طرق وساحات محتلة.. ما أسباب ثورة المزارعين في أوروبا؟
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
برلين– أيام ساخنة يعيشها القطاع الزراعي في أوروبا، وصلت ذروتها -أمس الخميس- بداية فبراير/شباط الجاري، إثر تجمع مئات الجرارات في العاصمة البلجيكية، قرب مقرّ البرلمان الأوروبي، لأجل الاحتجاج على قادة الاتحاد الأوروبي، تزامنا مع قمة تحضرها رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، ومجموعة من القادة الأوروبيين.
واحتجاجات المزارعين في أوروبا ليست جديدة، وتكررت على مدى السنوات الماضية، لكن تفاقم الخلافات بين النقابات الزراعية وبين السلطات أدى إلى انتشار عدوى الاحتجاج في 10 دول على الأقل، هي فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وليتوانيا وبولندا وإسبانيا والبرتغال واليونان ورومانيا.
ويظهر أن أكبر طرق الاحتجاج المتفق عليها هي غلق الطرقات بالجرارات. وتوجد أسباب محلية خاصة بكل بلد، وأخرى تتعلق بالسياسات التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي، لكن حتى الأسباب المحلية تبدو متشابهة، وتهدّد بخسائر اقتصادية كبيرة لدول الاتحاد.
طرحت الجزيرة نت 6 أسئلة عن احتجاجات المزارعين الأوروبيين.
لماذا يرفض المزارعون "التجارة الحرة"؟ما يجمع جلّ المحتجين هو طلب إعادة النظر في عدد من اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمها أو يخطط الاتحاد الأوروبي لإبرامها مع أطراف ثالثة. ويرى المحتجون أنها تضرّ بالمنتجات الزراعية الأوروبية، بسبب أسعارها الرخيصة رغم جودتها المتوسطة أو المتدنية، مما يؤدي إلى تقليل الإقبال على منتجاتهم.
ومن أكبر الاتفاقيات التي يرفضها المحتجون، تلك التي يعتزم الاتحاد الأوروبي تنفيذها مع دول "ميركوسور" بهدف خفض الحواجز الجمركية. ويضم هذا التجمع البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي، وتم التوصل إلى اتفاق سياسي مع هذه الدول عام 2019، لكن لا تزال المفاوضات جارية لإتمام الصفقة.
وهناك اتفاقية تجارة أخرى مع أوكرانيا تقلق المزارعين، فبعد الغزو الروسي، علّقت المفوضية الأوروبية رسوم استيراد المنتجات الأوكرانية لأجل دعم كييف. لكن القرار أغرق الأسواق الأوروبية بهذه المنتجات، خصوصا الدول المجاورة لأوكرانيا، ومن بين هذه السلع الرخيصة هناك الدواجن والبيض والسكر والحبوب.
بينما تغزو المنتجات الرخيصة أسواق أوروبا، يواجه المزارعون ارتفاع تكاليف الإنتاج، بسبب التضخم الناجم عن حرب أوكرانيا، خصوصا أسعار الغاز والكهرباء والوقود، وكذلك الأسمدة والمواد الأولية. ولم تقدم دول الاتحاد دعماً كافياً للمزارعين حسب كلامهم.
وفي دول كألمانيا، يحتج المزارعون قبل موجة التضخم، على الأسعار النهائية لبعض المواد كمنتجات الحليب والدقيق، ويرون أنها رخيصة بشكل كبير ولا تتوافق مع تكاليف الإنتاج، بينما ترفض منظمات حماية المستهلك والسلطات الألمانية إرهاق السكان بتكاليف جديدة.
لماذا تعقّد السياسات البيئية الأجواء؟يشتكي مزارعو بعض الدول كبليجكا واليونان وفرنسا، من تأخر الدعم الذي يقدمه الصندوق الأوروبي للسياسة الزراعية المشتركة، أو وجود اختلالات في توزيعه، أو صعوبة شروط الحصول عليه، ومن ذلك عدم زراعة 4% ممّا يملكه المزارعون من أراضٍ لأجل إراحتها وضمان استدامة الزراعة.
