في عدد خاص.. أخبار الأدب تحتفي بمرور 30 سنة على صدورها
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
أصدرت صحيفة أخبار الأدب عددًا خاصًا بمناسبة مرور 30 عاما على صدورها فى 19 يوليو1993 على يد مؤسسها ورئيس تحريرها الأديب الكبير الراحل جمال الغيطانى.
أخبار متعلقة
«متنبى الرواية نجيب محفوظ».. أحدث الدراسات النقدية لـ «حلمى القاعود»
يوسف القعيد: نجيب محفوظ كان ضد الإخوان ورفض ربط الدين بالسياسة
عادل عصمت: لستُ من يُصاب بـ«قفلة الكتابة».
وجاءت افتتاحية العدد: «عبر هذا العدد الخاص نحتفل بمرور 30 عاماً على إصدار «أخبار الأدب» مناسبة ليست فقط لتتذكر بعض ما قدمته الجريدة، وما لعبته من أدوار مختلفة والتحولات التى مرت عليها، إنما الأهم أنها فرصة للتوقف وتأمل الوضع الثقافى الحالى، ليست نوستالجيا بقدر ما هى سعى لتبين لحظة الحاضر على صفحة الماضى.. ثلاثون عاما بالتمام والكمال مرت على صدور العدد الأول من أخبار الأدب، عن دار أخبار اليوم قد لا تكون تلك العقود الثلاثة كبيرة فى حكم الزمن، ولكن تاريخ أخبار الأدب الحقيقى يقاس بحجم إثْرائه وتأثيره فى الحياة الأدبية والفكرية والثقافية المصرية والعربية، وبعدد ما أثارت من قضايا تصدت لمناقشتها، وانحازت فيها على طول الخط للحقيقة، ولم تهادن يومًا، جماعة، ولا سلطة ولم تدغدغ يوما مشاعر المغيبين بفعل تجار الدين، وإذا كانت هناك جملة اعتراضية خارج السياق فى هذا التاريخ.. فيحسب لأخبار الأدب أنها امتلكت القدرة والإرادة التى مكنتها من تقويم المسيرة وإعادة الأمور لنصابها، كما يقاس التاريخ الحقيقى له بعدد ما أشعلت من مصابيح تنير بها الطريق، وبعدد الأسماء التى دفعت بها للحياة الثقافية والفكرية، ووقفت وراءها حتى أصبحت تتسيد الساحة الفكرية».
وبدأ العدد بصورة لخطاب من الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ بعنوان «مرحبا بأخبار الأدب» جاء فيه: «لا أغالى إذا قلت إن صدور هذه المجلة حدث ثقافى هام نستقبل به العام الجديد.
ومرجع تفاؤلى إلى جديدة الدار التى تصدرها وتميزها بالابتكار وإلى رئيس تحريرها الذى يعد بحق فى طليعة أدباء الأجيال الصاعدة التى أثبتت جدارتها بكل قوة وثبات. وقد قيل عند اختفاء مجلة الرسالة إنها ستترك فراغاً لن يسد، وصدق القول، ولكنى كبير الأمل فى أن يملأ ذلك الفراغ بالمجلة الجديدة التى آمل أن تكون ميدانها فسيحاً لالتقاء الأصالة بالمعاصرة وفتحا شاملا للإبداع والنقد والقضايا الفكرية. كونوا شعلة لنهضة جديدة والله معكم.. نجيب محفوظ».
كما جاءت افتتاحية العدد بقلم رئيس تحرير أخبار الأدب علاء عبد الهادى تحت عنوان «30 عاماً من التنوير» وكتب فيها: «لم أكن فى مصر يوم الميلاد، كنت هناك فى قطر أعمل فى الشرق القطرية، كنت أحرص على جمع رول الورق الطويل الذى تطبع عليه أخبار وكالة أنباء الشرق الأوسط، وفى مرة وقعت عينى على خبر فى النشرة الثقافية المتخصصة يتحدث عن تفاصيل احتفاء الحياة الثقافية المصرية والعربية بالمولود الجديد أخبار الأدب وقتها انتهجت مؤسسة أخبار اليوم سياسة التوسع فى إصدار صحف متخصصة أخبار الرياضة وأخبار الحوادث وأخبار النجوم وأخبار الأدب، ولم يكن غريبا ولا مفاجأة بالنسبة لى أن يكون رئيس التحرير هو الكاتب الصحفى الكبير جمال الغيطانى».
وتحت عنوان: «مثقفون شهدوا ميلادها.. ماذا قالوا عن أخبار الأدب بعد ثلاثين عاماً؟ حملت شهادات مشاركات متميزة وكلمات لعدد من المثقفين، الذين شهدوا ميلاد أخبار الأدب، متحدثين عن آرائهم فى أخبار الأدب وما قامت به من أدوار، وممن شارك فى ذلك الكاتب محمد سلماوى، وزاهى حواس، وحسين حمودة، وعواطف عبد الرحمن، ويحيى قلاش، ومحمد عفيفى، ومحمد الكحلاوى، وأحمد أبو خنيجر ومحمد عبلة، وضحى عاصى، وطالب الرفاعى وحسين حمودة، وخيرى دومة، ووليد الخشاب ومكارم الغمرى وحسين محمود وهيثم الحاج على ومحسن فرجانى ومحمد عبلة ومصطفى الرزازو محمد الكحلاوى وجليلة القاضى وحسام إسماعيل، وسمير الفيل، وفتحى عبد السميع، وأحمد أبو خنيجر، ضحى عاصى وطالب الرفاعى ومجذوب عيدروس ومحمد بن عيسى.
كما كتب أحمد عبد اللطيف موضوعا بعنوان »كيف صنعت الجريدة مترجميها« وحسن عبد الموجود »اجتماع الخميس« وطارق الطاهر »ذكر ما جرى« وعبلة الروينى »عندما تناولت القهوة مع محررى أخبار الأدب« ومحمد شعير، »أخبار الأدب 365 معركة فى العام« ومحمود الوردانى »أيامنا الحلوة« ومنصورة عز الدين »ثلاثون عاما فى عام متحول« وياسر عبد الحافظ »مدونة الحياة الثقافية الإسلامية».
وتضمن العدد مقالا بعنوان «سقوط التنوير الحكومى» للمفكر الدكتور نصر أبوزيد، ويعد من أهم المقالات التى نشرتها أخبار الأدب والتى تلخص وتكشف وضع الثقافة المصرية منذ تأسيس الدولة الحديثة وحتى بدايات القرن العشرين. وجاءت خاتمة العدد بقلم أحمد عبد اللطيف «وداعاً صاحب حفلة التفاهة» فى وداع الروائى التشيكى ميلان كونديرا.
ثقافة سور الأزبكية الأديب الراحل جمال الغيطانى نوستالجياالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة
إقرأ أيضاً:
نكهة اللبان
كان مازن يبحث عن كتابٍ يؤنسه في رحلته المقبلة إلى صلالة. لا يريد شيئًا عابرًا يقضي به الطريق الطويل في حافلة المسافرين من مسقط إلى ظفار، بل رفيقًا يعيد إليه الشغف الأول بالقراءة؛ كتابًا يفتح له بابًا إلى عوالم لا تُرى، كما فعل زقاق المدقّ يومًا، حين سحره نجيب محفوظ بكلماته الأولى:
«الإنسان إذ يفقد جوهرة الحب اللامعة لا يتصور أنه سيسعد بالعثور عليها مرةً أخرى.»
أو كما حدث حين سمع مظفّر النواب يصدح في المنفى:
«أنتَ كما الإسفنجة، تمتصّ الحانات ولا تسكر»
كان يبحث عن ذلك الرجف الخفيّ، عن قشعريرة البداية. لا شيء أقلّ من ذلك.
لكن، ويا للأسف، حتى في أوسع مكتبات المدينة، لم يجد ضالّته. تصفّح الجديد والقديم، العربي والمترجَم، الشعر والرواية، ومع ذلك بقي الشعور بالظمأ كما هو. كأن كل ما هو مطروح قد مرّ بروحه من قبل، فلم يعد شيءٌ يدهشه.
سأل نفسه: أهو الملل؟ فقدان الشغف؟ أبلغ به الركود الروحي هذا الحد؟
أم أن من قرأ المعرّي، وطه حسين، وحنّا مينه، ولوركا، وماركيز، وبلزاك... لم يعد شيءٌ يُدهشه؟
ترى، هل يخدعه الأدب من جديد؟
وماذا عن الشراع والعاصفة؟
هل كانت عظيمة فعلًا أم مجرد بوابة لذاكرته الناشئة، حين كان كلُّ كتابٍ اكتشافًا للذات؟
قرأ عن البحر والصحراء، عن الزمن المفقود والعشّاق التائهين، عن الجبال وسكّانها، عن كلّ شيءٍ تقريبًا... لكنه شعر أن معين الأدب قد نضب، أو أن الدهشة فرّت منه، ولم تعد تعرف الطريق إليه.
ساعةٌ ونصف الساعة قضاها بين أرفف الشعر والرواية وكتب الرحلات والمذكّرات والسيّر، وذلك النوع من الكتب الذي يسميه صديقه الناقد «الأدب النخبوي».
قال له يومًا:
«يا لها من تسميةٍ متغطرسة! أنتم، يا صديقي، تُشبهون علماء تصنيف النبات... و يا للعجب، لا تزال الطماطم من الفواكه، والتفاح ثمرة كاذبة!»
فكّر: من أين خرجت تلك الأقلام التي كتبت لنا الأدب العظيم؟
أليسوا أبناء الحقول والحارات والمقاهي الشعبية؟
ظلّ يقلب العناوين، متجنبًا رفوف التنمية البشرية و«الأكثر مبيعًا».
حتى الأدباء الذين أحبّهم - جبران، توفيق الحكيم، منيف - لم يعودوا يشعلون فيه شرارة الدهشة.
راودته فكرة: ماذا لو جرّب نوعًا جديدًا من الكتب؟ شيئًا لم يقرأه من قبل؟
ربما يجد فيه نكهة لم يألفها.
وفي زاوية معزولة من المكتبة، استوقفه غلافٌ أسود، تتوسّطه دوّامة حمراء كأنّها ثقبٌ زمني. ذكّرته بمسلسلٍ قديم: آلة الزمن.
كانوا يديرون العجلة ويهبطون في أعماق التاريخ. بسيط، لكنه طافح بالدهشة.
مدّ يده والتقط الكتاب.
لا اسم للمؤلف، لا عنوان.
شعر للحظة أن الدوّامة تتحرك بين يديه، كأنها تنبض... كأنها تتنفس.
اضطرب قلبه قليلًا، وأحسّ بانجذابٍ غريب، يشبه ذلك الذي شعر به حين قرأ أول قصة أفزعته، أو أول رواية غيّرت شيئًا في نظرته للعالم.
على الغلاف الخلفي، عبارةٌ واحدة:
«اقرأ بقلبك، تجد المتعة والدهشة.»
كم سمعها! وكم خذلته!
لكن شيئًا ما، دفينًا وعصيًّا على التفسير، دفعه ليفتح الكتاب.
لا مقدّمة، لا إهداء، لا فصول.
فقط دوّامات - بيضاء وسوداء وحمراء - واحدة في كل صفحة، تدور ببطء، ثم تتسارع كلما أطال النظر.
همّ بإعادته إلى مكانه... لكنه لم يستطع.
تسمّرت عيناه على الصفحة الأولى، وفي مركز الدوّامة، دائرة بيضاء، تنبض هي الأخرى.
وحين حدّق فيها، لم يرَ رسومات أو كلمات.
رأى ومضات من طفولته انبثقت كوميض برق:
بيت الطفولة.
رائحة البحر في مطرح.
يد أبيه المنمّشة.
ملامح أمّه الوادعة وهي تحكي له عن سندباد البحّار.
وصوتٌ قديم يهمس في أذنه:
«في البدء كانت الحكاية...»
قلب الصفحة.
كلماتٌ قليلة، كأنها تخرج من تلافيف الذاكرة:
«كان يا ما كان...»
«أيها السائل عن وطني، إنه الكلمات...»
«من يبدّد هذا الظلام؟ من يشعل جمرة المعنى؟»
«كلّما ازددتُ معرفة، ازددتُ وجعًا.»
ثم صُوَّر متقطعة:
ظلّ امرأة.
طفلٌ يلوّح لمركبٍ يغادر.
شجرة ليمون.
جدار طينيّ كُتبت عليه ذكريات وأحرف عربية.
ملعب ترابيّ في الحارة.
ثم سمع تهويدة أمّه:
«لومية يا لومية
مزروعة في الشمال
وعروقها في مسقط
ومظللة على عُمان...»
ثم - فجأة - انتهى كلّ شيء.
لا يدري كم مضى من الوقت.
الصفحات التالية كانت فارغة، والسابقة كذلك.
كأنّ ما رآه لم يكن موجودًا أصلًا، أو أن هذا الكتاب - بطريقة ما - قد نفض التراب عن كل ما سقط في بئر الذاكرة.
تنهد، وأعاد الكتاب إلى الرفّ المعزول.
لعلّ من سبقه تركه هناك عمدًا، كما سيفعل هو الآن.
لعلّه، مثله، أراد لغيره أن يقع في الدهشة.
وما زال مازن بحاجة إلى كتابٍ للرحلة.
مشى بين الأرفف بلا هدف، حتى قادته قدماه إلى قسم المجموعات القصصية.
لم يحبّها من قبل، لكنه بحاجة إلى شيء مختلف: أعمال قصيرة، مكثّفة، وقد تشدُّ القارئ - وهذا ما يحتاجه الآن.
سحب أول كتاب من الرف.
العنوان: العابرون فوق شظاياهم
الكاتب: عبد العزيز الفارسي
قلب الصفحات سريعًا، وقعت عيناه على هذه الجملة:
«وتختفين يا نكهة اللبان..»
استوقفته القصة، أجبرته على قلب الصفحة التالية، فقرأ:
«يا أيها القلب المدجج بالخواء: وطني المسافات التي نفت الغريب إلى أقاصي العاصفة»
أحس بقشعريرة خفيفة.
ابتسم، وهمس لنفسه:
ها قد عاد ذلك الرجف القديم.
سعد السامرائي قاص عراقي