سؤال أصبح مطروحًا بقوّة على الساحة السياسية التركية في أعقاب موافقة البرلمان على قَبول عضوية السويد في حلف الناتو، وما تبع هذا الإعلان من تصريحات ومواقف أميركيّة حملت رسائل إيجابية، تشير في مجملها إلى أن مرحلة الخلافات التركية – الأميركية قد طُويت صفحاتها أو كادت، وأن المرحلة المقبلة ربما تشهد المزيد من التقارب بين الحليفَين في العديد من الملفات الخلافية بينهما، والتي أدّت إلى تراجع علاقتهما إلى أدنى مستوى لها منذ عقود.

مكاسب متباينة

المكاسب التي حصلت عليها تركيا من موافقتها على قبول عضوية السويد في حلف الناتو، تتخطّى في مجموعها زيادة تقاربها مع دول الاتحاد الأوروبي، وإثبات ولائها للحلف، بعد أن حقّقت رغبة دوله في تشكيل جبهة موسعة ضد موسكو؛ تحسبًا لما يمكن أن تسفر عنه الحرب الروسية – الأوكرانية من نتائج، رغم العلاقات الحميمة والمصالح المشتركة التي تربطها مع جارتها روسيا.

إذ نجحت تركيا في إجبار السويد على تعديل دستورها، وإقرار قانون جديد لمكافحة الإرهاب، وإلغاء الجنسيات الممنوحة لعدد من عناصر حزب العمال الكردستاني المطلوبين لدى القضاء التركي، ومصادرة أموال بعضهم من المصارف السويدية، والحد من نشاطاتهم العدائية ضد الدولة التركية ورموزها السياسية.

هذا إلى جانب قيامها برفع الحظر عن تصدير الأسلحة لتركيا، ومن بعدها اتخذت هولندا الموقف نفسه، ولحقت بهما مؤخرًا كندا، التي أعلنت عن إلغاء كافة القيود التي كانت تعرقل عمليات بيع الأسلحة الكندية لتركيا منذ عام 2020.

عضوية السويد

تخطي السويد عقبة تركيا أمام عضويتها في الناتو، جاء في إطار المقايضة التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا، مقابل إتمام صفقة بيعها 40 طائرة من طائرات "إف- 16" المحدثة بقيمة 23 مليار دولار، إلى جانب الحصول على حوالي 80 مجموعة من قطع الغيار لتحديث قدرات سلاحها الجوي بقيمة 20 مليار دولار.

حيث أعلن البيت الأبيض عن قيامه بإبلاغ الكونغرس، رسميًا، بعزمه المضي قدمًا في طريق إتمام صفقة بيع طائرات حربية من طراز "إف- 16" المحدثة لتركيا، عقب تصديق الرئيس التركي على مذكرة البرلمان مباشرة، وكأنه بهذا الإعلان يفي بالتزامه بجزئه الخاص من هذه المقايضة، وبوعده الذي قطعه لإتمامها.

ورغم هذا، فإنّ التصريحات التي صدرت من بعض مسؤولي البيت الأبيض،  والخطوات التي اتخذت بعد ذلك تشير إلى أنّ العلاقات بين البلدين سوف تأخذ منحًى مغايرًا لما هي عليه الآن.

كما أن هناك إمكانية كبيرة لعودة التعاون بينهما في العديد من الملفات، والقضايا الإقليمية والدولية التي تتقاطع فيها مصالحهما، مثل: الملف الليبي، والسوري، والعراقي بما يمنح أنقرة مكاسب جمّة لطالما طمحت إلى تحقيقها، وأعاقتها واشنطن.

الانسحاب من سوريا والعراق

انتشرت مؤخرًا عدّة تسريبات متلاحقة تفيد بوجود رغبة لدى الولايات المتحدة في سحب قواتها المتواجدة بكل من شمال العراق (2500 جندي)، وشرق سوريا (900 جندي)، وهي الرغبة التي تتوافق مع رؤية تركيا للوجود العسكري الأميركي في كلا البلدين.

حيث أُعلن على لسان العديد من المسؤولين الأميركيين عن وجود نقاشات جدية مكثفة تجري حاليًا داخل أروقة البيت الأبيض لبحث كيفية وتوقيت الانسحاب من الأراضي السورية والعراقية، وأن هناك يقينًا لدى مسؤولين داخل الإدارة الأميركية ومقربين من الرئيس جو بايدن يرون أنّ الاستمرار العسكري الأميركي في كلا البلدين لم يعد ضروريًا.

ورغم مسارعة الخارجية الأميركية لنفي هذه التسريبات، وتأكيدها عدم وجود مثل هذا التوجه لدى واشنطن، وأنهم مصرّون على استمرار التواجد الأميركي في المنطقة؛ حفاظًا على مصالح أميركا وحلفائها، فإنّ الحديث عن سحب القوات الأميركية من المنطقة في هذا التوقيت يبدو أمرًا منطقيًا بالنظر إلى موقف واشنطن الصامت تجاه العمليات العسكرية التركية في كل من الشمالَين: السوري والعراقي.

وتحديدًا في المناطق التي تتمركز فيها قواتها، وعدم اتخاذها أي رد فعل يشير إلى رفضها هذه العمليات أو المطالبة بوقفها.

هذا إلى جانب الهجمات التي تعرضت لها قواتها على الأرض في البلدين، والخسائر التي تكبدتها في الأرواح والمعدات، وحجم الإخفاقات التي تعرضت لها، وفشل الإدارة الأميركية في تحقيق أهدافها التي سعت إليها من خلال تواجدها على الأرض هناك.

وأيضًا ما يواجهه هذا التواجد العسكريّ من معارضة قوية سواء من جانب المسؤولين في كل من بغداد ودمشق، الذين يرون فيه احتلالًا لأراضيهم، أو من جانب كل من تركيا، وروسيا، وإيران، إضافة إلى تصاعد التوترات في البحر الأحمر، والأراضي الفلسطينية.

بثّ الطمأنينة

أما نفي الخارجية الأميركية، فيأتي على الأغلب في إطار محاولاتها لبث الطمأنينة في نفوس كل من قوات وحدات حماية الشعب (قسد) وعناصر حزب العمال الكردستاني شركائها في المنطقة، عبر رسالة مفادها أنها لن تتخلى عنهم، ولن تتركهم لقمة سائغة في أفواه أنقرة وطهران، كما سبق أن حدث من قبل.

ولعل التصريحات التي صدرت مؤخرًا من جانب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن – عن استمرار وجود خطر عناصر تنظيم الدولة، المتواجدين في الكثير من النقاط داخل المناطق، وأن الحرب ضدهم لا تزال مستمرة – تصبّ في هذا الاتجاه، للتأكيد على أن تحالف بلاده معهم لا يزال قائمًا، وأن دورهم لم ينتهِ، وأن واشنطن ماضية قُدمًا في تعاونها معهم، رغم محاولات الوقيعة بينهما.

إخراج القوات الأميركية من العراق وسوريا يعني تلقائيًا وقف الدعم العسكري واللوجيستي عن عناصر حزب العمال الكردستاني، وقوات حماية الشعب، وخروجهم من تحت عباءة الحماية الأميركية الأمر الذي سيصبّ حتمًا في صالح تركيا، ويمنحها القدرة على إعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة بالتوافق مع كل من قيادات البلدين في سوريا والعراق، إضافة إلى روسيا وإيران، بما يضمن لها حماية حدودها، والحفاظ على أمنها القومي.

تركيا واليونان

من المكاسب التركية التي حصدتها أنقرة أيضًا جراء إيجابية الولايات المتحدة تجاهها، تمثلت في سعي الأخيرة لتنقية أجواء العلاقات التركية – اليونانية، بصفتهما حليفتَيها المقربتَين، ودفعهما إلى الجلوس مجددًا على طاولة المفاوضات لوضع حدّ لخلافاتهما، وإزالة التوتر بينهما، وهو ما أسفر عن إعلان أثينا موافقتها على إتمام صفقة طائرات "إف-16" لتركيا، التي كانت تعارضها بشدة، وسعت إلى عرقلتها لدى الكونغرس.

صحيح أنها حصلت من واشنطن في المقابل على 40 طائرة من طراز "إف – 35" بقيمة 8 مليارات دولار، إلا أن قبولها بمد جارتها بطائرات "إف-16" المحدّثة دون الحديث عن أن هذا يزيد من قدرات تركيا العسكرية- وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لها- ساهم في تلقي أنقرة تصريحات رئيس وزرائها كيرياكوس ميتسوتاكيس بارتياح بالغ.

إذ أكد رغبته في تعزيز الأجواء الإيجابية القائمة حاليًا بين بلاده وتركيا إثر الدعم الذي قدمته أثينا لجارتها أثناء كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في فبراير/شباط من العام الماضي.

مشيدًا وللمرة الأولى بالصناعات الدفاعية التركية وبقدراتها العسكرية غير المسبوقة، وبرغبته في إيجاد آلية للتعاون بينهما في هذا المجال، مؤكدًا قيامه بزيارة أنقرة في شهر مايو/ أيار المقبل.

معربًا عن تفاؤله بشأن إمكانية التوصل إلى حلّ لمسألة تحديد الصلاحيات البحرية العالقة بينهما، والتي تعدّ من أهم القضايا الخلافية التي تعيق تقدّم العلاقات بين البلدين.

تطورات إيجابية على صعيد أكثر من ملفّ، ومكاسب متتالية، ما يؤكد أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تحسنًا مطردًا في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، لكن اللافت في هذه العودة أنها لن تكون وفق رؤية التابع والمتبوع التي أرادتها واشنطن، بل ستكون وفق الرؤية التركية التي تستند إلى الوقوف على قدم المساواة بينهما، وتحكمها المصالح المشتركة لكل منهما دون إملاءات أو اشتراطات، كما كان عليه الوضع من قبلُ.

 

 

 

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

مقتل فتى سوري في تركيا طعنا خلال أعمال عنف طالت لاجئين سوريين

لقي فتى سوري حتفه في ولاية أنطاليا غربي تركيا بعد تعرضه للطعن على أيدي مجموعة من المواطنين الأتراك، وذلك خلال موجة الاعتداءات التي طالت لاجئين سوريين وممتلكاتهم في عموم البلاد خلال الأيام الماضية.

وذكرت صحيفة "يني شفق" التركية، أن الفتى السوري أحمد النايف (17 عاما) تعرض للطعن حتى الموت على قارعة الطريق من قِبل ثلاثة أشخاص أوقفوه أثناء عودته من العمل إلى منزله في منطقة سيريك بأنطاليا.

وأضافت الصحيفة أن "الفتى السوري، الذي كان يعمل على إعالة أسرته، راح ضحية الخطابات العنصرية والتحريض على كراهية الأجانب".

من جهتها، قالت صحيفة "جازيته جرافيتي" التركية، الأربعاء، إن السلطات الأمنية ألقت القبض على 3 أشخاص مشتبه بهم بالحادثة، وهم من أصحاب السوابق الجنائية.

17 Yaşında
Ahmet el Naif

Hiçbir olayla alakası yokken,
Antalya'da işinden evine dönerken,
3 faşist önünü kesip bıçaklayarak öldürüyor.

Katiller yakalandı... pic.twitter.com/3vNip6NSQ4 — Selâmi Haktan (@slmhktn) July 3, 2024
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي ضجت الأربعاء بمقطع مصور يظهر الفتى السوري وهو ملقى على قارعة أحد الطرقات والدماء تغطي أجزاء من جسده.

ووقعت الحادثة في سياق أعمال العنف التي انتشرت في العديد من الولايات التركية خلال الأيام الماضية بعد إقدام عشرات الأتراك على حرق منازل وممتلكات تعود للاجئين سوريين في ولاية قيصري وسط تركيا، مساء الأحد.

وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، في بيان، اعتقال 474 شخصا تورطوا في أعمال تحريض ضد اللاجئين بعدد من الولايات التركية بعد أحداث قيصري، بينهم 285 من أصحاب السوابق الجنائية.


وفي أول تعليق له على الاعتداءات في قيصري، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه "من غير الممكن تحقيق أي هدف من خلال تأجيج معاداة الأجانب وكراهية اللاجئين في المجتمع"، مشيرا إلى أن "أحد أسباب الأحداث المؤسفة التي ارتكبتها مجموعة صغيرة في ولاية قيصري هو خطاب المعارضة السام".

وسرعان ما انتقلت التوترات إلى مناطق سيطرة القوات التركية في شمال غرب سوريا، حيث شهدت مناطق مختلفة تظاهرات منددة بالاعتداء على اللاجئين السوريين في تركيا، وقد تخلل موجة الاحتجاج مظاهر مسلحة رافقها إنزال للعلم التركي عن المباني الرسمية.

تجدر الإشارة إلى أن الأرقام الرسمية التي كشفت عنها وزارة الداخلية التركية الشهر المنصرم، توضح وجود 3 ملايين و114 ألفا و99 سوريا يعيشون في تركيا تحت بند الحماية المؤقتة (الكمليك).

مقالات مشابهة

  • بيانات اللاجئين السوريين تتسرب من دوائر الهجرة التركية.. تفاصيل
  • وزير الشؤون البلدية يختتم زيارته الرسمية إلى تركيا
  • شكشك وسفير تركيا يبحثان التعاون المشترك
  • باحث تركي ينتقد سهولة الكذب حول اللاجئين السوريين لدى سياسيين أتراك
  • باحث تركي ينتقد سهول الكذب حول اللاجئين السوريين لدى سياسيين أتراك
  • قضية تسريب بيانات سوريين في تركيا.. إلى أين وصلت؟
  • ماذا تعني تحية "الذئاب الرمادية" التي سبّبت أزمة بين تركيا وألمانيا؟
  • أردوغان يعرض وساطته بين بوتين والأسد لبدء عملية تطبيع جديدة بين البلدين
  • مقتل فتى سوري في تركيا طعنا خلال أعمال عنف طالت لاجئين سوريين
  • الشرطة التركية تعتدي على سوريين.. ما حقيقة الفيديو؟