باريس- في مواجهة مستمرة مع الحكومة، لا يزال غضب المزارعين يختمر على أبواب العاصمة الفرنسية وسوق رانجيس للبيع بالجملة، رغم محاولات السلطة التنفيذية التخفيف من استيائهم.

وبدأ حصار باريس، الاثنين، عندما أغلقت مئات الجرارات الزراعية الطرق الإستراتيجية الثمانية المؤدية إليها، وبعد محاولات عديدة، تمكن بعض المحتجين من اقتحام منطقة تخزين في السوق الدولي الأربعاء، مما أدى إلى اعتقال 91 منهم.

ويُعدّ رانجيس أول سوق للمنتجات الطازجة في العالم والأكبر أوروبيا من حيث المساحة، والمركز الرئيسي الذي تمر من خلاله معظم المنتجات الغذائية لتزويد باريس وضواحيها.

خط أحمر

وخلال مؤتمر صحفي، قال مدير شرطة باريس، لوران نونيز "وقعت أضرار، وكانت مظاهرة غير معلنة في رانجيس الذي يعد خطا أحمر لنا، والهدف من احتجازهم المزارعين من قبل الشرطة هو وضع حد لما حدث".

من جانبه، استبعد المهندس والخبير في الاقتصاد الزراعي، جون ماري سيروني، في تعليق للجزيرة نت أن تسوء الأمور، وقال "إننا لسنا أمام حرب عصابات".

وأضاف أن السلطة التنفيذية تسمح للمزارعين بالتظاهر والتعبير عن غضبهم لبضعة أيام، لكنهم اقتربوا من رانجيس، وهو المكان الذي حذر وزير الداخلية جيرالد دارمانان من المساس به؛ بسبب رمزيته الاقتصادية

وتابع نونيز "حصار السوق لن يؤدي إلى تجويع باريس، فثمة طرق أخرى كالقطارات وغيرها للإمداد، لكن الحكومة أمرت بعدم الذهاب إلى هناك، واعتقلت بعضهم للقول بحزم إنه يوجد حد للاحتجاج لا يمكن تجاوزه".

يشار إلى أن هذه القافلة من المزارعين قدِمت من منطقة آجين البعيدة وعبرت الطرق والحقول المجاورة لتجنب الدخول عبر الطرق الرئيسية التي تراقبها قوات الأمن عن كثب، في إشارة منهم إلى أن دخول العاصمة قد يكون مسألة وقت.

ومنذ بداية الاحتجاجات، أعلنت الحكومة أن مسألة الوصول إلى سوق رانجيس الدولي أو عرقلة نشاطه يعد أحد "الخطوط الحمراء" التي لا يجب تجاوزها بأي شكل من الأشكال.

نقطة أمنية لتفتيش السيارات والشاحنات بالقرب من سوق رانجيس حيث أوقفت الشرطة قافلة من جرارات المزارعين (الجزيرة)

من جهته، يرى المحلل الاقتصادي، وخبير الاقتصاد الزراعي، ثييري فوش أنه من غير الممكن التنبؤ بما سيحدث في قادم الأيام، لكن التاريخ يشير إلى أن فرنسا شهدت حملات كثيرة من غضب المزارعين منذ بداية القرن الـ20، أدت في بعض الحالات إلى أعمال عنف، بالتالي، فإن هدف حصار رانجيس قد يؤدي بالبعض إلى الانحراف عن أهداف المحتجين الأساسية.

وقال للجزيرة نت إن الأمور ستعتمد على ما ستقترحه الحكومة وما سيخلص عنه اجتماع مجلس أوروبا، خاصة بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع دول ميركوسور وأوروغواي وباراغواي والأرجنتين والبرازيل.

السوق الرمز

يعتبر سوق رانجيس رمزا للإنتاج الزراعي الفرنسي، إذ يزود نحو 18 مليون فرنسي بالمنتجات الطازجة يوميا، وفق سوق المصلحة الوطنية.

