نختتم حكاية الخديوعباس حلمى الثاني, فى الخامس والعشرين من يوليو 1914، عندما كان فى اسطنبول، وأثناء خروجه من مقر الصدر الأعظم، قام شاب مصرى يدعى محمود مظهر مقيم هناك بإطلاق الرصاص عليه فأصابه إصابات بالغة، وأطلق البوليس النار على هذا الشاب فأرداه قتيلاً، واستراب البعض أن تكون محاولة الاغتيال بإيعاز من الصدر الأعظم نفسه الذى قيل إنه تطلع لأن يكون خديو مصر، وطار النبأ إلى مصر وفرح الناس بنجاة الخديو وتقاطرت الوفود تهنئة بالنجاة، فضلاً عن برقيات التهنئة.
وقال عباس حلمى عن الحادثة: «شعرت بانقباض صدر قبلها، وعندما رأيت الشاب يصوب المسدس تجاهى تمكنت من الإمساك بيده ودفعه بعيدًا فى الوقت الذى لم يتحرك فيه الحرس إلا متأخرا، وأصابنى بعض الرصاص ولكن فى مناطق غير مميتة، وتناثرت الدماء على ملابسى وكيس نقودى، ولكنها لم تصل إلى المصحف الذى كنت أحمله، وهذا من لطف الله وحتى لو وصلت إليه لما مس هذا من قداسته».
وبعدما تلقى الخديو العلاج اعتزم العودة إلى مصر، وأبرق إلى حسين رشدى باشا ليقوم بالترتيبات اللازمة لعودته، غير أن مفاجأة كانت بانتظاره وخيبت آماله، وهى أن الإنجليز قد رأوا أن يتم تأجيل هذه العودة وطلبوا منه أن يغادر الآستانة إلى إيطاليا للعيش مؤقتًا هناك ، إلا أنه تردد فطلب منه الرحيل لإيطاليا إلى أن تسمح الظروف بالعودة إلى مصر، فرفض أيضا, وكانت الحرب مستعرة فى ذلك الوقت بين إنجلترا وألمانيا، إلا أن إنجلترا تعرف أنه كان هناك عداء تركى للإنجليز جعلهم يتشككون فى نواياه.
وأعلنت الأحكام العسكرية فى مصر، ولما تأكدت نوايا الإنجليز فى إقصاء الخديو، وجرى الحديث عن حملة عثمانية إلى مصر لإعادته لأريكة الخديوية والتخلص من الإنجليز، وإعادة فرض السيطرة العثمانية على مصر قام الخديو من المنفى بالإعلان عن الدستور -الذى لم يرَ النور- ونص هذا الإعلان طويل جدا - وحدث الزلزال السياسى العنيف فى مصر فى 18 ديسمبر من عام 1914، الذى تمثل فى إعلان الحماية البريطانية على مصر، وفى الوقت الذى كان الخديو يحلم بدنو عودته إلى مصر، قام الإنجليز بخلعه وأقاموا البرنس حسين كامل سلطانًا على مصر، ونشر هذا الإعلان فى الجريدة الرسمية.
وإذا كان هناك جدل قد ثار حول مواقف متقلبة للخديو أثناء حكمه، فإن أحدًا لم يختلف على مجموعة من المواقف التى يمكن اعتبارها ثوابت فى فترة حكمه، التى دامت 22 عامًا وهذه الثوابت تمثلت فى الوفاء والتقدير لأسرة محمد على «الأسرة الكريمة.. وإسماعيل العظيم.. وتوفيق الوالد الطيب» على حد تعبيره دائمًا، ودعمه للشيخ على يوسف فى تأسيس صحيفة «المؤيد» وتأيده للشيخ فى قضية زواجه من بنت السادات.
وبعد حصول مصر على الاستقلال أصدر الملك فؤاد الأمر الملكى رقم 25 لسنة 1923 الذى ينظم وراثة العرش فى أسرة محمد على، وجاء فى المادة الثالثة منه نص خاص يقضى باستثناء الخديو عباس حلمى الثانى من تولى العرش - ولو استحقه طبقًا لقاعدة الأكبر من الذكور فى أسرة محمد على، ما جعل ابنه الأمير محمد عبدالمنعم يتطلع لحكم مصر فترة طويلة.
توفى الخديو فى منفاه فى سويسرا فى التاسع عشر من ديسمبر سنة 1944- خلال حكم الملك فاروق- ومن الصدفة أن تاريخ وفـاة آخر خديو لمصر والسودان، وافق نفس تاريخ خلعه عن حكم مصــــر ولكن بعد 30 عاما، ونظرا لظروف الحرب العالمية الثانية وقت وفاة الخديو عباس حلمى الثانى تعذر نقل الجثمان ليعود بعد ذلك إلى مصر فى 26 أكتوبر 1945 ويدفن فى «تربة أفندينا»، وهى المقابر الخاصة بأسرة الخديو توفيق بالقاهرة بعد حياة حافلة بالمشروعات العملاقة, والوطنية الخالصة والحب الجارف لمعشوقته التى ضحى من أجلها بكل غالٍ ونفيس.
حفظ الله مصر وأهلها
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ندى صلاح صيام شاب مصرى إلى مصر
إقرأ أيضاً:
بدر بانون:غادرت الأهلي لأجد راحتي .. وتركت أموالا كثيرة
يرى بدر بانون، مدافع قطر القطري، أن بعض المدربين المشرفين على الأندية المغربية، يفرضون سلطتهم على الجميع، مؤكدا على ضرورة تقسيم المهام بين جميع المسؤولين داخل الفرق الوطنية للظهور بصورة أفضل.
وقال بانون خلال حضوره ضيفا في بودكاست "الزاوية" عبر موقع "البطولة" المغربية: "عندما تتأخر عن موعد الحصة التدريبية في الأهلي، يقوم النادي بخصم مبلغ معين من مستحقاتك كعقاب لك، وفي المغرب لا نجد مثل هذه القوانين الصارمة".
وواصل: "'حْتّى يواصل الفريق مثل الرجاء لنِصف نهائي دوري أبطال أفريقيا، عَادْ تسمع وجود طائرة خاصة'. ليس هناك تقسيم المهام، بعدما نجد المدير الرياضي للنادي، يقوم بجميع الأدوار من خلال جلب انتدابات جديدة، والتدخل في أمور لا تعنيه".
وأوضح: "في مصر يتم إيصال أفكار الجمهور للمدرب، وفي المغرب يقوم المدرب بفرض سلطته على الجميع، 'ولاّ يقول أنَا نْجيبْ اللّي بغيتْ، ولاّ مَاتجرِيشْ عْلِيا حتّى نْكمل عَام مع الفريق'".
وأكمل بانون في حديثه بالقول: "تخليت عن مبالغ كبيرة رفقة الأهلي المصري، لأجد راحتي لأن راحتي لا تسوى أي ثمن. إذا شعرت أنني لم أحترم في مكان ما فإنني أغادر".