ترأَّس سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، اجتماع مجلس إدارة مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، واطَّلع على إنجازات المجلس في تنمية قطاع البحث والتطوير في الإمارة، واعتمد خطط تعزيز قدرات البحث والابتكار ضمن أولويات المجلس المستقبلية.

وأكَّد سموّه، خلال الاجتماع، أنَّ التقدُّم الذي يشهده مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في مجال البحث والتطوير يعكس طموح الإمارة في أن تكون في طليعة مسيرة البحث العلمي والابتكار التكنولوجي، إذ تُعَدُّ أهداف المجلس ترجمةً على أرض الواقع لمساعي تحقيق تنمية شاملة في شتى المجالات، ما يتماشى مع تطلُّعات أفراد مجتمع الإمارة.

وأشار سموّه إلى أنَّ جهود المجلس المتواصلة في مجال التكنولوجيا والابتكار تعكس التزامه تجاه بناء مستقبل تحظى فيه الأجيال المقبلة بالمعارف والخبرات والفرص، لتحقيق النجاح والتنمية المستدامة.

حضر الاجتماع أعضاء مجلس إدارة مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة: معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، ومعالي محمد حسن السويدي، وزير الاستثمار، ومعالي خلدون خليفة المبارك، رئيس جهاز الشؤون التنفيذية، ومعالي منصور إبراهيم المنصوري، رئيس دائرة الصحة – أبوظبي، ومعالي أحمد تميم الكتاب، رئيس دائرة التمكين الحكومي – أبوظبي، وسعادة فيصل عبدالعزيز البناي، الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطوِّرة.

– توسيع نطاق منظومة البحث والتطوير في الإمارة

منذ تأسيس مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في عام 2020، أُنشِئَت 10 مراكز بحثية متطورة أسهمت في استقطاب نخبة من المواهب تضمُّ 851 باحثاً من أكثر من 70 دولة، بمن في ذلك 193 مواطناً إماراتياً، للتركيز على البحث في المجالات ذات الأولوية، ومن أبرزها الأنظمة الآلية المستقلة، وتكنولوجيا الحوسبة الكمومية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وعمل المجلس على دعم البحث العلمي من خلال نشر 1114 بحثاً وورقة علمية، وتقديم 47 براءة اختراع، وتنفيذ 93 نموذجاً تكنولوجياً أولياً، اعتُمِد 22 نموذجاً منها للجهات المعنية. وعَقَد مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة أكثر من 110 شراكات عالمية في مجال البحث والتطوير، بما في ذلك برامج للتعاون المشترك مع مؤسَّسات عالمية رائدة في قطاع البحث والتطوير.

وفي إطار جهود تسريع مشاريع البحث والتطوير في أبوظبي، أطلق المجلس منصة (ResearchHub.ae) الإلكترونية، لتعزيز التعاون بين خبراء البحث والابتكار ومؤسَّسات التعليم العالي والمؤسَّسات البحثية، وتزويدهم بالمعلومات والمواد العلمية الضرورية، وتهيئة الظروف لإنشاء بيئة تشجِّع على التعاون وتبادل الخبرات والمعارف.

ولتعزيز الكفاءات في المجال التكنولوجي وتشجيع الشباب في دولة الإمارات على بدء مسيرتهم المهنية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، أطلق مجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدِّمة برنامج «NexTech» الذي نجح من خلاله 100 طالب إماراتي في الالتحاق بأكثر من 25 جامعة تقنية رائدة حول العالم.

وأطلق مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة البرنامج الإرشادي للشباب في المجالات العلمية، الذي يهدف إلى ربط المواهب العلمية الشابة في مرحلة التخرُّج من الثانوية مع مرشدين من ذوي الخبرة الواسعة في المجال التقني على الصعيدين الأكاديمي والعملي. وتضمَّنت المرحلة التجريبية من البرنامج مشاركة 50 طالباً، 43 منهم من مدارس المرحلة الثانوية في أبوظبي، حيث تمَّ إرشادهم على أيدي خبراء في المجال. وستضمُّ الدفعة الرسمية الأولى من البرنامج، ما يزيد على 200 طالبٍ من مدارس وجامعات عدة في أبوظبي، إلى جانب 150 مرشداً لتوجيههم.

– معهد الابتكار التكنولوجي

أَطلق معهد الابتكار التكنولوجي، ذراع الأبحاث التطبيقية لدى مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، نموذج فالكون الذي يُعدُّ أول نموذج لغوي كبير مبني على الذكاء الاصطناعي التوليدي في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما طوَّر النسختين المحدَّثتين من النموذج، “فالكون 40 بي” و”فالكون 180 بي”، اللتين قدَّمتا أداءً تفوَّق على نماذج رائدة مطوَّرة من شركات كبرى عالمياً، كما وفَّر المعهد النموذج بالصيغة مفتوحة المصدر للاستخدامات البحثية والتجارية.

واستكمالاً لمسيرة الإنجازات التي حققها المعهد، أسَّس مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة شركة “AI71” المتخصِّصة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تركِّز في عملها على مجالات متعددة وتقدِّم خيارات غير مسبوقة للشركات والجهات الحكومية من مختلف الدول في سياق توفير حلول التحكُّم في بيانات الذكاء الاصطناعي واستضافة الخوادم ذاتياً بهدف تعزيز مستوى الخصوصية.

ويعدُّ معهد الابتكار التكنولوجي موطناً لواحد من أكبر الفِرَق المتخصِّصة في بحوث التشفير في العالم، إذ أطلق أوَّل وأكبر مكتبة للتشفير ما بعد الكوانتوم في دولة الإمارات. كما يعمل المعهد على تطوير أول كيوبت كمّي (وحدات تخزين المعلومات الحاسوبية) في العالم العربي، وهو إحدى أبرز المبادرات حول العالم لتطوير حاسوب كمّي.

ومن أهم الإنجازات الأخرى التي حقَّقها معهد الابتكار التكنولوجي، تطوير مواد عازلة لتغليف ألواح الطاقة الشمسية التي تساعد على تحسين الأداء، وتقليل عمليات الصيانة الدورية للألواح الشمسية، إضافةً إلى تطوير أنظمة ملاحة لا تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي، تعزيزاً للخدمات اللوجستية الآلية والمستقلة، وابتكار أساليب جديدة لتسهيل عمل البعثات الإنسانية العالمية في إزالة الألغام، وكذلك تبنّي أساليب مبتكَرة لتعزيز أمن عمليات الاتصال الرقمي.

– أسباير

أحرزت “أسباير”، ذراع إدارة البرامج التكنولوجية التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، تقدُّماً كبيراً في دفع جهود البحث والتطوير لإحداث تحوُّل نوعي في عمليات الابتكار التكنولوجي. وشملت أبرز إنجازات “أسباير” إطلاق دوري أبوظبي للسباقات المسيَّرة، لتسليط الضوء على مستقبل المنصات ذاتية القيادة من خلال الاعتماد على أحدث الوسائل التقنية والذكاء الاصطناعي، وتقنيات الاستشعار المبتكرة في سيارات السباق والطائرات بدون طيار وعربات القيادة على الكثبان الرملية. ومن المقرَّر إقامة أول سباق للسيارات المسيَّرة في حلبة مرسى ياس في 28 إبريل 2024، حيث يحظى الجمهور بتجارب افتراضية وواقعية، ولمحة عن مستقبل الابتكار في مجال القيادة الذاتية.

وأبرمت “أسباير” شراكة مع مؤسَّسة “إكس برايز XPRIZE” لإقامة مسابقة “إطعام المليار التالي” التي تهدف إلى إيجاد بدائل للحوم الدجاج والأسماك. وتستقطب المبادرة نخبة من العلماء والخبراء والمتخصصين والمبتكرين للتنافس، وسيُعلَن عن الفائزين بالجائزة الكبرى، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 15 مليون دولار أمريكي، خلال فعالية تقام في أبوظبي في صيف العام الجاري.

وتدير “أسباير” تحدي محمد بن زايد العالمي للروبوتات، وهي مسابقة دولية للروبوتات تقام في أبوظبي، بمشاركة الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات ونخبة من الخبراء المتخصِّصين في الابتكار من جميع أنحاء العالم، بهدف إيجاد الحلول المناسبة لأكثر التحديات الدولية تعقيداً، بالاعتماد على تكنولوجيا الأنظمة الآلية المستقلة.

– الأولويات والتوجُّهات المستقبلية

واعتمد سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، خلال اجتماع مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، التوجُّهات والأولويات المستقبلية للمجلس، والتي تشمل تنمية الكفاءات في مجال البحث والتطوير من خلال استقطاب الباحثين والخبراء المتخصِّصين في مجالات البحث والتطوير ذات الأولوية من أنحاء العالم المختلفة، إضافة إلى توسيع نطاق الفرص المتاحة في مجال البحث والتطوير، لتشجيع المواهب المحلية الناشئة على الالتحاق بالبرنامج الإرشادي للشباب في المجالات العلمية.

