الدكتور محمد نصر الدين الجبالي لـ«المصري اليوم»: شعرت كأننى فى جلسة نفسية خلال ترجمة «مدرسة الحمقى»
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
قال الدكتور محمد نصر الدين الجبالى، مترجم رواية مدرسة الحمقى، ورئيس قسم الروسى بكلية الألسن جامعة عين شمس، إنه لم ير مثيلًا قط لرواية «مدرسة الحمقى» للشاعر الروسى ألكسندر سوكولوف، والتى صدرت حديثًا عن المركز القومى للترجمة من الروسية إلى العربية، واحتفى بها المركز فى ندوة خاصة، الثلاثاء الماضى، بمناسبة يوم اللغة الروسية، وأضاف الجبالى، فى حواره لـ(المصرى اليوم)، أن الرواية تتحدث عن شاب مصاب بالشيزوفرينيا، وتأتى على لسان الكاتب على هيئة حوار ثرى بين ذاته والأنا الأخرى، وأشار إلى أنه استمتع كثيرًا بترجمة هذا العمل، ولكنه تطلب منه جهدا ذهنيا كبيرا فى البحث عن خلفيات بعض الجمل، بالإضافة إلى افتقار النص الأصلى لعلامات الترقيم لكون الحوار بين البطل ونفسه «نجد المؤلف يورد النص فى تسلسل سردى دون أى إشارة لكونه حوارًا»، موضحًا أنها تقنية حديثة فى الكتابة وصادمة، فيلاحظ انتقال السرد بشكل حاد بين مواضيع مختلفة وتبدو متناقضة فى إشارة إلى الحالة المرضية للبطل.
أخبار متعلقة
منحة عن الكتابة الإبداعية للقصة القصيرة والرواية بجامعة بنها
«الرواية العربية دراسة نقدية إيكولوجية».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب
غلاف الكتاب
■ ما هو المحور الرئيسى التى تدور حوله رواية مدرسة الحمقى؟
- الرواية تتحدث عن صبى يعانى من الشيزوفرينيا وتأتى على لسان الكاتب، وهو «ألكسندر سوكولوف»، وهو عاش بالفعل هذه الحالة، فعندما ذهب إلى المنتجع الصيفى وجد طفلا صغيرا مصابا بهذا المرض النفسى، فهو يطرح تجربته من خلال رؤيته لهذا الطفل الذى يعانى من انفصام الشخصية، ومن خلال هذه الحالة يكتب بصراحة شديدة عن واقع موجود، ويطرح قضايا شخصية بعينه مثيرة للاهتمام، لأنها تتوافق مع رؤيته تجاه كثير من الأمور التى نخجل أن نتحدث عنها، من خلال علاقته مع زملائه فى المدرسة، وهى لذوى الاحتياجات الخاصة، ولذلك سميت باسم «مدرسة الحمقى»، ولكن يتضح أن نظرة هؤلاء الحمقى للعالم المحيط تعد أكثر حضارة ورقيا وصدقا، وهى تطرح قضايا كثيرة جدا فى تحليل نفس شخصية الإنسان وتركيبته ورؤيته للعالم المحيط به، ورؤيته للمشاكل الاجتماعية الموجودة، كعلاقاته الأسرية، ونظرة المجتمع للمرأة، وكثير من القضايا الأخرى، كل هذا فى ٢٠٠ صفحة فقط.
■ كم استغرقت من الوقت لإنهاء ترجمة الرواية؟
- استغرقت ٦ أشهر فى تفرغ تام للعمل.
■ وكيف كانت الأجواء العامة المسيطرة عليك أثناء الترجمة؟
- الرواية مجهدة وممتعة فى آن واحد، فهناك أعمال تتم ترجمتها بشكل ميكانيكى أنجز فيها ٥ صفحات فى يوم واحد، ولكن هذه الرواية بالتحديد كنت أترجم صفحة واحدة وأتوقف، فهى مجهدة ذهنيًا للغاية، يمكننى أن أبحث عن جملة نصف سطر يضعها المؤلف فى الرواية تحمل الكثير من المعانى، لأتعرف على خلفيتها، فهذه الجملة يجب أن يعلم بها القارئ، وحالة التوقف هذه كنت أستمتع بها، فخرجت من العمل وأنا المستفيد، لأننى قرأت فى الدين والتاريخ والفلسفة، وتشاورت مع أساتذتى وأصدقائى، فالأمر كان ليس عملا ينجز ويصدر فقط، ولكنه كان بمثابة تجربة ثرية لى، وهذا النوع من الكتب أعتبره علاجا، فأنا تعالجت وكأنى كنت فى جلسة نفسية، فهذه الأعمال مكسب لأى مترجم، لذا أعتبر نفسى محظوظا.
