عن تاريخ الثورة الجزائرية.. دروس من عملية العصفور الأزرق والحركة البلحاجية
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
إذا كان الزمان غير الزمان فالإنسان هو الإنسان وفريضة الدفاع عن النفس والأرض والعرض لا تسقط عنه إلى يوم الدين. وسنة التدافع بين الناس والحضارات والقيم تجعل دوام الحال من المحال ولو دامت للأولين لما دانت للآخرين!؟ وأن الكيل بمكيالين في حقوق الإنسان من القائمين على مجلس الأمن المخيف هو سبب كل الخلل في المعايير والموازين وهذا الدمار المبين.
وفي تاريخ الحروب والثورات التحريرية العظمى دروس للمعتبرين وأن الذكرى قد تنفع حتى البغاة والعصاة والطغاة فضلا عن المؤمنين!!
وبمناسبة إحياء الجزائر للذكرى التاسعة والستين لثورة القرن العشرين بدون منازع في الفاتح من تشرين الثاني (نوفمبر 1954) وربطا بما تصادفه إحياء هذه الذكرى من أحداث جسام جارية في الساحة والساعة الدولية عرفنا إرهاصات بدايتها ولا نعرف نهايتها بعد.. نود أن نذكر المعتبرين بدروس التاريخ الحي الذي عشناه في هذه الثورة لحما ودما وجهادا و"استشهادا" لما يزيد عن السبع سنين مماثلة لما يراه العالم على المباشر يوميا من أهوال الحرب غير المتكافئة بين الحق والباطل في معركة الأحزاب الثانية في فلسطين الحالية والتاريخ بيننا يبقى دائما الشاهد الأمين على المحسنين والمسيئين والظلمة والمجرمين وأصحاب الحق المغتصب الذي لا يسترجع إلا غلابا وافتكاكا باليمين وتلك هي سنة الله في الأولين والآخرين.
تأتي ذكرى هذا العام مشحونة بكثير من الآلام المبرحة والآمال العريضة في الوقت ذاته وهي تصادف قمة الثورة الجهادية الوريثة الشرعية لها في معركة الأقصى بشقيقتها الصغرى فلسطين.
لقد عايشت تلك الثورة الجهادية كابن شهيد ومجاهد في صفوف جيش تحريرها حتى توقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال وكنت شاهدا على كثير من مجرياتها المفرحة والمقرحة بورودها وأشواكها؛ بأفراحها بانتصاراتها وأقراحها بالإحباطات والتقلبات والخيانات التي اعترضت مسيرتها الطولية إلى النصر المبين!
ومن مميزاتها أن يوم انتصارها وتحقيق الاستقلال سنة 1962 كان هو يوم ذكرى الغزو والاحتلال سنة 1830 مما يعني أن كل استقلال قد يحمل بذور احتلال كما أن كل احتلال يحمل بذور استقلال إذا بقي عزم الرجال كما كان واقع الحال.
وإدراكا مني بما للثورة الجزائية من أوجه شبه وتطابق أحيانإ مع ما يجري في فلسطين هذه الأيام، إلى درجة التوأمة (السيام) بين الثورتين وخاصة من جهة نوعية الاستيطان وفصيلة المستوطنين أنفسهم خلفا عن سلف.. والدليل على ذلك هي آلاف القوافل من شهداء المغرب العربي الكبير المدفونين في القدس الشريف على مر التاريخ الإسلامي للأمة عندما كانت أمة حرة حتى تحت الاحتلال الأجنبي الخارجي (الأرحم مع الأسف من الاستحلال الداخلي الراهن!!!!)، حيث ذهب أكثر من 4000 مجاهد سنة 1948 ودخلوا من أرض الكنانة سابقا لنجدة الأشقاء في الأرض المباركة التي لم تتغير في وجدان كل مسلم من المحكومين لاحقا في أمة المليارين من أصحاب العين البصيرة واليد القصيرة على امتداد سماع الآذان وتلاوة القرآن من جاكارتا إلى داكار ونواكشوط والرباط وتطوان مرورا بقسنطينة ووهران!؟!
وإني لهذا السبب وغيره أعيد نشر بعض فصول كتابي (جهاد الجزائر: حقائق التاريخ ومغالطات الجغرافيا)، هنا في صحيفة "عربي21"، وهو صورة حية عن جوانب مشرقة من ثورة القرن العشرين التي جسدت أمجاد الحرية والكرامة، تماما كما هو حال غزة وفلسطين هذه الأيام.. لما بين الثورتين من تطابق وتشابه كما قلنا وعشنا في الثورة الاولى مقارنة بما نراه على المباشر في الثورة الفلسطينية العظيمة الثانية التي اختصرت أمة المليارين (من غثاء السيل) في المليونين من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والقدس وجنين.
وإنني أدرك تمام الإدراك الصلة الوثيقة بينهما في حجم التضحيات ومعارك التحرير التي يخوضها الأشقاء الفلسطينيون هناك (كما كان أشقاؤهم هنا لأكثر من سبع سنين دون انقطاع.) في مواجهة أعتى احتلال وأشده شراسة، لا سيما وأنه احتلال يلتف حوله قادة العالم الغربي الاستعماري كله ويدعمونه انتقاما من عدوهم اللدود على هزائمهم السابقة وإحياء لخلافات وأحقاد تاريخية دفينة..
كنا نعتقد، وأن بعض الظن ليس إثما، أن ثورات الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال التي عرفتها مختلف أنحاء المعمورة قد تجاوزتها الوحوش البشرية المسلحة بالنووي والحقد الأعمى في معاداة حقوق الإنسان الفلسطيني خارج حقوق الإنسان التي يحميها حق الفيتو الظالم أمام كل أنظار العالم الأعور الأصم الواجم.
إن الإسلام والاستعمار ضدان لا يلتقيان في مبدأ ولا في غاية، فالإسلام دين الحرية والتحرير، والاستعمار دين العبودية والاستعباد، والإسلام شرع الرحمة والرفق، وأمر بالعدل والإحسان، والاستعمار قِوامه على الشدة والقسوة والطغيان، والإسلام يدعو إلى السلام والاستقرار، والاستعمار يدعو إلى الحرب والتقتيل والتدمير والاضطراب، والإسلام يثبت الأديان السماوية ويحميها ويقرّ ما فيها من خير ويحترم أنبياءها وكتبها، بل يجعل الإيمان بتلك الكتب وأولئك الرسل قاعدة من قواعده وأصلا من أصوله، والاستعمار يكفر بكل ذلك ويعمل على هدمه خصوصا الإسلام ونبيه وقرآنه ومعتنقيه.وهذا المكيال العجيب الغريب بين إنسانين لا يثير القلق فقط حول مصير البشرية في هذا العالم (وحيد القرن) وإنما يعيد السؤال أيضا وبالحاح عما إذا كان للمعارك الحضارية الكبرى التي سعت لتوحيد البشرية على أساس العدل والمساواة تتراجع إلى ما تحت الصفر كما نراها في مجازر المغول الجدد بالصوت والصورة في غزة العزة والإنسانية التي تحتضر في مستشفياتها المنكوبة كلها اليوم والمقطوعة عن الحياة أمام أعين دعاة حقوق الإنسان (الحجري) وليس الإنسان البشري المتحضر المتعلم والمتقدم!!
وما يفيد في هذه الصفحات من ثورة الجزائر (فلسطين الأولى) الأشقاء في الجزائر الثانية ( فلسطين الحالية)، سأسرده ليس من باب تقديم الدروس، وإنما من باب قراءة التاريخ والاتعاظ به وأخذ العبرة منه..
بقدر ما كانت الثورة الجزائرية عظيمة في أهدافها، وواسعة في نطاقها ومتنوعة في وسائلها، ومعقدة في عناصرها وأطرافها... اعترضتها مخططات وخيانات ومؤامرات في مستوى عظمة أهدافها، وشراسة أعدائها، في الخارج والداخل، من الفاعلين الحقيقيين المباشرين ومن نوابهم المساعدين؛ وهو ما نتناوله في هذه المقالات بما يتطلبه من شمولية، وتفصيل، وشهادات وتوثيق من الأطراف المعنية حسب مختلف المراحل والمنعرجات التي مرت بها الثورة من البداية إلى النهاية، وقد حصرنا أهم هذه المناوآت والاعتراضات والخيانات والمؤامرات فيما يلي:
عملية العصفور الأزرق
تتمثل هذه الملحمة الثورية الرائعة كما عرفتها من أفواه الذين صنعوها والذين عاشوا كلّ تفاصيلها من البداية إلى النهاية، وأذكر على سبيل الحصر اثنين منهم (لعلاقتهما المباشرة بالموضوع)، أوّلهما العقيد السعيد إيعزورن المدعو(فريروش)، وثانيهما الكاتب والمجاهد محمد الصالح الصديق الذي عاش تفاصيل تلك الأحداث عن قرب، وألّف كتابا حول هذه العملية، أمّا مُلخصها فهي أنّ الحاكم العام (روبير لاكوسط) خطط لتقويض أركان الثورة من الداخل في بلاد القبائل، فاتّصل بأحد العملاء الكبار في الناحية (دون ذكر الاسم تجنبا لإلحاق الضرر بالعائلة) وطلب منه أن يُجنّد له مجموعة من الرجّال الذين لا تحوم حولهم الشكوك بالعمالة لفرنسا، كي يُجندهم للقيام بالثورة المضادة قصد القضاء على جيش التحرير الوطني في المنطقة، فذهب ذلك العميل إلى أحد معارفه من الأعيان (يدعى أحمد الزايد) وطلب منه القيام بالمهمة مقابل وعود مغرية له ماديا ومعنويا بعد نجاح العملية.
اتصل هذا المناضل الكبير بالعقيد سي السعيد الذي أخبر هو بدوره قائد الولاية بلقاسم كريم، فاتفقا على أن يذهب هذا الوسيط مع العدو في هذه اللعبة إلى النهاية، فطلب رجل لا كوسط من أحمد الزايد (بعد أن أخبره بقبول المهمة) أن يُرشّح له حوالي ثلاث مائة عنصر من الرجال الأكفاء المقتنعين بالفكرة لتجنيدهم من طرف العدو للقيام بهذه المهمة، فلبى أحمد الزايد هذا الطلب بكلّ سرور للعميل، حيث أحضر له بعد أيام قليلة العدد المطلوب من الرجال الذين لم يكونوا إلاّ صناديد من مُناضلي الحركة الوطنية تمّ اختيارهم بعناية كاملة وسرّية تامة، مع قادة الثورة أنفسهم (كريم ورفاقه) وقدّمهم للعدو الذي جندهم بكلّ ثقة وغباء كعملاء، وزوّدهم بالأسلحة المتطورة ليبدأوا في التظاهر بالقيام بالأعمال المضادّة للثورة، ولكسب ثقة فرنسا فيهم، والبرهنة على إخلاصهم وولائهم لها، كانوا يأتون ببعض العملاء الحقيقيين من المصاليين وغيرهم الذين تحكم عليهم الثورة بالإعدام في أماكن أخرى من الولاية، فيلبسونهم بزات عسكرية بالية، ويقتلونهم في أماكن مُتفرّقة من المناطق التي يتظاهرون بنصب الكمائن الليلية فيها، ليبرهنوا بذلك على نجاحهم في مهمتهم المضادة للثورة، وعلى كفاءتهم وإخلاصهم، وليطلبوا المزيد من الأسلحة المتطورة والعتاد.
وقد دامت هذه العملية عدة شهور من سنة 1956 إلى أن تلقوا الأمر من القيادة العليا للولاية، بالتحاقهم جميعا بصفوف الثورة في ليلة واحدة بناحية بني جناد، شمال شرق مدينة تيزي وزو، فكان درسا قاسيا ومُوجعا جدا للعدو لم ينسه أبدا، ولم يُكرر هذا الخطأ القاتل مرّة أخرى فيما نعلم من سنوات الثورة حتى نهايتها، بل فعل العكس تمامًا كما يتبين لاحقا!.
وعن هذه العملية التي دبرها العدو للقضاء على الثورة فارتدت إلى نحره، يقول الدكتور يحي بوعزيز: "امتدت هذه العملية عشرة شهور من نهاية نوفمبر 1955 إلى نهاية سبتمبر 1956، وهي عبارة عن مؤامرة مدبرة من طرف القوات العسكرية الفرنسية، حولتها الثورة إلى انتصار لها، وخيبة للجيش الفرنسي، ويطلق عليها عدة أسماء:
ـ العصفور الأزرق OPERATION OISEAU BLEU
ـ عملية عسكرية سرية OPERATION ARMEE SECRETE DE KABYLIE
ـ كوماندو.كـ COMMANDOS :K
ـ قوة.كـ FORCES : K
ـ المؤامرة LE COMPLOT
وبدأ الوالي العام جاك سوستيل التفكير فيها خلال شهر نوفمبر 1955 بعد عام من اندلاع الثورة، وذلك في إطار البحث عن القوة الثالثة التي ستكون بديلا لجبهة التحرير، وجيش التحرير الوطني، تساعد على تطبيق سياسة الإدماج التي يتحمس لها سوستيل، ويسعى جاهدا لتطبيقها.
امتدت عملية العصفور الأزرق عشرة شهور من نهاية نوفمبر 1955 إلى نهاية سبتمبر 1956، وهي عبارة عن مؤامرة مدبرة من طرف القوات العسكرية الفرنسية، حولتها الثورة إلى انتصار لها، وخيبة للجيش الفرنسيوقبل أن تشرع القوات الفرنسية في تطبيق عملية العصفور الأزرق، عملت على دعم قوات بللونيس الميصالية، المعارضة للثورة ولكن هذه القوات الميصالية تلقت ضربات قاسية من طرف قوات جيش التحرير، وفقدت الكثير من رجالها واضطر بلونيس نفسه أن ينسحب بمن بقي له من الرجال إلى الجنوب.
وعندئذ فكرت الولاية العامة في تنفيذ خطتها، وتجنيد رجال من منطقة القبائل وتسليحهم على غرار كتائب جيش التحرير، ليندسوا بين جنود التحرير، ثم ينقلبوا عليهم، وكلفت الولاية العامة، مصلحة الوثائق التابعة للمنطقة العسكرية العاشرة، لتباشر العمل، وهي لا تخضع إلا لمكتب الوالي العام مدنيا، وللجنرال لوريلو LORILLOT رئيس المنطقة العسكرية العاشرة عسكريا" .
ويضيف الدكتور بوعزيز قوله: "وتواصل تجنيد هؤلاء الرجال حتى بلغ عددهم 1500 رجلا، انتشروا في جهات عزازقة، تقزيرت، تيزي وزو، عين الحمام، وكانت نتائج أعمالهم مرضية بالنسبة للجيش الفرنسي، وقتلاهم كلهم من المصالين، والمخربين، وأعداء الثورة، حسب تعليمات قيادة جيش التحرير الوطني.
وكان الحاكم العسكري الفرنسي لتيزي وزو هو الذي يحمل في سيارته من نوع 203 صناديق الأسلحة والذخائر والمبالغ المالية، والمؤن إلى منزل مخلوف محمد آيت ونيش الذي يقيم عنده كريم بلقاسم في منزله، وفي يوم 16 سبتمبر 1956 تم توزيع آخر كمية من الأسلحة على بعض أفراد هذه المجموعات في قرية إفليسن، بحضور الجنرال أولي، ولم يكن رئيس فرقة الدرك بتيقزيرت على علم، وخلال مؤتمر الصومام تم الاتفاق على ضم هذه الكتائب إلى الثورة بصفة جماعية، وفي يوم 10 سبتمبر أعطي الضوء الأخضر لرؤسائها على أن يتم ذلك ليلة 30 سبتمبر 1956 وكان عددهم كما ذكرنا 1500 رجلا وقبل أن يلتحق أوزايد بالجبل مع هؤلاء الرجال تخلص من حشيش الطاهر وقتله بثلاث رصاصات في بطنه، وأخذ طريقه إلى الجبل" .
الحركة البلحاجية
ترى من يكون "كوبيس" وما هي أهدافه ولماذا جعلت فرنسا منه عميلها المخلص..؟
كوبيس اسم ارتبط بالخيانة والمكر إلى أن نال جزاء الخائن على أيدي الثوار المخلصين، أما اسمه الأصلي فهو بلحاج الجيلالي عبد القادر، من مواليد قرية "زدين" الفلاحية المتاخمة لعين الدفلة معقل الشيوعيين الجزائريين آنذاك، ينتمي إلى عائلة عريقة التحق بمدرسة ضباط الصف بشرشال وتخرج منها برتبة عريف. انتسب إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وأصبح عضوا في المنظمة الخاصة (S.O) ونظرا لكونه عسكريا أسندت إليه مهمة تدريب أعضاء المنطقة، ولما كان مؤتمر حركة انتصار الحريات الديمقراطية عام 1946 احتضنته في مزرعته "بزدين".
وعندما اكتشف أمر المنظمة الخاصة اعتقلت الشرطة الفرنسية مناضليها بما فيهم بلحاج، لكنه لم يلبث في السجن طويلا حتى أطلقت سراحه دون غيره بعد أن باح لها بجميع الأسرار التي كانت في حوزته متحديا بذلك أوامر قيادته التي تقر التكتم عن الأسرار وعدم البوح بها مهما كانت ظروف الاستنطاق والتعذيب.
ما إن غادر السجين حتى تحول إلى مخبر يعمل في جهاز شرطة العدو دون أن ينسى ما كان عليه أبوه الضابط في جهاز الصبايحية ... أتقن بلحاج مهمة المخبر بوجهين، بحيث ظل على اتصاله الدائم بالحركة الوطنية من جهة وبجهاز شرطة العدو من جهة ثانية، حتى إذا اندلعت ثورة التحرير اختار بلحاج أن يكون في صف المصاليين واتخذ لنفسه اسم "كوبيس" عوضا عن بلحاج في نهاية عام 1956.
تمكن في بادئ الأمر من مغالطة المواطنين في نواحي الشلف "الأصنام" على اعتبار أنه سجين سياسي قديم ومناضل في الحركة الوطنية فأوقع الكثير في شراكه وجندهم في صفوفه مدعيا أنه سيصنع منهم النواة الصحيحة لثورة التحرير تؤازره ماديا ومعنويا أجهزة الاستخبارات الفرنسية، وقد تمركزت قواته بإحدى الثكنات الفرنسية، وكان جل أتباعه من نواحي الأصنام ومنطقة الشراقة وبئر خادم بأحواز العاصمة، ينتمون في غالبيتهم الساحقة إلى فئات الفقراء المعدومين الذين غرّر بهم معتمدا أسلوب الوعود الكاذبة والمغالطة موهما إياهم بأنهم هم الفئة الناجية التي تقع على مسؤوليتها تجديد الجزائر.
والحقيقة أن "كوبيس" هو مجرد منفذ لمخطط العدو يضرب الثورة من داخلها وإشعال الفتنة بين الجزائريين وتحويل الأنظار عن الثوار الحقيقيين إلى غيرهم من الزائفين، فقد طلب من العدو الذي وافق بخبث على طلبه رفع العلم الجزائري إلى جانب العلم الفرنسي فوق ثكنته، وانطلق في محاربة الثورة ونصب الكمائن للمجاهدين والاشتباك معهم بقوة وصل تعدادها خمس مائة رجل مدعمين بعتاد معتبر وأسلحة متطورة مدَّه بها العدو، كانت مجموعاته المقاتلة لا تعلم شيئا عما يجري باستثناء قلة من معاونيه أعمتها الخيانة وأفسدها الطمع.
تفطن أتباعه لمكائد قائدهم الذي كان يحرضهم على قتال الجزائريين دون الفرنسيين وارتابوا في أمره حتى اذا تبينوا حقيقته غادروه إلى صفوف جيش التحرير ... فما كان إلا أن ركب رأسه وتحالف مع العميل الخائن (باش آغا بوعلام) وصارا يقاتلان جنبا إلى جنب مع قوات العدو جيش التحرير وجبهة التحرير الوطنيين.
وعن نهاية هذا الخائن يقول الرائد سي لخضر بورقعة:
"رتبت مجموعة من أبطال جيش التحرير خطة سرية شديدة الإحكام لقتل هذا العميل بإشراف المجاهد رشيد بوشوشي وامحمد بلحاج صهر كوبيس بعد أن جمعت كل المعلومات عن تحرك العميل ومكانه وأنشطته وأوقات تواجهده .. رسمت خطة تصفيته ثم رصد لها خيرة المجاهدين... نفذت هذه العملية يوم 16 أفريل 1958، وقد كنا يومها في اجتماع عقده القائد سي أمحمد حضرته بصفتي قائد الكتيبة الزبيرية المكلفة بتأمين ذلك اللقاء المنعقد في نواحي (سد أغريب) تحدث سي امحمد في ذلك الاجتماع عن ظروف تشكيل فرقة كومندوس تابع للمنطقة الثانية والأسس التي يجب أن يتم على ضوئها اختيار عناصر الفرقة وكان من بينهم بعض جنود كتيبتي، أمرنا القائد بالتراصف وطفق يقرأ الرسالة الوافدة عليه من سي بونعامة، كانت قراءته تشد الأذهان لما في محتواها من وصف دقيق لخطوات عملية القضاء على العميل الخائن وأسر جنوده وغنم أسلحته وذخيرته ..
تنفسنا الصعداء لهذا النصر ثم أمرنا بالتوجه إلى مكان العملية الجريئة لمعاينة الحقيقة، وفي طريقنا إلى المكان التقينا بمجموعة الجنود الذين أنجزوا العملية البطولية بعد أن طاردتهم قوات العدو مدة ثلاثة أيام بلياليها، لكنهم لم يستسلموا ولم يضيعوا صيدهم الثمين.
تحلقنا مرة ثانية حول القائد سي أمحمد الذي أمر بفك رباط الكيس، والكشف عما بداخله فاذا بالمفاجأة تهزنا جميعا إنه رأس العميل كوبيس، وقد تدحرج أرضا مضرجا بدمائه هذا الرأس الذي سكنته الخيانة وملأه الغرور وأعماه الحقد على الشعب والثورة، هو ذا معفر بالتراب بعد أن فصلته يد الثورة العادلة عن جثته وأراحت منه الجماهير التي عانت من ويلاته.
علق الرأس على جذع شجرة ووقف القائد سي أمحمد يخطب فينا قائلا: "إخواني في بداية كلمتي أنبّهكم أن لا تعجبوا لهذا المشهد الذي أمامكم إذا قلت لكم إن صاحب هذا الرأس المعلق مفصولا عن جثته هو لشخص كان ذات يوم مسؤولي المباشر إبان فترة نضالنا الوطني قبل اندلاع الثورة...
أصابتنا الدهشة جميعا لما سمعناه من فم القائد، إذ لم نكن نعلم قبل اليوم عن "كوبيس" إلا أنه عميل فرنسا معاد لثورة التحرير لذا وجبت تصفيته" .
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تاريخ الجزائر الاستعماري مقاومة الجزائر تاريخ استعمار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التحریر الوطنی حقوق الإنسان هذه العملیة جیش التحریر ما کان فی هذه من طرف بعد أن
إقرأ أيضاً:
يوم الشهيد| مصر لا تنسى أبناءها.. 9 مارس.. يوم حاسم في تاريخ العسكرية المصرية.. “البوابة نيوز”.. ترصد بطولات شهداء القوات المسلحة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
سلام على من أتى الدنيا في صمت وأدى واجبه في صمت ورحل في صمت، وسلام على من أمن الناس دون أن ينتظر مقابل.
التاسع من مارس يوم الشهيد، الذي تحتفل به مصر منذ عام 1969، تزامنا مع ذكرى استشهاد القائد العسكري الفريق أول عبد المنعم رياض، على الجبهة المصرية.
وحتى لا ننسى شهداءنا الأبرار، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل صون تراب مصر، هنا نتذكرهم ونسلط الضوء على سيرتهم العطرة احتفالا بيوم الشهيد.
يوم الشهيدالفريق عبدالمنعم رياض.. الجنرال الذهبي
ولد عبد المنعم محمد رياض في 22 أكتوبر 1919، في قرية "سبرياى" إحدى ضواحى مدينة طنطا، ويعد الشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض، واحدًا من أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين،حيث شارك في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامي 1941 و1942، وشارك في حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، وحرب 1967 وحرب الاستنزاف.
وقام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في ذلك الوقت بتكريم عبد المنعم رياض بمنحه رتبة فريق أول، ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية وهى أعلي وسام عسكري في مصر، ليصبح يوم التاسع من مارس تخليدًا للشهداء ممن ضحوا بأرواحهم للحفاظ على تراب الوطن فى مصر.
وفي التاسع من مارس عام 1969 كانت العسكرية المصرية على موعد مع حادث سطر التاريخ تفاصيله كاملة، عندما لفظ الفريق أول عبدالمنعم رياض أنفاسه الأخيرة شهيدا متأثرا بجراحه على الجبهة مع العدو في حرب الاستنزاف، ضاربا أروع الأمثال في التضحية والفداء من أجل حماية الوطن.
وكان الفريق أول عبدالمنعم رياض الذي لقبه قادة الاتحاد السوفيتي بالجنرال الذهبي يتقلد منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة في أثناء حرب الاستنزاف بين القوات المصرية وقوات الاحتلال الإسرائيلي في سيناء، ردا على عدوان عام 1967.
ورغم اشتعال المعارك على الجبهة حينها إلا أنه أراد الاطمئنان على القوات ومتابعة نتائج القتال بنفسه؛ فتوجه إلى الجبهة شمال الإسماعيلية إلا أن مدفعية العدو باغتته بضربة أصيب على إثرها إصابة بالغة، قبل أن يفارق الحياة خلال نقله إلى مستشفى الإسماعيلية، ليسجل له التاريخ واحدة من أروع وأعظم قصص البسالة والشجاعة والفداء
استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض خلف شعورا بالغضب سيطر على كل المصريين، وجعل الجميع يصر على أن هذا الحادث سيكون نهاية البداية التي ظن العدو الإسرائيلي أنهم سطروها فكان الحادث نهاية للنظر إلى الخلف وبداية التطلع إلى الأمام وتحرير الأرض.
وخرج الشعب في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة، لتشييع جثمان البطل الذهبي بعدما منحة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رتبة فريق أول، ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية أرفع وسام عسكري في مصر، ليتحول يوم التاسع من مارس من كل عام إلى يوم الشهيد المصري، تخليدًا لذكرى واحد من أشهر العسكريين العرب خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
الفريق عبدالمنعم رياض.. الجنرال الذهبي
“البوابة نيوز”.. ترصد بطولات شهداء القوات المسلحة
تحتفل القوات المسلحة في يوم 9 مارس من كل عام بـ«يوم الشهيد»، تزامنًا مع ذكرى استشهاد الجنرال الذهبي الفريق أول عبد المنعم رياض 1969، والذي ضرب أروع مثال على التواجد في خط المواجهة، فكان دائما في الصفوف الأمامية تأكيدًا على تلاحم القائد مع جنوده في الميدان، ويأتي هذا الاحتفال تخليدا لأرواح الشهداء والتذكير بالتضحيات التي قاموا بها في سبيل الوطن.
خلال التقرير التالي ترصد «البوابة نيوز »، بعض نماذج الأبطال الذين نالوا الشهادة خلال الحرب.
الشهيد الطيار البطل الرائد عاطف الساداتالشهيد الطيار البطل الرائد عاطف الساداتكان الطيار المقاتل عاطف واحد من رجال القوات المسلحة البواسل الذين ساقهم القدر للاحتشاد في الصفوف الأمامية للجبهة، والمشاركة في الضربة الأولى الخاطفة والمفاجئة لشل حركة العدو الإسرائيلي في أكتوبر 1973 على طول الجبهة ومنعه من التنفس وقطع الإمدادات عن جنوده في سيناء الغالية.
حصد الرائد عاطف السادات، شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، في حرب الاستنزاف، خبرات كبيرة، جعلته قادر على التحكم في الطائرة السوفيتية سوخوي، والتي جعلت أسمه يبرز في العمليات الهجومية ضد الطائرات الإسرائيلية باتجاه سيناء خلال تلك الفترة، وأصبح فيما بعد ضمن التشكيلة الأساسية في سلاح الجو المصري رغم صغر سنه الذي لم يتجاوز الـ 25 عامًا.
وضع قيادات القوات المسلحة خطة محكمة من أجل قطع أطراف ورأس العدو، ومنعه من الاستنجاد بتل أبيب، ومواجهة مصيره المحتوم أمام الهجوم الدامي لقواتنا المسلحة، ولذلك اتفقوا على طلعتان متتاليتان بقوة 200 طائرة، لضرب مطارات الميلز وتمادا ورأس نصراني، بالإضافة إلى مركزين قيادة للعدو بمنطقة أم مرجم، وعشرة مواقع صواريخ، وثلاثة مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة الكترونية، وعدد من محطات الرادار والمدفعية، وثلاث مناطق للشئون الإدارية وبعض نقاط خط بارليف الحصينة.
وُضع الرائد عاطف السادات، ضمن تشكيلة الضربة الجوية الثانية، ورغم أن وضع اسمه فقط ضمن المشاركين في حرب أكتوبر 73 يكفى فخرا وشرفا لأى مصري، إلا أن عاطف السادات استقبل الخبر بمزيد من الإصرار والعزيمة على تحقيق هدفه والمشاركة في أول ضربة.
ضمن 36 طائرة أخرى، انطلق الشهيد عاطف السادات ورفاقه لتنفيذ المهام المكلفين بها، وعندما أصبحوا فوق الهدف تمامًا، أطلق الشهيد صواريخ طائرته مفجرًا رادار ومركز قيادة صواريخ الهوك اليهودية للدفاع الجوي المحيطة بالمطار، وقام باقي التشكيل بضرب وتدمير مطار المليز وإغلاقه، للتأكد من تنفيذ المطلوب منه، قام الشهيد بدورتين كاملتين حول الهدف بجانب البحث عن أي أهداف أخرى لم تصبها الصواريخ، إلا أنه وفي الدورة الثالثة له بالطائرة سوخوي، أطلق العدو صاروخ مضاد للطائرات، تحطمت بسببه طائرته وانفجرت في الهواء وصعد روح الشهيد لخالقها.
الشهيد البطل إبراهيم الرفاعيالشهيد البطل إبراهيم الرفاعي
بعد تخرج الشهيد إبراهيم الرفاعي 1954، انضم إلى سلاح المشاة وكان ضمن أول فرقة قوات الصاعقة المصرية في منطقة (أبو عجيلة) وتم تعيينه مدرسًا بمدرسة الصاعقة، وعقب النكسة كان الانتقام واسترداد الأرض، بل وعدم جعل العدو ينام مرتاح البال مطمئنا بما استولى عليه من أرض، هو الشغل الشاغل لقيادات القوات المسلحة، وفي يوم 5 أغسطس 1968 بدأت القيادة العامة في التفكير بتشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين سميت فيما بعد بالمجموعة 39 قتال.
كان الهدف من هذه المجموعة هو القيام ببعض العمليات الخاصة في سيناء، كمحاولة القضاء على إحساس العدو الإسرائيلي بالأمن، وبأمر من مدير إدارة المخابرات الحربية اللواء محمد أحمد صادق وقع الاختيار على الشهيد إبراهيم الرفاعي لقيادة هذه المجموعة، فبدأ على الفور في اختيار العناصر الصالحة.
وقامت المجموعة التي كان يقودها الشهيد إبراهيم الرفاعي، بأكثر من 80 عملية مختلفة من اقتحام وضرب ونسف واستطلاع، عندما حانت ساعة الصفر، كان الشهيد وفرقته على أهبة الاستعداد لتنفيذ المهام المطلوبة منهم على أكمل وجه، حيث قاد خلال الحرب عدد من العمليات الهامة بدأت بعملية ضرب مواقع العدو الإسرائيلي في شرم الشيخ ورأس محمد في 7 أكتوبر 1973، وعملية الإغارة على مطار الطور في 7 أكتوبر 1973.
كانت أخر عملية شارك في الشهيد هي عملية منطقة الدفرسوار، والتي كلف خلالها بمنع العدو من التقدم في اتجاه طريق 'الإسماعيلية / القاهرة'، ووقتها كان يعمل بكل جهد برفقة الجنود والتشكيلات العسكرية على سد ثغرة الديفرسوار، في 19 أكتوبر 1973، وهي الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، كان الشهيد صائما، عندما اعتلى إحدى التبات، رصدته إحدى دبابات العدو وقامت بإطلاق القذائف تجاهه فأصابته إحدى الشظايا فى القلب، حاملا سلاحه وجهازه اللاسلكي.
الشهيد البطل مبارك عبد المتجليالشهيد البطل مبارك عبد المتجليالتحق الشهيد البطل مبارك عبد المتجلي، بالمجموعة 139 قتال التابعة للصاعقة، كان ينتظر بفارغ الصبر قرار العبور ورد الكرامة واسترداد الأرض، وهو ما حدث بالفعل وقررت القيادة السياسية شن ضربات ضد العدو الإسرائيلي، وفي صباح يوم 6 أكتوبر 1973 صدرت الأوامر إلى بعض عناصر الصاعقة بعبور قناة السويس للقيام بعملية جزئية خلف خطوط القوات الاسرائيلية.
شارك البطل الشهيد مبارك عبد المتجلي ومجموعته في هذه العملية، بدأت قبل القرار الرسمي للعبور، وكان الهدف منها شل حركة امداد العدو الإسرائيلي من الداخل، وهو ما حدث بالفعل وتم تنفيذ المهمة بنجاح وكبدوا القوات الإسرائيلية خسائر فادحة.
كان الشهيد مبارك عبدالمتجلي واحدا من الأبطال الذين كبدوا العدو خسائر فادحة، واخترقت طلقة غادرة صدره، وتلامس المصحف الصغير في جيبه لينال الشهادة في منطقة محطة تنقية المياه، وحمل الرجال على أكتافهم جثمان الشهيد وتم اخلاؤه من المنطقة.
استمرت بطولات رجال القوات المسلحة حتى الآن فيما بعد حرب أكتوبر عام 1973 لاسترداد أرض سيناء الحبيبة والكرامة والعزة، والتي شهدها العالم أجمع في حربهم على الإرهاب منذ عام 2013 لحماية الوطن والمواطنين أيضًا مقدمين أروع مثال على خير أجناد الأرض.