من يُجوِّع أهل غزّة إذًا؟
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
من يُجوِّع أهل غزّة إذًا؟
هل الاحتلال مسؤول وحده عن عرقلة دخول المساعدات لغزة؟
من الذي يحاصر غزة منذ عام 2007؟ المحتل المجرم يحاصر القطاع، لكن لماذا تنخرط مصر في هذا الحصار طوال هذه السنوات؟
أليس هذا الانخراط مؤشرا على التواطؤ مع العدو ضد القريب؟ وهذا الحصار القديم المتجدد يؤكد أن القرار مصري لا صهيوني للأسف.
أثار الانتباه مقارنته بين جوع قهري بقوة غاشمة ومجرمة ومحتلة، وجوع ناشئ من خلل في أولويات الإنفاق، وانحراف واسع في عدالة توزيع الثروات، وفساد سياسي.
اختار وريث نظام 1952 لحديثه يوم عيد الشرطة، متجاهلا انتفاضة يناير 2011 التي كانت سبب وصوله للحكم ولولاها ما وقف أبدًا متحدثا على هذه المنصة: مفارقة بالغة الغرابة!
الصواب الوحيد مقارنته بين نظامه والاحتلال الإسرائيلي، فالاحتلال لا يريد الخير للشعب المحتل، بل يريد إبادته بالقوة، ونظام السيسي لا يرى أولوية إلا العيش ببذخ وإفقار الشعب.
تطرق البائس إلى أوضاع المصريين المعيشية، طالبا منهم الصبر كصبر أهل غزّة على فقدان جميع مقومات الحياة الأساسية، نافيا مسؤولية نظامه عن تجويعهم فمن يجوّع أهل غزّة إذًا؟
* * *
تكلم صاحب مصر في ذكرى عيد الشرطة المصرية عن الجوع في مصر وغزة، والملاحَظ أن مُحِبَّ الكلام هذا مُقِلٌّ جدا في الحديث العلني منذ بدء طوفان الأقصى، ما يشير إلى إدراكه قبح موقف نظامه من العدوان الوحشي على حدودنا الشمالية الشرقية، القصدُ أنه عندما تحدث في هذه المناسبة وقبلها في لقائه بالرئيس الصومالي أثار نقاطا عديدة.
الملاحظة العامة أن المتحدِّث اختار أن يكون الاحتفال بمناسبة عيد الشرطة المصرية، وهو يوم يستحق أن يحتفل به المصريون الرافضون للاحتلال الأجنبي، وأبطال هذا اليوم يستحقون التخليد لوقوفهم أمام الصلف الإنجليزي المطالب بتسليم قوات الشرطة في الإسماعيلية أسلحتهم.
فصدر القرار من وزير الداخلية الوفدي، فؤاد سراج الدين باشا، برفض المطالب الإنجليزية، فقاتل الضباط والجنود المصريون ببسالة، واستشهد منهم 56 شهيدا وجُرِح 80 منهم.
أمثال هؤلاء يستحقون الاحتفاء بهم وتخليد ذكراهم لأنهم قاوموا المحتل، وهم مختلفون تماما عن ضباط هذه الأيام الذين يطاردون الوطنيين لمجرد الاختلاف في الرأي مع الحاكم، وتلوثت أيديهم بالدماء البريئة لمجرد المعارضة.
الأمر الذي دفع الشباب إلى اختيار يوم عيد الشرطة ليكون مناسبة احتجاجية انتهت بثورة عارمة أطاحت بنظام استبد بالحكم منذ عام 1952 (نفس عام حادثة الإسماعيلية)، وقد تعاقبت الأنظمة منذ هذا التاريخ مُصرَّة على إنهاء أي وجود مدني في المجتمع أو السلطة.
واختار وريث نظام 1952 أن يجعل مناسبة حديثه يوم عيد الشرطة، متجاهلا انتفاضة يناير 2011 التي كانت سببا في وصوله إلى الحكم، ولولاها ما كان ليقف متحدثا على هذه المنصة، وهذه مفارقة شديدة الإثارة للتأمل.
