تقسيم عالم أفكار “الآخر” إلى إخوان ومغفلين نافعين هو احتيال فكري كامل
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
جميع القطط سوداء في عتمة الظلام وفي عتمة ظلامية عقلي جميع من خالف رأيي كيزان:
هناك ثلة من كتاب لا يستطيعون أبداً الدفاع عن أفكارهم وتبرير مواقفهم سياسياً أو فكرياً أو أخلاقياً ضد أي وجهات نظر منافسة باستثناء وجهات نظر الإخوان. ولذلك فمن المفهوم (والمثير للشفقة في نفس الوقت) أنهم يكتبون ويتحدثون دائماً وكأن الصوت الآخر في المحادثة هو إخواني.
وإذا كان من المستحيل اتهام هذا الآخر بأنه إخواني، فيمكن اتهامه بأنه مغفل نافع في خدمة الإخوان. هذه عقلية أنانية مفرطة في النرجسية الطفولية. وهي عقلية تكفيرية تكوزن كل من أختلف رايه في قضايا الكون المعقد بنفس المنطلقات الفكرية لداعشي يري أن كل من خالف رايه كافر أو مسلم مغفل في خدمة أجندة الكفر. تبدلت توازنات الأقتصاد السياسي وظل عقل الشمول الظلامي واحدا لا يشك صاحبه ولا يراجع نفسه. إذ حل اليقين المطلق للكومبرادور المتلبرل الساعي لفردوس الغرب النيوليبرالي حيث الحقوق المضروبة محل يقين الهوس الديني الساعي للجنة أم قصر حيث الحور.
إن تقسيم عالم أفكار “الآخر” إلى إخوان ومغفلين نافعين هو احتيال فكري كامل يسمح بنفي جميع الحجج المزعجة بجرة قلم تذكر بما قاله نعوم تشومسكي عن نقاد سياسة حكومات بني إس ٠٠ رائي***ل بانهم إما معادين للسامية أو من بني يعقوب وبيبي الكارهين لانفسهم. وتكمن عبقرية هذا التدليس بانه يبصق عي كل صوت ناقد بدون أي جهد فكري والبصق أسهل ما يكون لأي فتوة لا تهمه حقيقة ولا يعنيه منطق.
كما إن جميع القطط تبدو سوداء في عتمة الظلام, في عتمة ظلامية الميتافيزيقيا المتغربنة يبدو جميع المخالفين كيزان.
معتصم اقرع
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی عتمة
إقرأ أيضاً:
«التواصل مع الآخر» .. حكايات البداية لن تندثر
لا أعرف على وجه الدقة ما الذي يجعلني أشعر بهذا الحنين العميق لطابع البريد، في حين يعتبره البعض مجرد بقايا زمن مضى، بالنسبة لي، كان ولا يزال رفيقًا صامتًا شاركني فترات التكوين الذهني، وترك بصمة دافئة في أعماق الذاكرة، وأنا اليوم في العقد الخامس من العمر، لا تزال رؤيته تثير في نفسي شيئًا من السعادة، وكأنها رسالة من ماضٍ جميل يأبى الرحيل.
عندما أفتش بين مقتنياتي القديمة أجد أشياء كثيرة فقدت بريقها مع الزمن، تخلصت منها دون تردد، لكن من بين كل تلك الأشياء بقيت «رسالة يتيمة» من صديق عزيز ترقد في أحد الأدراج، ورغم اهتراء الورقة وتآكل أطرافها لم أستطع التخلي عنها، ولا أدري ما السر وراء هذا التعلّق العجيب بها، ربما لأنها تحمل شيئًا من الروح، من الزمن، منّا نحن حين كنا نكتب بقلب نقيّ وأمل بسيط.
في ذاكرة الطفولة تلمع صور الطوابع البريدية الملونة والمزخرفة، كأنها لوحات فنية صغيرة، تحمل بين تفاصيلها شيئًا من ثقافات الشعوب وتاريخ الدول. كنت أراها ملتصقة على أظرف الرسائل القادمة من مكاتب البريد، كل واحدة تحكي قصة مدينة أو مناسبة أو رمز وطني. في تلك الأيام كان الذهاب إلى البريد طقسًا اجتماعيًا يوميًا، ومشهد القوى العاملة وهم يتجمعون عند صناديقهم لاستلام الرسائل، والسيارة التي تمرّ كل صباح لجمع البريد من الصناديق المنتشرة، وصندوق البريد المعدنيّ المثبّت خارج المبنى... كلها صور لا تزال تسكن الذاكرة.
في المدارس كانت هواية جمع الطوابع والعملات متجذّرة بيننا نحن الطلاب. كنا نتنافس في عرض مجموعاتنا، ونفخر بكل طابع نحصل عليه، خاصة إذا جاء من دولة نائية. تعلّمنا من الطوابع أسماء البلدان، ومعاني الأعلام، ومعالم شهيرة لم نرها، لكنها صارت مألوفة عبر تلك الأوراق الصغيرة. ولا أنسى كيف جمعتنا «مجلة ماجد» في صفحة «التعارف»، حيث كتبنا أسماءنا وعناويننا، وبحثنا عن أصدقاء بالمراسلة في كل مكان، ففتح ذلك لنا أبواب العالم من غرفتنا الصغيرة.
في الثمانينيات، كان من في الخارج لا يتواصل مع أهله إلا عبر الرسائل، كانت تلك الرسائل طويلة وصادقة، فيها الكثير من التفاصيل التي لا نقولها وجهًا لوجه. وفي المقابل، كنا نحن نكتب لعشرات من الأصدقاء حول العالم بحثًا عن صداقة حقيقية، ونتلهّف لوصول الرد.
ثم بدأت ملامح التغيير تظهر تدريجيًا، وظهرت «كابينات الهاتف» في الشوارع، ومعها «الكروت الهاتفية» التي كانت تُشترى من المحالّ التجارية وتُستخدم حتى تنفد. رغم أن الاتصال لم يكن رخيصًا، إلا أنه كان وسيلة لا غنى عنها، وكنت أرى البعض يحتفظ بـ«الكروت الهاتفية» الفارغة كأنها بطاقات تذكارية، مرسومة بألوان مميزة وصور جذابة.
ثم دخل «البيجر» حياتنا، ذلك الجهاز الصغير الذي لا يرسل سوى رقم المتصل، لكنه جعل من يملكه يشعر بأنه يمتلك شيئًا مميزًا، كان البعض يتركه يرنّ فقط ليتباهى، وحتى يسمع من حوله أنه «متصل» بالحياة العصرية، لكنه لم يكن يغني عن الهاتف، بل يدفعك إليه، فتذهب لتقف في طابور طويل أمام الهاتف العمومي، أو تنتظر في بيتك اتصالًا لاحقًا.
توالت بعدها القفزات التقنية، وبدأت الهواتف المحمولة تدخل حياتنا، ببطء في البداية، وبأسعار مرتفعة، ثم صارت أكثر انتشارًا، وظهر الإنترنت في سلطنة عمان خلال التسعينيات، وكانت تلك بداية تحوّل حقيقي في طريقة تواصلنا وتبادلنا للمعلومات. ومع كل هذه التحولات، تغيّرت عاداتنا واهتماماتنا، وانزوى البريد التقليدي، لكنه لم يختفِ. رغم كل ما جاء به العصر الرقمي، بقي للبريد دوره في مجالات حيوية، مثل الشحن، والتوصيل، والخدمات الرسمية، ولا تزال بعض المراسلات تحتفظ بهيبتها حين تصل مختومة بالطابع، الرسائل البريدية قديمًا كانت تنقسم إلى «رسائل عادية» زهيدة التكلفة، و«رسائل مسجلة» وهي ما كان يُعرف بخدمة «العلم والوصول»، وأيضًا «البرقيات المستعجلة» التي كانت كلماتها محدودة وسعرها مرتفعًا. إنّ البريد ليس مجرد وسيلة نقل رسائل، بل هو فصل من ذاكرة الشعوب. هناك ما هو معروف ومتداول، وهناك ما يحتاج إلى بحث وتنقيب في أرشيفات الزمن، ومن الطرائف أن بريطانيا -أول دولة أصدرت الطوابع- لا تكتب اسمها على طوابعها حتى اليوم، مكتفية بصورة الحاكم، في إشارة رمزية إلى أسبقيتها التاريخية في هذا المجال.
لمن أراد أن يعيش متعة الاكتشاف والحنين، فإن تاريخ البريد وطوابعه ومراسلاته تشكّل خيطًا مضيئًا في نسيج الحياة، والبحث فيه ليس مجرد معرفة، بل رحلة وجدانية نحو زمن كان فيه للرسالة معنى، وللطابع أثر، وللكلمة المكتوبة بيد دافئة حياة كاملة.