لجريدة عمان:
2024-11-27@06:42:39 GMT

حين نفكر جيدا!

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT

حين نفكر جيدا!

«ترى لو عاد الشهداء فماذا سيكون موقفنا مما يحصل وماذا سيكون موقفهم؟»

هو سؤال قصة الطاهر وطار، في قصته الخالدة: «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، لكن ليس سؤال هذا المقال، فعندما يطلب العابد بن مسعود من أحدهم «بالتفكير جيدا»، فإنه يتغير، ويميل للواقعية أو العقلانية كما يفهمها هو!

سي المسعي، وسي قدور، وساعي البريد، والشاب عبد الحميد، وسي المانع، والإمام، والكومنيست، ورئيس وحدة الدرك.

وبالطبع إلى جانب الشخصية الرئيسية العابد بن مسعود، وابنه الشهيد مصطفى. ترى أين كل واحد فينا منهم؟

تلكم خلود الروائع المعتمدة على الصدق، لا على الادعاء السهل. تلك الروائع التي تنقل ما في أعماقنا فعلا، وهل كان شكسبير سيبدع ما أبدعه لولا ولوجه إلى دواخل البشر-دواخلنا!

لكننا هنا، مع الطاهر وطار، الذي بسؤال واحد، هزّ مجتمع تلك القرية الجزائرية التي جعلها بلا اسم، لتكون ممثلة ورمزية لبلاد كثيرة، ومنها بلدي.

السؤال الحقيقي ربما أو الافتراضي، تعلق بما ذكره العابد بن مسعود، أن رسالة وصلته من ابنه الشهيد مصطفى تفيد بعودته، وعودة جميع شهداء القرية، والذي في مكان آخر من القصة يذكر بأنه حلم بذلك، وهكذا حلم لا بدّ أن يكون صادقا، بالاعتماد على قداسة الشهداء.

صدرت المجموعة القصصية عام 1974، أي بعد 12 عامًا على الاستقلال الذي كان 1962. وهي تتحدث عن تحولات المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، الذي كانت ضريبته المليون ونصف المليون شهيد. وهو نص في المجمل يتحدث عن النوازع الإنسانية بعد انتهاء الثورة وقيام الدولة.

نحت القصة منحى نقديا للمجتمع والمنظومة بشكل عام، من خلال اختيار مواطنين، وموظفين يمثلون بشكل من الأشكال المنظومة الحاكمة: (الإمام، والكومنيست، ورئيس وحدة الدرك).

اكتسبت قصة «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» شهرة، كونها من النصوص العربية التي انتقدت البلاد بعد الاستقلال، إثر التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي اعتبرها كثيرون صادمة، كونها جاءت بتغيرات وسلوكيات لا تنسجم مع المجتمع.

ركّز الطاهر وطار على عرض ردود فعل مستويات من الشعب، على حالة مفترضة، ألا وهي عودة شهداء القرية جميعهم، وقد أبدع الكاتب هنا في كشف الشخصيات من الداخل، خاصة بما اهتموا بمصالح حياتية، وتقدير الميزات التي حظوا بها كونهم أهل شهداء، والتي من الممكن أن تتأثر مع تغيير الحال، ألا وهي عودة الشهداء.

لقد اخترت شخصية سي المسعى، وهي شخصية عادية مسالمة، متعاطفة مع الآخرين، هكذا بدا في تعامله مع العابد بن مسعود. يحمل سي المسعى مشاعر الحنان والحنين تجاه ابنه الشهيد، وهو صادق في رؤية ابنه حاضرا في تفاصيل حياته اليومية، وهو بالرغم من مشاعره الدافئة، فإنه يبدو أنه استطاع البقاء والعيش باطمئنان ما بعد استشهاد ابنه؛ فقد تكيف مع هذا الظرف، كما أنه استفاد من الميزات التي منحتها الدولة لأهالي الشهداء، تلك الميزات التي سهلت حياتهم وخففت أحزانهم، فأصبح البقاء أكثر قوة. هي إذن شخصية قروية بسيطة، اهتمت بتحسين الدخل ومستوى المعيشة، وهي مقدرة لما تمنحه الدولة لها، وليست واعية فعلا على أن ما تقدمه الدولة أمر واجب عليها.

كان موقع شخصية «سي المسعى»، في مقدمة الشخصيات التي التقاها العابد بن مسعود، بعد استلامه الرسالة من البريد. وقد اخترت الشخصية كونها الأولى، كذلك فإنها تمثل المواطنين في القرية-الشعب، وهي من خلال استعراض باقي الشخصيات، نجدها تمثل الشريحة الجزائرية الكبرى، في التعامل مع المجتمع بعد الاستقلال.

ترتبط المفاهيم المعرفية بما أسلفنا من حديث عن صفات الشخصية ومكانها. لقد جسد «سي المسعى»، حالة الشخصية الإنسانية المسالمة المحكومة، في الاهتمام بالخلاص الفردي، وتقدير أية مزايا تقدمها الدولة للمواطنين، خاصة أهالي الشهداء. وتتنازع شخصية «سي المسعى» مشاعر متضاربة من حيث الوفاء لذكرى ابنه الشهيد، وهو الجانب الرومانسي الحالم، من جهة، والقبول بالأمر الواقع الذي حدث بعد الاستقلال من جهة أخرى.

إنه يؤكد حضور ابنه الشهيد في تفاصيل يومه، «أفرح وأقيم الأعراس»، لكن عندما يطلب منه العابد بن مسعود بالتفكير جيدا، فإنه يتغير، ويميل للواقعية أو العقلانية كما يفهمها هو: «في الحقيقة، عودة متأخرة مثل هذه، تترتب عليها مشاكل كبيرة، مشاكل عويصة. لو كانت في السنتين الأوليين للاستقلال لكانت معقولة. أما الآن بعد كل هذه السنوات، فالمسألة تتطلب تفكيرا جديا كما قلت لك»، لذلك فإنه يستأذن العابد، ليس هذا فقط، بل إنه يجد في حديث العابد بن مسعود ضربا من الجنون: «خفّ عقله. في الطريق إلى الجنون، الناس تسير إلى الأمام، وهو لما يزل مشدودا إلى الماضي...»، وعليه فإنه يتمسك بالمزايا المادية المحققة لمصالحة وخلاصه الفردي، حين يعدد مزايا كونه أبا لشهيد: معاش شهري، مؤونة، ملابس، قروض الفلاحين، مساعدته قانونيا أمام القضاء.

كون القصة تحدثت عن التحولات في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، فإنها تذكرنا بحالة الشعب الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، وتأسيس السلطة الوطنية عام 1994. لقد ظهر جدل الثورة والحكومة والمجتمع، وكيف أن الكثيرين اتجهوا نحو الخلاص الفردي لا الجمعي.

إننا ونحن نقرأ «الشهداء يعودون هذا الأسبوع، مستعرضين ردود فعل شخصيات القصة، لنجد أنفسنا أمام شخصيات المجتمع الذي نعيش فيه، ليس فقط أهالي الشهداء والجرحى والأسرى، بل بشكل عام شخصيات المجتمع إزاء التحولات الاجتماعية، والتي تموضع الغالبية باتجاهها من خلال تحقق المصالح الفردية. إنها الحالة النفسية-التوترية، التي كشفت الذات الباحثة وراء مصالحها، حيث إننا أنفسنا نقرأ أنفسنا وأهلنا ومن حولنا إزاء ما يحدث من مواقف سياسية منطلقاتها ذاتية.

سؤال مشروع: ترى لو عاد الشهداء فماذا سيكون موقفنا مما يحصل وماذا سيكون موقفهم؟

إنها مستويات الناس، حين يعرض كل واحد منهم موقفه وليعبر في الوقت ذاته عن نفسيته وشخصيته الخاصة، والهروب من الحديث الجدي عن الخلاص العام، واعتبار ذلك مثيرا للفتن ومهددا لإنجازات الوطن. إنه إذن قلق أصاب المجتمع خلال ثلاثة عقود، وما زال حاضرا.

- لكن أين سؤال هذا المقال؟

- ظننت أنك يا صاح قد فهمت الرمز، فلا تحرجني في مقالي هذا!

- بُح قليلا، وسأكون أمينا، وبالطبع لن أشي بك! هل تقصد التحولات في فلسطين؟

- مممم وما بعدها...الآن وفي بلاد كثيرة، كثيرون هم «سي المسعى»، سيختارون «سلامتك يا راسي».

- ...................

- لعلك ترحمني من التفاصيل يا صاح.

ختاما، يمكن أن نفكر جيدا، لكن ليس هناك ضامن أن نختار الطريق الصحيح، فكل وما يهتم به من خلاص فردي، لذلك سيطول تحقق الخلاص الوطني والقومي والإنساني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بعد الاستقلال ابنه الشهید

إقرأ أيضاً:

جيدا منصور لـ"الوفد": ردود الفعل على فيلم مين يصدق فاقت توقعاتي

أعربت الفنانة جيدا منصور، عن سعادتها بردود الفعل التي تلقتها عن دورها في فيلم "مين يصدق" عقب انطلاق عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لافتة إلى أن ردود الفعل فاقت توقعاتها.   

وأكدت جيدا منصور، في تصريحات خاصة لـ "بوابة الوفد"، أنه كان هناك العديد من البروفات والتحضيرات مع الفنان يوسف عمر والمخرجة زينة أشرف عبدالباقي قبل انطلاق التصوير، مضيفة أنها حرصت على مذاكرة تاريخ الشخصية لتصبح على علم بجميع تفاصيلها حتى صدقت انها هي وبعد انتهاء التصوير حاولت الخروج من تلك الشخصية. 

تفاصيل فيلم "مين يصدق"

وكان عرض الفيلم المصري "مين يصدق؟"، ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، والتي تقام ضمن فعاليات الدورة الـ 45 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

فيلم "مين يصدق" فكرة زينة عبد الباقي ومصطفي عسكر وحامد الشراب، وسيناريو وحوار زينة عبد الباقي ومصطفي خالد بهجت، وبطولة الفنان شريف منير، نادين، يوسف عمر، جيدا منصور، ويشهد الفيلم ظهورا مميزا للنجم الكبير أشرف عبد الباقي، والفيلم من إخراج زينة عبد الباقي.

فيلم "مين يصدق؟" روائي تدور أحداثه حول "نادين" التي تتخلص من حالة الفراغ التي تعيشها، بالتعرف على شاب محتال يُدعى باسم، الذي يقدم لها نوعًا من الحب والاهتمام الذي تفتقده، وتشارك نادين باسم في عمليات نصب يتورطان من خلالها في العديد من المشاكل، مما يضع قصة حبهما وأمورًا أخرى على المحك.  

مقالات مشابهة

  • «مطوري القاهرة الجديدة»: تيسيرات الحكومة للمطورين تعود بالنفع على المواطنين
  • حظك اليوم برج الأسد الأربعاء 27 نوفمبر 2024.. فكر جيدا قبل اتخاذ القرارات
  • هل يتولى مسعود أوزيل قيادة اتحاد الكرة التركي؟
  • مسعود بارزاني: العراق هو المتضرر من جره للحرب الحالية في المنطقة
  • جيدا منصور تكشف لـ"الوفد" الصعوبات التي واجهتها في فيلم مين يصدق
  • جيدا منصور لـ"الوفد": ردود الفعل على فيلم مين يصدق فاقت توقعاتي
  • النوّاب يبحث الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء
  • “الشويهدي” يناقش الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • الشويهدي يناقش الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني