دلالات الحكم بسجن عمران خان قبيل انتخابات باكستان
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
حُكم -أمس الأربعاء- على رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بالسجن لمدة 14 عاما في قضية فساد بعد يوم من حكم منفصل بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة.
وخان وهو نجم كريكيت سابق يحظى بشعبية كبيرة في باكستان وخاصة في صفوف الشباب، ومن شأن الحكم بسجنه وحرمانه من الانتخابات أن يريح منافسيه السياسيين أثناء الانتخابات العامة المقررة الخميس المقبل.
واتُهم خان بشراء العديد من الهدايا المقدمة من الحكام والمسؤولين الحكوميين وإعادة بيعها بربح غير معلن، وفرضت المحكمة غرامة بالملايين بالإضافة إلى حكم بالسجن على زوجته بشرى بيبي، ولم تمنحه المحكمة الخاصة -التي عقدت في السجن الذي يحتجز فيه منذ إدانته السابقة- أي فرصة للدفاع عن نفسه، ولم يكن حاضرا أثناء النطق بالحكم.
فتش عن الجيشويعتبر مراقبون أن توقيت الحكم ليس بريئا حيث يأتي قبل موعد الانتخابات بأيام معدودة، وذلك بهدف إبعاده عن صناديق الاقتراع وتشويه سمعته وحزبه، كما يرون أن ذلك كله يأتي بتوجيه من الجيش المؤسسة الأقوى في الدولة.
في بداية عمله كرئيس للوزراء في 2018 كان خان يحظى بدعم من الجيش وجهاز المخابرات، إلا أن قيامه بتخفيض ميزانية الدفاع أثناء وجوده في سدة الحكم ومحاولة إثبات استقلاله عن العسكر، أدى إلى تحولهم عن دعمه.
وكان حزب حركة الإنصاف الذي يتزعمه خان قد حظي في انتخابات 2018 بـ115 مقعدا في البرلمان الوطني (الجمعية الوطنية) من أصل 272، موقعا هزيمة قاسية لقيادات الأحزاب السياسية التقليدية، وخاصة حزب الشعب والرابطة الإسلامية.
ورفع خان خلال مسيرته السياسية شعار مكافحة الفساد المستشري في البلاد طريقا لكسب جماهيريته واستقطاب الناقمين على الأحزاب السياسية والعائلات الإقطاعية التقليدية، مثل عائلة شريف في البنجاب وعائلة بوتو في السند.
وخان الذي تلقى تعليمه في بريطانيا، لم يكن صديقا للغرب، وعادة ما كان ينتقد الغرب وأميركا وتحديدا سياستهما تجاه بلاده.
وعندما أصبح رئيسا للوزراء، حرص خان على تعزز العلاقات مع الصين وروسيا، حتى إنه زار موسكو بعد يومين من شن روسيا حربا على أوكرانيا، ثم رفض مطلب أميركا بالتصويت لإدانة موسكو في الأمم المتحدة. وطالما انتقد الهجمات الأميركية التي كانت توجهها لمسلحين إسلاميين في باكستان معتبرا ذلك انتهاكا لسيادة بلاده.
وفي مخالفة لتوجه واشنطن عُرف خان بدعمه لحركة طالبان الأفغانية، كما احتفى بخروج القوات الأميركية من أفغانستان في أغسطس/آب 2021. وكان ذلك من العوامل التي أدت إلى تفاقم العلاقات مع واشنطن، التي يعتقد أنها شجعت على الإطاحة به.
وبالنسبة للانتخابات المقبلة ينتظر أن تكون المنافسة على أشدها بين الحزبين التقليدين، في حين يعيش حزب حركة الإنصاف حرمان زعيمه والعديد من قادته من المشاركة في الانتخابات إلى جانب انقسامات شهدها الحزب، بسبب ضغوط الجيش والواقع.
الحكم الأخير الذي صدر بحق خان بالسجن 14 عاما، شمل معه زوجته بشرى بيبي في القضية نفسها، وهي تهمة فساد تتعلق بهدايا تلقاها خان حينما كان في السلطة، وعلق متحدث باسم حزب حركة إنصاف في رسالة إلى وسائل الإعلام بقوله "يوم آخر حزين في تاريخ نظامنا القضائي المفكّك".
وزوجة خان الحالية والمتهمة معه بقضية الفساد هذه هي الثالثة، بعد طلاقه جميما غولدسميث (استمر زواجهما للفترة 1995- 2004)، وريهام نيار خان (استمر زواجهما للفترة من 2014- 2015).
ويحتم القانون على رئيس الوزراء الإعلان عن كل الهدايا التي يتلقاها ولا يحق له الاحتفاظ سوى بهدايا تكون قيمتها أدنى من مبلغ معين، أو يمكنه شراؤها بثمن محدد رسميا.
وأطيح بعمران خان من رئاسة الوزراء بموجب مذكرة حجب ثقة في أبريل/ نيسان 2022 بعدما خسر دعم الجيش الواسع النفوذ في باكستان. وهو يتهم منذ ذلك الحين المؤسسة العسكرية بأنها خلف متاعبه مع القضاء لمنعه من العودة إلى السلطة.
وقال عمران خان متوجها إلى الناخبين في بيان نشر قبل أيام على حسابه على منصة إكس "عليكم الانتقام لكل ظلم من خلال التصويت في الثامن من فبراير/شباط. قولوا لهم إنكم لستم خرافا يمكن توجيهها بالعصا".
ويبقى حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي شغل منصب رئيس الحكومة 3 مرات بدون أن يكمل أيا من ولاياته، الأوفر حظا للفوز في الانتخابات.
وعاد شريف إلى باكستان في أكتوبر/تشرين الأول بعد 4 سنوات من المنفى في لندن. اعتبر بعض المحللين السياسيين أنه أبرم اتفاقا مع الجيش الذي كان يتهمه قبل فترة قريبة بأنه أقاله من السلطة عام 2017 لتشجيع فوز عمران خان في الانتخابات بعد سنة.
وبقي الجيش في السلطة على مدى حوالي نصف تاريخ البلاد الممتد على 75 عاما، ولا يزال يحظى بنفوذ سياسي كبير.
وقال حزب حركة الإنصاف، الذي يتزعمه خان إن الحكم الجديد اليوم يقضي أيضا بمنعه من تولي مناصب عامة لمدة 10 سنوات، مؤكدا أنه أُلقي القبض على بشرى خان، بعد وقت قصير من صدور الحكم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عمران خان حزب حرکة
إقرأ أيضاً:
مصر والأزمة السودانية- دلالات تحرير الأسرى
على ضفاف النيل الذي يربط بين ضفتي التاريخ والجغرافيا، تتشابك المصائر بين مصر والسودان كوشائج النهر الخالد. لم تكن العلاقة بين البلدين يومًا مجرد جوار جغرافي، بل هي تداخل في المصير، حيث تتداخل السياسة بالأمن، والتاريخ بالمستقبل. واليوم، مع احتدام الأزمة السودانية، تجد القاهرة نفسها في معادلة دقيقة، حيث الاستقرار هناك يعني الأمان هنا، والانهيار هناك يعني اضطرابًا في قلب المعادلة الإقليمية.
في ظل الأزمة السودانية، لا تواجه مصر تحديات داخلية فحسب، بل أيضًا تدخلات إقليمية ودولية تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة، مما يجعل الموقف المصري أكثر تعقيدًا وحساسية. ففي لحظة فارقة، أُطلق سراح الأسرى المصريين الذين احتجزتهم قوات الدعم السريع، مشهد حمل أكثر من مجرد رمزية الإفراج، بل كشف عن تعقيدات المشهد السوداني وتوازناته. فهل يعني ذلك بداية تحول في موقف القاهرة؟ وهل تقبل مصر بحل وسط مع قوات الدعم السريع إذا كان ذلك هو الثمن لمنع تفكك السودان؟ أم أن رهاناتها ستظل رهينة دعم الجيش السوداني باعتباره الحصن الأخير لوحدة البلاد؟
في هذا المقال، نحاول تفكيك خيوط السياسة المصرية تجاه الأزمة السودانية، ونرصد الخيارات التي قد تتبناها القاهرة في مواجهة هذا المشهد المتشابك، حيث لا مجال للحلول السهلة، ولا رفاهية التردد.
أولًا: الأمن القومي المصري
الحدود المشتركة والاستقرار الإقليمي:
تشترك مصر والسودان في حدود طويلة، مما يجعل استقرار السودان أمرًا بالغ الأهمية لمصر. أي اضطرابات في السودان قد تؤدي إلى تدفق اللاجئين، أو انتشار الجماعات المسلحة، أو تهريب الأسلحة عبر الحدود، مما يهدد الأمن الداخلي المصري. بالإضافة إلى ذلك، فإن القبائل الحدودية التي تربطها علاقات عائلية واقتصادية عبر الحدود قد تتأثر سلبًا بأي اضطراب في السودان، مما قد يؤدي إلى توترات قبلية تهدد استقرار المناطق الحدودية المصرية.
حوض النيل والبحر الأحمر:
السودان يعد شريكًا استراتيجيًا لمصر في ملفات المياه والأمن البحري. أي تغيير في بنية الدولة السودانية قد يؤثر على التوازنات الإقليمية، خاصة في ظل التنافس على الموارد المائية مع إثيوبيا. كما أن السودان يلعب دورًا محوريًا في التعاون العسكري والأمني بين مصر والسودان في منطقة البحر الأحمر، خاصة في ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية في المنطقة.
ثانيًا: المخاوف من التدخلات الخارجية
التنافس الإقليمي:
مصر تراقب بقلق التدخلات الإقليمية في السودان، خاصة من دول مثل تركيا وقطر (اللتين تدعمان قوات الدعم السريع)، والإمارات وروسيا (اللتين تدعمان الجيش السوداني). هذه التدخلات قد تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية وتؤثر على نفوذ مصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخلات الخارجية قد تؤثر على الاقتصاد السوداني، مما قد يؤثر سلبًا على المصالح الاقتصادية المصرية في السودان، خاصة في مجالات الزراعة والاستثمارات البنية التحتية.
البحر الأحمر كممر استراتيجي:
السودان يطل على البحر الأحمر، الذي يعد ممرًا حيويًا للتجارة العالمية والأمن القومي المصري. أي تغيير في موازين القوى في السودان قد يؤثر على السيطرة على هذا الممر. كما أن ميناء بورتسودان يعد ميناءً استراتيجيًا، وأي تغيير في موازين القوى في السودان قد يؤثر على السيطرة على هذا الميناء.
ثالثًا: ملف سد النهضة
دور السودان في المفاوضات:
السودان يلعب دورًا محوريًا في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي. أي تغيير في موقف السودان، خاصة إذا سقطت الخرطوم تحت سيطرة قوى موالية لإثيوبيا، قد يعقد الموقف التفاوضي لمصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأزمة السودانية قد تؤثر على موقف السودان من سد النهضة، خاصة إذا سقطت الخرطوم تحت سيطرة قوى موالية لإثيوبيا.
الحفاظ على التوازن:
مصر تسعى إلى ضمان أن تبقى الحكومة السودانية قادرة على الحفاظ على موقف متوازن في ملف سد النهضة، دون الانحياز الكامل لإثيوبيا. كما أن مصر تتعامل بحذر مع السيناريوهات المحتملة لانقسام السودان وتأثير ذلك على ملف سد النهضة.
رابعًا: تحليل السياسة المصرية تجاه الجيش السوداني
دعم استقرار الجيش كمؤسسة حاكمة:
ترى مصر أن الجيش السوداني هو المؤسسة الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة السودان ومنع انهيار الدولة. لذلك، تدعم القاهرة قيادة الفريق عبد الفتاح البرهان كشريك استراتيجي. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر تخشى من سيناريو انهيار الدولة السودانية، كما حدث في ليبيا، مما قد يؤدي إلى انتشار الفوضى وتدخلات أجنبية غير مرغوب فيها.
رفض التدخل العسكري المباشر:
مصر تفضل عدم الانخراط في صراعات عسكرية مباشرة في السودان، خاصة بعد تجربتها في ليبيا. بدلاً من ذلك، تعتمد على الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي للجيش السوداني. كما أن مصر تسعى إلى عزل قوات الدعم السريع عبر الضغط على الدول الداعمة لها، مثل الإمارات وروسيا، لإيقاف تدفق الأسلحة والتمويل.
التحرك المصري في الإقليم:
مصر تعمل بشكل وثيق مع السعودية والإمارات، اللتين تمتلكان نفوذًا كبيرًا في السودان، لدفع جهود السلام وتقليل التدخلات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر تتعاون مع تشاد لمنع انفصال دارفور أو تحوله إلى بؤرة صراع.
خامسًا: انعكاسات إطلاق سراح الأسرى المصريين ومستقبل الموقف المصري
أثار إطلاق سراح مجموعة من الأسرى المصريين لدى قوات الدعم السريع تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين القاهرة والدعم السريع، ومدى إمكانية تطور الموقف المصري بناءً على هذه الخطوة. فرغم دعم مصر للجيش السوداني، إلا أن الإفراج عن الأسرى قد يكون مؤشرًا على استعداد قوات الدعم السريع لإرسال رسائل إيجابية للقاهرة، مما قد يدفع مصر إلى إعادة تقييم موقفها من الصراع.
رسائل قوات الدعم السريع إلى مصر:
قد يكون إطلاق سراح الأسرى محاولة لفتح قناة تواصل مع القاهرة وتخفيف التوتر. كما أن قوات الدعم السريع تحاول تقديم نفسها كطرف شرعي قادر على الحوار مع القوى الإقليمية.
السيناريوهات المحتملة:
استمرار الدعم الحصري للجيش: قد تبقى مصر على موقفها الداعم للجيش السوداني باعتباره الضامن الوحيد لوحدة السودان.
موقف أكثر براغماتية: قد تتجه مصر إلى انتهاج سياسة أكثر مرونة، لا سيما إذا بات واضحًا أن الحل العسكري مستبعد، مما قد يدفعها إلى البحث عن حلول سياسية تضم جميع الأطراف.
تدخل الوساطات الإقليمية قد تلعب القاهرة دورًا أكثر نشاطًا في الضغط نحو تسوية تشمل الجيش والدعم السريع، خاصة إذا تزايدت الضغوط الدولية.
سادسًا: مدى استعداد مصر لقبول حل وسط مع قوات الدعم السريع
في ظل هذه التطورات، يبرز تساؤل أساسي: هل يمكن لمصر أن تقبل بحل وسط مع قوات الدعم السريع إذا كان ذلك ضروريًا لمنع تفكك السودان؟ الإجابة تعتمد على عدة عوامل:
مدى استمرار الدعم الإقليمي والدولي للجيش السوداني.
مخاطر استمرار القتال وتأثيره على الأمن القومي المصري.
الضمانات التي يمكن أن تقدمها قوات الدعم السريع لمصر، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود وملف سد النهضة.
الخلاصة
تتعامل مصر مع الأزمة السودانية بحذر شديد، حيث تسعى إلى تحقيق عدة أهداف متشابكة:
الحفاظ على وحدة السودان كدولة قوية وموحدة، تجنبًا لسيناريوهات التقسيم أو الفوضى.
حماية مصالحها الأمنية، خاصة فيما يتعلق بملف مياه النيل والأمن البحري في البحر الأحمر.
تقليل التدخلات الخارجية التي قد تعيد تشكيل السودان بطرق تتعارض مع المصالح المصرية.
دعم الجيش السوداني كقوة استقرار رئيسية، مع تجنب التورط العسكري المباشر.
إبقاء خياراتها مفتوحة بشأن إمكانية التفاوض مع الدعم السريع إذا أصبح ذلك ضرورة استراتيجية.
في النهاية، تواجه مصر تحديًا كبيرًا في تحقيق التوازن بين دعم الجيش السوداني كضامن للاستقرار، والحفاظ على خياراتها مفتوحة للتعامل مع قوات الدعم السريع إذا أصبح ذلك ضرورة استراتيجية. وفي ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، تبقى القاهرة حريصة على حماية مصالحها الأمنية والاستراتيجية، مع الحفاظ على وحدة السودان كدولة قوية وموحدة.
zuhair.osman@aol.com