وسيعمل المجلس على تعزيز منظومة البحث والابتكار في الإمارة، من خلال التركيز على مشاريع تقنية تنافسية، عبر إطلاق مبادرات وبرامج رائدة تهدف إلى تسريع تحوُّل أبوظبي إلى مركز عالمي لجذب الشركات الناشئة المبتكرة، واستقطاب نخبة من روّاد الأعمال في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

وتشمل أجندة مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة توفير حلول تقنية متطورة في القطاعات ذات الأولوية، بما في ذلك مجالات تكنولوجيا المياه والطاقة المتجددة، وتشخيص الأمراض وتقديم البرامج العلاجية، وتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما يخدم تطلُّعات المستخدمين لضمان تبنّي أفضل الوسائل التكنولوجية لتعزيز جودة حياة أفراد المجتمع.وام


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

حملة ترامب ضد البحث العلمي هي فرصة للعرب

ربّ ضارة نافعة، فحين يشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حملة شرسة لتقليص الإنفاق على البحث العلمي، ما يؤدّي إلى إبطاء تطوّره وإلى إضعاف المؤسسات التي تقوم به، تصبح الولايات المتحدة أقل جاذبية للعلماء، وتنفتح أمام العالم العربي فرص جديدة لإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة، بمستويات عالية لا تقل عن نظيراتها الأمريكية والأوروبية والشرق آسيوية، تجتذب إليها طاقات علمية، بعضها من ضحايا حملة ترامب لإخضاع البحث العلمي لأجندته ولسياساته الرأسمالية المتوحّشة. طفرة علمية عربية هي أمر ممكن، لأن الرأسمال العلمي العربي موجود، هناك رأس وهناك مال، والمطلوب الجمع بين الاثنين وإنهاء حالة الجفاء والقطيعة بينهما، التي هي من أهم أسباب التخلّف النسبي للبحث العلمي في العالم العربي. مراكز بحثية متطوّرة يمكنها أن تستقطب طاقات علمية عربية وغير عربية وتساهم في النهوض في إنتاج ونشر المعرفة العلمية والابتكار التكنولوجي واستخداماته.

حملة ترامب ضد البحث

أوكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الملياردر أيلون ماسك وزارة «كفاءة الحكومة»، ومهمها زيادة النجاعة وخفض الإنفاق الحكومي ووقف ما يسمى «التبذير» وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وإغلاق مؤسسات كاملة «فائضة عن الحاجة». وكالثور الهائج بدأ ماسك مهمته محاولا إثبات أنه ينجح في تقليص الصرف الفيدرالي بالمليارات، مدعيا أن بإمكانه توفير 2 تريليون دولار سنويا. وانقضت حملة ترامب – ماسك على واحدة من أهم مؤسسات دعم البحث البيوميديكالي في العالم وهي «المؤسسة الوطنية للصحة ـ إن.آي.إيتش»، التي وصلت ميزانية الدعم التي أنفقتها العام الماضي إلى 32 مليار دولار. وادّعى ماسك أن المؤسسات البحثية تقتطع 60% من منحها لصالحها، ولا يبقى للبحث نفسه، وفق الادعاء، سوى 40% المبلغ الذي منحته «المؤسسة الوطنية للصحة». وبناء عليه أصدر قرارا بأن يكون سقف الاقتطاع لصالح «المصاريف العامة غير المباشرة» لأي بحث لا يتجاوز نسبة 15%.

ويعني ذلك «توفير» ما يقارب 4-5 مليارات دولار سنويا. لقد قررت محكمة فيدرالية تجميد القرار، لكنّها لم تلغه، ومن المؤكّد أن إدارة ترامب لن ترفع يدها وستحاول بشتّى الطرق خفض الإنفاق الحكومي على البحث العلمي. ويأتي ذلك ضمن ثلاثة سياقات:
*الأوّل، هو اعتماد سياسية ليبرتارية – يمينية تهدف إلى تقليص التدخل الحكومي في الحركة الاقتصادية والإبقاء عليه في الحد الأدنى، وهذا ينسحب على كل المجالات، بما فيها البحث العلمي، ويدفع باتجاه الاتكاء أكثر على تمويل القطاع الخاص للأبحاث العلمية، بالأخص في مجالات الطب والصيدلة والحوسبة والزراعة والصناعة. المشكلة الكبرى هي أن ما يحكم القطاع الخاص هو مبدأ الربح، وعليه فإن تراجع مشاركة الحكومة يزيد من انحسار البحث العلمي العام، الذي لا يدر أرباحا مباشرة، لكن على أساسه يجري تطوير تكنولوجيات وبضائع.

*الثاني، شرعت إدارة ترامب في تغيير «سياسة البحث العلمي»، واستبدالها بسلم أولويات جديد يشمل تقليصا حادا في أبحاث البيئة والجندر والتطعيمات (وزير الصحة الأمريكي الجديد يعارض التطعيم من حيث المبدأ) ونقل ميزانيات إلى تطوير الحواسيب الحكومية وتقنيات الليزر الحربية. الإدارة لا تقول صراحة بأنها تهدف إلى خفض الإنفاق على البحوث الصحية والطبية، لكنّها تفعل ذلك.

الانقلاب الدراماتيكي في سياسات البحث العلمي في الولايات المتحدة، يتسبب في هزات ارتدادية محلية وعالمية. ويبدو أن عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال سيفقدون عملهم *الثالث، يسعى ترامب إلى فرض «الترامبيزم» والأجندة اليمينية المحافظة على الجامعات، من خلال التهديد بقطع الميزانيات عنها وفرض عقوبات عليها. فالجامعات التي «تساهلت» برأيه مع الاحتجاجات ضد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزّة يجب أن تعاقب. وكذلك بدأت إدارة ترامب بقطع الدعم عن مؤسسات تعليمية تلزم بالتطعيم المضاد لكورونا، وكذلك بحجب الميزانيات عن تلك التي تعتمد سياسة «التنوّع والعدالة والاندماج»، التي تفتح المجال أمام الفئات المستضعفة للحصول على تعليم جامعي. ويدعي ترامب أن هذا يأتي على حساب «الرجال البيض والكفاءة».

ما المشكلة؟

تحصل مراكز الأبحاث الأمريكية على ميزانيات حكومية فيدرالية للبحوث في مجالات العلوم الأساسية، وتقوم الشركات بالاستثمار في مشاريع التطوير والابتكار لإنتاج تكنولوجيا وسلع جديدة. القرار بفرض تقليص على «الصرف غير المباشر» في المؤسسات البحثية في الجامعات والمستشفيات، يؤدّي في أحسن الأحوال إلى إبطاء تطور ابتكار علاجات جديدة للأمراض. لكن المشكلة أكبر بكثير، فميزانية البحث غير المباشرة تغطّي نفقات المؤسسة على تنفيذ البحث من مختبرات وأجهزة وصيانة وإدارة ورواتب وغيرها. تقليص نسبة هذه الميزانية إلى 15% فقط سيضعف قدرة بعض المؤسسات البحثية، خاصة الصغيرة منها، على القيام بالأبحاث، وقد يؤدّي إلى تسريح آلاف الباحثين، وإلى وقف مشاريع بحثية وحتى إغلاق قسم من المؤسسات بالكامل. من الناحية العملية، وفي مجال العلاج الدوائي، تؤدّي سياسة ترامب إلى حجب تطوير أعداد كبيرة من الأدوية والتقنيات الطبية، وبالتالي تسبب ضررا مباشرا للملايين من البشر في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم كافة. القطاع الخاص لا يحل المشكلة لأنّه معني، بطبيعته، بالمراحل الأخيرة من المسيرة البحثية، التي تنصب على ابتكار الأدوية وتدر الأرباح. كما أن القطاع الخاص لا يتعامل «مجانا» مع ما يسمّى «الأدوية اليتيمة»، لأنها غير مربحة، ومنها مضادات حيوية فعّالة ضد بكتيريا «عنيدة»، لكنّ استعمالها محصور بالحالات المستعصية، القليلة نسبيا، وبالتالي مبيعات أدويتها محدودة وغير مغرية لشركات الأدوية. انحسار مشاركة الحكومات وتوسيع دور القطاع الخاص في مجال البحث العلمي عموما، وفي مجال الصحة على وجه الخصوص، يزيد من خضوع عملية تطوير المجال الصحي لمعادلات الربح، ما يؤدي إلى أضرار كبرى لصحة الأفراد والمجتمع.