يعود تاريخ السوق إلى 27 فبراير/ شباط 1969 عندما أغلقت قاعة "هال دو باريس" أبوابها في قلب العاصمة باريس، بعد 8 قرون من تأسيسها لتنتقل بأسواقها بالجملة إلى منطقة فال دو مارن تحت اسم "رانجيس".

وعلى مساحة تقدر بنحو 234 هكتارا، أو ما يعادل 315 ملعب كرة قدم، يحتوي هذا السوق الدولي على عدة أقسام مختلفة، منها الفواكه والخضروات والمأكولات البحرية ومنتجات اللحوم ومنتجات الألبان والديكور والبستنة.

ويقول خبير الاقتصاد الزراعي، فوش إن "سوق رانجيس يمكنه إطعام منطقة إيل دو فرانس بأكملها، يعني باريس وضواحيها، التي تعد المنطقة الأقل اكتفاء ذاتيا، وتعتمد عليه كثيرا لإمداد المتاجر والمطاعم ومحلات البقالة والأسواق الأسبوعية".

وحول حصاره المستمر من قبل المزارعين، أكد فوش أنه على الرغم من أن كبار الموزعين يقولون إن لديهم ما يكفي من المخزون لمدة أسبوع تقريبا، فإن الوضع قد يتأزم إذا استمرت الاحتجاجات.

ورفضت شركة "سماريس" المكلفة بإدارة السوق التعليق للجزيرة نت على الأمر، واكتفى مسؤولها الإعلامي بالقول إن السوق "لا يزال يعمل كعادته ومخزوننا لم ينفد بعد".

ويقصد رانجيس أكثر من 26 ألف مشتر منتظم من تجار الخضار وبائعي الأسواق والمطاعم، ويعمل داخله أكثر من 13 ألف موظف في أكثر من 1400 شركة، وفق سماريس.

وبلغ حجم البضائع التي مرت بسوق رانجيس إلى 3 ملايين طن خلال عام 2022، أكثر من نصفها من المنتجات الغذائية، ووصل عدد زواره في السنة نفسها إلى 6.4 ملايين شخص، وتجاوزت مبيعاته 10.3 مليارات يورو أي ما يعادل 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي، وفق المصدر ذاته.

الشرطة اعتقلت عشرات المحتجين عقب اقتحامهم منطقة تخزين في السوق الدولي (الجزيرة) أزمة عميقة

وفي عام 2022، بلغ الإنتاج الزراعي في القارة الأوروبية نحو 552 مليار يورو، بحسب بيانات المفوضية الأوروبية، وتعدّ فرنسا الأكثر إنتاجية بنصيب 17% من إجمالي الإنتاج، تليها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال قطاع الزراعة في البلاد يعاني من عقبات لم تساعده السنوات على تخطيها، بسبب أسعار الأسمدة المرتفعة التي أثرت على تكاليف الإنتاج ودخل المزارعين، فضلا عن السياسة الزراعية المشتركة الأوروبية التي قدمت لوائح جديدة لضمان أن الإنتاج الزراعي أكثر احتراما للبيئة والتنوع البيولوجي، حسبما رأى ثييري فوش.

وقال فوش "الصفقة الخضراء التي حددتها بروكسل في عام 2019 تثير قلق حوالي 42% من المزارعين في فرنسا، لأنها تقلل استخدام منتجات مثل المبيدات الحشرية أو الأسمدة بنسبة 50%".

وأضاف "الطريقة الأخرى التي تفسر الغضب الحالي هو الاتحاد الأوروبي الذي لم يعد يولي القدر نفسه من الأهمية لزراعته".

أما المهندس الزراعي سيروني، فيرى أن الأزمة الحالية لا تتعلق بالدخل؛ لأن المزارعين لا يستطيعون تدبر أمورهم منذ 3 سنوات، كما أن التوقعات الاقتصادية لهذه السنة تبدو قاتمة، لكن المزارعين يعتقدون أنهم لا يملكون الوسائل للاستجابة لكل ما يطلبه المجتمع منهم، وهذا هو السبب العميق لما يحدث، على حد تعبيره.

