أحداث السابع من أكتوبر في ميزان النصر والهزيمة
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول التي وَجَّهت حماس من خلالها ضربةً كبيرةً للأمن والجيش والمستوطنات الإسرائيلية، ردّت إسرائيل بحرب مدمِّرة على قطاع غزة، ألحقت خسائر فادحة في كلّ قطاعات المَدِينة دون استثناء. السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه الخسارة الناتجة عن تلك الحرب: هل تستحقّ عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كل تلك الخسائر التي دفعها الشعب الفلسطيني في غزة؟ للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى قراءة الحرب ونتائجها من عدة زوايا.
استشهد في هذه الحرب حتى الآن أكثر من 25 ألف شهيد، ثلثاهم من الأطفال والنساء، وهناك أكثر من 63 ألف مصاب وجريح، واستشهد أيضًا أكثر من 347 فلسطينيًا، مع أكثر من 4000 جريح في الضفة الغربية التي تشير التقارير الإسرائيلية إلى أنها مرشحة لحالة انفجار قريبة. وتُقدِّر وتدّعي قوات الاحتلال الإسرائيلي أنّها قتلت أكثر من 8 آلاف مقاتل فلسطيني تابع لحركات المقاومة الفلسطينية في غزة.
ألحقت إسرائيل دمارًا شاملًا في البنية التحتية لمدينة غزة؛ إذ دمَّرت أكثر من 50٪ من عدد الوحدات السكنية، وشلَّت وأخرجت جميع مرافق البنية التحتية من الخدمة، وهجَّرت 85٪ من سكان غزة الذين نزحوا من مساكنهم بسبب الأضرار التي خلفها القصف؛ إذ ألقت إسرائيل 10 آلاف قنبلة وصاروخ على غزة حتى الآن.
وقد قدَّرت التقارير أن ما أُلقي على غزة من متفجرات حتى الثاني من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي قد بلغت قوته التفجيرية قوة القنابل النووية التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية.
وأشار المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان إلى انعدام مصادر المياه الصالحة للشرب كليًّا؛ بسبب قطع إمدادات المياه عن غزة وانقطاع الوقود اللازم لمحطات تحويل وتوزيع المياه، ممّا تسبّب بانتشار الأمراض المنقولة والمعدية.
وأوضحت لجنةُ خبراء تابعة للأمم المتحدة أن أكثر من 90٪ من سكان القطاع أصبحوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأن ربع السكان يعانون مستوياتٍ كارثيةً من الجوع.
أيضًا تعطل التعليم المدرسي؛ فقد أصاب الدمارُ 69٪ من المرافق التعليمية، وتوقف كثير من المرافق الصحية عن تقديم الخدمات الصحية، واستشهد 373 شخصًا من كوادرها ممّا فاقم أزمة القطاع الذي كان يعاني قبل الحرب. جميع الأرقام السابقة مرشحة للزيادة الكبيرة في ظل استمرار الحرب والعدوان الإسرائيلي على غزة.
في المقابل، لم يكن حجم الخسائر الإسرائيلية الناتجة عن الحرب على غزة بالقليل، وحسب اعترافات إسرائيل، فإن ما قُتل من عسكريين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (بمن في ذلك الجنود الذين قُتلوا يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، والجنود الذين قُتلوا في الحرب البرية، ومَن قُتل على الحدود مع لبنان، ومن قتل بحوادث ونيران صديقة) قد بلغ 561 جنديًا، وجُرح 2496 جنديًا إسرائيليًا، والعدد مرشح للزيادة في ظل الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي كل يوم في غزة وآخرها واقعة المغازي.
وقد قُتل من المدنيين الإسرائيليين يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 790 شخصًا، وبلغ عدد المصابين والجرحى المدنيين أكثر من 10 آلاف جريح، ونزح من الإسرائيليين ربع مليون إسرائيلي تقريبًا عن المستوطنات الموجودة على الحدود الشمالية والجنوبية.
ولا تزال حركات المقاومة في غزة محتفظةً بـ 132 أسيرًا إسرائيليًا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بعد أن بادلت عددًا منهم مع أسيرات فلسطينيات في الهدنة المؤقتة التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وأطلقت حركات المقاومة من غزة 14 ألف صاروخ، ضربت المناطق الإسرائيلية، بما فيها تل أبيب ومدينة القدس الشريف، ولا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ من القطاع، وجميع هذه الأرقام قابلة لزيادة بين الحين والآخر
الربح والخسارة في ميزان حروب حركات المقاومةصحيح أنّ حجم الفارق بين خسارةِ المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية والخسارةِ النسبية التي تكبدتها دولة الاحتلال الإسرائيلي كبيرٌ، لكن يبقى ميزان الربح والخسارة في الحروب التي تقودها حركات المقاومة مختلفًا اختلافًا كليًّا عنه في الحروب التي تخوضها الدول والجيوش النظامية ضد بعضها، فالتاريخ يقول: دائمًا ما تكون خسارة المقاومة المادية أضعاف خسارة الدولة المحتلة، لكنْ مهما تكن خَسارة قوى المقاومة وحاضنتها الشعبية عظيمة، تبقَ أقلَّ ضررًا عند مقارنتها بالخسارة الناتجة عن استمرار الاحتلال لتلك الشعوب.
أيضًا لا تَقدر الدول المحتلة على تحمّل تكلفة الحرب حتى مع قلة خسائرها، وهذا ما يشهد به تاريخ حركات التحرر في العالم.
ويمكن إجمال ما حققته المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب من نتائج ثانوية لصالح القضية الفلسطينية في عدة أمور:
على المستوى العسكري، استطاعت المقاومة أن تُبدِّد فكرة الجيش الذي لا يُقهر؛ فقد كشفت أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول حجم الوهْم والهالة المصطنعة التي تحيط دولة الاحتلال بها نفسَها، وأنَّ مجموعةً من المقاتلين الذين توفّرت لديهم الإرادة الجادّة وعنصر المباغتة استطاعوا أن يحققوا على الأرض ما لم تعهده دولة الاحتلال منذ تاريخ قيامها، وأن يكسروا الحاجز النفسي العربي، ويُبطلوا صحة مقولة الجيش الذي لا يُقهر.
كما استطاعت حرب الكرامة الأردنية عام 1968، وحرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول المصرية عام 1973، والمقاومة اللبنانية التي أجبرت إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000، أن تنهي حلم إسرائيل في التوسع الجغرافي خارج الأراضي الفلسطينية، فإنّ هزيمة الإسرائيلي في غزة – إذا ما وقعت- تعني انتهاءَ حلم إسرائيل في التوسع الجغرافي في الداخل الفلسطيني على حساب الشعب الفلسطيني وأراضيه، وبدايةَ تآكل المشروع الإسرائيلي، وبدايةَ العد العكسي لانتهاء هذا المشروع الطارئ على الأرض.
على المستوى السياسي، استطاعت المقاومة أن تعيد للقضية الفلسطينية حضورها، وتعيد وضعها على الطاولة في المحافل الدولية بعد أن كاد غبارُ النسيان أن يطويها، أعادت أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول حضور فكرة حل الدولتين لدى الساسة الأميركيين والأوروبيين، ذلك الحل الذي يرفضه اليمين الذي يُحكم السيطرة على الحكومة الإسرائيليّة، ويريد كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلها في الـ 67، ويريد التخلص من جميع السكان الفلسطينيين خارج فلسطين.
استطاعت العملية أن توقف دوران عجلة التطبيع العربي الإسرائيلي مؤقتًا، ذلك التطبيع الذي سيكون مصيره مرهونًا أيضًا بنتائج الحرب على غزة.
تمكنت عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من إرباك اليمين الإسرائيلي الحاكم الذي أدار المعركة بطريقة خلقت بينهم انقسامًا داخليًا، وانقسامًا حتى داخل حكومة الحرب المصغرة، وتصرفاتٍ ألحقت بإسرائيل خسارة كبيرة في العلاقات مع أقرب الداعمين لها.
وقد أوضحَ آخر استطلاعات الرأي أن الحرب قد أضعفت اليمين الإسرائيلي، وأنَّ خسارة كبيرة سوف تلحق بالأحزاب اليمينية المشكِّلة للحكومة الحالية لصالح المعارضة إذا ما جرت انتخابات مبكرة.
كما استطاعت الرواية الفلسطينية من خلال ردة الفعل الإسرائيلية أن تكشف حجم التوحّش الذي تتمتّع به دولة الاحتلال، واستطاعت العملية أن تستفز اليمين الإسرائيلي المنفلت، وتُخرج للإعلام أسوأ ما في العقلية الإسرائيلية ليتكشف للعالم وجمهورِ الدول الداعمة لإسرائيل حجمُ البربرية التي تتمتّع بها هذه الدولة.
وهذا ما انعكس على استطلاعات الرأي الأميركية التي رأى فيها الشباب الأميركي من سن 18 إلى 24 أنّ حلّ القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – من وجهة نظرهم- يكون بإنهاء دولة إسرائيل وتسليمها للفلسطينيين، إذ ساعد الإعلام البديل ومواقع التواصل الاجتماعيّ في إظهار مشاهد التوحش الإسرائيلي على حقيقتها دون توجيه وتجميل.
أيضًا استطاعت مشاهد الحرب أن تجر إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بجرائم الإبادة الجماعية، وقد تكون تلك اللحظةُ اللحظةَ الفارقةَ التي تُبدِّلت بها صورة إسرائيل من لعب دور الضحية الذي عاشته على مدار العقود الماضية إلى دور الجلاد الذي يرتكب الجرائم بحق الإنسانية.
متى تكون المقاومة منتصرة أو مهزومة؟مع كل المكتسبات السياسية والعسكرية التي حققتها المقاومة على أهميتها، تبقى مكتسباتٍ هامشيةً وثانويةً في هذه الحرب، وسيبقى معيار النصر والهزيمة المباشر والمؤثر والرئيس محكومًا بنتائج الحرب النهائية على الأرض، التي ستنعكس على القضية الفلسطينية وتكون انعطافًا كبيرًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعيدًا عن معيار الخسارة المادية في عدد الشهداء والمباني والبنى التحتية؛ فكل ذلك يمكن تعويضه، والأممُ لا تفنى، بل تتعافى سريعًا.
ويمكن أن نقول تنتصرُ المقاومة أو تُهزَم إذا تحقق لأيٍّ من طرفي الصراع نصر أو هزيمة في العناصر التالية:
1- إذا انسحبت إسرائيل من المناطق التي توغلت فيها في غزة في نهاية الحرب؛ إذ يعني هذا الانسحاب أن إسرائيل لم تعد قادرة على فرض ما تريد على الأرض، وأن المقاومة مع حجم خسارتها الكبير استطاعت أن تفرض حالة جديدة في الصراع الإسرائيلي، وتنهي الزمن الذي تُحقِّق فيه إسرائيل كلّ ما تريد.
بينما ستكون المقاومة الفلسطينية مهزومة وخاسرة إذا استطاعت إسرائيل احتلال القطاع مجددًا والسيطرة عليه وتطويعه للسلطات الإسرائيلية بهدوء، وإعادة غزة إلى حالة ما قبل 2005، فتكون بذلك أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول خطوة للوراء في حركة النضال الفلسطيني.
2- سيكون انتصار المقاومة في بقاء جسمها وهياكلها التنظيمية فاعلة وقادرة على إعادة بناء وتجديد نفسها وبقاء جزء من قيادتها في المشهد العام والمشهد الإعلامي، والأهم من كل ذلك بقاؤها محتفظةً بسلاحها وقادرةً على إعادة بناء منظومتها العسكرية.
بينما ستكون هزيمة المقاومة في تفكيك ونزع سلاحها، وتفكيك المنظومة العسكرية والهياكل التنظيمية لحركات المقاومة الفلسطينية، والقبض على قادتها ومحاكمتهم أو قبول تهجيرهم إلى خارج غزة.
3- سيكون نجاح المقاومة في إجراء صفقة تبادل الأسرى الانتصارَ السياسيَ الكبيرَ الذي سيُمكِّنها من تحرير كثير من القيادات المؤثرة والفاعلة في نضال الشعب الفلسطيني، تلك القيادات التي يعني تحريرُها إعطاءَ دفعة كبيرة وخبرات نضالية وازنة لكل الفصائل الفلسطينية؛ ممّا سينعكس على كل حركات النضال والتحرر الفلسطيني.
لكن، إذا استطاعت إسرائيل تحرير أسراها بالقوة دون اضطرارها إلى الذهاب إلى صفقة تبادل أسرى مع المقاومة، فسيكون ذلك نصرًا سياسيًّا كبيرًا لإسرائيل حتى وإنْ قُتل بعضهم.
بلا شك، هذه الحرب حرب صفرية، إما أن تنتصر المقاومة وتتراجع إسرائيل ومشروعها، وإما أن تُسحق المقاومة -لا سمح الله- وتتقدم إسرائيل.
لا حلولَ وسطَ أو مقاربات وأنصافَ حلول أو ترحيلًا للأزمة إلى المستقبل في هذه الحرب، فإما النصر الكامل بدحر الاحتلال، وإما الهزيمة الكاملة، والواقعُ العسكريُّ في الميدان هو ما يحدد كل مفردات النصر والهزيمة بعد ذلك.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أحداث السابع من أکتوبر المقاومة الفلسطینیة حرکات المقاومة دولة الاحتلال فی هذه الحرب تشرین الأول المقاومة فی ت المقاومة المقاومة ا ا استطاعت ت إسرائیل على الأرض أکثر من على غزة فی غزة التی ت
إقرأ أيضاً:
لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا سلطت خلاله الضوء عن مدى استفادة النظام المصري من إطالة أمد الصراع في غزة، العامل الذي يجعله يتراخى في البحث عن سبل حله.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الطبيعة العسكرية العميقة للنظام المصري ظلت قائمة منذ سنة 1952، عند إطاحة جمال عبد الناصر والضباط الأحرار بالملكية البرلمانية.
وأضافت الصحيفة أن هذه الهيمنة العسكرية استمرت في عهد خلفاء ناصر، أنور السادات ثم حسني مبارك، قبل أن تهتز خلال الاضطرابات الثورية بين سنتي 2011 و2013.
وأنهى الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح السيسي الفترة الانتقالية وأعاد ترسيخ أسس النظام العسكري الذي تقوم خلاله الدائرة الرئاسية بتوزيع الامتيازات بين الجنرالات، سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو "متقاعدين" يشغلون مناصب في القطاع الخاص. في المقابل، تتولى أجهزة المخابرات فرض رقابة شديدة على البلاد والشعب، مع هيمنة جهاز المخابرات العامة، الكيان العسكري المكلف بتنفيذ عمليات داخل مصر وخارجها.
"إيجار" غزة
وأوضحت الصحيفة أنه بمجرد عودته إلى البيت الأبيض؛ قرر دونالد ترامب تعليق جميع أشكال المساعدات الخارجية، باستثناء الدعم المقدم لإسرائيل وكذلك لمصر. ويعود الفضل في استثناء نظام السيسي من القرار إلى بند في معاهدة السلام الموقعة سنة 1979 بين إسرائيل ومصر تحت إشراف الولايات المتحدة يقضي بمنح دعم عسكري سنوي لإسرائيل يناهز حجمه ملياري دولار وثلثي هذا المبلغ لمصر.
وطيلة أكثر من أربعة عقود من الزمن، ظل الجنرالات المصريون يعتبرون أن هذا المبلغ حق مكتسب لهم رافضين تخصيص حتى جزء منه إلى تنمية البلاد. وغالبًا ما يُعاد استثمار هذا المبلغ في شراء المعدات الأمريكية، مما يتيح للقاهرة الحصول على دعم الصناعيين المعنيين في واشنطن الذي يشكلون "مجموعة ضغط".
وتشيد مجموعة الضغط هذه بمساهمة نظام السيسي في الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة منذ سيطرة حماس عليه في حزيران/ يونيو بعد فوزها في الانتخابات2007. مع استمرار تراجع نفوذ بلاده في الأزمات الإقليمية، من ليبيا والسودان إلى اليمن تزداد العائدات التي يجنيها السيسي من استمرار الحرب في غزة.
ولهذا السبب يبالغ نظام السيسي بشأن أهمية المفاوضات المفترض تنظيمها في القاهرة، سواء بين إسرائيل وحماس أو بين الفصائل الفلسطينية. إن الحوار الفلسطيني الداخلي بشأن تسليم السلطة التي تتقلدها حماس إلى غزة متوقف منذ ستة عشر شهراً، دون الوصول إلى أي صيغة قابلة للتطبيق. في المقابل، المحادثات الجادة الوحيدة بشأن الهدنة في غزة، والتي ترتب عنها إعلان الهدنة الحالية، كانت تحت إشراف قطر.
أرباح كبيرة
وذكرت الصحيفة أن عدم فاعلية أجهزة الدولة المصرية على الرغم من الكفاءات والخبرات التي تمتلكها هو نتيجة تطبيق قرارات سياسية على أعلى مستوى. في الواقع، تسمح الأزمة الفلسطينية بإحياء المشهد الدبلوماسي والإعلامي في القاهرة، التي تراجع دورها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
بالإضافة إلى ذلك، يوفر الحصار المفروض على غزة فرصًا متعددة للمخابرات العسكرية وعميلها إبراهيم العرجاني، الزعيم البدوي الذي لم يكتفِ فقط بتجنيد ميليشيا كبيرة لدعم الجيش المصري في سيناء، بل يسيطر فعليًا على عمليات الدخول والخروج من قطاع غزة عبر معبر رفح.
وبينت الصحيفة أنه حتى حدوث الهجوم الإسرائيلي على رفح في آيار/مايو 2024، والذي نتج عنه غلق المعبر المصري؛ تمت مطالبة كل فلسطيني يرغب في الفرار من الحرب بدفع مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات. بالإضافة إلى ذلك، فرض العرجاني ومجموعته على الشاحنات المتجهة نحو غزة، دفع ضرائب تناهز عشرات الملايين من الدولارات شهريًا. إلى جانب ذلك، تم إنشاء شركة أمنية باسم "الأقصى"، مكلفة بحماية الشاحنات داخل قطاع غزة، بتكلفة باهظة.
وأوردت الصحيفة أن الهدنة السارية في غزة منذ 19 كانون الثاني/ يناير أدت إلى إعادة الفتح الجزئي لمعبر رفح، مما أعاد تنشيط شبكات التهريب التابعة لإبراهيم العرجاني، حيث تم فرض رسوم تصل إلى عشرين ألف دولار على كل شاحنة تجارية.
وبفضل العلاقة التي تجمعه مع محمود السيسي، نجل الرئيس ونائب رئيس جهاز المخابرات العسكرية أصبح العرجاني شخصية فوق القانون. بالإضافة إلى ذلك، تتكفل شركته "الأقصى" بتوفير المرتزقة المكلّفين بمراقبة عمليات العبور بين شمال وجنوب قطاع غزة.
وتحرص المخابرات المصرية على عدم التواجد فعليًا داخل قطاع غزة خدمة لمصالحها، بحيث يستفيد نظام السيسي من استمرار تدهور الوضع في غزة، عن طريق مواصلة ابتزاز المدنيين الذين يحاولون المغادرة وفرض الرسوم على الشاحنات التي تدخل القطاع.
وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة بأن فهم الدوافع العميقة لسياسة النظام المصري في غزة أمر ضروري لتقييم مدى قدرته على التصدي لـ"رؤية" دونالد ترامب، التي تقوم على تهجير سكان قطاع غزة وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".