لكن في بلدان معينة كهولندا، هناك خطط بيئية أخرى أثارت الغضب كخفض انبعاثات النيتروجين إلى النصف عن طريق التقليل من تربية المواشي والدواجن، وهي الخطة التي أسهمت في بزوغ حزب يميني اسمه "حركة المزارعين المواطنين"، إذ نال شعبية كبيرة في الأشهر الماضية.
وتحتج الحركات البيئية على زيادة الانبعاثات بسبب النشاط الزراعي، كما تنشط حركات للنباتيين ترفض استمرار الصناعة الحيوانية، مما دفع الاتحاد إلى محاولة البحث عن حلول بيئية، لكن ذلك أدى إلى غضب المزارعين في المقابل.
ما المشاكل الأخرى؟
يشتكي المزارعون من البيروقراطية في عدة دول، ومنهم المزارعون الصغار الذين يحتاجون في فرنسا لعدة إجراءات، حتى يبدؤوا بتسويق منتجاتهم.
كما تعدّ تعويضات العمال في المجال الزراعي ضعيفة مقارنة بقطاعات أخرى، خصوصا في دول الجنوب الأوروبي، مما يدفع الشركات لجلب عمال من الخارج، بسبب رفض السكان العمل في الحقول.
ويعمل 8.7 ملايين شخص في الزراعة داخل الاتحاد الأوروبي، منهم 934 ألفا في ألمانيا (والعاملون في الغابات ومصايد الأسماك)، و678 ألفا في فرنسا، و774 ألفا في إسبانيا. ويتراجع عدد العاملين في الزراعة كل عام، بسبب توجه الشباب إلى قطاعات أخرى أقل جهدا وأعلى دخلا.
هل أوضاع الدول الأوروبية مشابهة؟تظهر الاحتجاجات في فرنسا، القوة الزراعية الأولى داخل الاتحاد، أكثر حدة، إذ أوقفت الشرطة هذا الأسبوع العشرات من المحتجين بعد اقتحام مناطق تخزين وعرقلة حركة المرور، وكذلك في ألمانيا التي شهدت دخول الجرارات إلى مراكز المدن خلال الأسابيع الماضية، ومن ذلك ساحة براندنبورغ في برلين.
وتعاني دول في الاتحاد كإسبانيا وإيطاليا واليونان من موجات جفاف أثرت على الزراعة. ورغم أنها لم تكن من بين ساحات احتجاج المزارعين في البداية، فإن النقابات الزراعية الكبرى في إسبانيا والبرتغال قررت الانضمام إلى حركة احتجاجات الجرارات الأوروبية، إذ تعدّ إسبانيا أكبر مصدر عالمي لزيت الزيتون، وهي المزود الرئيسي لعدة دول أوروبية بأنواع من الخضار والفواكه.
وكان المزارعون البولنديون أول من بدؤوا الاحتجاجات ضد "غزو المنتجات الأوكرانية"، وانضم إليهم الليتوانيون الذين يحتجون كذلك على دخول المنتجات الروسية.
اقترحت المفوضية الأوروبية مجموعة من الحلول لتنفيس هذا الاحتقان، أولها إعفاء المزارعين من ضرورة ترك 4% من أراضيهم دون زراعة، واقترحت كذلك فرض مكابح على المنتجات الأوكرانية إذا ما تجاوزت الواردات حدا معينا.
واقترحت فرنسا عدة حلول، كإلغاء الزيادة في وقود المركبات الزراعية، وتخفيف الضرائب على الطبقة المتوسطة، من بينهم المزارعون الصغار والعمال الزراعيون، وتبسيط الإجراءات الإدارية.
وتدفع فرنسا نحو إلغاء الصفقة مع دول أميركا الجنوبية، لكن المفوضية رفضت الفكرة بحكم حجم التجارة الضخم مع هذه الدول. وأثمرت التحركات الفرنسية عن اتخاذ أكبر نقابة زراعية في البلاد، الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين، قرار وقف الاحتجاجات، أمس الخميس.
