نشرت مجلة "فورين بوليسي"مقالا لمراسلتها كريستينا لو قالت فيه إنه مع تزايد الغضب العالمي إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، ركزت الصين على تسخير الفجوة الآخذة في الاتساع بين مواقف واشنطن والجنوب العالمي بشأن الحرب لتعزيز طموحات السياسة الخارجية لبكين.

وعلى مدار الحرب في غزة، كانت الصين حريصة على البقاء على الهامش، خوفا من توريط نفسها في صراع متصاعد أو تعريض علاقاتها الإقليمية للخطر.

ولكن في الوقت الذي تواجه فيه واشنطن رد فعل عنيف بسبب دعمها لـ"إسرائيل"، اغتنمت بكين أيضا الفرصة للانحياز إلى ما يسمى بالجنوب العالمي - وهو مجموعة من عشرات الدول، بما في ذلك البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وباكستان- التي أدانت بشدة تصرفات "إسرائيل"، وابتعدت بشكل حاد عن الموقف الأمريكي.

وقال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الصين "تتفرج في الغالب وتسمح للولايات المتحدة بجمع الإساءات.. إن المصلحة الوحيدة التي تسعى الصين إلى تحقيقها في الشرق الأوسط هي المراقبة بينما ينفتح شرخ أكبر بين الولايات المتحدة وأجزاء كبيرة من الجنوب العالمي".

منذ البداية، كان النهج الذي تبنته الصين في التعامل مع الحرب بين "إسرائيل" وحماس يتسم بالحذر. على سبيل المثال، انتظر الرئيس الصيني شي جين بينغ ما يقرب من أسبوعين قبل أن يدلي بدلوه بعد الهجوم الأولي الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في حين امتنعت البيانات الحكومية المبكرة حتى عن تسمية حماس، وهو الرد الذي أثار غضب المسؤولين الإسرائيليين. وفي الأشهر التي تلت ذلك، قدمت الصين نفسها كصانعة للسلام، داعية إلى وقف إطلاق النار وإقامة دولة فلسطينية دون الذهاب إلى حد توريط نفسها بشكل مباشر في الصراع.


وقالت باتريشيا كيم، الزميلة في معهد بروكينجز، لمجلة "فورين بوليسي" في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن الصين "تجنبت بوضوح أي دور جوهري في الصراع الدائر. وقالت إنه بينما تريد بكين تصوير نفسها على أنها صانعة قرار إقليمية، فليس لديها أي مصلحة في العمل كموفر للأمن أو التدخل بشكل مباشر في المواقف الصعبة التي قد تعرض علاقاتها في المنطقة للخطر".

تتجلى هذه الديناميكيات في البحر الأحمر، حيث أدت هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية، والتي تم تنفيذها تضامنا مع الفلسطينيين، إلى تعطيل التجارة العالمية. ومع ذلك، حتى مع قيام عدد متزايد من الدول بإرسال سفن لحماية الممر، قاومت الصين التدخل بقواتها البحرية. وذكرت رويترز أن أقصى ما ذهبت إليه بكين في التدخل هو الضغط سرا على إيران - التي تدعم الحوثيين - للتدخل، على الرغم من نفي المسؤولين الإيرانيين لهذه التقارير.

يتناقض نهج بكين بشكل حاد مع نهج واشنطن، التي لم تكن فقط لفترة طويلة واحدة من أقوى مؤيدي "إسرائيل" منذ بداية الدولة، حيث دعمت البلاد بمليارات الدولارات في شكل مساعدات عسكرية، ولكنها عملت أيضا كمدافع رئيسي عنها على الساحة الدولية منذ أن بدأت الحرب باستخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع القرارات التي تدعمها عشرات الدول - بما في ذلك العديد من الدول في الجنوب العالمي، وكذلك الصين - التي تدعو إلى وقف إطلاق النار. كما اتخذت إدارة بايدن إجراءات في البحر الأحمر، حيث شنت ضربات ضد الحوثيين في اليمن وحشدت فرقة عمل دولية للمساعدة في ضمان حرية الملاحة في الممر.
ومع ذلك، في حين أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة تتسبب في خسائر إنسانية مدمرة - فقد قتلت القوات الإسرائيلية ما يصل إلى 26000 فلسطيني في غزة منذ بداية الحرب، وفقا لوزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة - فقد أصبح الكثير من العالم يشعر بالإحباط وخيبة الأمل بشكل متزايد بسبب دعم واشنطن الثابت لـ"إسرائيل". وحذرت مؤسسةالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في كانون الأول/ ديسمبرمن أن أكثر من نصف مليون شخص في غزة يواجهون حاليا "مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد".

وتحاول بكين الاستفادة من الانقسام. وقال إريك أولاندر، المؤسس المشارك لمشروع الجنوب العالمي الصيني: "إنهم يشعرون أن هذا سيؤدي إلى تقويض الولايات المتحدة بشكل أكبر في أعين بقية العالم، في أجزاء العالم التي يهتمون بها. يصب هذا في صالح استراتيجيتهم بالنسبة للصينيين لإظهار مدى عزلة الأمريكيين، وإظهار مدى عدم تماشيهم مع بقية العالم، وإظهار نفاق الأمريكيين فقط".

وأضاف: "الصينيون يلعبون هذا، في رأيي، بمهارة كبيرة فيما يتعلق باتباع سياستهم الخارجية وتعزيز بعض القيم التي يحاولون قولها عن عيوب النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة".

وكجزء من هذه الاستراتيجية، قدمت الصين نفسها علنا باعتبارها صانعة للسلام، فاقترحت خطة سلام من خمس نقاط ودعت إلى عقد مؤتمر سلام إسرائيلي فلسطيني. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أرسلت مبعوثها الإقليمي إلى قطر ومصر للحث على وقف إطلاق النار. ومنذ ذلك الحين، تعهدت بتقديم حوالي 4 ملايين دولار كمساعدات إنسانية لغزة، واستضافت وفدا من وزراء الدول العربية والإسلامية، وشاركوا في قمة افتراضية لكتلة البريكس (التي كانت تضم آنذاك البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) بشأن الصراع.

وقال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون في مؤتمر صحفي لمجلس الأمن خلال الشهر الأول من الحرب: "إن الصين تعمل بلا كلل لتعزيز وقف الأعمال العدائية واستعادة السلام. وستواصل الصين الوقوف إلى جانب العدالة والإنصاف الدوليين، وإلى جانب القانون الدولي، وإلى جانب التطلعات المشروعة للعالم العربي والإسلامي".

خلال جولته الأوسع في أفريقيا في كانون الثاني/ يناير، استغل وزير الخارجية الصيني وانغ يي أيضا رحلته إلى مصر لتكرار الدعوات لوقف إطلاق النار وإنشاء دولة فلسطينية.



ومع ذلك، يقول الخبراء إن تصرفات بكين هي في الغالب أدائية، ولا تؤدي إلى سوى القليل من النتائج الملموسة. على سبيل المثال، فشلت قمة مجموعة البريكس في تشرين الثاني/ نوفمبرمن إصدار بيان مشترك أو خريطة طريق عملية للمضي قدما، كما أشار مارك ليونارد من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في مجلة "فورين أفيرز". كما حملت خطة السلام التي اقترحتها الصين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – وليس بكين – مسؤولية حل الصراع، وفقا لمعهد بروكينغز.

كتب أحمد عبود، الزميل غير المقيم في أتلانتك كاونسل، في كانون الأول/ ديسمبر، أن جدية الصين في التوسط في الحرب بين "إسرائيل" وحماس هي مجرد "دخان ومرايا"، مشيرا إلى "غموض اللغة الدبلوماسية الصينية والمبلغ الضئيل من الأموال التي تقدمها قوة هي ثاني أكبر اقتصاد" لغزة.

وبدلا من التورط في الصراع، ركزت بكين على إثارة الشكوك في واشنطن والمقارنة بين مواقف البلدين، كجزء من محاولتها التشكيك في المصداقية العالمية لإدارة بايدن. وكانت هذه الجهود واضحة للعيان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث استخدمت الصين حق النقض ضد مشروع قرار أمريكي في تشرين الأول/ أكتوبر بعد انتقاده لعدم دعوته إلى وقف إطلاق النار، كما استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد القرار.

وقال تشانغ إن الولايات المتحدة "قدمت مشروع قرار جديد يضع جانبا إجماع الأعضاء". وقال إنه حتى بعد أن اقترح أعضاء المجلس الآخرون - بما في ذلك بكين - تعديلات، تجاهلت واشنطن "مخاوفهم الرئيسية" وقدمت مشروع قرار "يخلط بين الصواب والخطأ".

وفي وقت لاحق من شهر كانون الأول/ ديسمبر، بعد أن استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، استغلت بكين التصويت مرة أخرى لوضع نفسها إلى جانب الجنوب العالمي وتسليط الضوء على موقف واشنطن.

وقال تشانغ، إن بكين، باعتبارها واحدة من الدول الراعية للقرار التي يبلغ عددها نحو 100 دولة، شعرت "بخيبة أمل كبيرة وأسف لأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضد مشروع القرار. كل هذا يوضح مرة أخرى ماهية المعايير المزدوجة."

ورددت وسائل الإعلام الحكومية هذه المشاعر، مما لفت الانتباه إلى المواقف الأمريكية والصينية المتباينة. وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" في إشارة إلى الفيتو الأمريكي: "من التناقض التسامح مع استمرار الصراع بينما ندعي الاهتمام بسلامة الناس في غزة واحتياجاتهم الإنسانية. ومن خداع النفس الدعوة إلى منع امتداد الصراع بينما يتم التسامح مع استمراره."

وفي الآونة الأخيرة، انضمت بكين أيضا إلى الجنوب العالمي في واحدة من أوضح حالات الغضب من تصرفات "إسرائيل": قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية. ورغم أن محكمة العدل الدولية لا تملك أي وسيلة لتنفيذ أحكامها، فإن قضية جنوب أفريقيا تعكس الضغوط الدولية المتنامية ضد "إسرائيل".

في حين أن محكمة العدل الدولية لم تبت بعد في مسألة ما إذا كانت "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية في غزة، ومن المرجح أنها لن تفعل ذلك لسنوات، إلا أنها استجابت يوم الجمعة الماضي لطلب جنوب أفريقيا من المحكمة أن تأمر بتعليق طارئ للحملة العسكرية الإسرائيلية، وفي حكمها، أمرت محكمة العدل الدولية "إسرائيل" بـ "اتخاذ جميع التدابير" لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة.

وبعد الإعلان عن القرار، أعربت وسائل الإعلام الرسمية الصينية عن أملها في أن يدفع "بعض الدول الكبرى إلى التوقف عن غض الطرف" عن تصرفات "إسرائيل" في غزة.

في المقابل، كررت إدارة بايدن موقفها بأن مزاعم بريتوريا المتعلقة بالإبادة الجماعية "لا أساس لها من الصحة"، على الرغم من أنها قالت أيضا إن حكم محكمة العدل الدولية يتماشى مع دعواتها لـ"إسرائيل" لضمان سلامة المدنيين.



ولطالما أعطت الصين الأولوية لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الجنوب العالمي، حيث اختتم وانغ، وزير الخارجية، مؤخرا رحلته الخارجية الأولى لعام 2024 بزيارة مصر وتونس وتوغو وساحل العاج.

وتمثل رحلته السنة الرابعة والثلاثين على التوالي التي يجعل فيها وزير الخارجية الصيني أفريقيا وجهة رحلته العالمية الأولى لهذا العام؛ سافر وانغ إلى البرازيل وجامايكا بعد ذلك.

وقال عبود، خبير "أتلانتك كاونسل": "قررت الصين التعامل مع إسرائيل كأضرار جانبية، مقارنة بأكثر من 50 دولة في جنوب العالم. وتريد الصين دعم هذه الدول لرؤيتها الخاصة  للحوكمة العالمية وأولوياتها الاستراتيجية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الصين دول الجنوب الصين دول الجنوب غزة امريكا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة الولایات المتحدة وقف إطلاق النار الجنوب العالمی جنوب أفریقیا جنوب العالم مشروع قرار مجلس الأمن حق النقض إلى جانب إلى وقف فی غزة

إقرأ أيضاً:

النمو في الصين لا يكفي لإخراج الاقتصاد العالمي من دائرة التباطؤ

خلال الاجتماعات السنوية لمؤتمر الشعب، البرلمان الصيني الأخيرة تعهدت الحكومة الصينية بألا يقل معدل نمو الاقتصاد خلال العام الحالي عن مستواه في العام الماضي أي حوالي 5% من إجمالي الناتج المحلي.

وتحقيق نمو بمعدل 5% لا يبدو أمراً سيئاً، لكن الواقع الاقتصادي في الصين مازال أقل إقناعاً مما يوحي به هذا الرقم، كما أنه من غير المحتمل أن يشهد الطلب الاستهلاكي في الصين نموا كافيا لزيادة وارداتها من دول العالم.

China wants to keep its trade surplus intact, while Donald Trump seeks to turn the US trade deficit into a surplus. Neither wants to be the world’s consumer of last resort. https://t.co/sKR9Pov47m

— Chatham House (@ChathamHouse) March 15, 2025 السياسات الصينية

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني قال ديفيد لوبين الباحث البارز الزميل في برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي  بالمعهد إن المشكلة الأساسية هي أن السياسات الصينية ستنتهي بالمحافظة على الفائض التجاري الكبير لثاني أكبر اقتصاد في العالم. في المقابل يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  تحويل العجز التجاري الأمريكي إلى فائض.