الفرصة العربية

الانقلاب الدراماتيكي في سياسات البحث العلمي في الولايات المتحدة، يتسبب في هزات ارتدادية محلية وعالمية. ويبدو أن عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال من باحثين وفنيين سيفقدون عملهم. وعبّر عدد من مديري المستشفيات والجامعات عن خشيتهم من حالة «عدم اليقين» بالمستقبل التشغيلي في أقسام البحث في مؤسساتهم. ويدفع هذا التطوّر إلى تبريد حمّى هجرة الأدمغة، فمن كان يغريه الانتقال «بدماغه» إلى الولايات المتحدة، سوف يتردد كثيرا، كما من المتوقّع أن يشعر الباحث الأجنبي بعدم الاطمئنان البحثي والوظيفي، ما قد يدفعه للتفكير في العودة إلى بلده الأصلي أو إلى موقع جديد آخر. هذه الحالة هي فرصة ذهبية للعالم العربي للقيام بحملة واسعة لتطوير البحث العلمي، واجتذاب علماء عرب مهاجرين ووقف هجرة الأدمغة، وإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة جديدة ورفع مستوى المراكز القائمة. لقد أقيمت في الدول العربية مؤسسات بحثية رائدة ومهمّة مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في السعودية، و»مؤسسة قطر»، و «المركز الوطني للبحث العلمي» في المغرب، و»المركز القومي للبحوث» في مصر. ولكن هذا «الوجود» البحثي العربي غير كاف بالمرة، ليس قياسا بالعالم فحسب، بل بميزان القدرات والطاقات العربية، من حيث الموارد المالية والبشرية.

بعد حصوله على جائزة نوبل، اقترح العالم المصري الكبير المرحوم أحمد زويل، إقامة مركز أبحاث عربي بمستوى عالمي، وقال في مقابلة تلفزيونية: «نحن بحاجة إلى 5 مليارات دولار لإنشاء مثل هذا المركز»، ما اقترحه زويل عمليا، كان إحداث «طفرة» سريعة تختصر المسافات، وليس الركون إلى التطوير التدريجي البطيء. السرعة العادية في التطوّر هي في الواقع رجوع إلى الخلف، لأن العلوم والتكنولوجيا تتطوّر في العالم بتسارع لم يسبق له مثيل. ميزانيات البحث العلمي الحالية في العالم العربي تتراوح بين صفر إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية. هذه نسبة منخفضة تنعكس في مكان منخفض للدول العربية ولجامعاتها في المقاييس العالمية لمستوى البحث العلمي، إضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي تعاني الدول العربية من مشكلة هجرة العقول، ومن قلة التعاون الدولي، ومن البيروقراطية ومن ندرة الربط بين البحث العلمي والصناعة. لقد كان على العالم العربي أن يتلقف اقتراح زويل في حينه، لأنه صحيح في حد ذاته. لكنه أصبح أكثر إلحاحا هذه الأيام في ظل التحديات الحضارية والاجتماعية والتنموية والأمنية الكبرى التي تواجه الوطن العربي. الأمر الجيد هنا أن ما هو مطلوب، ممكن، خاصة مع بروز فرصة لهجرة مضادة للأدمغة. تحويل الممكن إلى موجود بحاجة لإرادة ولقرار: إقامة مراكز أبحاث عربية متطوّرة، تجتذب الباحثين العرب وغير العرب، وتشكّل رافعة للنهوض بالشعوب العربية وبدولها. لو اجتمع العرب على ذلك، لأحدثوا معجزة علمية، وإذا اتفقت مثلا مصر والسعودية وحدهما على ذلك، لأصبح عندنا علم نضاهي به الأمم.
(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • جامعة القاهرة تستضيف مؤتمر دور المرأة العلمية في توطين التكنولوجيا
  • زوار "آيدكس" يتفاعلون مع روبوت شرطة أبوظبي الذكي
  • مدير غرفة التجارة الأمريكية للشرق الأوسط تشيد بالتطور الذي يشهده الاقتصاد المصري
  • وزير التعليم العالي يؤكد علي الدور الحيوي الذي تلعبه جامعة المنوفية في مجال التعليم والبحث العلمي
  • حملة ترامب ضد البحث العلمي هي فرصة للعرب
  • «تنفيذي أبوظبي» يعلن التشكيل الجديد لمجلس الشباب
  • المجلس التنفيذي يعلن التشكيل الجديد لمجلس أبوظبي للشباب في دورته الـ 7
  • "تنفيذي أبوظبي" يعلن التشكيل الجديد لمجلس الشباب
  • المجلس التنفيذي يعلن التشكيل الجديد لمجلس أبوظبي للشباب في دورته السابعة
  • «الأعلى للجامعات»: إعداد مقترح لتوحيد مسميات لجان أخلاقيات البحث العلمي