وانخفضت نسبة العاملين في قطاع الزراعة في فرنسا بنسبة 75% خلال 50 عاما. فبعد أن كانوا يمثلون أكثر من 1.5 مليون مزارع في عام 1970، أصبحت أعدادهم تزيد قليلا على 390 ألفا في عام 2022.

كما سجل القطاع الزراعي 994 حالة إفلاس في عام 2022، بزيادة نسبتها 10.65 مقارنة بالعام 2021.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أکثر من عام 2022

إقرأ أيضاً:

أزمة الأسمدة عرض مستمر| هل يرتفع سعر بيع المحاصيل الزراعية؟.. نقيب الفلاحين يجيب

شهدت الساعات الأخير ارتفاعا ملحوظا في سعر الأسمدة بالسوق الحر، مما جعل المواطنين يتساءلون عن مدى تأثير هذا التحرك على أسعار المحاصيل الزراعية.

ارتفاع أسعار الأسمدة

قال حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، إن أزمة الأسمدة ما تزال مستمرة منذ شهر يونيو الماضي.

وأضاف أبو صدام خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "يحدث في مصر" الذي يقدمه الإعلامي شريف عامر، عبر شاشة "mbc مصر"، أن الأزمة حدثت بسبب نقص توفر الغاز وتراجع إنتاجية المصانع، موضحًا أن المصانع استأنفت الإنتاج لكن ليس بصورة كاملة.

وأشار أبو صدام، إلى أن إنتاجية المصانع تبلغ حاليا 70%، موضح أن المعروض من الأسمدة ما يزال قليلا، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة.

وواصل أبو صدام، أن ارتفاع أسعار الأسمدة يؤثر على التكلفة، حيث تزيد الأعباء على المزارع، لكن قد لا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بصورة مباشرة، مؤكدا أن الأمر مرتبط بالعرض والطلب.

واختتم أبو صدام، بأن هناك انخفاضًا في أسعار الطماطم والبطاطس رغم أن التكلفة كبيرة، مؤكدا أن ارتفاع أسعار الأسمدة قد يؤدي لزيادة الأسعار في حالتين هما نقص المساحات المنزرعة أو أن المزارع يستخدم أسمدة أقل فيقل الإنتاج ومن ثم يقل المعروض.

أسعار الأسمدة الآن

ارتفعت أسعار الأسمدة الحرة فى الأسواق هذا الأسبوع بواقع 1000 جنيه فى الطن ليسجل 23 ألفا لـ"اليوريا"، و21 لـ"النترات"، وذلك بالتزامن مع دخول موسم الشتاء والصقيع وإحتياج المحاصيل للتسميد.

وبلغ متوسط سعر طن سلفات النشادر 20.6% مخصوص نحو 16077.4 جنيه، بارتفاع 1165 جنيه عن سعره السابق، وفقا للبوابة الحكومية.

فيما تراوحت أسعار سلفات النشادر 20.6% في الأسواق من 5000 جنيه إلى 24 ألف جنيه للطن.

مقالات مشابهة

  • باريس "تدين" اقتحام بن غفير للمسجد الاقصى
  • الحكومة تعلق رسوم استيراد الأرز لسد حاجيات السوق واستقرار الأسعار
  • النائب بني ملحم يسال الحكومة التي تعهدت بعدم فرض ضرائب جديدة عن الـ 12 دينار
  • أكثر من 1.5 مليار دينار ديون القطاع الخاص على الحكومة
  • أنفلونزا الرجال.. لماذا الفيروس أكثر تأثيراً على الرجال؟
  • أبو صدام: الفلاحين حصلوا على مكاسب عديدة خلال عام 2024
  • إيقاف منصة بيع الدولار سـيربك السوق الموازي أكثر بالتزامن مع عطلة أعياد الميلاد - عاجل
  • بهدايا للجميع.. سوق المزارعين بالإسكندرية يحتفل بالكريسماس غدًا
  • أرسنال مهتم بالتعاقد مع مهاجم باريس سان جيرمان
  • أزمة الأسمدة عرض مستمر| هل يرتفع سعر بيع المحاصيل الزراعية؟.. نقيب الفلاحين يجيب