ويعني هذا أن العالم  مقبل على ما يمكن أن نسميه "صراع أصحاب المذهب التجاري"، وهو المذهب المعروف أيضاً باسم المركنتيلية الذي ساد في أوروبا فيما بين بداية القرن السادس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر وكان يعطي الأولوية للمكاسب التجارية على أي اعتبارات أخرى. فلا الصين ولا الولايات المتحدة تحت حكم ترامب ترغب أي منهما أن تكون الملاذ الاستهلاكي الأخير للعالم.

ورغم تدهور  ثقة المستهلكين والشركات في الصين خلال السنوات الماضية، ظهرت مؤشرات على تعافي الاقتصاد الصيني خلال الشهور القليلة الأخيرة.  

أول هذه المؤشرات تجاوز المرحلة الأسوأ من أزمة القطاع العقاري الصيني. وجاء ذلك جزئيا، بفضل الجهود المتجددة خلال الأشهر الستة الماضية لزيادة جاذبية العقارات من خلال خفض أسعار فائدة التمويل العقاري وتخفيض شروط الدفعة الأولى من ثمن العقار، وتخفيف القيود على الملكية، ودعم شركات التطوير العقاري المملوكة للدولة.

أما المؤشر الثاني فهو ارتفاع مبيعات التجزئة (لا سيما الأجهزة المنزلية) بفضل الدعم الحكومي لاستبدال الأجهزة القديمة بأخرى جديدة.  ونتيجة لذلك، أرتفع معدل نمو المبيعات إلى ما يقرب من 4% بنهاية عام 2024 وهو معدل لا يزال منخفضاً، ولكنه أفضل من معدلات النمو شديدة  الانخفاض والتي تراوحت بين 2% و3% في الصيف الماضي.

???????? #BREAKING
Chinese authorities are working on a proposal to help China Vanke Co. plug a funding gap of about 50 billion yuan ($6.8 billion) this year.https://t.co/5WbgWdBXzp#CHINA #VANKE #PROPERTY #REALESTATE https://t.co/H4CKC1uMKW

— CN Wire (@Sino_Market) February 12, 2025 احتضان القطاع الخاص

ويعود هذا التحسن إلى الجهد المتزايد لصناع السياسات في الصين لإنعاش الاقتصاد . ومن أبرز هذه الجهود الاجتماع رفيع المستوى الذي عقده الرئيس الصيني شي جين بينغ  مؤخراً مع قادة كبرى الشركات الخاصة، فيما اعتبر محاولة من جانبه لاحتضان القطاع الخاص الصيني بعد سنوات من التضييقات الحكومية عليه.

ولعل هذه التحركات الحكومية في الشهور الماضية تفسر لماذا يرى البعض أن إجراءات تحفيز الاقتصاد التي أعلنتها الحكومة في اجتماعات مؤتمر الشعب لم تكن على مستوى التوقعات.

وعلى الرغم من تعهد الحكومة بالسماح بارتفاع عجز ميزانية العام الحالي إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي مقابل 3% في العام الماضي، فإنها ما زالت بعيدة عن اتخاذ الإجراءات التي يمكنها تحقيق زيادة حاسمة في مستويات ثقة الشركات والمستهلكين. وفي حين وعد مجلس الدولة (الحكومة الصينية) في الشهر الماضي بتغيير جذري في العقلية الاقتصادية للبلاد وزيادة التركيز على تحفيز  الاستهلاك، فإن تقرير عمل الحكومة لعام 2025 الصادر في الأسبوع  الماضي جعل الأمر يبدو وكأننا سنكون أمام تعديل طفيف وليس تغييراً جذرياً كما وعدت الحكومة.

ويرى ديفيد لوبين في تحليله أن هناك عاملين رئيسيين يحدان من رغبة بكين في تقديم الدفعة المطلوبة بشدة للاقتصاد.

العامل الأول هو أنه لا يمكن التنبؤ بسياسات وقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فصادرات الصين إلى الولايات المتحدة تخضع حالياً لرسوم جمركية تصل أحياناً إلى 30% بعد قرار ترامب زيادتها مرتين بنسبة 10% في كل مرة منذ تنصيبه في 20 يناير(كانون الثاني) الماضي. ومن المحتمل تزايد الإجراءات العدائية تجاه الصين، خاصة ما يتعلق بتدفق رؤوس الأموال بين البلدين في أعقاب نشر "سياسة استثمار أمريكا أولاً" للرئيس ترامب التي تستهدف منع خروج الاستثمارات من الولايات المتحدة وإعادة الاستثمارات الخارجية إليها. ورغم ذلك من الصعب التكهن بالإجراءات العدائية المستقبلية.

ورغم أنه يمكن للمرء توقع زيادة إجراءات تحفيز الاقتصاد الصيني وليس تقليصه لمواجهة تداعيات الإجراءات الأمريكية، فإن الصين تفضل عادة الانتظار لرؤية تطور الأمور. وكما أوضح وزير المالية الصيني لان فو آن في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، فإن هدف بكين هو "الحفاظ على مساحة الحركة أمام سياساتها وأدواتها اللازمة للتعامل مع حالة عدم اليقين القادمة من مصادر محلية أو خارجية".

The Policy will also protect our strategic industries and locations, while also making sure the United States is the world’s best destination for investment. https://t.co/uBhyDIr15S

— Secretary of Treasury Scott Bessent (@SecScottBessent) February 27, 2025 اضطرابات مالية

أما العامل الثاني الذي يحد من رغبة الصين في اتخاذ إجراءات أكبر لتحفيز الاقتصاد، فهو ما يمكن تسميته "قلق الميزانية العامة" حيث يقترب معدل الدين العام للحكومة المركزية من 100% من إجمالي الناتج المحلي، والسلطات مترددة في زيادة هذا الدين خوفاً من حدوث اضطرابات مالية يمكن أن تهدد الأمن القومي. وفي حين أن معدل الدين للحكومات المحلية أقل كثيراً ويبلغ حوالي 30% من إجمالي الناتج المحلي، فإن اعتمادها على إيرادات مرتبطة بالأراضي، يعني  أن أوضاعها المالية هشة نتيجة أزمة القطاع العقاري.

ويمكن القول بوضوح إن الحكومة المركزية لا ترغب في تقديم دعم فوري كبير، والحكومات المحلية لا تستطيع ذلك، رغم أن السلطات قد تتدخل ببعض إجراءات التحفيز إذا تدهورت مستويات الثقة.

كما أن إجراءات التحفيز التي أعلنت مؤخراً تميل أكثر نحو دعم الإنتاج وليس الاستهلاك.  على سبيل المثال سيتم توجيه الجزء الأكبر من حصيلة بيع السندات الخاصة للحكومات المحلية خلال العام الحالي وقيمتها 4.4 تريليون يوا ما يعادل 607.38 مليار دولار تقريباً نحو سداد مستحقات الشركات  المتأخرة والاستثمار في مشروعات البنية التحتية.

ومن بين حصيلة السندات الخاصة المقررة للحكومة المركزية في العام الحالي وقيمتها 1.8 تريليون يوان، سيتم توجيه 300 مليار يوان فقط نحو برامج دعم التجارة والاستهلاك، في حين سيستخدم الجزء الباقي  في دعم تحديث المعدات والتصنيع عالي التقنية وإعادة رسملة البنوك التابعة للدولة.

لذلك يمكن القول إن خلاصة اجتماعات البرلمان الصيني في الأسبوع الماضي هي أن الصين ستظل على الأرجح اقتصاداً تجارياً بامتياز، وسيظل الفائض التجاري الكبير عنصراً أساسياً. في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تحويل عجزها التجاري إلى فائض،  ليصبح السؤال المطروح هو من سيدعم ازدهار التجارة العالمية وقيادة الاقتصاد العالمي نحو الخروج من دائرة التباطؤ؟.

 يرى لوبين أن الصين للأسف لن تكون هي الإجابة في ضوء السياسات الراهنة، في حين يمكن الرهان على أوروبا لكي تقود قاطرة الانفاق الاستهلاكي والاستيراد في العالم خاصة وأصبحت السياسة المالية الأكثر مرونة  راسخة في ذهن مستشار ألمانيا المنتخب فريدريش ميرتس الذي سيقود أكبر اقتصاد في أوروبا خلال السنوات المقبلة.

مقالات مشابهة

  • اغتيال.. هذا ما قيل في إسرائيل عن غارة ياطر في الجنوب
  • النمو في الصين لا يكفي لإخراج الاقتصاد العالمي من دائرة التباطؤ
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • جوتيريش: خفض المساعدات الإنسانية من قبل أمريكا ودول أوروبية جريمة
  • غوتيريش: قطع أمريكا ودول أوروبية المساعدات الإنسانية "جريمة"
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
  • هذا ما سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل
  • اجتماع ثلاثي في بكين حول القضايا النووية الإيرانية
  • محادثات ثلاثية في بكين بين الصين وإيران وروسيا حول الملف النووي الإيراني
  • في بكين.. قمة ثلاثية لبحث الملف النووي الإيراني