هايدلبرج "د.ب.أ": رفعت ذراعيها عاليا، قفزت ودارت حول نفسها على أنغام الموسيقى. تتسم إينا ذات الشعر البني بطاقة مفرطة كالإعصار. تستعد الطفلة البالغة من العمر سبعة أعوام لتدريبات البعوض الراقص. إنها رقصة تقوم بها مجموعة فتيات تُعْتَبَر فترة بداية موسم الكرنفال أكثر فترات السنة حيوية ونشاطا بالنسبة لهن.

هناك، تنطلق إينا مع قريناتها في الرقص واللهو. لا شيء يشير إلى أن الفتاة النشيطة مرت بمحنة طويلة الأمد. قبل عيد ميلادها الرابع بقليل، تلقت إينا ووالداها وشقيقتها لويزا التي تكبرها بعام ونصف، نبأً صادما غيّر حياتهم بالكامل. كانت إينا تشتكي في السابق من الغثيان والتقيؤ والصداع. تبين أن التشخيص الأولي بأنها تعاني من الصداع النصفي الطفولي كان خاطئا وذلك عندما لم يعد بالإمكان تجاهل نمو غير طبيعي في رأسها. كشف التصوير بالرنين المغناطيسي عن الحقيقة المحزنة وهي أن إينا مصابة بورم في الدماغ.

قبل حلول اليوم العالمي للسرطان غدا الرابع من فبراير، تتذكر دانيلا والدة إينا اللحظات الأولى بعد تلقي الخبر قائلة: "كان الأمر فظيعا، لم أستطع التنفس كأنه كان بداية كابوس" مشيرة إلى أنها بدأت تخشى الموت على طفلتها في ذلك الوقت.

ليس هذا مستغربا إذ إن أمراض السرطان نادرة بين الأطفال وصعبة العلاج بسبب نقص الأدوية المناسبة للأطفال. يعد ورم إينا من أمراض سرطان الجهاز العصبي المركزي، كما يوضح طبيب أورام الأطفال أولاف فيت. وأضاف الطبيب الذي يعمل في مركز هوب لأورام الأطفال(كيتس) في هايدلبرج بألمانيا أن "الأورام الدبقية، مثل ذلك الورم الذي تعاني منه إينا، نراها من أربع إلى خمس مرات في السنة في كل أنحاء ألمانيا".

بعد تشخيص إينا بالسرطان، تغيرت الحياة اليومية بشكل جذري بالنسبة لعائلتها المنحدرة من قرية قريبة من فرانكفورت في ولاية هيسن. تقول والدتها عالمة الرياضة البدنية 40 عاما: "بقيت في المنزل لمدة عام، إينا كانت بحاجة للرعاية الشخصية الدقيقة إذ إنها لم تكن تستطيع حتى صعود الدرج بسبب العلاج الكيميائي". وكان كريستوف والد الفتاة ساعد في الأشهر الأولى. في غضون أيام قليلة، خسرت إينا كل شعرها بسبب العلاج الكيميائي.

وتضامنا مع طفلتهما، قام الوالدان بحلق شعرهما، وقصت لويزا خصلة من شعرها تعبيرا عن تضامنها مع شقيقتها. تعتز الفتاتان بمجموعتهما الضخمة من الحيوانات الدمية. في كل مرة تدخل فيها إينا المستشفى، يرافقها أحد حيوانات المجموعة التي تتألف من أكثر من 100 حيوان دمية. دمية البطريق الكبيرة هي لعبتها المفضلة، وتقول إينا التلميذة بالصف الأول الابتدائي عن البطريق اللعبة إنه "يمكنه التحدث والتحرك وإعطاء القبلات".

يحصي سجل سرطان الأطفال 2000 حالة جديدة من الإصابة بالسرطان سنويا بين القاصرين. للمقارنة: هناك 500 ألف حالة يتم تسجيلها بين البالغين. يموت 20% من الشباب المصابين بالأورام الخبيثة، وفي حالة الانتكاس لأورام الدماغ، ترتفع النسبة إلى 90%. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقسيم أورام الأطفال والمراهقين إلى العديد من الفئات الفرعية.

