراب منها وإطعامها من فمه، فى وداعة شديدة تعكس الرقة داخله، مما يكشف حجم التناقض داخل الشخصية، هل هو «الغاوى» البلطجى الخارج عن القانون أم «شمس» الإنسان المرهف الذى يهوى تربية الحمام ويمتلك مهارة كبيرة فى تدريبه؟
شمس ناصر العدوى ابن البلد، الذى تربى فى حى الجمالية، هى الشخصية التى قرر أحمد مكى أن يطل على جمهوره من خلالها فى موسم الدراما الرمضانية 2025 بمسلسل «الغاوى»، وهو الذى خلع من أجله عمامة «الكبير أوى» وترك المزاريطة وأهلها، ليقف فى نقطة فارقة فى مشواره الفنى، بعد ما تصدر عرش الكوميديا على مدار مواسم الدراما الرمضانية الماضية، قرر أن يتركها ليدخل مساحة جديدة فى الدراما الشعبية، يغازل من خلالها قطاعاً مختلفاً من الجمهور عن قاعدته الجماهيرية المخلصة له، ويرفع سقف التحدى إلى أقصى مداه.
رمضان هو الموعد دائماً، رمضان 2006 كان التعرف الأول بين الفنان الشاب أحمد مكى والجمهور للمرة الأولى فى شخصية «هيثم دبور» فى سيت كوم «تامر وشوقية»، الذى حقق نجاحاً كبيراً وقت عرضه، ورمضان 2010 كانت البطولة الدرامية الأولى عندما قدم أول أجزاء «الكبير أوى»، ورمضان 2021 عندما قدم بطولات رجال الشرطة المصرية الخفية فى مواجهة خطر الإرهاب فى واحدة من أصعب الفترات التى مرت على مصر فى الفترة الأخيرة فى رمزية الضابط يوسف الرفاعى.
ورمضان تلو الآخر شهد الجمهور نضج نجمهم الفنى وتنقلهم بخفة وسلاسة بين شخصياته المختلفة، وبجرأة شديدة يقدم على عتبة فنية جديدة بعيدة عن مساحة الكوميديا التى تربع على عرشها سنوات طويلة، ليصبح الجمهور على موعد مع تجربة مختلفة ومشوقة فى مسيرة «مكى» بموسم دراما رمضان 2025