تطرق البائس في حديثه عن الأوضاع المعيشية للمصريين، طالبا منهم الصبر كما يصبر أهل غزّة على فقدان جميع مقومات الحياة الأساسية، نافيا مسؤولية نظامه عن جوّعهم: من يجوّع أهل غزّة إذًا؟
التبرير الرسمي المصري أن دولة الاحتلال هي التي تعرقل دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وتشترط تفتيشها قبل الدخول، وهو تبرير أعاده مندوب الجامعة العربية في الأمم المتحدة السفير ماجد عبد الفتاح، ليبرر سبب عدم تنفيذ قرار الجامعة العربية الذي نصَّ على وجوب إدخال المساعدات إلى القطاع.
إشكال هذا التبرير أنه لا سند له من عدة وجوه؛ فقطاع غزة يتصل بالعالم عبر ثمانية معابر: معبر رفح وبوابة صلاح الدين، وهما يخضعان لإدارة فلسطينية من جانب وإدارة مصرية من جانب آخر، وهناك ستة معابر مع الطرف الإسرائيلي، معبَرَا كرم أبو سالم وبيت حانون (إيرز)، وهما المعبران المفتوحان، والمعابر الأربعة الأخرى المشتركة مع الاحتلال مغلقة دائما، وهي معابر: المنطار (كارني) والعودة (صوفا) والشجاعية (ناحال عوز) والقرارة (كيسوفيم).
ما يزعمه النظام المصري أن إدخال شاحنات دون رضا الطرف الصهيوني يعني قصف هذه الشاحنات من قِبَله، كأن الأوراق المصرية والعربية نفدت ولا تستطيع إرغام هذا العدو المجرم المتغطرس على عدم المساس بالشاحنات الإغاثية.
ثم إذا سلَّمنا بأن الضعف والخوار العربي بلغ هذه المرحلة، وهناك نية حقيقية لإدخال المساعدات لكنها تصطدم بالشروط الصهيونية، فما الذي يمنع إخراج الجرحى والحالات الحرجة للعلاج في الخارج؟! ما الدافع إلى استئذان الطرف المعتدي في الأسماء الخارجة إلى العلاج أو تقييد أعدادهم؟!
بل فوق كل هذا من الذي يحاصر غزة منذ عام 2007؟ مفهوم أن يحاصره المحتل المجرم، لكن لماذا تنخرط مصر في هذا الحصار طوال هذه السنوات؟ أليس هذا الانخراط مؤشرا على التواطؤ مع العدو ضد القريب؟ وهذا الحصار القديم المتجدد يؤكد أن القرار مصري لا صهيوني للأسف.
أثار الانتباه أيضا عَقْدُه مقارنة بين جوع قهري بقوة غاشمة ومجرمة ومحتلة، وجوع ناشئ من خلل إداري في أولويات الإنفاق، وانحراف واسع في عدالة توزيع الثروات، وفساد إداري أيضا، وربما يكون الصواب الوحيد في كلامه أنه قارن بين نظامه ونظام الاحتلال، إذ الاحتلال لا يريد الخير للشعب المحتل، وأولوياته بعيدة تماما عن طموحات المجتمع الخاضع له بالقوة، وكذا نظام السيسي الذي لا يرى أولوية سوى في العيش ببذخ لم يعهده في حياته قبل الحكم، وتدمير مقومات المجتمع كي لا تكون هناك قوة موازية له.
ما أثاره صاحب مصر البائس في حديثه بهذا الضعف أمام تعليمات ورغبات الاحتلال، أنه قبلها بأيام تحدث عن الصومال وأزمتها مع إثيوبيا، وذكَّر المصريين بأن الصومال عضو في جامعة الدول العربية، وأنها ضمن اتفاقية الدفاع المشترك، ما يعني أنها إذا طلبت تفعيل ذلك فسوف يستجيب، محذرا إثيوبيا بقوله "محدش (لا أحد) يجرب مصر ويهدد أشقاءها"، وهذه الجرأة التي تحدث بها شديدة الوقاحة بالمقارنة مع ما يحدث في فلسطين، وكأنهم ليسوا عربا ولا يصرخون مستنجدين بالعرب!
إن محبتنا للصوماليين تستدعي تنبيههم إلى أنهم لا يستندون إلى ركن شديد، وهذا الخطاب للاستهلاك الإعلامي فقط، فهذا المتكلِّم لم ينقذ مصر من إثيوبيا الطامعة في مياه النيل، بل تركها تفعل ما تشاء ولم تتجاوز تحذيراته آذان الإثيوبيين أبدا، فهم يعلمون حجم مصر الذي تقزّم بحكم قصير القامة والمقام لها، فلن ينقذ الصوماليين ولن يخيف الإثيوبيين الذين سينطقون بالعربية بعد هذا التهديد ويقولون:
زَعَمَ الفَرَزدَقُ أَن سَيَقتُلُ مَربَعا أَبشِر بِطولِ سَلامَةٍ يا مَربَعُ
*شريف أيمن كاتب وباحث سياسي
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر السيسي غزة تجويع أهل غزة عيد الشرطة معبر رفح حصار غزة الصومال إثيوبيا عید الشرطة هذا الحصار
إقرأ أيضاً:
محاكمة سرية لأخطر قضية في تونس.. ما الذي يجري؟
انطلقت يوم الثلاثاء الرابع من شهر مارس/ آذار في تونس، أولى جلسات المحاكمة فيما يعرف "بقضية التآمر على الأمن الداخلي والخارجي"، بعد أكثر من سنتين من اعتقال المشمولين بها وبداية التحقيقات.
تعتبر هذه القضية الكبرى والأهم من بين قرابة ثمانٍ وعشرين قضية تآمر أخرى منشورة في المحاكم ويجري التحقيق فيها. يبلغ عدد المشمولين بالقضية واحدًا وأربعين متهمًا، منهم عشرة في حالة إيقاف، وبعضهم في حالة فرار لوجودهم خارج البلاد، وآخرون في حالة سراح. من بين المشمولين قيادات سياسية بارزة ونشطاء سياسيون من توجهات فكرية وسياسية مختلفة.
أصبحت هذه القضية، قضية رأي عام داخل تونس وملفًا للمتابعة من العديد من الهيئات والمنظمات الحقوقية في الخارج. إلى جانب نوعية المتهمين ونوعية التهم الموجهة إليهم، ساهمت عوامل أخرى عديدة في جعل هذه القضية محل متابعة واهتمام على مدار السنتين الأخيرتين، منها:
قرار النيابة العمومية في الشهر العاشر من سنة 2023 منع التداول الإعلامي في ملف القضية؛ لمنع عائلات الموقوفين وأعضاء هيئة الدفاع من التصريح للإعلام حول فراغ الملف من المؤيدات والقرائن، وحول الإخلالات الإجرائية التي أثرت في السير العادي للتحقيق. تبرئة النيابة العمومية الأطراف الدبلوماسية الأجنبية المقيمة في تونس: (سفراء وقناصل ومسؤولين في عدد من البعثات الدبلوماسية بتونس)، الذين تمّ ذكر أسمائهم في تحقيقات البداية باعتبارهم الجهات التي "تخابر" معها بعض المتهمين في القضية، الشيء الذي يعني منطقيًا انتفاء أهمّ ركن في الملف وهو التخابر مع جهات أجنبية. رغم هذه التبرئة للجهات الخارجية، بقيت تهمة التخابر تلاحق الموقوفين. فرار القاضي الذي تولى التحقيق في القضية إلى خارج البلاد، ثم اتهامه لاحقًا بالتآمر على الأمن الداخلي والخارجي وتعويضه بقضاة آخرين تداولوا على ملف القضية، آخرهم تم تعيينه منذ مدة قصيرة جدًا. قرار هيئة المحكمة بأن تكون جلسات المحاكمة سرية وعن بعد، أي في غياب عائلات الموقوفين ومحاميهم والإعلاميين، بحيث تنتصب هيئة القضاء في قاعة غير قاعة المحكمة، ويتم إحضار الموقوفين إلى قاعة في السجن، ويتم التواصل معهم عبر تقنيات الاتصال عن بعد. انطلاق البحث في القضية لم يكن بناء على نتائج عمل أمني واستخباراتي، وإنما من مجرد "إفادة" قصيرة جدًا بعث بها إلى وزيرة العدل، رئيسُ الشرطة العدلية الذي تم اعتقاله لاحقًا بتهمة التآمر مفادها: "وجود تحركات مريبة القصد منها التآمر على الأمن الداخلي والخارجي للبلاد". بناء السردية الكاملة للتآمر على شهادة واشيَين، أحدهما يقبع في السجن منذ سنة 2017، والآخر موقوف أيضًا في قضايا حق عام، قدّما "معلومات" قالا إنها وردت عليهما من أقارب لهما يقيمون خارج البلاد تفيد بقيام عدد من المعارضين بتحركات واجتماعات في الخارج، بعضها تم في مقر سفارة تونس ببلجيكا لإعداد مخطط للانقلاب على النظام، واغتيال الرئيس قيس سعيد. إعلانإلى جانب ذلك، فقد ساهمت الحملة الدولية "معًا من أجل إطلاق سراح المساجين السياسيين في تونس" التي أطلقتها خمسون منظمة حقوقية دولية بالتزامن مع الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، حيث تتواصل (الحملة) على امتداد كامل فترة انعقاد الدورة من 27 فبراير/ شباط الماضي إلى يوم الرابع من أبريل/ نيسان القادم.
وقد سبق انطلاق الدورة 58 والحملة الدولية إصدار مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بيانًا "قويًا" حول وضع الحقوق والحريات في تونس، وخاصة المعتقلين السياسيين، طالبت فيه السلطات التونسية؛ "بوضع حد لما وصفته بأنماط الاعتقال والاحتجاز التعسفي والسجن التي يتعرض لها العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين والنشطاء السياسيين". كما طالب البيان السلطات التونسية باحترام الحقّ في حرية الرأي والتعبير".
اللافت هو ردّ السّلطات التونسية على بيان المفوضية السامية ببلاغ صدر عن وزارة الخارجية أثار اشمئزازًا كبيرًا في العديد من الأوساط المتابعة للشأن التونسي، نظرًا للغة الرديئة جدًا التي صيغ بها من حيث المفردات والمباني، ونظرًا لأنه ثبّت، من حيث يدري أو لا يدري، التهم الموجهة للسلطات التونسية بتدخلها في القضاء واستعماله ضد خصومها السياسيين، وذلك من خلال عبارات وجمل تبرر المحاكمات وتثبّت اتهامات لم يفصل فيها القضاء.
في نفس سياق ديناميكية المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والمطالبة بمحاكمة عادلة، عقدت جبهة الخلاص الوطني المعارضة لحكم قيس سعيد ندوة صحفية قبل أيام "لتسليط الأضواء على التطورات الأخيرة في البلاد والمحاكمات السياسية وقضايا الرأي وخاصة ما يعرف بقضية التآمر".
كما أصدرت منظمات حقوقية تونسية بيانات، وأطلقت دعوات للتجمهر يوم المحاكمة أمام "قصر العدالة"، فيما نظّمت تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين مسامرتين رمضانيتين لمساندة المعتقلين وكل المتهمين المشمولين في قضية التآمر على أمن الدولة، حضرهما عدد كبير من السياسيين والإعلاميين والحقوقيين، تمّت فيهما تلاوة رسائل المعتقلين إلى الرأي العام في الداخل والخارج، حيث تحدثوا فيها عن براءتهم من التهم الموجهة إليهم، وعن تمسكهم بحقهم في محاكمة علنية تتوفر فيها كل ضمانات المحاكمة العادلة.
إعلان المحاكمة المحرارلكل هذه الاعتبارات وغيرها، تعتبر هذه المحاكمة محرارًا (ترمومترًا) لفهم واقع الحقوق والحريات في تونس منذ انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021. فرغم استعارة دستور قيس سعيد (2022) تقريبًا مجملَ باب الحقوق والحريات، كما ورد في دستور الثورة (2014)، فإن الممارسة اليومية للسلطة في هذا المجال قد أبانت على عمق المفارقة بين الدستور والواقع.
فقد نزل دستور قيس سعيد بالقضاء من كونه سلطة مستقلة إلى مجرد وظيفة تخضع للسلطة السياسية، وكان من مقتضى ذلك حلّ المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من طرف هياكل القطاع، وتعويضه بمجلس معيّن بقي في حالة شلل نتيجة "إحداث شغورات قصدية في تركيبته وعدم سدّها منذ عامين"، حسب بيان صادر عن جمعية القضاة التونسيين بتاريخ 17 فبراير/ شباط الماضي، بعنوان "القضاء التونسي يعيش وضعًا كارثيًا".
كما عزل سعيد 57 قاضية وقاضيًا، قضت المحكمة الإدارية بإبطال قرار عزل 47 منهم، وأمرت بإعادتهم إلى وظائفهم، ورفضت السلطة ذلك. كان ذلك أوَّل قضم في استقلالية القضاء لتتوالى بعد ذلك الإجراءات والتصريحات التي ألغى كل واحد منها ركنًا من أركان استقلالية القضاء.
فقد خرج قيس سعيد بعد أيام قليلة من اعتقال القيادات السياسية المتهمين بالتآمر، ليقول في تهديد صريح للقضاة بأن "من يتجرأ على تبرئتهم فهو شريك لهم"، كما صرّح بأن الموقوفين "مجرمون وإرهابيون، وأن التاريخ حكم عليهم قبل أن تنطق المحاكم بإدانتهم"، ناسفًا بذلك قرينة البراءة، وهي ركن من أركان المحاكمة العادلة، ووصل الأمر إلى حدّ تغيير أقفال مكاتب بعض القضاة لمنعهم من مباشرة عملهم، فقط، لأنهم تعاملوا مع الملفات بمهنية لم تعجب السلطة التنفيذية!
فقد فعل قيس سعيد كل شيء لنزع كل ضمانات الاستقلالية من المرفق القضائي، وتحويله إلى ما تسميه المعارضة إلى قضاء التعليمات، وهو ما جعل منسوب الثقة في عدالته يتراجع إلى أدنى مستوى عرفته تونس.
إعلان المحاكمة الاختبارضمن هذه البيئة السلبية والمحتقنة التي نسجت خيوطها سلطة قيس سعيد، وفي إطار هذه الديناميكية المعارضة ممثلة في تحركات المنتظم المدني الحقوقي، والمنتظم السياسي المعارض على تنوعه وتعدد مبادراته، تبدو هذه المحاكمة "التاريخية" اختبارًا حقيقيًا للطرفين، خاصة بعد أن أصبحت محط أنظار العديد من المتابعين والفاعلين في الداخل والخارج، أولًا، لقدرة سلطة قيس سعيد على الذهاب إلى الحد الأقصى في محاولة "اجتثاث" كل نفَس معارض، واستباق أي تحرك أو تنظم محتمل للمعارضة على أساس مشروع سياسي موحّد لمواجهة الانقلاب.
وثانيًا، للمجتمع المدني والمعارضة السياسية في قدرتها على مواصلة العمل على المدى القريب من أجل إطلاق سراح المعتقلين وإيقاف التتبعات في حقهم، وفي حق كل المعارضين، وإلغاء المرسوم عدد 54 المقيّد لحرية الرأي والتعبير، وإنهاء الانقلاب والعودة إلى الحالة الديمقراطية لاحقًا.
للتذكير، سيشهد شهر مارس/ آذار الجاري محاكمات سياسية أخرى لعدد من قيادات حركة النهضة، من أبرزهم المهندس علي العريض رئيس الحكومة، ووزير الداخلية السابق في قضية ما يسمّى "ملف التسفير" (يوم 11 مارس/ آذار الجاري)، والدكتور الصحبي عتيق النائب بالبرلمان المنتخب في 2019، بتهمة تبييض أموال، والتآمر على الأمن الداخلي والخارجي للبلاد (يوم 13 مارس/ آذار).
انتهت الجلسة الأولى بعد أن تداول على المرافعة عدد من محامي الدفاع تناولوا الشكل دون الأصل، وطالبوا بأن تكون المحاكمة علنية بحضور المتهمين والشهود، كما طالبوا بالإفراج عن موكليهم.
رفضت هيئة المحكمة مطلبَي، الدفاع وقررت تأجيل الجلسة إلى يوم 11 أبريل/ نيسان القادم. إلى ذلك الحين، سيتواصل هذا الحراك الحقوقي والسياسي على امتداد الأسابيع، وربما الأشهر القادمة التي ستستغرقها جلسات هذه المحاكمة، ومن المرجح أن يكون ذلك في نسق تصاعدي ضاغط مفتوح على العديد من الاحتمالات.
إعلانمرة أخرى يحشر قيس سعيد نفسه في الزاوية، ويضع حكمه تحت ضغط شديد ومتصاعد؛ بسبب إدارته السيئة للملفات وأخطائه الفجّة وتجاوزه الصريح للدستور والقانون، وستكون النتيجة كما كانت في الانتخابات الرئاسية مزيدًا من القضم من مشروعيته الأخلاقية، ومن شرعيته المتراجعة أصلًا إلى حدود دنيا.
ستكون هذه المحاكمة وصمة في تاريخ القضاء التونسي، وفي سجل حكم قيس سعيد؛ لأنها جمعت كل أركان المحاكمة الفضيحة التي لم تحترم فيها القوانين والإجراءات، وارتكبت فيها كل الحماقات ما يجعلها أقرب إلى المضحكات المبكيات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline