«ترى لو عاد الشهداء فماذا سيكون موقفنا مما يحصل وماذا سيكون موقفهم؟»
هو سؤال قصة الطاهر وطار، في قصته الخالدة: «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، لكن ليس سؤال هذا المقال، فعندما يطلب العابد بن مسعود من أحدهم «بالتفكير جيدا»، فإنه يتغير، ويميل للواقعية أو العقلانية كما يفهمها هو!
سي المسعي، وسي قدور، وساعي البريد، والشاب عبد الحميد، وسي المانع، والإمام، والكومنيست، ورئيس وحدة الدرك.
تلكم خلود الروائع المعتمدة على الصدق، لا على الادعاء السهل. تلك الروائع التي تنقل ما في أعماقنا فعلا، وهل كان شكسبير سيبدع ما أبدعه لولا ولوجه إلى دواخل البشر-دواخلنا!
لكننا هنا، مع الطاهر وطار، الذي بسؤال واحد، هزّ مجتمع تلك القرية الجزائرية التي جعلها بلا اسم، لتكون ممثلة ورمزية لبلاد كثيرة، ومنها بلدي.
السؤال الحقيقي ربما أو الافتراضي، تعلق بما ذكره العابد بن مسعود، أن رسالة وصلته من ابنه الشهيد مصطفى تفيد بعودته، وعودة جميع شهداء القرية، والذي في مكان آخر من القصة يذكر بأنه حلم بذلك، وهكذا حلم لا بدّ أن يكون صادقا، بالاعتماد على قداسة الشهداء.
صدرت المجموعة القصصية عام 1974، أي بعد 12 عامًا على الاستقلال الذي كان 1962. وهي تتحدث عن تحولات المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، الذي كانت ضريبته المليون ونصف المليون شهيد. وهو نص في المجمل يتحدث عن النوازع الإنسانية بعد انتهاء الثورة وقيام الدولة.
نحت القصة منحى نقديا للمجتمع والمنظومة بشكل عام، من خلال اختيار مواطنين، وموظفين يمثلون بشكل من الأشكال المنظومة الحاكمة: (الإمام، والكومنيست، ورئيس وحدة الدرك).
اكتسبت قصة «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» شهرة، كونها من النصوص العربية التي انتقدت البلاد بعد الاستقلال، إثر التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي اعتبرها كثيرون صادمة، كونها جاءت بتغيرات وسلوكيات لا تنسجم مع المجتمع.
ركّز الطاهر وطار على عرض ردود فعل مستويات من الشعب، على حالة مفترضة، ألا وهي عودة شهداء القرية جميعهم، وقد أبدع الكاتب هنا في كشف الشخصيات من الداخل، خاصة بما اهتموا بمصالح حياتية، وتقدير الميزات التي حظوا بها كونهم أهل شهداء، والتي من الممكن أن تتأثر مع تغيير الحال، ألا وهي عودة الشهداء.
لقد اخترت شخصية سي المسعى، وهي شخصية عادية مسالمة، متعاطفة مع الآخرين، هكذا بدا في تعامله مع العابد بن مسعود. يحمل سي المسعى مشاعر الحنان والحنين تجاه ابنه الشهيد، وهو صادق في رؤية ابنه حاضرا في تفاصيل حياته اليومية، وهو بالرغم من مشاعره الدافئة، فإنه يبدو أنه استطاع البقاء والعيش باطمئنان ما بعد استشهاد ابنه؛ فقد تكيف مع هذا الظرف، كما أنه استفاد من الميزات التي منحتها الدولة لأهالي الشهداء، تلك الميزات التي سهلت حياتهم وخففت أحزانهم، فأصبح البقاء أكثر قوة. هي إذن شخصية قروية بسيطة، اهتمت بتحسين الدخل ومستوى المعيشة، وهي مقدرة لما تمنحه الدولة لها، وليست واعية فعلا على أن ما تقدمه الدولة أمر واجب عليها.
كان موقع شخصية «سي المسعى»، في مقدمة الشخصيات التي التقاها العابد بن مسعود، بعد استلامه الرسالة من البريد. وقد اخترت الشخصية كونها الأولى، كذلك فإنها تمثل المواطنين في القرية-الشعب، وهي من خلال استعراض باقي الشخصيات، نجدها تمثل الشريحة الجزائرية الكبرى، في التعامل مع المجتمع بعد الاستقلال.
ترتبط المفاهيم المعرفية بما أسلفنا من حديث عن صفات الشخصية ومكانها. لقد جسد «سي المسعى»، حالة الشخصية الإنسانية المسالمة المحكومة، في الاهتمام بالخلاص الفردي، وتقدير أية مزايا تقدمها الدولة للمواطنين، خاصة أهالي الشهداء. وتتنازع شخصية «سي المسعى» مشاعر متضاربة من حيث الوفاء لذكرى ابنه الشهيد، وهو الجانب الرومانسي الحالم، من جهة، والقبول بالأمر الواقع الذي حدث بعد الاستقلال من جهة أخرى.
إنه يؤكد حضور ابنه الشهيد في تفاصيل يومه، «أفرح وأقيم الأعراس»، لكن عندما يطلب منه العابد بن مسعود بالتفكير جيدا، فإنه يتغير، ويميل للواقعية أو العقلانية كما يفهمها هو: «في الحقيقة، عودة متأخرة مثل هذه، تترتب عليها مشاكل كبيرة، مشاكل عويصة. لو كانت في السنتين الأوليين للاستقلال لكانت معقولة. أما الآن بعد كل هذه السنوات، فالمسألة تتطلب تفكيرا جديا كما قلت لك»، لذلك فإنه يستأذن العابد، ليس هذا فقط، بل إنه يجد في حديث العابد بن مسعود ضربا من الجنون: «خفّ عقله. في الطريق إلى الجنون، الناس تسير إلى الأمام، وهو لما يزل مشدودا إلى الماضي...»، وعليه فإنه يتمسك بالمزايا المادية المحققة لمصالحة وخلاصه الفردي، حين يعدد مزايا كونه أبا لشهيد: معاش شهري، مؤونة، ملابس، قروض الفلاحين، مساعدته قانونيا أمام القضاء.
كون القصة تحدثت عن التحولات في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، فإنها تذكرنا بحالة الشعب الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، وتأسيس السلطة الوطنية عام 1994. لقد ظهر جدل الثورة والحكومة والمجتمع، وكيف أن الكثيرين اتجهوا نحو الخلاص الفردي لا الجمعي.
إننا ونحن نقرأ «الشهداء يعودون هذا الأسبوع، مستعرضين ردود فعل شخصيات القصة، لنجد أنفسنا أمام شخصيات المجتمع الذي نعيش فيه، ليس فقط أهالي الشهداء والجرحى والأسرى، بل بشكل عام شخصيات المجتمع إزاء التحولات الاجتماعية، والتي تموضع الغالبية باتجاهها من خلال تحقق المصالح الفردية. إنها الحالة النفسية-التوترية، التي كشفت الذات الباحثة وراء مصالحها، حيث إننا أنفسنا نقرأ أنفسنا وأهلنا ومن حولنا إزاء ما يحدث من مواقف سياسية منطلقاتها ذاتية.
سؤال مشروع: ترى لو عاد الشهداء فماذا سيكون موقفنا مما يحصل وماذا سيكون موقفهم؟
إنها مستويات الناس، حين يعرض كل واحد منهم موقفه وليعبر في الوقت ذاته عن نفسيته وشخصيته الخاصة، والهروب من الحديث الجدي عن الخلاص العام، واعتبار ذلك مثيرا للفتن ومهددا لإنجازات الوطن. إنه إذن قلق أصاب المجتمع خلال ثلاثة عقود، وما زال حاضرا.
- لكن أين سؤال هذا المقال؟
- ظننت أنك يا صاح قد فهمت الرمز، فلا تحرجني في مقالي هذا!
- بُح قليلا، وسأكون أمينا، وبالطبع لن أشي بك! هل تقصد التحولات في فلسطين؟
- مممم وما بعدها...الآن وفي بلاد كثيرة، كثيرون هم «سي المسعى»، سيختارون «سلامتك يا راسي».
- ...................
- لعلك ترحمني من التفاصيل يا صاح.
ختاما، يمكن أن نفكر جيدا، لكن ليس هناك ضامن أن نختار الطريق الصحيح، فكل وما يهتم به من خلاص فردي، لذلك سيطول تحقق الخلاص الوطني والقومي والإنساني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بعد الاستقلال ابنه الشهید
إقرأ أيضاً:
قصائد عن عيد الاستقلال الأردني
عيد الاستقلال الأردني هو واحد من أهم الأعياد الوطنية التي تحتفل بها دولة الأردن، ويتم الاحتفال بهذا اليوم بالخامس والعشرين من شهر أيار من كلِّ عام؛ ويعتبر عيد الاستقلال الأردني يوم عطلة رسميّة في كافة مؤسسات دولة الأردن، ويوجد العديد من القصائد التي تغنّت بالأردن وأشهرها ما يأتي:
اقرأ ايضاًفدوى لأردن أَشْرَق فِي الْوِجْدَانِ مرآكا
وَجَنَّةُ الْخُلْدِ أَهْدَت بَعْض معناكا
نَسِيج وَحْدَك أَنْت الْحَسَن يَا وَطَنِي
هَذَا الْجَمَالُ وَهَذَا السِّحْر تاجاكا
هَتَفَت بِاسْمِك تحنانا وَتَعْلِيَة
فَنُور الْقَلْبِ مِنْ رُؤْيَا محياكا
كُلّ الشَّقَائِق فِي بَطْحَاء أَرَدْنَا
إكْلِيل غَار وَحُبّ حِين نلقاكا
إذَا عطشتِ وَكَانَ الْمَاءُ ممتنعـــــــا
فلتشربي مِنْ دِمَاءِ الزَّنْد يَا بَلَدِي
وَإِذَا سَقَطَتْ عَلَى دَرْب الفدا قَطْعًا
أُوصِيك أُوصِيك بِالأُرْدُنّ يابلدي
يا طير يللي بالسما فوق ويعانق بالسحاب
ايش اللي شفته فوقنا بالمجد وبالعزة غني
أذكر ما شفت وقولها ترى طاب هرجك طاب
أذكر تاريخ امجادنا واشرح يا طير وأعطني
رد الخبر يا طيرنا وبس انت أعطيني جواب
يا محلى هالخبر ويا زينة هات علم ومدني
قال اللي شفته فوق والله ألوان العجاب
أحمر وأخضر واسود وأبيض لعنده يشدني
ما هو لغز يا طيرنا واللي وصفته صاب
وفيما يلي اجمل شعر عن عيد الاستقلال للاطفال:
علّقت رسمك وشمًا في عرى كبدي **** وقال حسّادنا ما لم يقل أبدًا
وحاولوا صدنا عن بعضنا زمنًا **** وما دروا أنّنا روحان في جسد
قد أسّستنا على الصّبر الجميل يد **** وعلّمتنا معًا أن الرجال على
ما أصعب البدء، لكن الهواشم هم **** أبا طلال وهذا اليوم يومك يا
لقد حفظت دمي طفلًا ولو بيدي **** أبا العروبة لو أن العروبة قد
لواجهت قسوة الدّنيا بوحدتها **** إنّي أقول وما في القول من حرج
همّ النّخيل الأصيل المستظلّ به **** يا أردنيون إمّا مر واحدكم
فإنّ، تحت الثّرى أو فوقه مهجًا **** ما زال جمر أبي الثّوار متقدًا
لم تنطفئ ناره يومًا وما برحت **** هي الرسالة كلّفنا بها شرفًا
قد حاربتنا عليها الأرض قاطبةً **** ويَحسبُ النّاس فقر الأردني غنى
ويحسدون عيونًا لا تنام على **** أقول ما قاله البيت القديم لهم
ما في القلوب لغير الحبّ متسع **** وليس إلّا هوى الأحرار يسكنها
أبا الحسين لقد وفّيت في زمن **** وللعروبة والإسلام ما لهما
إنّا على العهد فاذهب يا معلّمنا **** إنّا على العهد فامض يا معلمنا
الأردن انت المحبة والمحبة والرب
تحدث يا أحمد عن مجد الكتب
فيك الشرايين والأوردة
وأي واحد يؤذيني ويجعلني مريضا
"عمان" أي نجوى فيك تبلغني
ريا وأي وحي منك انسكب
ينفتح في شوقها ألف مضطرب
ليس لدينا رأي في أي من السد منزعج
يمر بكل خطوة في طريقه
ولا حياء ولا عار يضيقانه
يبلغ ارتفاع سهول “إربد” أشواكها
تيه وأرش في وادي العنب
إذا قام حزبي بذلك على عجل
تكاد الأحزان والألم تقتلني
إذا كان هذا هو شكوكي ، فلن أجمعنا
قد يكون العالم ممكناً في لقا عرب
سوف ترعى "السلط" وستفرح الأودية
نشوى في وادي الشطا المطر يتساقط
نظرت إلى الأسفل على الغور من أعلى منحدراته
فندا شغف فندحت حدحد
فالسيرو صباح والطيار في رغد
أدرك الله كم أشرق الذهب فيك
الفخر في القنب "الأزرق" هو مرعى
فسبحانه دانت له
وترتبط فكرة دارات "الزرقاء"
والعلم والمنتدى والشعر والأدب
والجيش في رامز الصحراء منظم
يحمي تنبيه الحمى للوعد القادم
فكرة "كراك" الجميلة تحترق
والمجد في "الكرك" السماء والحساب
والنخلة في النجالة "الكرك" منبسطة
والعهد الرمزي في "الكرك" منتظر
والنور في "صدع" الضحية يحترق
والوعد في "الكرك واسانة مكتلب".
مرت "معان" أو قبلة شفتي
كما يمر على وهج اللذى اللهب
فيك انفتح رجال "لعبد الله"
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن