لجريدة عمان:
2025-01-01@09:14:06 GMT

حين نفكر جيدا!

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT

حين نفكر جيدا!

«ترى لو عاد الشهداء فماذا سيكون موقفنا مما يحصل وماذا سيكون موقفهم؟»

هو سؤال قصة الطاهر وطار، في قصته الخالدة: «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، لكن ليس سؤال هذا المقال، فعندما يطلب العابد بن مسعود من أحدهم «بالتفكير جيدا»، فإنه يتغير، ويميل للواقعية أو العقلانية كما يفهمها هو!

سي المسعي، وسي قدور، وساعي البريد، والشاب عبد الحميد، وسي المانع، والإمام، والكومنيست، ورئيس وحدة الدرك.

وبالطبع إلى جانب الشخصية الرئيسية العابد بن مسعود، وابنه الشهيد مصطفى. ترى أين كل واحد فينا منهم؟

تلكم خلود الروائع المعتمدة على الصدق، لا على الادعاء السهل. تلك الروائع التي تنقل ما في أعماقنا فعلا، وهل كان شكسبير سيبدع ما أبدعه لولا ولوجه إلى دواخل البشر-دواخلنا!

لكننا هنا، مع الطاهر وطار، الذي بسؤال واحد، هزّ مجتمع تلك القرية الجزائرية التي جعلها بلا اسم، لتكون ممثلة ورمزية لبلاد كثيرة، ومنها بلدي.

السؤال الحقيقي ربما أو الافتراضي، تعلق بما ذكره العابد بن مسعود، أن رسالة وصلته من ابنه الشهيد مصطفى تفيد بعودته، وعودة جميع شهداء القرية، والذي في مكان آخر من القصة يذكر بأنه حلم بذلك، وهكذا حلم لا بدّ أن يكون صادقا، بالاعتماد على قداسة الشهداء.

صدرت المجموعة القصصية عام 1974، أي بعد 12 عامًا على الاستقلال الذي كان 1962. وهي تتحدث عن تحولات المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، الذي كانت ضريبته المليون ونصف المليون شهيد. وهو نص في المجمل يتحدث عن النوازع الإنسانية بعد انتهاء الثورة وقيام الدولة.

نحت القصة منحى نقديا للمجتمع والمنظومة بشكل عام، من خلال اختيار مواطنين، وموظفين يمثلون بشكل من الأشكال المنظومة الحاكمة: (الإمام، والكومنيست، ورئيس وحدة الدرك).

اكتسبت قصة «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» شهرة، كونها من النصوص العربية التي انتقدت البلاد بعد الاستقلال، إثر التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي اعتبرها كثيرون صادمة، كونها جاءت بتغيرات وسلوكيات لا تنسجم مع المجتمع.

ركّز الطاهر وطار على عرض ردود فعل مستويات من الشعب، على حالة مفترضة، ألا وهي عودة شهداء القرية جميعهم، وقد أبدع الكاتب هنا في كشف الشخصيات من الداخل، خاصة بما اهتموا بمصالح حياتية، وتقدير الميزات التي حظوا بها كونهم أهل شهداء، والتي من الممكن أن تتأثر مع تغيير الحال، ألا وهي عودة الشهداء.

لقد اخترت شخصية سي المسعى، وهي شخصية عادية مسالمة، متعاطفة مع الآخرين، هكذا بدا في تعامله مع العابد بن مسعود. يحمل سي المسعى مشاعر الحنان والحنين تجاه ابنه الشهيد، وهو صادق في رؤية ابنه حاضرا في تفاصيل حياته اليومية، وهو بالرغم من مشاعره الدافئة، فإنه يبدو أنه استطاع البقاء والعيش باطمئنان ما بعد استشهاد ابنه؛ فقد تكيف مع هذا الظرف، كما أنه استفاد من الميزات التي منحتها الدولة لأهالي الشهداء، تلك الميزات التي سهلت حياتهم وخففت أحزانهم، فأصبح البقاء أكثر قوة. هي إذن شخصية قروية بسيطة، اهتمت بتحسين الدخل ومستوى المعيشة، وهي مقدرة لما تمنحه الدولة لها، وليست واعية فعلا على أن ما تقدمه الدولة أمر واجب عليها.

كان موقع شخصية «سي المسعى»، في مقدمة الشخصيات التي التقاها العابد بن مسعود، بعد استلامه الرسالة من البريد. وقد اخترت الشخصية كونها الأولى، كذلك فإنها تمثل المواطنين في القرية-الشعب، وهي من خلال استعراض باقي الشخصيات، نجدها تمثل الشريحة الجزائرية الكبرى، في التعامل مع المجتمع بعد الاستقلال.

ترتبط المفاهيم المعرفية بما أسلفنا من حديث عن صفات الشخصية ومكانها. لقد جسد «سي المسعى»، حالة الشخصية الإنسانية المسالمة المحكومة، في الاهتمام بالخلاص الفردي، وتقدير أية مزايا تقدمها الدولة للمواطنين، خاصة أهالي الشهداء. وتتنازع شخصية «سي المسعى» مشاعر متضاربة من حيث الوفاء لذكرى ابنه الشهيد، وهو الجانب الرومانسي الحالم، من جهة، والقبول بالأمر الواقع الذي حدث بعد الاستقلال من جهة أخرى.

إنه يؤكد حضور ابنه الشهيد في تفاصيل يومه، «أفرح وأقيم الأعراس»، لكن عندما يطلب منه العابد بن مسعود بالتفكير جيدا، فإنه يتغير، ويميل للواقعية أو العقلانية كما يفهمها هو: «في الحقيقة، عودة متأخرة مثل هذه، تترتب عليها مشاكل كبيرة، مشاكل عويصة. لو كانت في السنتين الأوليين للاستقلال لكانت معقولة. أما الآن بعد كل هذه السنوات، فالمسألة تتطلب تفكيرا جديا كما قلت لك»، لذلك فإنه يستأذن العابد، ليس هذا فقط، بل إنه يجد في حديث العابد بن مسعود ضربا من الجنون: «خفّ عقله. في الطريق إلى الجنون، الناس تسير إلى الأمام، وهو لما يزل مشدودا إلى الماضي...»، وعليه فإنه يتمسك بالمزايا المادية المحققة لمصالحة وخلاصه الفردي، حين يعدد مزايا كونه أبا لشهيد: معاش شهري، مؤونة، ملابس، قروض الفلاحين، مساعدته قانونيا أمام القضاء.

كون القصة تحدثت عن التحولات في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، فإنها تذكرنا بحالة الشعب الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، وتأسيس السلطة الوطنية عام 1994. لقد ظهر جدل الثورة والحكومة والمجتمع، وكيف أن الكثيرين اتجهوا نحو الخلاص الفردي لا الجمعي.

إننا ونحن نقرأ «الشهداء يعودون هذا الأسبوع، مستعرضين ردود فعل شخصيات القصة، لنجد أنفسنا أمام شخصيات المجتمع الذي نعيش فيه، ليس فقط أهالي الشهداء والجرحى والأسرى، بل بشكل عام شخصيات المجتمع إزاء التحولات الاجتماعية، والتي تموضع الغالبية باتجاهها من خلال تحقق المصالح الفردية. إنها الحالة النفسية-التوترية، التي كشفت الذات الباحثة وراء مصالحها، حيث إننا أنفسنا نقرأ أنفسنا وأهلنا ومن حولنا إزاء ما يحدث من مواقف سياسية منطلقاتها ذاتية.

سؤال مشروع: ترى لو عاد الشهداء فماذا سيكون موقفنا مما يحصل وماذا سيكون موقفهم؟

إنها مستويات الناس، حين يعرض كل واحد منهم موقفه وليعبر في الوقت ذاته عن نفسيته وشخصيته الخاصة، والهروب من الحديث الجدي عن الخلاص العام، واعتبار ذلك مثيرا للفتن ومهددا لإنجازات الوطن. إنه إذن قلق أصاب المجتمع خلال ثلاثة عقود، وما زال حاضرا.

- لكن أين سؤال هذا المقال؟

- ظننت أنك يا صاح قد فهمت الرمز، فلا تحرجني في مقالي هذا!

- بُح قليلا، وسأكون أمينا، وبالطبع لن أشي بك! هل تقصد التحولات في فلسطين؟

- مممم وما بعدها...الآن وفي بلاد كثيرة، كثيرون هم «سي المسعى»، سيختارون «سلامتك يا راسي».

- ...................

- لعلك ترحمني من التفاصيل يا صاح.

ختاما، يمكن أن نفكر جيدا، لكن ليس هناك ضامن أن نختار الطريق الصحيح، فكل وما يهتم به من خلاص فردي، لذلك سيطول تحقق الخلاص الوطني والقومي والإنساني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بعد الاستقلال ابنه الشهید

إقرأ أيضاً:

الاستقلال وإبدال حالة الفقر السياسي

زين العابدين صالح عبد الرحمن

تمر على السودان ذكرى الاستقلال و البلاد تعيش في حرب تهدف إلي تفتيته و استغلال ثرواته، و معاناة للشعب لم تحصل في تارخه المعاصرو القديم، و رغم أن الاستقلال قد حققته عناصر وطنية بالعمل السياسي بعيدا عن المعارك العسكرية و حمل السلاح، و لكن بعد أكثر من ست عقود بعد الاستقلال، يجد الشعب السوداني نفسه مضطرا لحمل السلاح دفاعا عن الوطن و العرض، حيث يواجه هجمة إمبريالية شرسة تستخدام فيها عناصر سودانية، و عشرات الآلاف من مرتزقة لعدد من دول الجوار و القارة الأفريقية، حتى وصلت إلي جلب مرتزقة من دول أمريكا الاتينية، و روسيا فاغنر و مناصات إعلامية في عدد من الدول كلها تدار تحت رعاية دولة الأمارات التي تصرف مئات الملايين على الدعم بالسلاح و شراء المرتزقة و طابور خامس من السياسيين، الذين يشكلون الجناح السياسي للميليشيا..
قال مختار النور المستشار القانوني لقائد الميليشيا الذي لا يعرف إذا كان ميتا أو حيا مقعدا، قال لقناة "الجزيرة مباشر" أنهم بصدد تشكيل حكومة في المنفى أو في الأراضي التي تسيطر عليها الميليشيا، و قال أن هناك قوى سياسية و مدنية التي تشكل تحالف " تقدم" هي التي تجري الحوار من أجل تشكيل هذه الحكومة، و عندما سأله المذيع أحمد طه من هي القوى رفض الإفصاح عنها و عندما قال له المذيع أن عدد من رؤساء الأحزاب قد أكدوا معارضتهم لتشكيل هذه الحكومة منهم برمة ناصر و الدقير.. قال المختار أن برمة موافق عليها و دليله على ذلك الحوار الذي كانت قد أجرته معه جريدة " التغيير الألكترونية" التي تعد صوت تحالف " تقدم" و بالفعل في اللقاء؛ أن برمة ناصر أكد على موافقتهم على تشكيل الحكومة بهدف إنتزاع الشرعية من حكومة بورتسودان حسب ما جاء في اللقاء.. و أن حديث شريف محمد عثمان لقناة " سودانية 24" يؤكد أن هناك خلافا داخل حزب المؤتمر السوداني سببه تشكيل حكومة في المنفى.. عندما أراد عمر الدقير في اللقاء الذي كان قد أجرته معه قناة " الجزيرة مباشر" أن يخرج بمعادلة سياسية جديدة يعيد فيها حساباته من جديد.. نجد أن شريف محمد عثمان أراد التصعيد و محاولة تبرئة الميليشيا من العملية الانقلابية التي قامت بها في 15 إبريل 2023م، مما يؤكد أن الأجندة الأجنبية هي التي تتحكم في توجيه بوصلة المسير..
هناك البعض الذين يحاججون أن الكل كان موافق على "الاتفاق الإطاري"السؤال الجوهري الذي يحاول الكل الهروب منه.. من الذي جاء بفكرة "الإتفاق الإطاري"؟ لآن صاحب الفكرة هو الذي يحدد مسارها و تفاصيلها و القوى التي يجب أن تشارك فيه.. الفكرة هي أمريكية جاءت بها مساعدة وزير الخارجية الأمريكي " مولي في" و هي التي استطاعت أن توظف الثلاثية و الرباعية و البعثة الأممية و الاتحاد الأوربي لدعمها، و الوقوف إلي جانب قوى بعينها دون الآخرين، لذلك كانت القيادات السياسية في " الإتفاق الإطاري" قد تمسكت بعدم إغراقها.. أرجعوا إلي الكلمة التي قالها البرهان عند موافقته على الاتفاق الإطاري، حيث قال (لابد من توسيع "الاتفاق الإطاري" لكي يشمل كل القوى السياسية دون الوقوف عند قوى محدودة) حيث كانت خارج قوى "الاتفاق الإطاري" عدد من القوى السياسية منها الاتحادي الأصل و الشيوعي و البعثيين بمجموعاتهم المختلفة إلا شخص واحد وزوجته، و الحركات المسلحة و الكتلة الديمقراطية، و هذه كانت كفيلة أن تحدث تحديا للاتفاق الإطاري الذي لم يكن له قاعدة اجتماعية غير قاعدة حزب الأمة و البقية هي أحزاب ذات مجموعات محدودة، و تجاربها و خبراتها السياسية محدودة..
أن الجري وراء " مفاوضات" مع الميليشيا لإعادتها إلي العملية السياسية و العسكرية مسألة أصبحت غير مقبولة، و حتى منبر جدة بهدف أن تنفذ الميليشيا الاتفاق الذي كانت قد وقعت عليه مسألة تجاوزتها الأحداث حيث أن الميليشيا أصبحت عبارة عن مجموعات في جزر معزولة ليس لها قيادة تجبرها على التنفيذ، و لم يبق إلا هدف واحد هو القضاء تماما على الميليشيا، أو استسلامها، و يعني ذلك أن المعادلة السياسية سوف تتغير تماما.. نهاية الحرب سوف تبرز قيادات جديدة هي التي تصنع سودان المستقبل..
يجب قبل أية عملية سياسية، و بعد أنهاء الحرب يجب على السلطة أن تعلن عن انتخابات لمجالس الأحياء، و انتخابات للنقابات بعد تعديل قانون النقابات حتى تكون هناك قيادة شرعية، و وحدها التي يحق لها أن تتحدث بأسم الشعب دون الأخرين.. ثم يتم تعديل لقانون الأحزاب و ينص على " أن لا يحق لأي شخص أن يترشح لقيادة الحزب أكثر من دورتين" و يجب الإصرار على تطبيقها مرتين قبل إعلان انتخابات عامة في البلاد.. لكي تحسم عملية احتكارية القيادة و احتكارية الأسر و الشلليات و الجهويات للأحزاب السياسية، و يفتح باب القيادة للأجيال الجديدة التي تحمل رؤى جديدة مغايرة للتي كانت.. أن الانتخابات الدورية للأحزاب و منع احتكارية القيادة سنين لأشخاص بعينهم هي وحدها التي سوف تجدد الأحزاب و تحدث فيها تغيرات جوهرية تنظيمية و فكرية، و يصعد آهل الإبداع و الأفكار بديلا لشلليات المحسوبية و الانتهازيين و الوصوليين و ضاربي الدفوف و مرددي الشعارات الجوفاء..نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو .. تهنئة البرهان في عيد الاستقلال السوداني
  • مركز حماية الصحفيين: عدد الصحفيين الشهداء في غزة يتجاوز ثلاثة أضعاف ضحايا الحرب العالمية الثانية
  • المؤتمر يوصي بدعم الابتكار في تصميم الأجهزة والتطبيقات التي تلبي احتياجات ذوي القدرات الخاصة
  • الاستقلال وإبدال حالة الفقر السياسي
  • بيتزي: درسنا المنافس جيداً وجاهزون للفوز
  • بمناسبة ذكرى الاستقلال.. «الباعور» يتلقى رسائل تهنئة من وزراء خارجية عدة دول
  • حادث ورقلة.. إرتفاع الحصيلة إلى 40 جريحاً
  • تطورات جديدة في قضية تفجير شارع الاستقلال
  • إصابة 15 شخصا في حادث مرور بورقلة
  • مسعود بارزاني يهنئ بهاء الدين بإعادة انتخابه على رأس الاتحاد الإسلامي