حتى كتابة هذا المقال، علَّقت 17 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي؛ مساعداتها لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وهذه الدول تغطي 78.4 في المئة من الإيرادات السنوية للأونروا، بحسب آخر ميزانية معلنة للأونروا (الإنفاق الحقيقي لسنة 2022)؛ أي نحو 921 مليون دولار مما مجموعه 1,175 مليون دولار.
استعجالٌ مُستَهجن:
اللافت للنظر أن هذه الدول الـ17 قد تجاوبت بسرعة استثنائية مع الادعاء الإسرائيلي، قبل التأكد من جهة محايدة من صحة "الاتهامات"، خصوصا وأن الطرف الإسرائيلي هو في موقع العدو والخصم الذي من مصلحته الإضرار بالأونروا. كما أن هذا الادعاء حتى لو كان صحيحا، فلا يمكن أن يكون مُبَرَرا، إذ إن أي إجراء عقابي (إن كان مستَحَقا) فيجب أن يؤخذ بحق من "أخطأ"، وليس بحق مؤسسة عالمية ضخمة كالأونروا، تقوم بخدمة نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني؛ من بينهم أكثر من مليون ونصف لاجئ يقيمون في قطاع غزة، ولديها في قطاع غزة وحده نحو 13 ألف موظف. ومن المستحيل لأي دولة أو مؤسسة في العالم أن تتأكد تماما من خلوها من موظفين قد يخفون قناعات أو التزامات مخالفة لسياستها؛ ولن تقبل أي منها أن تقع تحت عقوبات عالمية، لمجرد أن جهة معارضة أو عدوة قدمت ادعاءات ضد موظفين في وزاراتها أو في شركات وهيئات في بلدها.
بعد أكثر من 54 عاما على إنشائها ما تزال تمثل شاهدا أساسيا على نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 وكارثة تهجيره. كما أنها بالنسبة لملايين اللاجئين الفلسطينيين مصدر دعم تعليمي وصحي وإغاثي مهم، خصوصا وأن أعدادا كبيرة منهم ما تزال بحاجة ماسة للدعم، مع استمرار معاناتهم بعيدا عن بيوتهم وقراهم التي أخرجوا منها. وتغطي مناطق عمل الأونروا كلا من قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان
أما الدول الـ17 التي قررت تعليق دعمها للأونروا فهي: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وفرنسا، وسويسرا، وهولندا، وألمانيا، والسويد، وإيطاليا، والنمسا، ورومانيا، وإستونيا، وأيسلندا، وفنلندا، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا.
الأونروا: مهام ثقيلة واستهداف متواصل:
وكانت الأونروا قد تأسست بناء على القرار 302 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949، وهدف إلى توفير الرعاية وفرص العمل للاجئين الفلسطينيين. وهي الآن بعد أكثر من 54 عاما على إنشائها ما تزال تمثل شاهدا أساسيا على نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 وكارثة تهجيره. كما أنها بالنسبة لملايين اللاجئين الفلسطينيين مصدر دعم تعليمي وصحي وإغاثي مهم، خصوصا وأن أعدادا كبيرة منهم ما تزال بحاجة ماسة للدعم، مع استمرار معاناتهم بعيدا عن بيوتهم وقراهم التي أخرجوا منها. وتغطي مناطق عمل الأونروا كلا من قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان.
وفي العادة تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة التجديد لعمل الأونروا بشكل دوري وبأغلبية ساحقة، وكان آخر قرارات التجديد قد اتخذ في كانون الأول/ ديسمبر 2022 بأغلبية 157 بلدا مقابل اعتراض واحد هو الكيان الإسرائيلي فقط، وامتناع عشر دول أخرى؛ حيث تم التجديد حتى 30 حزيران/ يونيو 2026.
وعادة ما تعاني الأونروا من ضغوط مالية ونقص في إيراداتها وموازناتها، وتنتقل من أزمة إلى أخرى، للقيام بالحد الأدنى من واجباتها. ولا يكفّ الاحتلال فوق ذلك عن ضغوطه ومؤامراته الرامية إلى إفشال عملها وإغلاقها، سعيا منه لطي صفحة اللاجئين الشاهدة على إجرامه. وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد تجاوبت مع الضغوط الإسرائيلية، فقامت بوقف دعمها للأونروا سنة 2018، غير أن إدارة الرئيس بايدن استأنفت الدعم من جديد سنة 2021.
هل هو أمرٌ دُبِّر بليل؟!
يظهر من التقارير الأولية أن الاستهداف الحالي للأونروا يتماهى مع خطة أعدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتم تسريبها عبر قناة 12 الإسرائيلية يوم 28 كانون الأول/ ديسمبر 2023، نقلا عن مصادر مسؤولة، ونشرت ملخصها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في اليوم التالي؛ وتهدف الخطة إلى إنهاء عمل الأونروا في قطاع غزة، تمهيدا لإنهائه في باقي مناطق عملها. وتنقسم الخطة إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: "شيطنة" وكالة الأونروا في أعين الجهات المانحة، عن طريق اتهامها بوجود تعاون مزعوم بينها وبين حماس (المتهة بـ"الإرهاب") في قطاع غزة.
اللافت للنظر، أن المدى الزمني ما بين تسريب الخطة وما بين حملة الادعاءات الإسرائيلية ضد الأونروا نحو أربعة أسابيع فقط. كما أن سرعة تجاوب 17 دولة مع هذا الادعاء تشير إلى رغبة هذه الدول باسترضاء الجانب الإسرائيلي، دون الحد الأدنى من إجراءات التحقُّق اللازمة
المرحلة الثانية: تقليص عمل الأونروا، في الوقت الذي يتم فيه البحث عن منظمات أخرى بديلة تحل مكانها.