هناك لأورام الجهاز العصبي المركزي على سبيل المثال أكثر من 160 فئة فرعية. هذا يعتبر نقمة ونعمة في الوقت ذاته. ويقول فيت الذي يشغل منصب مدير علم الأورام المتعدية للأطفال في مركز (كيتس): "بسبب قلة أعداد المرضى، يصعب تحقيق الدراسات، وغالبا ما يتطلب هذا تعاونا دوليا مكلفا. من ناحية أخرى، يتكرر اكتشاف فئات فرعية تستجيب جيدا للأدوية".

ويعد الورم الدبقي الذي تعاني منه إينا، والناتج عن عيب جيني، أيضا من بين تلك التغيرات النسيجية التي تستجيب لأدوية معينة. وقال فيت: "هذا مثل الفوز باليانصيب". من بين أكثر من 20 ألف جين تم فحصها في الجينوم الورمي، كان هناك جين واحد فقط معيب ومسؤول عن النمو. يعتبر هذا الجين بمثابة نقطة ضعف في الورم، يمكن استغلالها لقتل الورم بأدوية محددة. لا يمكن التعرف على نقاط الضعف في الأورام إلا من خلال إجراءات جزيئية معقدة، وهذا ما تم استخدامه في دراسة "إنفورم" التابعة لمركز (كيتس).

ويرى فيت أن تطوير الأدوية الجديدة المخصصة للأطفال أمر ملح، "لأن الأورام لدى الأطفال تختلف بشكل كبير عن تلك التي تصيب البالغين وتتطلب تطوير أدوية مصممة خصيصا لها." وتجعل الأسواق الصغيرة لأنواع السرطان النادرة تطوير العقاقير من قبل شركات الأدوية مسألة عالية التكلفة للغاية. ويطالب فيت بمزيد من الاستعداد من الشركات لتطوير أدوية السرطان للبالغين بالتوازي مع تطويرها للأطفال. استفادت إينا من طرق التحليل الجزيئي الجديدة في إطار برنامج "إنفورم" الذي فحص حتى الآن أورام أكثر من 3000 طفل مصاب بالسرطان من 13 دولة، حيث لم تعد العلاجات القياسية تؤثر فيهم.

بعد أربعة أشهر من العلاج الكيميائي وعملية استغرقت إحدى عشرة ساعة، تمت إزالة 96% من ورم إينا. كان هناك حوالي 200 جرام من الأنسجة الغريبة التي انتشرت في رأس الطفلة. عاشت العائلة في هدوء لمدة عام، ثم عاد الورم للظهور مرة أخرى. وعلقت إينا ببراءة الطفولة على هذه الانتكاسة قائلة: "ورمي صار له صديق".

في ذلك الوقت، توافر دواء في إطار دراسة سريرية في هايدلبرج، وكان هذا الدواء يتناسب مع نقطة الضعف التي تم العثور عليها في ورم إينا.قلص هذا الدواء حجم الورم إلى حجم حبة الجوز في غضون عام تقريبا. تنصح دانيلا الآباء الآخرين بالتواصل المفتوح مشيرة إلى أن هناك مجموعة على تطبيق واتساب تقوم بإعلام الأصدقاء والعائلة عن حالة إينا الصحية، وقالت دانيلا التي نما شعرها المجعد مرة أخرى كما هو الحال مع إينا أيضا:"هكذا لا نحتاج إلى الإبلاغ عن كل شيء مرات عديدة ويكون الجميع على اطلاع بآخر التطورات".

وبدوره ينصح الطبيب فيت الآباء المتضررين، خاصة في حالة الأورام النادرة، بإعادة استشارة فريق من الخبراء المتمرسين وقال إن أقسام طب الأورام للأطفال في ألمانيا مجهزة جيدا ومرتبطة شبكيا لهذا الغرض.

