قال الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط ،  إمام وخطيب المسجد الحرام، إن سعادة المتقين، وفوز الفائزين، وحظوة المهتدين برضوان رب العالمين، والظفر بإكرامه وحسن مثوبته، وجميل بره وألطافه، مبني على القيام بالتكاليف التي أمر الله بها، وأوجبها على عباده، وفرضها على عموم خلقه.

سعادة المتقين

وأوضح " خياط" خلال خطبة الجمعة الثالثة في رجب اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنها التي جاءت الإشارة إليها في قوله عز اسمه: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾.

وبين أن معنى قوله تعالى (ظلومًا لنفسه ) عندما عصى ربه ومولاه، ولم يقم بما افترض عليه، جهولًا بعاقبة تفريطه وما يلحقه من عقاب، بسبب إخلاله بما التزمه وائتمن عليه، من أوامر أُمر بها، ومناهي نُهي عنها، منوهًا بأن من الأمانات التي أُمر العبد بأدائها، والقيام بمقتضاها: الجوارح التي خلقها الله تعالى فيه، وجعلها طيعة له، تأتمر بأمره، وتحقق له مراده، وتوصله إلى غايته.

وأضاف أنه يجب عليه أن لا يستعملها إلا في ما يرضي به ربه، بإطاعة أمره، وباجتناب نهيه، والحذر من أسباب سخطه وموجبات عقوبته؛ فإن استعمل هذه الجوارح المسخرة له في معصية الله عز وجل، وجعل منها أداة ووسيلة إلى ركوب الخطايا واجتراح الآثام، وسببًا لاستجلاب غضبه سبحانه واستنزال سخطه واستحقاق عقابه.

وأشار إلى أنه قد خان بذلك- الأمانة، وجنى الحسرة والندامة، يوم تشهد عليه جوارحه بما قدمت يداه، من الإمانة حفظ الودائع التي يستودعها بعض الناس عند بعض، وأدائها وردها إلى أصحابها كاملة غير منقوصة، امتثالًا لأمر الله تعالى برد الأمانات وأداء الودائع إلى أصحابها، في قوله تعالى ذكره: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾.

الأمانة أعم

وأفاد بأن الأمانة أعم من ذلك، وأجمع لمعان وأبواب كثيرة، فمنها أمانة الإنسان على نفسه، بكمال حرصه على القيام بما أسند إليه من واجبات، وما أوكل إليه من مهمات، وهو يستلزم الإخلاص في عمله، بإجادة واتقان، تستلزمان المواظبة والمتابعة والتطوير للقدرات، وحسن الاستثمار للمواهب، والتوظيف المناسب والمسؤول للموارد.

ونبه إلى أنه ينبغي الحذر من تبديدها في غير ما جعلت له، أو إضاعتها فيما لم تسخر له أو توجه إليه، وقد أثنى الله على القائمين على أماناتهم، بالرعاية والعناية والاهتمام، وكمال الإخلاص في الأداء، ووعدهم بنزول الجنة دار كرامته، فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ، وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ، أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾.

وتابع:  ومنها يا عباد الله أن لا يستغل المرء منصبه لجر مغنم شخصي له، أو لمن يلوذ به من أقارب أو معارف أو أصدقاء بغير استحقاق، كمن يستغل منصبه في تضخيم ثروته بالطرق غير المشروعة، والوسائل المحرمة، كالرشوة وغيرها من وسائل استغلال النفوذ، فكل ذلك من خيانة الأمانة التي ائتمن عليها، وأمر بحفظها، وأوكل إليه أمر صيانتها ورعايتها، وهو من "الغلول" المحرم، المتوعد عليه بالوعيد الزاجر .

واستشهد بما ورد في الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه وابن خزيمة في صحيحه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ استعملناهُ على عملٍ فَرزقناهُ رزقًا ، فمَا أخذ بعدَ ذلكَ فَهوَ غلولٌ"، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

الأمانة في الإسلام

ولفت إلى أن من الأمانة التي يجب حفظها: ما يجري في المجالس من أحاديث تتضمن أسرارًا وأخبارًا وغيرها، فلا يصح إفشاء سر منها، بإخراجه من دائرة المجلس المحدودة الضيقة، إلى دائرة العلن، فيشيع بين الناس، وربما ترتب عليه ضرر بالغ وفساد كبير ، ومن ذلك أيضًا: إفشاء سر من ائتمنك على سره، وفي مقدمة ذلك ما يكون بين المرء وزوجه، مما يفضي به أحدهما إلى الآخر، فإن التحدث به وإفشائه خيانة للأمانة، لما يترتب عليه من شرور ومفاسد عظيمة، ولذا كان من أعظم الأمانة عند الله.

وشدد على انه يجب الحفاظ على الأمانات، وأدائها بمختلف أنواعها، سواءً منها ما كان لله تعالى مما فرضه وأوجبه، أو كان حقًا للعباد كالودائع والعقود وسائر المعاملات، فإن الحفاظ عليها وأدائها: آية إيمان العبد، ودليل صدقه، وبرهان تقواه، مشيرًا إلى أن من إتصف بصفة الخيانة فإن مصيره مرعب، ومآل قبيح، وعاقبة سيئة، ولا يصح إغماض الأجفان عنه، أو الاستهانة به، أو الإقامة عليه.

ونوه بأن الأمانة في الإسلام واسعة الدلالة، وتشمل جوانب حياتنا كلها، وتلازمنا في علاقاتنا بخالقنا، وعلاقاتنا بأُسرِنا، وبمجتمعنا الذي نعيش فيه، والواجب تجاهها: شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه بأنه مسؤول عنه أمام ربه، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإِمامُ راعٍ ومَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ راعٍ وهو مَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِها راعِيَةٌ وهي مَسْؤولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ في مالِ سَيِّدِهِ راعٍ وهو مَسْئؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ".

وأكد أنه كل ما وهبنا الله من نعم، وما أفاض علينا من منن، أمانة بأيدينا، لا ينبغي أن نفرط فيها، فحواسنا التي أنعم الله بها علينا أمانة، وما حُبينا به من أزواج وأموال وأولاد أمانة، فيجب أن نستخدم كل ذلك في قربات الله ومرضاته، وأن لا ننحرف بواحد منها عن طريقة الصحيح الذي أراده الله، وأمر به وحث عليه.

 

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من المسجد الحرام عن ر ع ی إلى أن

إقرأ أيضاً:

خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام: التحصين الشرعي من أعمال السحر والشعوذة

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام، خطبة الجمعة اليوم من مكة المكرمة، دعا فيها المسلمين إلى تقوى الله، مؤكدًا أن من لزم التقوى فقد أجاب داعي الله، مشيرًا إلى أهمية التحصين الشرعي في مواجهة التحديات والأزمات التي تواجه الأفراد والمجتمعات.

تناول الشيخ السديس في خطبته واقعًا يموج بالتحديات، مثل انتشار أعمال السحر والشعوذة، وأمراض العين والأوبئة النفسية، وما يصيب الإنسان من ابتلاءات في الأنفس والأموال. وأوضح أن هذه الابتلاءات، وإن كانت صعبة، فهي إما رفعة في درجات المؤمن أو كفارة للسيئات، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير".

أهمية التحصين الشرعي

أكد فضيلته أن التحصن والتحصين من أهم الأمور التي يحتاجها الناس، خاصة في ظل انتشار الأمراض الروحية مثل المسّ والسحر والحسد.

 وأشار إلى أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما الشفاء والبلسم لكل داء، مُستعرضًا أمثلة عن مرضى استشفوا بالرُّقية الشرعية وحقق الله لهم الشفاء بعد عجز الأدوية والمصحات.

ونصح الشيخ السديس المسلمين بتحصين أنفسهم وأهليهم بالأذكار والأوراد الشرعية الثابتة، مثل أذكار الصباح والمساء، وأذكار الدخول والخروج، والطعام والشراب، والنوم والاستيقاظ.

 وأوصى بقراءة سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيمها وسور الإخلاص والمعوذتين، اقتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، مشددًا على أن هذه الأذكار هي الحصن المنيع بإذن الله.

التحذير من الشعوذة والخرافات

انتقد الشيخ السديس لجوء البعض إلى الشعوذة والدجل عند الإصابة بالأمراض الروحية، موضحًا أن ذلك يُعد مخالفة شرعية واستغلالًا لضعف الإيمان. 

وأشار إلى أن أدعياء الرقية الشرعية يروجون للوهم والخرافات، ويبتزون أموال الناس بطرق غير مشروعة، مما يقتضي الحذر الشديد.

دور العلماء والمجتمع في التحصين الفكري والعقدي

لفت الشيخ السديس إلى ضرورة تحصين الشباب فكريًا وعقديًا، مبينًا أن المسؤولية تقع على عاتق العلماء والدعاة والآباء ورجال الإعلام والتربية. وشدد على أهمية الالتفاف حول علماء الأمة الراسخين، والحذر من الفتاوى الشاذة والمضللة التي تستهدف زعزعة استقرار الأسر والمجتمعات.

وختم الشيخ السديس خطبته بالدعاء أن يحفظ الله الأمة الإسلامية من الفتن والمحن، وأن يحمي شبابها من الأفكار الضالة والشبهات، وأن يديم الأمن والأمان على المسلمين.

مقالات مشابهة

  • مَنْ فعل ذنوبًا كثيرة في رجب .. فعليه بهذا الدعاء
  • كيفية التخلص من المال الحرام ومصارف إخراجه
  • لماذا يصاب المسلم بالسحر والحسد؟ خطيب المسجد الحرام: لـ3 أسباب
  • حياته كلها هبة .. خطيب المسجد النبوي: مهما علا شأن العبد يظل فقيرا
  • خطيب المسجد النبوي: يزداد التعظيم لحرمات الله بالأشهر الحرم
  • خطيب المسجد الحرام: التحصن والتحصين أهم ما يحتاجه الناس بهذا الزمان
  • رحلة النبي (2) الإسراء والمعراج: أهمية المسجد الحرام والأقصى في الإسلام
  • إمام المسجد الحرام: الآيات القرآنية والأحاديث النبوية البَلْسَم والشِّفاء لكل دَاءٍ عَيَاء
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام: التحصين الشرعي من أعمال السحر والشعوذة