المرحلة الثالثة: نقل مهام الأونروا إلى الهيئة التي ستقوم بحكم غزة بعد انتهاء الحرب (على فرض أنها ستحل محل حماس، وستكون مرضيا عنها إسرائيليا).
تساؤلات:
اللافت للنظر، أن المدى الزمني ما بين تسريب الخطة وما بين حملة الادعاءات الإسرائيلية ضد الأونروا نحو أربعة أسابيع فقط. كما أن سرعة تجاوب 17 دولة مع هذا الادعاء تشير إلى رغبة هذه الدول باسترضاء الجانب الإسرائيلي، دون الحد الأدنى من إجراءات التحقُّق اللازمة. فلماذا العَجَلة؟
كما يظهر تساؤل عن سبب قيام المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني (Philippe Lazzarini) بفصل موظفي الأونروا الـ12، قبل التحقق من صحة الاتهامات ضدهم؛ بينما كان الجانب الإجرائي يقتضي إحالتهم للتحقيق، قبل اتخاذ أي قرار بشأنهم.
من ناحية ثانية، يبرز تساؤل للأمم المتحدة والدول المانحة، عن سبب عدم اتخاذ إجراءات بحق الاحتلال الإسرائيلي الذي قام بقصف نحو 145 منشأة للأونروا (نحو نصف منشآت الأونروا في القطاع: مدارس ومراكز وغيرها) مما أدى لتدميرها أو إصابتها بأضرار، كما تسبب بتعطيل 18 مركزا صحيا للأونروا من أصل 22 مركزا في القطاع. وهي عملية تدمير هائل للبنى التحتية للأونروا، التي تسببت بهدر مئات الملايين من دولارات الدول المانحة.
ومن ناحية ثالثة، فلماذا سكتت الدول المانحة عن قتل الاحتلال الإسرائيلي 152 موظفا من موظفي الأونروا في أثناء عدوانه على القطاع حتى الآن؟! وكلها جرائم أكبر بكثير من ادعاءات يقوم بتسويقها الاحتلال الإسرائيلي.
ما قامت به هذه الدول من خطوات متسرّعة، إنما يصبُّ في مصلحة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويتوافق مع الرؤية الإسرائيلية للتضييق على اللاجئين الفلسطينيين وشطبهم، وإغلاق أضخم مؤسسة عالمية مسؤولة عن رعايتهم
ثم كيف يستغرب هؤلاء أن يوجد بين موظفي الأونروا من يحملون روح المقاومة وأيديولوجيتها، حيث تؤيد خط المقاومة الأغلبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني؛ وما زالت معاناة اللجوء والتشريد والقهر والحرمان ماثلة لحظة بلحظة أمام أعينهم على مدى 76 عاما. وكيف لا يوجد أفراد ينتمون للمقاومة في قطاع غزة، وهم يعايشون حصارا خانقا منذ 17عاما، وتُشنُّ عليهم الحروب بين فترة وأخرى، ويجد موظف الأونروا نفسه فاقدا لأمنه، ومعرضا للقصف، وربما يُدمر منزله، أو تُقتل عائلته، أو يُشرد ويُهجر من جديد؛ ثم يطلب منه بعد ذلك أن يُحرم من هويته وإنسانيته ومشاعره!!
* * *
وأخيرا، فما قامت به هذه الدول من خطوات متسرّعة، إنما يصبُّ في مصلحة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويتوافق مع الرؤية الإسرائيلية للتضييق على اللاجئين الفلسطينيين وشطبهم، وإغلاق أضخم مؤسسة عالمية مسؤولة عن رعايتهم.
ولذلك، فعلى كافة الدول والمؤسسات والأحزاب والقوى والرموز التي تدعم الشعب الفلسطيني، أن تسارع للقيام بواجباتها لوقف التآمر على الأونروا وعلى قضية فلسطين.
twitter.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين الأونروا الإسرائيلي غزة الاستهداف إسرائيل فلسطين غزة الأونروا استهداف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اللاجئین الفلسطینیین الشعب الفلسطینی عمل الأونروا الأونروا فی فی الأونروا فی قطاع غزة هذه الدول ما تزال کما أن ما بین
إقرأ أيضاً:
مصر تدين استمرار المــ.جازر الإسرائيلية في قطاع غزة
أدانت مصر استمرار المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة وآخرها استهداف مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بمخيم الشاطيء في القطاع، أسفر عن العشرات من الشهداء والجرحى.
وشددت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية والهجرة اليوم الإثنين على أن استمرار استهداف المنشآت الأممية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بالأراضي الفلسطينية المحتلة، يعد خرقا صارخًا للقانون الدُّوَليّ واستخفافًا بالمجتمع الدُّوَليّ، الذي أضحى عاجزا عن الدفاع عن أبسط قيمه ومبادئه الإنسانية نتيجة لازدواجية معايير فاضحة.
وأدانت مصر الغارات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، محذرة من التمادي في انتهاك السيادة اللبنانية، بما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي.
وأعادت مصر التأكيد على ضرورة تفعيل آليات المحاسبة الدولية، مطالبة الأطراف الفاعلة بالمجتمع الدُّوَليّ بتبني موقف حازم تجاه العدوان الإسرائيلي وجرائمه المشينة، مشددة على ضرورة إلزام إسرائيل باحترام القانون الدُّوَليّ و الإنساني ووقف حربها غير العادلة وغير المبررة على قطاع غزة ولبنان.