حتى الآن، تقتصر الآثار الجانبية المحتملة لإينا على زيادة طفيفة في الوزن. تعرب دانيلاعن شعورها براحة كبيرة، قالت: "إينا حية وستظل على قيد الحياة. هذا حظ عظيم." وقالت دانيلا إنها سعيدة لأن ابنتها احتفظت بمزاجها المشرق رغم كل الألم، وأعربت دانيلا عن أملها في تخلص إينا من الورم بشكل كامل في غضون ثلاثة أو أربعة أعوام، ونوهت إلى أنها خرجت بشيء واضح بعد المخاوف التي أصابتها في أول الأمر وهو أن "تشخيص السرطان ليس حكما بالإعدام."

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

"يوروبول" يحذر: تصاعد المجتمعات الإلكترونية العنيفة التي تستهدف الأطفال

تقرير يوروبول يحذر من تصاعد مجتمعات إلكترونية عنيفة تستهدف الأطفال، تنشر أيديولوجيات تطرفية وتحرض على العنف والجريمة. ويدعو إلى اليقظة الدولية لحماية القُصَّر من هذه التهديدات.

اعلان

أصدر جهاز الشرطة الأوروبية "يوروبول" اليوم إشعارًا استخباراتيًا محذرًا من تنامي مجتمعات إلكترونية عنيفة مكرسة لإلحاق الأذى الجسيم بالأطفال. يكشف هذا التقرير الاستراتيجي عن ظهور طوائف رقمية تتبنى العنف وتستهدف القُصَّر عبر الإنترنت، ساعيةً إلى تطبيع الجريمة والفوضى والتحريض على الإرهاب.

ووفقًا للإشعار، تعمل هذه المجتمعات كمنظمات سرية ذات هيكل هرمي يعتمد على مدى مشاركة المحتوى العنيف، حيث يكافأ الأعضاء الأكثر نشاطًا بمكانة أعلى. تشمل المواد المتداولة مقاطع عنف شديد، واستغلال جنسي للأطفال، ومشاهد قتل، بل وحتى تحريضًا على إطلاق النار الجماعي والتفجيرات.

كاثرين دي بول، المديرة التنفيذية ليوروبول، قالت إن "الجماعات المتطرفة تستغل الإمكانات الهائلة للمنصات الرقمية لنشر أفكارها الهدامة، مستهدفةً عقول الشباب وتحريضهم على ارتكاب أعمال عنف في الواقع. الوعي هو خط الدفاع الأول. ويتعين على الأسر والمعلمين والمجتمعات أن يبقوا في حالة يقظة دائمة، وأن يعززوا لدى الشباب مهارات التفكير النقدي لمواجهة التلاعب عبر الإنترنت. كما أن التعاون الدولي بات ضرورة ملحة لمواجهة هذه التهديدات الخطيرة".

Relatedقناة لبنانية تثير استياء واسعا بعد عرضها برنامجا يناقش السياسة مع أطفال واتهامات بالاستغلال الإعلاميجرائم الإنترنت في تصاعد.. طفل من بين كل 12 طفلاً يتعرض للاستغلال أو الاعتداء الجنسي لمكافحة استغلال الأطفال عبر الإنترنت.. السويد تدرس فرض حدود عمرية على وسائل التواصل الاجتماعي!

استدراج القُصَّر عبر الألعاب ومجموعات الدعم الذاتي وأوضح التقرير أن الجناة يستغلون منصات الألعاب عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لاستهداف الأطفال والشباب بين 8 و17 عامًا، لا سيما الفئات الأكثر ضعفًا كالمراهقين من مجتمع الميم والأقليات العرقية وأولئك الذين يعانون من مشاكل نفسية. ويقوم الجناة بالتسلل إلى مجتمعات الدعم الذاتي عبر الإنترنت لاستدراج الضحايا تحت غطاء المساعدة والتعاطف.

تبدأ عمليات الاستدراج عادةً بما يُعرف بـ"قصف الحب" عبر إظهار اهتمام مبالغ فيه لاكتساب ثقة القُصَّر، ثم يُستغل هذا التقارب لاحقًا للابتزاز والإجبار على إنتاج محتوى مسيء أو ارتكاب أعمال عنف. يعتمد الجناة على التهديد بنشر هذا المحتوى للسيطرة على الضحايا وإخضاعهم لمزيد من الأفعال الضارة.

إشارات تحذيرية

وأورد التقرير إشارات تحذيرية يجب الانتباه لها في سلوك الأطفال عبر الإنترنت، كالآتي:

السرية المفرطة بشأن الأنشطة الإلكترونية.العزلة والانطواء الاجتماعي.تغيرات عاطفية ملحوظة.الاهتمام بمحتوى ضار أو عنيف.استخدام رموز أو لغة غير مألوفة.إخفاء علامات جسدية تدل على الأذى.علامات مقلقة في النشاط الرقمي للأطفال تشمل:تفاعل غير معتاد على المنصات الإلكترونية.التواصل مع جهات مجهولة الهوية.استخدام اتصالات مشفرة.التعرض لمحتوى صادم أو مقلق.

يأتي هذا التحذير من يوروبول كجرس إنذار للأسر والمجتمعات بضرورة توخي الحذر وتعزيز الرقابة على الأنشطة الإلكترونية، إلى جانب تكثيف التعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة وحماية الأجيال القادمة من مخاطر التطرف الرقمي والعنف الموجه للأطفال.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مصائب واشنطن.. مكاسب لأنقرة: إنفلونزا الطيور تدرّ على تركيا 26 مليون دولار! يوروبول: إغلاق "أحد أضخم" الأسواق الإلكترونية للجريمة في العالم هل يستغل المجرمون منصة تشات جي بي تي؟ يوروبول تحذّر اليوروبولتجنيد الأطفالالشبكة الذكيةاعلاناخترنا لكيعرض الآنNext تصعيد دموي في السودان: أكثر من 200 قتيل في هجوم لقوات الدعم السريع خلال ثلاثة أيام يعرض الآنNext فانس: الهجرة غير الشرعية تهدد الغرب.. والسلام في أوكرانيا "على الطاولة" يعرض الآنNext ساحل العاج تستعيد السيطرة على آخر القواعد الفرنسية في البلاد يعرض الآنNext مدير منظمة الصحة العالمية في أوروبا: "نحن في مرحلة وقف النزيف" بعد انسحاب واشنطن يعرض الآنNext قلق أوروبي من المحادثات الأمريكية-الروسية في الرياض.. ما أسبابه؟ اعلانالاكثر قراءة تفجير 3 حافلات بواسطة عبوات ناسفة قرب تل أبيب وإسرائيل تقول إن مصدر العبوات جاء من الضفة الغربية عاجل. مقتل امرأتين بعملية طعن في جمهورية التشيك نتنياهو أمام اختبار آخر.. ماذا لو ثبت أن الرهائن قد قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي كما تقول حماس؟ حب وجنس في فيلم" لوف" شاهد.. دونالد ترامب يحاول مجددا الإمساك بيد زوجته ولكنها ترفض اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات التشريعية الألمانية 2025دونالد ترامبحركة حماسإسرائيلغزةأسرىالاتحاد الأوروبيفرنساقطاع غزةواشنطنفن معاصرقتلالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • مركز أورام الفيوم يجرى أول عملية كي بالتبريد للأعصاب الضلعية لعلاج الآلام المزمنة
  • فتاة أمريكية تعاني من ورم ضخم ونادر ومخيف.. «له أسنان ومقلة عين»
  • علاج جيني جديد يغير حياة الأطفال المولودين مكفوفين
  • "صناع الأمل" تتوج في 23 فبراير قصصاً إنسانية ملهمة
  • إنجاز طبي في بريطانيا.. علاج مبتكر يعيد البصر لـ4 أطفال
  • مركز أورام طنطا يستضيف خبير عالمي في علاج أمراض السرطان
  • "يوروبول" يحذر: تصاعد المجتمعات الإلكترونية العنيفة التي تستهدف الأطفال
  • عشان صحتك .. اعرف علاج أورام المخ الحميدة
  • شديدة العدوى.. ماذا تعرف عن الحصبة القاتلة أحيانًا بعد تفشيها بأمريكا؟
  • منتخب السلة يواجه سوريا في «الأمل الأخير»