وفي ألمانيا، لا تزال الحكومة مصرة على إلغاء الإعفاء للديزل المستخدم في الزراعة، رغم الاحتجاجات الكبيرة، لكنها قررت تطبيق الإلغاء بشكل تدريجي، وألغت ضريبة كانت ستفرضها على المركبات الزراعية. وعانت الحكومة الألمانية من عجز كبير في موازنة 2024 كاد يعصف بها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی المزارعین فی
إقرأ أيضاً:
ماكرون يدعو لمناقشة الردع النووي الأوروبي في مواجهة التهديدات الروسية
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداده لبدء مناقشات حول تعزيز الردع النووي الأوروبي، وذلك ردا على التهديدات التي تشكلها روسيا في ظل التطورات الجيوسياسية الأخيرة.
وجاءت تصريحات ماكرون بعد طلب من فريدريش ميرتس، المرشح المحتمل لمنصب المستشار الألماني، بفتح حوار حول مشاركة الأسلحة النووية الفرنسية والبريطانية في حماية أوروبا.
وفي حديثه لصحيفة "لوموند" الفرنسية، أكد ماكرون أن أوروبا بحاجة إلى مزيد من الاستقلالية في مجال الدفاع، وأن مناقشة إستراتيجية الردع النووي يجب أن تكون "مفتوحة" و"شاملة". وأضاف أن هذه المناقشة ستتضمن جوانب حساسة وسرية، لكنه مستعد لبدئها.
وتأتي تصريحاته في أعقاب تقارير أشارت إلى أن فرنسا قد تكون مستعدة لاستخدام ترسانتها النووية لدعم حماية أوروبا، خاصة في ظل الشكوك التي أثارها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وترك ترامب، الذي أشار مرارا إلى إمكانية انسحاب واشنطن من الحلف، أوروبا في حالة من عدم اليقين بشأن ضماناتها الأمنية.
ردود الفعل الدوليةعلق مايكل ويت، أستاذ الأعمال الدولية والإستراتيجية في كلية كينغز لندن، على الموقف قائلا إن عرض فرنسا لتمديد مظلتها النووية إلى ألمانيا وبقية أوروبا يمكن أن يكون الحل الأكثر قابلية للتطبيق في ظل انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها الأمنية.
إعلانوأضاف ويت أن أوروبا بحاجة إلى تعزيز إنتاجها المحلي للطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية، لتقليل اعتمادها على مصادر خارجية وتعزيز أمنها القومي.
من جهة أخرى، دعا بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، إلى منح أوكرانيا سلاحا نوويا لمواجهة التهديدات الروسية، واصفا ذلك بأنه "حالة أخلاقية" في ظل التصعيد المستمر من جانب موسكو.
ما الذي يعنيه هذا لأوروبا؟رغم استعداد ماكرون لفتح النقاش، فإن التحديات لا تزال قائمة. ووفقا لمصادر دبلوماسية ألمانية، لم تبدأ المحادثات الرسمية بعد، خاصة مع استمرار المناقشات حول تشكيل حكومة ائتلافية في ألمانيا بعد الانتخابات الأخيرة.
كما أن أي نقاش حول الردع النووي الأوروبي سيحتاج إلى موافقة المملكة المتحدة، التي تمتلك أيضا ترسانة نووية. ومن غير الواضح ما إذا كانت لندن ستشارك في هذه الإستراتيجية أم ستظل متمسكة بتحالفها الأمني التقليدي مع الولايات المتحدة.
وتعكس تصريحات ماكرون تحولا جوهريا في التفكير الإستراتيجي الأوروبي، ففي ظل التهديدات الروسية المتزايدة وتراجع الضمانات الأمنية الأميركية، أصبحت أوروبا مضطرة إلى إعادة تقييم اعتمادها على الولايات المتحدة في مجال الدفاع.
وإذا نجحت أوروبا في بناء إستراتيجية ردع نووي مشتركة، فقد يمثل ذلك خطوة كبيرة نحو تعزيز استقلاليتها الأمنية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تجاوز الخلافات الداخلية وبناء إجماع بين الدول الأوروبية حول مستقبل الدفاع القاري.
وقال الرئيس الفرنسي "إذا كان الزملاء يريدون التحرك نحو مزيد من الاستقلالية وقدرات الردع، فإننا سنضطر لفتح هذه المناقشة الإستراتيجية العميقة جدا. لديها مكونات حساسة جدًا وسرية للغاية، ولكنني متاح لفتح هذه المناقشة".