رحالة بحري ومستكشف إسباني من أصل برتغالي، من مواليد في 1480، انضم لقوات الملك الإسباني تشارلز في 1517 وقاد أول رحلة استكشافية بحرية في العالم (1519-1522) أثبت من خلالها كروية الأرض، واكتشف الممر المائي الواقع في أميريكا اللاتينية الرابط بين المحيطين الأطلسي والهادي؛ فسمّي باسمه "مضيق ماجلان"، وفي طريقه لجزر الملوك بإندونيسيا قتل على يد زعماء فلبينيين، بسبب نزاعاته مع سلطانهم وبطلهم القومي المسلم لابو لابو قبل أن يكمل مهمته.

المولد والنشأة

ولد فرديناند ماجلان في 1480 في بلدية سابروسا بمقاطعة تراس مونتيس في شمال البرتغال، وينحدر من عائلة تنتمي لطبقة النخبة، فقد كان والده عمدة لبلدية ميناء أفيرو، بينما كانت أمه عضوا في مجلس النبلاء.

وفي محيط الطبقة العليا الذي يتميز بالعناية والرعاية الكاملة للأولاد نشأ فرديناند وتربى، وكان شغوفا بالمغامرات والتحدي وهو لا يزال في مرحلة مبكرة من عمره.

الدراسة والتكوين

بحكم مكانته الاجتماعية، تلقى فرديناند ماجلان تعليما متميزا، فقد درس الرياضيات والفلك وعلم الملاحة البحرية، وعندما أصبح في الـ12 من العمر أُرسل لمدينة لشبونة وبقي فيها حتى انضم للبلاط، وخدم الملك مانويل الأول الذي حكم البرتغال في الفترة بين 1495 و1521.

ومن داخل البلاط تلقى كثيرا من الدروس والفنون القتالية التي أهّلته إلى الانضمام للجيش في 1505.

التجربة العسكرية

انضم ماجلان للجيش البرتغالي، وهو في مرحلة العشرين من العمر، وفي 1505 ذهب مع الحامية الملكية التي ترابط غرب الهند، ومنها شارك مع البعثات التي احتلت شرق أفريقيا.

وخلال هذه الفترة ركز جهوده في الخدمة البحرية، وأظهر تفوقه في مجال الملاحة والخطط الهجومية في البحار. وعندما أرادت القوات الملكية البرتغالية غزو مدينة ملقا في ماليزيا في 1511، كان فرديناند في طليعة القوات البحرية المسلحة.

وبعد السيطرة على ملقا أصبح البرتغاليون يتحكمون في مواني ماليزيا من خلال مضيق ملقا، وهو ما أعطى لقواتهم انتصارا كبيرا وتفوقا في المشرق. وقد عاين ماجلان الرحلات البرتغالية نحو جزر الملوك (جزر التوابل) في إندونيسيا الغنية بالثروات والتوابل المتنوعة.

وبعد احتلال ملقا رجع عن طريق البحر إلى البرتغال، وانضم لقوة التاج الملكي المكلفة بالاستكشاف، وشارك في غزو مدينة أزمّور المغربية التي أصيب فيها في رِجله حتى أصبح أعرج بشكل دائم.

وخلال معارك أزمور نهب ماجلان كثيرا وسرق، وحوكم على إثرها وتسبب ذلك في حرمانه من التقدم في الرتب العسكرية.

الولاء لإسبانيا

في القرن 15 ازدهرت تجارة التوابل في أوروبا لدورها في حفظ الطعام وتحسين مذاقه، ولم تكن الأراضي الأوروبية صالحة لزراعتها بسبب المناخ البارد، فكانت تُجلب عن طريق البحر من جزر الملوك في إندونيسيا، وتنافست البرتغال وإسبانيا على الطرق البحرية من أجل الوصول إلى هذه الجزر،  حتى هيمنت البرتغال على الطريق البحري الذي يمر عبر رأس الرجاء الصالح بأقصى جنوب أفريقيا، وهو الأمر الذي أثار حفيظة إسبانيا ولم تتقبله.

وخروجا من هذه المشكلة وتفاديا للاحتكاك بين الدولتين عرض فرديناند ماجلان فكرة تمويل رحلة للبحث عن طريق بحري آخر، لكن الملك البرتغالي مانويل لم يتبن الفكرة ورفضها.

وبموجب معاهدة تورديسيلاس في 1494 الموقّعة بين البرتغال وإسبانيا لتسوية النزاعات حول الأماكن المكتشفة، كانت سواحل أفريقيا والهند وشرق آسيا ملكا للبرتغال، بينما نصت الاتفاقية على أن إسبانيا تملك الأميركتين والمناطق التي تقع في الغرب.

وبعدما عجز ماجلان عن إقناع الملك البرتغالي في دعمه للقيام برحلة للاستكشاف عن طريق الإبحار بين القارات، توجّه نحو إسبانيا، ونزل في إشبيلية يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 1517.

وفي إسبانيا التقى بالملك تشارلز، وأخبره بأن جزر التوابل تعود لجغرافية إسبانيا، فاقتنع الملك بتمويل رحلة استكشافية تحت قيادته.

إعادة بناء علمية ثلاثية الأبعاد لأسطول غاليون الإسباني بقيادة فرديناند ماجلان في القرن 16 (غيتي) رحلة ماجلان البحرية

في الأول من مارس/آذار 1518 أصدر الملك الإسباني قرارا بتعيين ماجلان أدميرالا بحريا، وتمويل رحلة له هدفها البحث عن طرق بحرية جديدة، وكذا تحديد أماكن جزر الملوك الغنية بالتوابل.

جهّز ماجلان أسطولا يتكون من 5 سفن -أهمها سفينة ترينيداد التي يقودها الأدميرال وسفينة فيكتوريا التي استطاعت الرجوع من الرحلة- وطاقم يتألف من 270 جنديا من مختلف المدن الأوروبية، وانطلق من إشبيلية يوم 10 أغسطس/آب 1519.

اتجه جنوبا في مياه الأطلسي وساير سواحل البرازيل الشرقية حتى وصل في شهر مارس/آذار 1520 إلى ميناء سان جوليان جنوبي الأرجنتين، وبقي هنالك 5 أشهر بسبب التغيرات المناخية التي منعته من المواصلة.

وأثناء توقفه في الأرجنتين تحطمت إحدى سفنه ورجعت واحدة أخرى نحو إسبانيا، كما تمرّد بعض جنوده، لكنه استطاع التغلب على العصيان، وأعدم عددا من مرافقيه.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1520 واصل سيره نحو الجنوب حتى وصل لمضيق بحري في أقصى جنوب القارة الأميركية، وبعد 38 يوما من محاولة عبور هذا المضيق المليء بأسماك القرش، والمتميز برياحه الشديدة وأمواجه العاتية وصل لمحيط آخر أطلق عليه البحر الهادي.

فكان أول من اكتشف هذا المضيق الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادي، وقد حمل اسمه وبات يعرف بـ"مضيق ماجلان".

وبسبب الرياح البحرية القوية ابتعد عن طريق جزر التوابل التي كان يبحث عنها، كما ابتعد عن سواحل الأرجنتين، حتى عانى موكبه من نقص في التموين والغذاء، وتُوفي عدد من جنوده بسبب داء الأسقربوط.

وفي 6 مارس/آذار 1521 وصلت بعثة ماجلان إلى جزيرة غوام، وتزوّدت بالمؤن الأساسية وواصلت سيرها حتى وصلت منطقة سيبو بالفلبين.

الحرب مع سكان الفلبين

وكانت خطة فرديناند كما جاء في رسالته للملك تشارلز هي التوجه من غوام نحو جزر الملوك الغنية بالتوابل والعودة نحو إسبانيا، ولكنه خلال إقامته في منطقة سيبو نسج علاقات قوية مع السكان المحليين، وأراد ضمهم للتاج الإسباني.

وقد كان أهالي منطقة سيبو في حرب ونزاعات مع سكان جزيرة ماكتان التي يسيطر عليها المسلمون، ومدّ سكان سيبو يد العون والمساعدة إلى ماجلان فقرر مشاركتهم في الحرب لإخضاع الجماعات المسلمة.

ورغم أن فريقه نصحه بالتركيز على مهمته ومواصلة الإبحار نحو جزر التوابل، فإنه رفض وعزم على دخول المعارك المحلية، مما كان سببا في عدم قدرته على إكمال رحلته التي أوشكت على النهاية بنجاح، ووصوله لجزر الملوك الغنية بالتوابل والعودة لإسبانيا.

ورغم أنه لم يصل لهدفه، وهو الوصول للجزر الإندونيسية، فإن جنوده أكملوا المهمة، فكانت الرحلة التي انطلقت من أوروبا، ومرت بأفريقيا وأميركا وآسيا، ورجعت لنقطة انطلاقها، أول رحلة دارت حول الكرة الأرضية في التاريخ.

ماجلان اكتشف الممر المائي الواقع في أميريكا اللاتينية والرابط بين المحيطين الأطلسي والهادي فسُمي باسمه (غيتي) الوفاة

توفي فرديناند ماجلان يوم 27 أبريل/نيسان 1521 بعد معارك خاضها مع زعيم الجماعات الفلبينية المسلمة في جزيرة ماكتان، السلطان لابو لابو، وتقول بعض الروايات إن ماجلان كان يريد تنصيره وضمه للحكم الإسباني.

وبعد وفاته واصل مساعده الإبحار حتى وصل لجزر الملوك في إندونيسيا، وحمّل السفن الإسبانية بالتوابل، وفي طريق العودة اعترضت القوات البرتغالية فريق الرحلة، واحتجزت كثيرا من أفراده وتعطّلت بعض سفنه.

وفي 8 سبتمبر/أيلول 1522 وصلت سفينة فيكتوريا نحو السواحل الإسبانية، وعلى متنها 17 جنديا وحمولة كبيرة من التوابل. وهي السفينة الوحيدة التي رجعت من الأسطول البحري الذي ذهب في الرحلة الاستكشافية لماجلان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عن طریق حتى وصل

إقرأ أيضاً:

«ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».. «صباح البلد» يستعرض مقال الكاتبة إلهام أبو الفتح

استعرضت الإعلامية رشا مجدي، ببرنامج «صباح البلد» على قناة صدى البلد، مقال الكاتبة الصحفية إلهام أبو الفتح، مدير تحرير جريدة الأخبار ورئيس شبكة قنوات ومواقع «صدى البلد»، المنشور في صحيفة «الأخبار» تحت عنوان: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

رئيس أفريقية النواب لـ صدى البلد: أتوقع وجود تقدم نحو دارفور لاستعادتها بعد السيطرة على الخرطوم.. وإسرائيل دربت كثيرا من قوات دول القارة ودخلت في صناعة التعدينعلى عوف لـ صدى البلد: الدولة تسعى لتوطين صناعة الأدوية بشكل كامل

وقالت إلهام أبو الفتح: بين كلب الهرم وكلب طنطا، فارق حضاري كبير ومسافة لا تُقاس بالكيلومترات، بل تُقاس بالرحمة والوعي والإنسانية. الأول، كلب شارع بسيط، تسلق في أكتوبر الماضي قمة هرم خوفو، ليصبح فجأة حديث العالم، ويلفت الأنظار بشكل غير متوقع، وتتناقله الصحف ووكالات الأنباء كرمز غريب، لكنه مُلهم، للطبيعة التي تعانق التاريخ.

أما الثاني، كلب “هاسكي” أصيل في طنطا، وُصف ظلمًا بأنه “مسعور”، وتعرّض لتعذيب وحشي، وانتهت حياته بطريقة مأساوية، بعد أن كشف لنا مدى هشاشة ثقافة الرفق بالحيوان في مجتمعاتنا. نحن بحاجة ماسة إلى إعادة إحياء هذه الثقافة، لا بوصفها رفاهية، بل كضرورة إنسانية ودينية وأخلاقية.

كل الأديان دعت إلى الرحمة بالحيوان دون استثناء. في الإسلام، دخلت امرأة النار بسبب قطة، ودخل رجل الجنة لأنه سقى كلبًا. وفي المسيحية، هناك وصايا واضحة عن المحبة والرحمة تجاه كل المخلوقات. وفي القرآن الكريم، حديث دائم عن الرحمة كصفة من صفات المؤمنين.

يقول الدكتور سامح عيد، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة القاهرة: “من يعذب حيوانًا دون رحمة، غالبًا ما يكون لديه استعداد نفسي لإيذاء البشر. الطفل أو المراهق الذي يقتل كلبًا اليوم، قد يتحول إلى مجرم غدًا. الرحمة بالحيوان مرآة لصحة النفس الإنسانية”.

لدينا قانون متحضر جدًا في حماية الحيوان من التعذيب والتنمر، لكنه غير مفعل. لا أعلم من يقوم بتنفيذه، ولا نعلم ما هي بنوده. نحتاج إلى حملة توعية تقوم بها الجمعيات الأهلية ووسائل الإعلام.

ونحتاج أن يكون لدينا ملاجئ لتعقيم وتطعيم وإيواء الكلاب والقطط والحيوانات الأليفة، وحبذا لو قامت هذه الملاجئ على التبرعات، فأهل الخير كثيرون. في أي بلد متقدم، لا نجد كلابًا في الشوارع بلا هوية. لا توجد دولة متحضرة تترك حيواناتها الأليفة جائعة، مريضة، مشردة، ومليئة بالحشرات في الشوارع.

على منصات التواصل الاجتماعي، رأينا تعاطفًا واسعًا، وحملات تطالب بالتحقيق، ودعوات لإنشاء جمعيات، ووعيًا بدأ يتشكل في قلوب الأجيال الجديدة. الحفاظ على الحيوانات لا يحميها فقط، بل يحمي البيئة والدورة البيولوجية، ويحمي الإنسان من جفاف القلب..
ارحموا من في الأرض… يرحمكم من في السماء.


 

طباعة شارك إلهام أبو الفتح صدى البلد هرم خوفو هاسكي الإسلام

مقالات مشابهة

  • عَميدُ الشُهَداء
  • الرخامة الزرقاء.. كيف غيّر نصف قرن من تغير المناخ وجه الأرض؟
  • الساعة الأخيرة للجنجويد: حين يصبح الهروب هو المصير الوحيد
  • عندما تتكلم الأرض: خواطر من لحظات الزلزال
  • ميلان يفوز على فينيتسيا المهدد بالهبوط
  • مزمل أبوالقاسم ظلّ مدافعاً ومنافحاً عن السودان الأرض والوطن
  • «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».. «صباح البلد» يستعرض مقال الكاتبة إلهام أبو الفتح
  • أمة من الروبوتات
  • إلهام أبو الفتح تكتب: ارحموا من في الأرض
  • سيناء.. سقيت بدماء الأبطال