مصر والحرب السودانية
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
مصر والحرب السودانية
د. أماني الطويل
يتواصل معي الكثيرون من القيادات والرموز السياسية السودانية بشكل شبه يومي؛ بشأن التساؤل عن طبيعة الموقف المصري في السودان في هذه المرحلة، ويتذكرون مقولة الرئيس السيسي الشهيرة بشأن ليبيا التي قال فيها، إن ليبيا خط أحمر، ويطرح هؤلاء جميعا سؤالا مركزيا هو، هل السودان أقل أهمية لمصر؟
بطبيعة الحال، يتحسب معظمهم، لما أسموه غياب مصري عن التفاعلات السودانية الذي يمكن أن يؤدي إلى معادلات عسكرية وسياسية مرتبكة، في توقيت دقيق، وذلك سواء في مجهودات وقف الحرب، أو في معادلات ما بعد الحرب، والتي هي من المأمول أن تحقق توازنا للسودان، لن يستقيم دون دور مصري، أصبح يعترف به جميع الفاعلين، خصوصا الدوليين.
ويبدو أن هذه التساؤلات قائمة على غياب شبه كامل للتصريحات السياسية المصرية؛ بشأن التطورات السودانية، وكذلك توقف الحديث المصري، والتفاعلات المرتبطة بمبادرة دول جوار السودان بالقاهرة، التي نجحت مصر في حشد كافة دول جوار السودان فيها في منتصف العام الماضي، وعقدت هذه المبادرة اجتماعا وحيدا في أنجمينا عاصمة تشاد، ثم توقفت، بعد أن قال سامح شكري وزير الخارجية المصري فيه إن الموقف في السودان ضبابي وغير واضح.
الأسئلة التي تصلني مرتبطة أيضا بموقف مصر من مبادرة إيجاد التي نشطت في الملف السوداني، بعد خفوت صوت مبادرة دول جوار السودان، لدرجة أعتقد البعض فيها، أن مصر اعتمدت هذه الآلية وحدها؛ لحل المشكل السوداني، طبقا لما رشح من كينيا بعد وجود الرئيس السيسي في الخريف الماضي هناك، أو هكذا ذاع.
الأسئلة السودانية مرتبطة أيضا بالموقف المصري من طرفي الصراع السوداني، وإلى أي مدى يمكن أن تتفاعل مصر مع قوات الدعم السريع، وقائدها حميدتي، وذلك بعد أن حقق انتشارا ميدانيا على الأرض في مواقع مهمة، خصوصا في منطقة وسط السودان المتفاعلة تاريخيا مع مصر.
ومع عدم وضوح الرؤية المصرية الراهنة، بالتأكيد هناك تأويلات كثيرة منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي السودانية منها، أن هناك انتشارا عسكريا مصريا على الحدود الجنوبية، أو أن هناك مسرحا يعد لقتال الدعم السريع في الولاية الشمالية، وهكذا مما لا نستطيع معه تبين الواقع أو الحقيقة، من الخيال أو السعي وراء الفبركات الإعلامية التي تضمن انتشارا لمنصة هنا أو هناك.
على الصعيد المصري، فإن الرأي العام يلاحظ بالتأكيد، أن مصر غائبة سياسيا عن السودان، وهو أمر مقلق للشارع المصري الذي يرتبط وجدانه تاريخيا بالسودان والسودانيين، خصوصا مع تزايد التواجد السوداني في مصر، وتداخله في النسيج الاجتماعي، وحضوره في المشهد العام للشوارع والأحياء والميادين المصرية، بل وقطاع الأعمال الخاص في مصر، وأيضا في المجالات الخدمية، وذلك مع حصول الأطباء والمهندسين، وغيرهم من المهنيين على تصاريح عمل في مصر بكافة القطاعات.
وبطبيعة الحال ليس لدى إجابات شافية لهؤلاء المتسائلين في مصر، أو في السودان ولكني أتفق، مع أن الغياب المصري السياسي العلني عن المعادلات الراهنة يشكل خسارة مشتركة لمصر وللسودان معا، على قاعدة أن مصالح كلا البلدين متأثرة بالأخرى، بل هي مصنفة بالحيوية، والتي تحوز على أعلى درجات الأهمية الاستراتيجية، فلا يمكن مثلا ألا يكون هناك تصريحات من الخارجية المصرية بشكل شبه دوري عن ضرورة وقف الحرب، أو التنوير بالمجهودات المصرية في هذا المجال، أو تطورات الرؤية المصرية بشأن التفاعلات السودانية.
وفي سياق مواز، فإن موقف الجامعة العربية يبدو غير نشط على المستوى المطلوب على الرغم من حضور ممثل عنها لقمة الإيجاد الأخيرة المنعقدة بكمبالا، حيث أنه من المطلوب، أن يكون هناك خلية عمل، لا ينقطع نشاطها اليومي؛ بشأن الحالة في السودان على الصعيد الإنساني على الأقل.
