مؤرخ لـ عربي21: يساريون وقوميون تونسيون تعاونوا مع المخابرات الليبية والجزائرية
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
مرت 44 سنة عن الهجوم المسلح والدامي الذي شنه "كومندوس" مسلح تونسي "يساري عروبي" مدعوم من نظامي معمر القذافي في ليبيا والجزائر على منطقة قفصة جنوبي غربي تونس، ضمن محاولة كانت تستهدف النظام التونسي بزعامة الحبيب بورقيبة ورئيس حكومته الهادي نويرة.
في هذه الذكرى التقى الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس المؤرخ التونسي محمد ضيف الله وأجرى معه الحوار التالي لـ "عربي21"، حول بعض أبعاد منعرج "ثورة قفصة" التي بدأت فجر الـ 27 من كانون الثاني / يناير 1980 " :
س ـ أاستاذ محمد ضيف الله من خلال قراءاتك المعمقة لتاريخ "الزمن الراهن" في تونس والمنطقة، كيف تنظر إلى ما سمي في يناير 1980 "ثورة قفصة" ضد نظام الحبيب بورقيبة واعتبرته السلطات التونسية ثم المحاكم "مؤامرة" شارك فيها وقتها النظامان الليبي والجزائري وعشرات القوميين العروبيين والشيوعيين بينهم من تدرب على السلاح في ليبيا و لبنان وكانت له علاقات بجبهة البوليزاريو الصحراوية ؟
ـ في الحقيقة لابد أن نعترف بعد قراءة ادبيات المحاكمات السياسية في تونس وبينها ما يهم قضايا المجموعات اليسارية القومية العربية "الثورية" والإسلامية أن أغلبها تبنى في مرحلة من المراحل "المنهج الثوري".
في تلك المرحلة وقع تاسيس مجموعات سياسية و"ثورية" بعضها كانت له علاقة بحركات التحرر الوطني الفلسطينية و اللبنانية... بينما كان بعضها الاخر أداة من أدوات بعض الانظمة والاحزاب "الثورية" التي تخدم اجندات بعض الحكومات العربية وبينها الانظمة "العروبية واليسارية" في ليبيا والعراق وسوريا والجزائر واليمن... وكان لعدد من رموز المعارضات التونسية والعربية في المهجر علاقات بتلك الانظمة والحركات "الثورية القومية" وشارك معها في التدريب على السلاح..
كما كانت لدى بعض النشطاء علاقات بجناح في النظام الجزائري والمخابرات العسكرية الجزائرية على غرار الكومندوس الذي هاجم مدينة قفصة التونسية في كانون الثاني / يناير 1980 وكان برمج أن تتحرك مجموعات مسلحة عديدة في كامل البلاد لدعمه...
وكان مقررا أن يلتحق بالكومندوس في قفصة حوالي 500 مسلح تونسي آخرون كانوا يتدربون في لبنان... كانت لديهم علاقات بالنظامين الليبي والجزائري وبعض التنظيمات الفلسطينية المسلحة مثل الجبهة الشعبية بزعامة جورج حبش والتنظيم "الإرهابي" الذي كان يتزعمه أبو نضال، صبري البنا، من بغداد..
وكانت لديهم علاقات بالمعارضات التونسية والعربية في فرنسا وأوروبا والجزائر مثلما كشفته شهادات وكتب أصدرها عدد من أبرز المناضل اليساريين والقوميين السابقين مثل المتصف الشابي وأحمد نجيب الشابي وفتحي بالحاج يحيى..
بورقيبة والقذافي مع رئيس الحكومة التونسي الأسبق الهادي نويرة الذي اطاحت به عملية قفصة المسلحة.
ولعل أهم استنتاج يتوصل إليه الباحث والمؤرخ هنا هو أن أغلب الحركات والحكومات القومية العربية واليسارية والإسلامية لم تكن تؤمن في تلك المرحلة بـ "الوطن" و"الدولة الوطنية".. بل كان ولاؤها خارجي قومي أممي..
وهم يلتقون في هذا التمشي مع أغلب الأطراف والحركات السياسية "الإسلامية " و"الليبرالية" التي كانت مرجعياتها بدورها "أممية" و"عالمية" وليست للوطن والدولة الصغيرة التي تنتمي إليها..
وهنا تطرح إشكاليات معرفية فكرية كبرى حول مفهوم الأمة والدولة والولاء للوطن.. إشكاليات أثرت في مسارات أغلب الحركات والأحزاب والحكومات والشخصيات التي أثرت لاحقا في الحراك السياسي الوطني وفي توجهات النخب والمجتمعات...
المشاركون في الهجوم المسلح على قفصة
س ـ ما هي أهم الأطراف الفكرية والسياسية والمخابراتية والعسكرية التي شاركت في "ثورة قفصة 1980" التي وقع إجهاضها؟
ـ أطراف عروبية ويسارية شاركت مباشرة أو بشكل غير مباشر في "عملية قفصة" أو دعمتها سياسيا إعلاميا كثيرة..
بعضها سبق أن شارك في حركات قومية وشيوعية و"ثورية وطنية" برزت في تونس في الستينيات والسبعينيات مثل منظمة "العامل التونسي" و"الشعلة" والتنظيمات القومية السرية وبينها "الجبهة القومية التقدمية التونسية" و"الحبهة القومية لتحرير تونس" وهما من تبنّي الهجوم على قفصة.. وقد تأسستا في ليبيا ولبنان... وكانت لدى نشطائهما علاقات بالسلطات الليبية والجزائرية..
ومن أبرز رموزها وقتها عمارة ضو بن نايل ونبيل حمدي والمسطاري بن سعيد..
وحسب وثائق المحاكمات السياسية فان "مكتب الإتصال العربي" وهو أحد فروع المخابرات الليبية تكفّل بنقل أفراد المجموعة المسلحة من ليبيا ولبنان نحو الجزائر.. وكان من المقرر أن يدعمها لاحقا بـ 500 مقاتل..
لكن وقع العدول عن ذلك لما اجهضت العملية.. لاسباب ذاتية.. َبعد بروز خلافات بين المتحكمين في خيوطها في ليبيا والجزائر ولبنان والعراق.. وربما بسبب "خيانات".. من بينها عدم توفير أجهزة اتصالات تسمح لقيادة الكومندوس بان تتواصل مع شركائها في منطقة يتجاوز مداها 50 كلم.
"مخطط جزائري"
س ـ هل ثبتت مشاركة السلطات الجزائرية في دعم التمرد المسلح على نظام بورقيبة ورئيس حكومته الهادي نويرة في كانون الثاني / يناير 1980؟
ـ وثائق المحاكمات السياسية في تونس تكشف ضلوع مسؤولين ليبيين وجزائريين في عملية قفصة 1980..
أولا كان قائد الكومندوس وعقله المدبر عز الدين الشريف من خريجي جامعة الزيتونة ومن بين زملاء الرئيس الجزائري هواري بومدين لما كان طالبا. ثم قابل بومدين في قصر الرئاسة في الجزائر بعد أن أكمل عقوبة سجنية بعشرة أعوام في 1972 بسبب مشاركته في المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد حكم الحبيب بورقيبة في 1962..
وتكشف المصادر أن العقيد الجزائري سليمان هوفمان مسؤول المخابرات الجزائرية ومستشار الرئيس الجزائري الهواري بومدين ثمّ خليفته الشاذلي بن جديد قام بمساعدة العقيد محمد صالح اليحياوي والعقيد شكيب بإيواء المجموعات المسلحة القادمة من ليبيا ومن لبنان ونقلهم تحت إشراف وحماية المخابرات الجزائرية نحو الحدود الجزائرية التونسية ومنها تسهيل دخولهم نحو محافظة قفصة.. غير بعيد عن واحة مدينة نفطة السياحية في الجريد التونسي.. حيث كان الرئيس الحبيب بورقيبة يقضي إجازة في أحد فنادقها..
وتذكر بعض المصادر أن عز الدين الشريف زعيم الكومندوس وعقله المفكر وأحمد الميرغني قائده الميداني كانا على اتصال بالقيادات الجزائرية والليبية العليا وساهما في تدريب مسلحي "جبهة البوليساريو" التي كانت تقود عمليات الحركات الانفصالية عن المغرب.
ومكنت الجزائر عزالدين الشريف من جوازات عديدة كان يتنقل بها إلى أوروبا وخارجها تحضيرا للهجوم على قفصة..
كان عدد أفراد المجموعة المسلحة حوالي 61 وكان قائدها العسكري الميداني أحمد المرغني محدود المؤهلات والمستوى التعليمي.. لكنه سبق أن سافر بحثا عن شغل ومورد رزق إلى الجزائر ثمّ ليبيا.. وهناك إنتمى إلى "الجبهة التقدمية القومية".
وسبق لأحمد المرغني ان أتّهم سنة 1972 بمحاولة تفجير السفارة الأمريكية ومقرّالحزب الحاكم في تونس وحكم عليه بـ 5 سنوات سجنا وبعد الإفراج عنه عاد إلى ليبيا.
وكان المرغني هو الذي قاد الكومندوس يوم 27 كانون ثاني / يناير 1980..
وقد انقسم المهاجمون إلى 4 مجموعات الأولى لمهاجمة ثكنة الجيش في المدينة والثانية لمهاجمة مركز الأمن والثالثة لمهاجمة منطقة الحرس الوطني والرابعة لمهاجمة ثكنة الجيش خارج مدينة قفصة..
لكن العملية أجهضت ووقع قمعها بقوة خلال يوم واحد... بعد سقوط 18 مدنيا و41 من الحرس والشرطة وعدد غير محدّد من أفراد ااجيش الوطني..
فشلت العملية، وفقد أعضاء المجموعات المسلحة الداعمة الكومندوس قفصة في محافظات أخرى الاتصال ببعضهم.. ففر أغلبهم... لكن السلطات الليبية ووسائل الإعلام تابعت لمدة أسابيع دعم هذه "الثورة التونسية"... عبر الإعلام الليبي الرسمي وعبر إذاعة أحدثتها خصيصا سميت "إذاعة قفصة صوت تحرير تونس".
قامت هذه الإذاعة بتحريض المواطنين على الثورة على النظام في تونس... لكن صوتها خفت بعد مدة قصيرة..
يذكر أنه تمّت محاكمة 41 من المهاجمين وحكم على 11 منهم بالإعدام. نفّذ فيهم الحكم يوم 17 نيسان / أبريل من نفس السنة .
وقد ساندت أغلب الفصائل القومية واليسارية في الحركة الطلابية وخارج الجامعات وقتها "ثورة قفصة".
لكن ميزان القوى تغير لاحقا لصالح العمل السياسي والنقابي القانوني تحت تأثير الأحزاب الديمقراطية الليبرالية واليسارية الاشتراكية المعتدلة وخاصة حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.
بعد ذلك تطور خطاب الأحزاب والحركات التي سبق أن تبنت خطابا ثَوريا راديكاليا بما فيها الحركات الماركسية اللينينية و القومية والإسلامية... بل لقد خرجت اغلب الاطراف السياسية من السرية إلى العلنية وتقدمت بمطالب تاسيس أحزاب قانونية مباشرة بعد فشل عملية قفصة وتعيين المثقف الوطني والعروبي محمد مزالي وزير التربية ومدير مجلة "الفكر " رئيسا جديدا للحكومة وامينا عاما للحزب الحاكم خلفا الهادي نويرة الذي تسببت الازمة في إصابته بجلطة دماغية ادت إلى شلله وإعاقته..
ثم فتحت صفحات جديدة في تاريخ البلاد والنخب والتيارات السياسية بعد إسقاط حكومة محمد مزالي في يوليو 1986 ثم الإطاحة بحكم بورقيبة في نوفمبر 1987 واستلام زين العابدين بن علي مقاليد الأمور حتى الإطاحة به في ثورة يناير 2011.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تونسي تاريخ تونس تاريخ سياسة قوميون سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحبیب بورقیبة فی لیبیا فی تونس
إقرأ أيضاً:
عبدالصادق الشوربجي.. رائد إدارة أزمات الصحف القومية
تأكيدًا لمكانته ونجاحه في مهمته الأولى برئاسة الهيئة الوطنية للصحافة منذ 4 سنوات، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا اليوم بتجديد الثقة في عبدالصادق الشوربجي، رئيسا للهيئة الوطنية للصحافة لمدة جديدة.
عبدالصادق الشوربجي، ابن محافظة الغربية المولود في 5 يونيو 1961، بدأ مسيرته المهنية الحافلة بعد تخرجه في كلية الهندسة بجامعة حلوان عام 1984، عمل كمهندس في الهيئة العامة للمطابع الأميرية، حيث شغل منصب كبير المهندسين، هذا الأساس الهندسي قاده لاحقًا إلى أدوار بارزة في قيادة المؤسسات القومية الصحفية.
في عام 2001، انضم الشوربجي إلى مؤسسة روز اليوسف، حيث بدأ مسيرته داخل واحدة من أهم المؤسسات الصحفية في مصر، وشغل منصب نائب المدير العام لشؤون المطابع ورئيس لجنة الاحتياجات، قبل أن يُعين مديرًا عامًا عام 2010، وفي 26 نوفمبر 2012، تولى رئاسة مجلس الإدارة في فترة كانت تُعد من أصعب الأوقات التي مرت بها الصحافة القومية، حيث تراكمت الأزمات المالية واشتدت الضغوط على المؤسسات الإعلامية.
خلال فترة رئاسته لـ«روز اليوسف»، نجح الشوربجي في مواجهة تحديات ما بعد ثورة يناير، التي شهدت تصاعد المطالبات المالية وتهديد الحجز على حسابات المؤسسة البنكية.
أطلق الشوربجي استراتيجيات مبتكرة لإدارة الأزمات، تضمنت التفاوض مع الموردين والحكومة، وإعادة هيكلة الديون. وصفت جهوده حينها بـ«المعجزة»، حيث أعاد الروح للمؤسسة وساهم في استقرارها وسط أجواء اقتصادية مضطربة.
يعتمد عبد الصادق الشوربجي في إدارته على رؤية ترتكز على التطوير المستدام، دعم الصحافة القومية، ودمج التقنيات الحديثة لتجاوز التحديات الراهنة، منذ توليه رئاسة الهيئة الوطنية للصحافة، عمل على تعزيز أداء المؤسسات القومية الصحفية، واضعًا نصب عينيه إعادة الصحافة إلى مكانتها كأداة رئيسية لدعم التنمية الوطنية ومواجهة التحديات الإعلامية الحديثة.
بفضل مسيرته التي تجاوزت الثلاثة عقود، أصبح عبد الصادق الشوربجي رمزًا للإدارة الحكيمة والقيادة المستنيرة في مجال الصحافة، حيث يجمع بين الخبرة العملية والقدرة على استشراف المستقبل، ما يجعله شخصية محورية في تطور الإعلام القومي بمصر.