صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-21@01:46:16 GMT

ليست قضية جغرافيا!!

تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT

ليست قضية جغرافيا!!

صباح محمد الحسن

لم تترك تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حيلة للفريق عبد الفتاح البرهان إلا قطعت حبلها، وكلما أوصد باباً فتحت معه نافذة جديدة في محاولة جادة لوقف هذه الحرب اللعينة، التي أصبح الإصرار على إستمرارها جريمة ثانية يرتكبها فلول النظام بمشاركة ومباركة من دعاة الحرب الذين يتحدثون عن ضرورة حسم التمرد رغم علمهم بالنتائج التي حسمت حياة المواطن بالقتل وبأكبر حصيلة نزوح.

وأعلنت تقدم عن استعدادها للقاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في أي زمان ومكان يحددهما، بما في ذلك العاصمة المؤقتة بورتسودان، جاء هذا الإعلان بعد ساعات من تصريحات البرهان التي قال فيها لجنوده أنه لن يفاوض أحداً خارج البلاد
والفريق البرهان يعيد لعبة المراوغة مع القوى السياسية بذات الأدوات التي إستخدمها في لعبة الإطاري حتى أنه يستفيد من الأخطاء نفسها التي تقع فيها القوى المدنية والثورية من تشتت وإنشقاقات واختلاف حول القضايا الأساسية والمصيرية والإبتعاد عن مربع الوحدة وعدم الإلتقاء حول رؤية واحدة.

ولكن ولو أرادت تقدم أن تحرز هدفا يجب أن تبحث عن الحل بعيدا عن البرهان، فمن الجيد أن تتنازل (تقدم) لأجل الوطن ولأجل وقف الحرب، ولكن المؤسف ان هذا التنازل لن يقدره البرهان الذي لا ينظر للأمور من الزاوية التي تنظر بها (تقدم) فالبرهان قد يستغل هذا التنازل إستغلالًا سيئا الأمر الذي قد يجعل نتائج هذا اللقاء لا قيمة لها ولا إضافة، هذا إن كان البرهان فعلا صادقاً في أن مشكلته الحقيقية مع تقدم هي المكان !!

فحتى وإن تم اللقاء في مدينة البرهان المفضلة سيضع البرهان شروطه التعجيزية ويطالب حمدوك بإخراج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين الشرط الذي لن يتخلى عنه البرهان حتى ولو خرجت قوات الدعم السريع من المنازل بإختيارها.

عندها ستجد (تقدم) أنها لم تتقدم خطوة ولم تبارح مكانها الذي كانت فيه لهذا في رأيي أن تسعى (تقدم) وتسحب غطاء القوة الذي مازال يتلفح به البرهان كيف؟.. بتوسيع دائرتها وفتح أبوابها لكل القوى المدنية والثورية لتشكيل أكبر قاعدة مدنية تستطيع بها نزع قرار الكلمة والصوت، فالبرهان مازال يتقدم عليها بسيطرته على القرار بالقوة المستمدة من سلطة الفلول لذلك تجده يتجول بثقة في مساحات المراوغة بالرفض والقبول (على كيفو)، لكن تشكيل جبهة مدنية أكبر يجعل صوتها أعلى من صوته سيما أن الرجل أصبح فاقدا للدعم والسند الخارجي والداخلي.

ثانيا.. أن تدعم (تقدم) بقوة عبر قنواتها الخارجية كل الحلول المطروحة لتجاوز عقبة الفلول وأهمها المطالبة بتصنيف الأخوان منظمة إرهابية وفرض مزيد من العقوبات على الشخصيات والشركات التي تدعم وتغذي ميادين المعارك، وبهذا تكسب تقدم الوقت الذي تحتاجه لضرورة الوقف الفوري للحرب هذا الوقت الذي ما راوغ البرهان ونكص إلا لهدره.

فكل عمل لابد أن تسبقه الرغبة والجدية والنية الخالصة وجميعها عند البرهان لا توجد، والدليل أن (تقدم) تكتب له مباشرة وبصورة رسمية وهو يرد عليها عرضًا في خطاباته المرتجلة!!

لذلك يجب أن تتجاوز (تقدم) الطرق التقليدية في براحات السباق لحل قضايا الوطن وأن تستفيد من معرفة وحقيقة الخصوم من تجاربهم السابقة وتدرك أن القضية مع البرهان هي قضية تاريخ وليست قضية جغرافيا.

طيف أخير:
ومازلنا نكرر (لا تنتظروا الجنرال).

نقلاً عن صحيفة الجريدة

الوسومصباح محمد الحسن

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صباح محمد الحسن

إقرأ أيضاً:

عبد السلام فاروق يكتب: جون ميرشايمر.. رجل رأى العاصفة قادمة

قبل عقد من الزمن، وقف البروفيسور الأمريكي جون ميرشايمر، أحد أبرز العقول الاستراتيجية في الولايات المتحدة، محذرًا الغرب من مغبة استفزاز روسيا عبر أوكرانيا. كان صوته واضحًا: "ادفعوا بأوكرانيا إلى مواجهة روسيا، وستدفعونها نحو الهاوية". اليوم، بينما تشتعل الحرب وتتداعى المدن الأوكرانية، يبدو كلامه كأنه نبوءة تحققت بحذافيرها. فكيف استطاع هذا المفكر قراءة المستقبل بكل هذا الوضوح؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه من رؤيته؟

عقل واقعي في عالم مثالي

ينتمي ميرشايمر إلى مدرسة الواقعية السياسية، التي ترى العالم غابةً تحكمها قوة الدول وصراعات النفوذ. بعيدًا عن الخطابات المثالية حول "انتصار الديمقراطية"، يركز على تحليل موازين القوى وحدود الهيمنة. في محاضراته وكتبه، مثل "تراجيديا سياسة القوى العظمى", يشرح بمنطق صارم: "الدول لا تعمل بقلوبها، بل بمصالحها. ومن ينسى هذه القاعدة يدفع الثمن".

قبل سنوات، لخص ميرشايمر رؤيته لأزمة أوكرانيا في جملةٍ بسيطة: "روسيا لن تسمح أبدًا بانضمام أوكرانيا إلى الناتو". حينها، سخر البعض من "تشاؤمه"، معتبرين أن توسيع الحلف شمالًا خطوة لتعزيز الأمن الأوروبي. لكن ميرشايمر رأى ما وراء الأفق: روسيا، التي تعتبر أوكرانيا حدًّا استراتيجيًا حيويًا، سترد بعنفٍ إن شعرت بالحصار.

لم يكن الرجل منحازًا لروسيا، بل كان يحلل منطق الجغرافيا والتاريخ. أوكرانيا، بموقعها بين الشرق والغرب، لا يمكن أن تكون ساحةً لصراع القوى دون أن تتحول إلى ساحة دمار. لذلك، دعا إلى حياديتها: "لا تضعوها في موقف الاختيار بين الغرب وروسيا. دعوها تبني اقتصادها وتتجنب لعبة النيران".

كل ما حذّر منه ميرشايمر وقع: الغرب دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا، روسيا شعرت بالتهديد، والنتيجة حرب طاحنة دمرت المدن وشردت الملايين. لو كانت أوكرانيا حيادية، كما اقترح، لربما تجنبت هذا المصير. لكن الغرب، بانبهاره بانتصاره في الحرب الباردة، ظن أنه قادر على إعادة تشكيل العالم كما يشاء، متناسيًا أن القوى العظمى لا تتراجع عن حدودها إلا بقوة أكبر.

قصة ميرشايمر وأوكرانيا ليست مجرد "كنتُ قد حذرتكم", بل هي تذكير صارخ بأن السياسة الدولية ليست لعبةً أخلاقية، بل ساحة مصالح متشابكة. الرجل لم يُفاجأ بالحرب؛ لأنه فهم قواعد اللعبة. ورغم أن البعض ينتقده كـ"متشائم"، إلا أن الواقعية قد تكون ضروريةً لإنقاذ الأرواح قبل فوات الأوان.

في زمنٍ تتصاعد فيه الخطابات الحماسية حول "النصر الكامل", ربما نحتاج إلى المزيد من أمثال ميرشايمر: أولئك الذين يذكروننا بأن السلام لا يُبنى بالأحلام، بل بالحكمة.

الواقعية مقابل المثالية: لماذا تجاهل الغرب التحذيرات؟

يرى ميرشايمر أن الغرب وقع في فخ "الانتصار الوهمي" بعد الحرب الباردة، معتقدًا أن توسيع الناتو شرقًا سيعزز الأمن دون رد فعل روسي. لكن الواقعية تُذكّر بأن روسيا، كقوة عظمى، لن تسمح بتهديد حدودها الحيوية. هنا، تصطدم المثالية الغربية (نشر الديمقراطية) بالمنطق الجيوسياسي: "القوى الكبرى لا تتنازل عن مناطق نفوذها إلا تحت الإكراه".

ربما غلبت النخب الغربية الأجندات الأيديولوجية على حساب قراءة التاريخ، كما حدث في الحرب العالمية الأولى، حين أُسيء فهم تحركات الدول، مما أدى إلى كارثة.

إشكالية الحياد: هل كان ممكنًا؟

دعا ميرشايمر إلى حيادية أوكرانيا، لكن هذا يطرح إشكالية في عالم مترابط اقتصاديًا وأمنيًا. فالدول، خاصة الصغيرة منها، غالبًا ما تُجبر على الانحياز بسبب:

التبعية الاقتصادية: مثل اعتماد أوكرانيا على روسيا في الطاقة، وعلى الاتحاد الأوروبي في الاستثمارات.الانقسامات الداخلية: الشرخ بين المناطق الناطقة بالروسية وتلك الميالة إلى أوروبا جعل من الصعب تبني سياسة خارجية موحدة.

لكن ميرشايمر قد يرد بأن الحيادية ليست "انعزالًا"، بل توازن دبلوماسي يمنع تحول الدولة إلى ساحة صراع.

إرادة الشعوب أم حسابات القوى العظمى؟

ينتقد البعض الواقعيةَ لإهمالها إرادة الشعوب. أوكرانيا سعت للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو برغبةٍ شعبيةٍ، للهروب من الهيمنة الروسية. لكن ميرشايمر يذكّر بأن الدول الصغيرة لا تملك رفاهية "الاختيار الحر" في ساحة القوى العظمى. قد لا ترى أوكرانيا نفسها تهديدًا لروسيا، لكن موسكو تراها كذلك، وهذه النظرة هي التي تحكم التوازنات.

من أوكرانيا إلى تايوان.. صراع القوى الكبرى مستمر

تُظهر أزمة أوكرانيا نمطًا متكررًا في السياسة الدولية. فكما شعرت روسيا بالتهديد من الناتو، قد تشعر الصين بالخطر من أي تحالف غربي مع تايوان. ميرشايمر يحذر من أن تجاهل هذه الحساسيات قد يؤدي إلى صدامات كارثية. والسؤال هنا: هل يمكن للغرب أن يوازن بين دعم القيم الديمقراطية وتجنب صراعات لا تُحمد عقباها؟

الواقعية أم السذاجة الأخلاقية؟

تُلام الواقعية لكونها "بلا ضمير"، لكن ميرشايمر يرى أن السذاجة الأخلاقية تُنتج كوارث إنسانية أكبر. صحيح أن دعم أوكرانيا عسكريًا قد يبدو مبررًا أخلاقيًا، لكنه أيضًا يطيل أمد الحرب ويرفع الخسائر. الحل الواقعي قد يكون مفاوضات صعبة تتنازل فيها أوكرانيا عن أحلام الناتو مقابل ضمانات أمنية، لكن هل هذا مقبول بعد تدمير ملايين الأرواح؟

دروس للمستقبل

الحرب في أوكرانيا ليست سوى فصلٍ جديد من صراع القوى العظمى. ولو التزم الغرب بخطة ميرشايمر، ربما كان تجنب الحرب ممكنًا، لكن الواقع الآن يفرض حلولًا مختلفة.

فهل يمكن إحياء مفهوم "الحيادية المُسلحة" كما في سويسرا أو فنلندا سابقًا؟ أم أن العالم أصبح أكثر تعقيدًا؟

الدرس الأكبر؟

"السياسة الدولية لعبة شطرنج بقواعد صارمة: من لا يتعلمها يخسر".
ربما يكون الثمن البشري هو ما سيدفع العالم إلى إعادة اكتشاف التوازن بين المبادئ والواقع.

مقالات مشابهة

  • بكري: العار مازال يلاحق العالم والقانون الدولي الإنساني بعد الجرائم التي ترتكب في غزة
  • إعلام إسرائيلي: حماس لن تقدم تنازلات ونتنياهو هو الذي أخل بالاتفاق
  • ترامب: قضية محمود خليل ليست سهلة
  • بحضور جبريل وعلي يوسف.. المجلس الأعلى للنفط والطاقة والتعدين يعقد اجتماعه الأول برئاسة البرهان
  • البرهان يترأس الاجتماع الأول لـ”المجلس الأعلى للنفط والطاقة والتعدين” ويوجه بتعديلات عاجلة
  • مدير المركز الألماني السوداني للسلام: ما يجري تبادل أدوار بين”البرهان وحميدتي” وليس حربا
  • عبد السلام فاروق يكتب: جون ميرشايمر.. رجل رأى العاصفة قادمة
  • الملك فاروق والعلاقات الخارجية.. كيف تعامل مع القوى العالمية؟
  • تحدي النهايات!!
  • الخدعة فی الحرب ليست بالحادثة المستحيلة !