قال الشيخ صفوت عمارة، من وعاظ الأزهر الشريف، إنَّ اللَّه كرَّم نبيه صلَّي اللَّه عليه وسلَّم، بمكافأة إلهية ومنحة ربانية هي رحلة الإسراء والمعراج أعظم رحلة في تاريخ البشرية، تسريةً عن قلبه الحزين وفؤاده الجريح، بعد أنّ تعرَّض لعدة محن وابتلاءات؛ فتعرَّض لحصار خانق لمدة ثلاث سنوات، ثم فقد السند عمه أبو طالب، وزوجه خديجة بنت خويلد، اللَّذين كانا يُؤانسانه ويُؤازرانه، فلقِّب هذا العام بعام الحزن، وبعد ما لاقاه من أذى أهل الطائف عندما توجه اليهم لنشر دعوته إلا أنهم كانوا أكثر غلظة فطردوه وسلطوا عليه صبيانهم وغلمانهم يرمونه بالحجارة فآذوه أذى شديد حتى سال الدم من قدمه الشريف.

وتابع «عمارة»، خلال خطبة الجمعة اليوم، أنَّ معجزة الإسراء والمعراج معجزة زمانية ومكانية لا تخضع للقوانين الكونية، إنما هي استثناء، لأن الذي خلق المكان والزمان اختصرهما وطواهما لسيد الأنام، وتُعتبر معجزة الإسراء والمعراج أكبر الآيات وأعظم المعجزات الحسيّة التي كرَّم اللَّه بها نبيه محمدًا صلَّي اللَّه عليه وسلَّم، بعد معجزة القرآن الكريم.

وأشار «صفوت عمارة» إلى تعدّد آراءُ عُلماء السِّير في تحديد وقت معجزة الإسراء والمعراج، وأرجح هذه الأقول أنها وقعت في ليلة سبعٍ وعشرين من شهر رجبٍ من السنة الثانية عشرة للبعثة قبل الهجرة إلى المدينة المُنورة بسنة، وبعد معاناة النبي صلَّي اللَّه عليه وسلَّم في رحلته إلى الطائف، وهو المعتمد من أقوال العلماء سلفًا وخلفًا وحكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا.

وذكر «عمارة»، أنَّ دعاء النبي صلَّي اللَّه عليه وسلَّم، بعد أن أصابه من أذى قومه وغيرهم ما أصابه، سجله التاريخ في سطور من نور، حيث دعا ربه وقال: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى قريب ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هى أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلى بك».

وأوضح «صفوت عمارة»، أنَّه للرد على منكرى الإسراء والمعراج نقول: إنّ العقل البشري محدود مهما كانت إمكاناته التأملية وطاقاته الفكرية وقدراته الذهنية، ومن ثمَّ فليس لعقولنا القاصرة أن تبحث البحث الجاري والمعتاد في قوانين الأرض بمقاييس وآليات البشر، لنحاول فهم قوانين اللَّه سبحانه وتعالى وأفعاله؛ فإذا جاء النص القرآني بحدث، فعلينا الإيمان به لأنه ورد من اللَّه، وقد بدأ اللَّه تعالى الكلام عن الإسراء بقوله: {سبحان}، وتعني التنزيه المطلق للَّه سبحانه وتعالى، فإذا صدر الفعل من اللَّه فيجب أن أنزهه عن فعل البشر، لأن العقل البشري محدود، مهما كانت إمكاناته التأملية، وطاقاته الفكرية، وقدراته الذهنية؛ فلا يستطيع العقل أن يفهم كل قضايا الكون من حوله، لأن هناك كثيرًا من الأمور والأحداث التي وقف فيها العقل ولم يفهم حقيقتها، ثم إنه مع مرور الزمن وتقدم العلوم رآها تتكشف له تدريجيًّا، فما شاء اللَّه أن يُظهره لنا من قضايا الكون يسَّر لنا أسبابه باكتشاف أو اختراع، ولأجل ذلك فإن كوكب الأرض الذي نعيش فيه هو كوكب «معلوم مجهول»، أي معلوم بما استطاع العقل البشري أن يصل إليه من علم ومعرفة، وهو أيضا كوكب مجهول بما لم نصل إليه بعد من خزائن الأسرار والمعارف والعلوم التي أودعها اللَّه في الكون.

وأضاف، أنه في ذلك قال الشيخ الشعراوي رحمه اللَّه: كل وسيلة إدراك لها قانونها، وكذلك العقل، وإياك أن تظن أن عقلك يستطيع أن يدرس كل شيء، ولكن إذا حُدثت بشيء فعقلك ينظر فيه، فإذا وثقته صادقًا فقد انتهت المسألة، وخذ ما حُدثت به على أنه صدق، وهذا ما حدث مع الصِّديق أبي بكر حينما حدثوه عن صاحبه سيدنا رسول اللَّه وأنه أُسري به من مكة إلى بيت المقدس، فما كان منه إلا أن قال: «إن كان قال فقد صدق»، فالحجة عنده إذن هي قول الرسول، وما دام الرسول قد قال ذلك فهو صادق، ولا مجال لعمل العقل في هذه القضية، ثم قال: «كيف لا أُصدقه في هذا الخبر، وأنا أصدقه في أكثر من هذا، أصدقه في خبر الوحي يأتيه من السماء».

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: وعاظ الأزهر الازهر الشريف الإسراء والمعراج الإسراء والمعراج ه علیه وسل

إقرأ أيضاً:

حكم جعل القرآن الكريم أو الأذان نغمات للهاتف المحمول.. الإفتاء توضح

قالت دار الإفتاء المصرية، إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي أنزله على أفضل رسله وخير خلقه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أُمِرنا باحترامه وتعظيمه وحسن التعامل معه بطريقة تختلف عن تعاملنا مع غيره، فلا يمس المصحف إلا طاهر من الحدثين الأكبر والأصغر كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۝ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ۝ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 77-79].

وأضافت دار الإفتاء المصرية، في فتواها المنشورة عبر موقعها الإلكتروني، أنَّه لا يجوز وضع شيء من الكتب على المصحف؛ لأنه يعلو ولا يُعلَى عليه، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه، ولذلك فليس من اللائق ولا من كمال الأدب معه أن نجعله مكان رنَّة الهاتف المحمول؛ لأنَّ له من القدسية والتعظيم ما ينأى به عن مثل ذلك: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. 

هل تأخير إخراج الزكاة يبطل ثواب صيام رمضان؟.. الإفتاء تجيبصيام الست من شوال وإهداء ثوابه إلى الميت.. دار الإفتاء توضح الحكمحكم من فاتته صلاة الجمعة بسبب النوم.. الإفتاء توضحهل الزواج في شهر شوال مكروه؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل

وأكدت الإفتاء، أن وضع آيات القرآن مكان رنات المحمول فيه عبث بقدسية القرآن الكريم الذي أنزله الله للذكر والتعبد بتلاوته، وليس لاستخدامه في أمور تحطُّ من شأن آيات القرآن الكريم، وتخرجها من إطارها الشرعي، فنحن مأمورون بتدبر آياته، وفهم المعاني التي تدل عليها ألفاظه، ومثل هذا الاستخدام فيه نقلٌ له من هذه الدلالة الشرعية إلى دلالة أخرى وضعية على حدوث مكالمة ما، مما يصرف الإنسان عن تدبره إلى الاهتمام بالرد على المكالمة، إضافةً إلى ما قد يؤدي إليه من قطع للآية وبتر للمعنى -بل وقلب له أحيانًا- عند إيقاف القراءة للرد على الهاتف.

وتابعت "كذلك الحال في الأذان لا يليق به أن يُجعَل رنَّةً للهاتف المحمول؛ لأنَّه شُرِع للإعلام بدخول وقت الصلاة، وفِي وضعه في رنَّة المَحمول إحداث للَّبس وإيهام بدخول الوقت، كما أن فيه استخدامًا له في غير موضعه اللائق به، ويمكن للإنسان أن يعتاض عن ذلك -لو أراد- بأناشيد إسلامية أو مدائح نبوية تتناسب مع قِصَر رنَّة الهاتف، أمَّا كلام الله تعالى فله قدسيته وتعامله الخاص اللائق به".

وأما عن قراءة القرآن الكريم أو الاستماع لتلاوته، فقالت دار الإفتاء، إن كليهما عبادة من أفضل العبادات، والسنة النبوية عامرة بالنصوص المؤكِّدة لفضلهما وثوابهما: ففي خصوص قراءته جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» رواه الترمذي.

وأوضحت أنه بخصوص الاستماع إليه جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَمَنْ تَلَاهَا كانت لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام أحمد.

وتابعت "حث الله تعالى عباده المؤمنين على الاستماع إلى القرآن الكريم والإنصات له، فقال سبحانه: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، فالله عز وجل أرشد المؤمنين به المصدقين بكتابه إلى أن يصغوا وينصتوا إلى القرآن إذا قرئ عليهم؛ ليتفهموه ويعقلوه ويعتبروا بمواعظه؛ إذ يكون ذلك سبيلًا لرحمة الله تعالى بهم.

وقال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" (10/ 658، ط. دار هجر): [يقول تعالى ذكره للمؤمنين به المصدقين بكتابه الذين القرآن لهم هدى ورحمة: ﴿وَإِذَا قُرِئَ﴾ عليكم أيها المؤمنون، ﴿الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾، يقول: أصغوا له سمعكم لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه، وأنصتوا إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ يقول: ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آيه] اهـ.

وقال الإمام الليث: [يُقال: ما الرحمة إلى أحدٍ بأسرع منها إلى مستمع القرآن؛ لقول الله جل ذكره: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، و"لعل" من الله واجبةٌ] اهـ. يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي (9/1، ط. دار الكتب المصرية).

استماع النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ لتلاوة القرآن من غيره

كان النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ يحب أن يستمع لتلاوة القرآن من غيره، وهذا مما يؤكِّد سنية الاستماع والإصغاء لتلاوة القرآن الكريم واستحبابه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قالَ: قال لي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ، قُلتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: فإنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيرِي، فَقَرَأْتُ عليه سُورَةَ النِّسَاءِ، حتَّى بَلَغْتُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾، قالَ: أمْسِكْ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري.

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/ 277، ط. مكتبة الرشد): [«إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» معنى استماعه القرآن من غيره -والله أعلم- ليكون عرض القرآن سنة، ويحتمل أن يكون كي يتدبره ويفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونفسُه أخلى وأنشط من نفس القارئ؛ لأنه في شغل بالقراءة وأحكامها] اهـ.

وقال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 88، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي حديث ابن مسعود هذا فوائد، منها: استحباب استماع القراءة والإصغاء لها، والبكاء عندها، وتدبرها، واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم] اهـ.

مقالات مشابهة

  • أدعية زيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • مدير جامعة القرآن الكريم يتفقد مقر الجامعة بأمدرمان
  • المفتي العام يحذر من تداول نسخة من القرآن الكريم
  • المنيا تحتفي بـ 1500 حافظ للقرآن الكريم وتهديهم 12 عمرة وعشرات التأشيرات
  • للمرة 17 على التوالي.. المنيا تشهد حفلًا ضخمًا لتكريم 1500 متسابق من حفظة القرآن الكريم
  • نقابة المهندسين بسوهاج تُنظم حفلا تكريميا مميزا لحفظة القرآن الكريم
  • الإخلاص والخير.. بيان المراد من حديث النبي عليه السلام «الدين النصيحة»
  • توتر في هولندا اثر حرق نسخة من القرآن الكريم
  • غضب واستنكار واسع بعد حرق «نسخة من القرآن الكريم» في هولندا
  • حكم جعل القرآن الكريم أو الأذان نغمات للهاتف المحمول.. الإفتاء توضح