وعلى الرغم، ما أسلفت سابقا، فإنه لا بد لنا أيضا، أن نرصد تحركات مصرية بشأن السودان موجودة، ولكنها غير علنية، لا يتم الكشف عنها، ولا عن أي من مخرجاتها منها مثلا، تعاون الخارجية المصرية مع الجانب الفرنسي في جمع بعض الحركات المسلحة الدارفورية مع ممثل للجيش، والدعم السريع بالقاهرة، ومنها أيضا، تعاون مع دولة البحرين في لقاء بين نائب رئيس قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، والفريق أول شمس الدين الكباشي نائب قائد الجيش، وعضو المجلس السيادي السوداني، الذي قام طبقا للتسريبات بزيارات غير معلنة لكل من مصر والإمارات.
وطبقا لذلك، يبدو أن التحرك المصري في الملف السوداني هو تحرك جزئي، بمعنى أنه يتم اللجوء إلى آلية فصل الملفات السودانية بعضها عن بعض، والتعامل معها كل منها على حدة، وذلك على أمل، ربما أن التقدم في أحد الملفات، ربما يكون دافعا؛ لتقدم ملف آخر وهكذا.
ويبدو لنا أيضا، أن التحرك المصري حذر للغاية، خصوصا مع وجود إرادة سودانية مشتركة لطرفي الصراع باستمرار الحرب، رغم إعلانات حميدتي قائد قوات الدعم السريع المتواصلة، بأنه يقبل التفاوض، ويريد السلام، فضلا عما يرشح في تصريحاته من ملامح لمشروع سياسي مستقبلي.
هذا التقدير بشأن موقف حميدتي الواقعي من الحرب قائم على معلومات، رشحت لنا، أن الرجل يمول طرفي الحرب بمعنى، أن له علاقات مع بعض أطراف المؤتمر الوطني المنخرطة في القتال على الأرض، ويقوم بتمويلها. ويثار هنا السؤال، هل يريد حميدتي استمرار الحرب؟ هل هذه الحرب هي طريقه إلى السلطة التي أعلن لدوائر ضيقة، أنه يريدها منذ عام 2019؟ وإذا لم يكن حميدتي يريد استمرار الحرب، فمن يريد استمرارها على هذا النحو الذي يكبد السودانيين أثمانا إنسانية باهظة كل لحظة.
الحذر المصري ممتد أيضا؛ بسبب أداء الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي، وقائد الجيش الذي يملك، ومن معه إرادة استمرار الحرب؛ فيرفض التفاوض رغم الوزن السياسي، والمعنوي للجيش في المعادلة الحالية، ويذهب إلى إيران والجزائر لضمان دعم تسليحي للجيش السوداني.
وإذا كان الدعم الجزائري للسودان (إن حدث) هو ضمن التفاعلات الإقليمية العربية، وقد تكون تداعياته محسوبة، وغير مكلفة، فإن اللجوء إلى إيران له تداعيات غير محسوبة في ظني من جانب الفريق البرهان. ذلك أن استدعاء إيران للمنصة السودانية الملتهبة، والمشاطئة للبحر الأحمر، هي حسابات مرتبطة بالشرق الأوسط والحرب في غزة، ذلك أن السودان هو إضافة للمنصات الإيرانية في كل من اليمن ولبنان والعراق، وذلك من شأنه، أن يخل بموازين قوى دقيقة، وحرجة في المنطقة، لا يستطيع السودان في حالته الراهنة احتمال تداعياتها في علاقته بمحيطه الإقليمي، خصوصا الخليجي منه، فالسودان حينما استدعي إيران في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان سلطة قائمة ودولة متماسكة، أما الآن فالوضع مختلف.
إجمالا مع تقدير أن الأعباء المصرية بشأن الحالة السودانية هي ضخمة، ومضافة لأعباء أخرى إقليمية لا تقل حساسية ولا ضخامة، ولكن يبقى السودان في وجدان المصريين حالة، تستدعي عناية فائقة من جانب الفاعلين الرسميين، وتنويرا دائما بالتطورات على الصعيد السياسي والعسكري، وذلك استجابة لحالة الاهتمام الكبير من جانب الرأي العام المصري بالسودان، وأهل السودان.
الوسومالأزمة السودانية البرهان الجيش الخرطوم الدعم السريع حميدتي د. أماني الطويل مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأزمة السودانية البرهان الجيش الخرطوم الدعم السريع حميدتي د أماني الطويل مصر الدعم السریع فی السودان السودان فی فی مصر
إقرأ أيضاً:
البرهان يوافق على مقترحات المبعوث الأميركي لحل الأزمة السودانية
وافق رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على مقترحات قدمها المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، بشأن الأزمة السودانية، خلال لقاء جرى بينهما، الإثنين في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية.
وقال إعلام مجلس السيادة الانتقالي، في بيان أمس، إن قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، التقى المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو.
وحضر اللقاء السفير عمر عيسى، وكيل وزارة الخارجية بالإنابة، وسفير السودان لدى الولايات المتحدة، السفير محمد عبد الله.
وقال سفير السودان لدى الولايات المتحدة، محمد عبد الله، في تصريحات صحفية، إن الاجتماع استغرق وقتا تحدث فيه الجانبان بشكل شامل وصريح، وتناولا كل ما يدور بشأن الأزمة الراهنة، خاصة فيما يتعلق بالأضرار الكبيرة التي لحقت بالمواطنين جراء الاستهداف الممنهج الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق المدنيين والنازحين واللاجئين، على حد قوله.
وأكد محمد عبد الله أن اللقاء تطرق إلى خارطة الطريق وكيفية إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية ورأب النسيج الاجتماعي وإطلاق العملية السياسية كمخرج نهائي لما بعد الحرب.
وأضاف أن المبعوث الأميركي، قدم مقترحات في هذا الصدد، ووافق عليها رئيس مجلس السيادة.
وقال عبد الله إن البرهان، أبلغ المبعوث الأميركي، بأن الحكومة السودانية أوفت بكل الالتزامات التي قطعتها بشأن فتح المعابر والمطارات من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وأكد انفتاح الحكومة نحو كل ما من شأنه إيصال هذه المساعدات للمحتاجين.
بيريلو: الولايات المتحدة تدعم وضع حد للفظائع المرتكبة ضد الشعب السوداني دعا المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيريلو، إنه الولايات المتحدة "تدعم الوقف الفوري للحرب ووضع حد للفظائع المرتكبة ضد الشعب السوداني"، وذلك في أعقاب زيارته الإثنين للسودان ولقائه مسؤولين أبرزه رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان.ونقل رئيس مجلس السيادة، حسب السفير محمد عبد الله، إلى المبعوث الأميركي، عدم موافقة حكومة السودان على استغلال معبر أدري لتوصيل السلاح لقوات الدعم السريع.
وأوضح السفير محمد عبد الله أن البرهان شكر الولايات المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية على المساعدات التي قُدمت للشعب السوداني.
وقام المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان بزيارة ليوم واحد إلى السودان الإثنين - انتهت الزيارة في اليوم نفسه - عقد خلالها سلسلة من اللقاءات شملت وزير الخارجية، السفير علي يوسف، حيث تمت مناقشة العديد من القضايا السياسية والعلاقات الثنائية والقضايا الإنسانية وكيفية إيقاف الحرب.
ووصف وزير الخارجية السوداني، علي يوسف، اللقاء الذي عقده مع المبعوث الأميركي، في مدينة بورتسودان بالإيجابي.
وقال في تغريدة على منصة إكس: "متفقون على ضرورة إنهاء الحرب بأسرع ما يمكن، وأنه لا مستقبل سياسياً أو عسكرياً لميليشيا الدعم السريع بعد جرائمها غير المسبوقة ضد السودانيين العُزَّل."
وانخرط المبعوث في اجتماع آخر مع السلطان سعد بحر الدين، سلطان عموم دار مساليت، وتحدثا حول الانتهاكات التي وقعت في ولاية غرب دارفور، والتي ارتكبت فيها قوات الدعم السريع سلسلة من الجرائم الشنيعة في حق المدنيين، من تهجير قسري وقتل على الهوية واغتصاب، وفق تصريح سفير السودان لدى الولايات المتحدة، محمد عبد الله.
وشملت لقاءات المبعوث الأميركي، نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، وتحدثا حول كيفية إيقاف الحرب في السودان وتوصيل المساعدات الإنسانية لمستحقيها.
وقال نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن زيارة المبعوث لبورتسودان تمثل بداية جيدة لبناء علاقة صحية جديدة بين الخرطوم وواشنطن.
وأضاف عقار، في بيان عقب اللقاء الذي جمعه بالمبعوث الأميركي، أنه أبلغ توم بيريلو أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية واستقرار في المنطقة بأكملها في ظل وجود "ميليشيا الدعم السريع".
من جانبه، عبّر المبعوث الأميركي الخاص للسودان عن سعادته بزيارة السودان ولقائه مع عدد من المسؤولين بالدولة وزعماء قبائل، مبيناً أن زيارته للسودان تحمل رسالة واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تقف بجانب الشعب السوداني، مثلما كان يحدث دائماً خلال العقود الماضية.
وقال توم بيريلو، إنه عقد اجتماعات مثمرة في مدينة بورتسودان مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وقادة المجتمع المدني وفريق الأمم المتحدة الإنساني.
وأضاف: "من دواعي الفخر والاعتزاز أن تكون الولايات المتحدة من أكبر الداعمين للمساعدات الإنسانية للنازحين في داخل السودان، أو للاجئين الذين عبروا الحدود نحو دول الجوار".
وقال إن بلاده ستظل تعمل مع السودان لضمان حصول أي شخص على المساعدات اللازمة من دواء وغذاء وماء بكرامة.
وأضاف قائلاً: "نتشارك الطموح من أجل أن تنتهي هذه الحرب حتى تقف الفظائع والانتهاكات التي شاهدناها مؤخراً في ولاية الجزيرة وغيرها". ولفت إلى أن الولايات المتحدة تشارك الشعب السوداني طموحه نحو مستقبل ديمقراطي شامل.