■ ما هى الصعوبات التى واجهتك أثناء ترجمتك للرواية؟
- تعتمد الرواية على تقنية جديدة فى الكتابة وهى صادمة، فهناك حوار ظاهر، ولكنه يتحدث إلى نفسه، لأنه مصاب بالشيزوفرينيا، فهنا لغى المؤلف علامات الترقيم، ففى نفس الجملة يرد عليه «الأنا الأخرى»، وعلى القارئ أن يفهم بنفسه، فنجد ٥ إلى ٦ صفحات كاملة متواصلة دون علامات ترقيم ويطرح فيها كل الأفكار فى شكل حوار ومولونوج، وفعليًا هو يتحدث مع ذاته، ولكن القارئ يفهم أنه يتحدث مع (الأنا)، وهى مختلفة تمامًا، ولكنها حقيقة الشخص الداخلية، فالشخص له شخصية ظاهرة، و(الأنا الأخرى) والتى هى الشخصية الحقيقية غير مرئية، وكل إنسان له قدرة على إخفائها، والإنسان السوى هو الذى يستطيع إخفاءها، وعندما يتعب الإنسان نفسيًا تبدأ(الأنا الأخرى) فى الظهور، فالحوار دائر بين الشخصيتين على هيئة نقاش فلسفى ثرى نحن المستفيدون منه. ومن الأجزاء الصعبة أيضًا أنه فى موقف ما يحكى البطل مع (الأنا الأخرى) ونكتشف أنهما متوفيان، فهو مستوى متطور جدا يعكس تنوع الأدب الروسى.
■ تحدثت مسبقًا عن تأثر الأدب المصرى بالروسى.. هل وجدت للرواية شبيهًا لها فى الأدب المصرى؟
- لا أجد لها شبيهًا فى الأدب المصرى، لأن تقنية السرد التى تعتمد عليها الرواية تقنية جديدة، وبالفعل الأدب المصرى تأثر بالروسى كثيرًا، وهذا معروف، فقد تأثر يوسف إدريس تأثيرا مباشرا بالكاتب الروسى تشيخوف، واعترف أيضًا نجيب محفوظ بأنه تأثر بالأدب الروسى فى كتابة الرواية، وهناك أيضًا يحيى حقى.. والكثير، ولكن هذه التقنية لم أرها من قبل، وهذه الطريقة من السرد هى جديدة وغير معهودة فى الأدب الروسى، ولكن ربما بعد الترجمة هناك أدباء مصريون يجربون أنفسهم وينتجون الأفضل أو فى نفس المستوى.
■ هل ترى دخول سوكولوف مستشفى الأمراض النفسية كان له أثر على إنتاج هذه الرواية؟
- نعم إنتاج مثل هذه الرواية تطلب التجربة الشخصية ذاتها للأديب، فشخصية سوكولوف ساعدته على هذا العمل، لأن معايشته لهذه الحالة ومروره هو بتجربة دخوله لمستشفى الأمراض النفسية، ومهارته، وظروفه الاجتماعية التى عاشها، وهى فترة الستينيات والسبعينيات فى روسيا، والتى كانت مميزة جدًا فى تاريخ الأدب الروسى، فهى فترة بداية ذوبان الجليد، أو إعطاء مساحة للأدباء أن يعبروا عن أنفسهم وعن قضايا المجتمع، وكان يسبقها فترة كبيرة جدًا للتعبير عن قضايا الوطن والحرب وقضايا بعيدة أكثر عن معاناة الإنسان الشخصية، فكان هناك جوع للتعبير عن القضايا الإنسانية، وفى ذات الوقت كان هناك مساحة حرية للتعبير، فاستغل كل هذه الأمور وأنتج عملا لا يحدث عند كثير من الأدباء، وبالمثل لا يحدث للكثير من المترجمين أن يكونوا محظوظين بترجمة مثل هذه الأعمال.
■ ما الأسباب التى دفعتك لاختيار ترجمة هذه الرواية بعينها؟
- أولًا هى أهم رواية لسوكولوف، وثانيًا هذه الرواية تحظى بأهمية كبيرة فى المجتمع الروسى، وهى تطرح مشاكل الإنسان فى العالم كله، ومن هنا قبولها واستيعابها من القارئ المصرى سيكون سريعا، فهو عمل غير محدود بقضايا داخلية، بالإضافة إلى أنها تقنية جديدة، وأنا تأثرت بها كثيرًا، وشعرت بأنها تمثل إضافة على المستوى الشخصى، وأخيرًا هى تدرس كتقنية فى ورش الأدب فى روسيا.
الدكتور محمد نصر الدين الجبالى رواية مدرسة الحمقىالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين کثیر من
إقرأ أيضاً:
خفة النص التي احتملها الغذامي ولم يطقها البازعي!
ما هو الأدب الحقيقي؟ هل هو ذلك الذي يصمد عبر الزمن، أم الذي يلامس قلوب القراء في لحظته؟ هل يرتبط بجمال اللغة وعمق الأفكار، أم بجاذبية السرد ومتعة القراءة؟ ومن له الحق في تحديد الأدب الجيد من الأدب الرديء؟ هل هم النقاد الذين يملكون أدوات التحليل والتقييم، أم القراء الذين يختارون ما يستهويهم؟ وهل النجاح الجماهيري دليل على القيمة الأدبية، أم أن الأعمال الخالدة لا تُقاس بالشعبية؟ وإذا كان الأدب "النخبوي" هو "الحقيقي"، فلماذا يعزف عنه كثير من القراء في حين يقبلون على الأدب "التجاري" أو ما يسمى الـ"بيست سيلر"؟
هذه التساؤلات راودتني وأنا أتابع على منصة إكس "الترند" الذي صنعه الناقد السعودي البارز سعد البازعي في الأسبوع المنصرم، حين عاود في مقابلة تلفزيونية، مهاجمة الروائي السعودي أسامة المسلم الذي اشتهر عربيا على نطاق واسع السنة الماضية عندما حدث تدافع خلال حفلات توقيع كتبه في معارض القاهرة والرباط والجزائر على التوالي، بل إن حفل توقيع الرباط أُوقِف عقب حالة الفوضى التي عمت المعرض بسبب الأفواج البشرية الكبيرة التي حضرت. في الحوار للقناة السعودية كرر البازعي اتهاماته التي سبق أن أطلقها في حسابه على "إكس" لروايات المسلم بأنها "سطحية"، وأن نجاحها الجماهيري ليس سوى "فقاعة أدبية" ستتلاشى مع الزمن. قال الناقد السعودي إن المسلم يكتب أدبًا قائمًا على الإثارة والدهشة دون عمق حقيقي، ولا يمكن مقارنته بروايات أدباء سعوديين آخرين ممن يكتبون الأدب الجاد، وسمى منهم عبده خال وأميمة الخميس وبدرية البشر.
لكن الغريب أن ناقدا سعوديا كبيرًا آخر هو عبدالله الغذامي، لا يرى ما رآه البازعي، بل إنه سبقه بكتابة مقال في تقريظ تجربة المسلم الروائية قال فيه إنه لم يكن يعرف المسلم من قبل، غير أن التدافع الجماهيري حوله في معرض الرباط دفعه إلى قراءة روايته "خوف"، ويضيف: "وأول ملمح فيها أني لم أضجر منها ولم أشعر أني فقط أقوم بدوري المهني، بل استولت علي متعة النص وخفته". إنها إذن خفة النص التي احتملها الغذامي، فوجد أنه مكتوب بلغة سلسة سماها "الفصحى المحكية" التي تشبه أسلوب "ألف ليلة وليلة" وكتب الحكي الشعبي. نعم. لقد شبه الغذامي رواية "خوف" بألف ليلة وليلة، معتبرا أن ما يقدمه المسلم ليس أدبًا تافهًا، بل هو تعبير عن ذائقة جيل جديد وجد لغته الخاصة. هذه القراءة أسعدت المسلم بلا شك، بدليل أنه وصفها في حوار له مع المذيع نفسه الذي حاور البازعي (عبدالله البندر) بالمنصفة، رغم أنه سبق أن هاجم منتقديه، معتبرا أنهم من أولئك "الديناصورات" التي تجاوزها الزمن.
سمعت باسم أسامة المسلم لأول مرة في برنامجي الإذاعي "القارئ الصغير" الذي أحاور فيه قراء من الأطفال والمراهقين منذ عام 2014. وكنت أستغرب من هالة إعجاب كبيرة يضفيها عليه هؤلاء المراهقون أثناء حديثهم عن رواياته، التي يدور عدد غير قليل منها في عالم الجن والشياطين. لكني لم أكن أتدخل، لأنني أؤمن أنه لا بد لأي قارئ صغير أن يمر بمثل هذه المرحلة، قبل أن يشتد عوده ويتطور وعيه ويتوجه إلى كتب أدبية حقيقية غير هذه التي تدغدغ مشاعر الإثارة والتشويق فيه.
وبعد أن ذاع صيت المسلم في العالم العربي باعتباره الروائي الذي يتدافع القراء على حفلات توقيعه، قررت قراءة رواية "خوف" باعتبارها أشهر رواياته، ولا أخالني أجانب الصواب إذا زعمتُ أن ما قاله الغذامي عن كون النص ممتعا وسلسا وغير مثير للضجر، صحيح، رغم أنني توقفتُ قليلا عند تسميته للشيخ الدجال الذي تَحْمِل أم البطل ابنها إليه لعلاجه: "الشيخ العُماني"! السرد يشدك منذ الصفحات الأولى بالفعل، لكنّ المؤاخذات التي ذكرها البازعي عليه هي الأخرى صحيحة، فلا اللغة الأدبية قوية، ولا النص يقدم أفكارا مهمة، ولا هو يخبر قارئه شيئا مهمّا عن حياته، كما تفعل النصوص العظيمة، عدا أن هناك لونين فقط في رسم الشخصيات هما الأسود والأبيض.
بطل "خوف" يشبه أسامة المسلم نفسه إلى درجة أنه يخبرنا منذ السطر الأول أنها قد تكون سيرة ذاتية، كما أنه مولود في منتصف السبعينيات تماما كما هو المؤلف، والمفارقة هنا أن هذا البطل ينفر من السطحية منذ أن كان طفلًا، يقول واصفًا أقرانه من الأطفال: "كنت أرى في اهتماماتهم سطحية شديدة، رغم محاولاتي المتكررة للاندماج معهم، في تلك المرحلة بدأت بقراءة المؤلفات المحلية لكنها أيضا لم تجذبني لفارق الأسلوب والقوة في الطرح عن مثيلاتها في الطرف الغربي". ولأن هذا بالضبط هو ما فعله البازعي، أي أنه نفر من روايات المسلم لأنه وجدها سطحية، فإنني أجد أنه من المستهجن أن يلمز هذا المؤلفُ البازعي وغيره من النقاد الذين لا تستهويهم مثل هذه الأعمال بوصفهم "ديناصورات"، وأنه يزعجهم أن يحظى كاتب سعودي بإقبال كبير! صحيح أن من حق أي مؤلف أن يكتب للجمهور الذي يريد، وأن يتبنى نوع الكتابة التي يحب، دون وصاية من أحد، غير أن النقطة المهمة هنا هي ضرورة تقبل الكاتب النقد، حتى وإن لم يأتِ على هواه. فالروائي تنتهي علاقته بعمله الروائي بمجرد أن ينشر، ليبدأ عمل القارئ. ولأن القراء ليسوا كتلة واحدة، وإنما هم مشارب وتوجهات متعددة، فمن الطبيعي أن نجد المعجب بالرواية حد التبجيل، وفي المقابل غير المعجب الذي يعدها رواية سطحية وغير ذات عمق.
وإذن، فقد أصبح البازعي المنتقِد "ديناصورًا" في حين كان الغذامي المادح "منصفًا"، رغم أن كليهما ناقد كبير تعدى تأثيره حدود السعودية إلى العالم العربي، وكلاهما تجاوز السبعين من العمر، وهي السنّ التي اختارها المسلم للرجل الذي سيغيّر حياة بطل الرواية الشاب. إذْ لاحظ هذا الشيخ السبعيني أن آراء الشاب المتمرد في المجلس حادّة ومستفِزّة فطلب منه البقاء بعد انفضاض المجلس ليعطيه كتابًا ليقرأَه، وحين فتح الشاب الكتاب في غرفته حدثت له بعض الأمور المزعجة التي هي من فعل الجنّ، ومنها أنه لم يعد يستطيع النوم في بيته، فقرر العودة للشيخ السبعيني، يقول: "فأخبرتُه أني أريد تفسيرًا لما يحدث لأن هذه الأمور لم تحدث إلا بعد قراءتي للكتاب الذي قدمه لي". فكان جواب الشيخ: "أنا لم أنم في مثل هذا الوقت منذ أربعين عاما، واليوم ولأول مرة أنام كالحجر. أنا آسف يا ابني، لكنك ستعيش مع من عاشوا معي كل تلك السنين". كان الشيخ يقصد الجنّ طبعًا ممهِّدًا لبدء فصول الإثارة في الرواية، غير أنني -بقليل من التعسف في التأويل - يمكنني سحب هذه القصة على حكاية مؤلفها مع النقاد؛ فالشيخ السبعيني يمكن أن يكون أيضًا ناقدًا أدبيا كبيرًا (هو هنا سعد البازعي)، والشاب هو أسامة المسلم، أما الكتاب فليس سوى واحدة من أمهات الأدب العالمي التي تجعل قارئها لا يُمكن أن يصبح هو نفسه بعد قراءتها.