من بني سويف للعالم المسيحي.. محطات مُلهمة في حياة "أب الرهبان"
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
تفيض الكنيسة القبطية بعدد كبير من القديسين الذين تركوا أثارهم الباقية حتى اليوم، ولا يزال الآباء بالإيبارشيات اعادة إحياء سيرتهم وقصصهم لترسيخ تعاليمهم وحفر أسمائهم في سطور التاريخ المسيحي وتعليم الأجيال المتعاقبة مايملكون من كنوز روحية عريقة.
القديس بساده القس.. سيرة خالدة في تاريخ الأقباط القديس أنطونيوس..صاحب الأثر الباقي في الكنيسة القبطية
وتصادف تاريخ الفترة الماضية بذكرى القديس الأنبا أنطونيوس الكبير المعروف كنسيًا بـ"أب الرهبان" ومؤسس الحياة الديرية، ويؤول الفضل إليه في انشاء الفكر الرهباني واهداء هذه المبادئ للعالم المسيحي ولاتنكر الطوائف جميعها أنه صاحب الأثر الباقي في انشاء الفكر الرهباني الذي تطول واصبح ذو 3 أنماط، فهو أسس "رهبنة الوحدة، ثم ظهرت الشركة، وأخيرًا الجماعات"، وتتلمذ على يدة الكثير في كافة المذاهب وانتقلت تعاليمة مع تحركاتهم أو من خلال طموح الراهب الذي شغفه حب الرهبنة وبات يبحث خلفها في الصحراء حتى تعالم مبادئ الآباء الأوائل الذي تتلمذوا على يد أب الرهبان الأنبا أنطونيوس.
ويروي التاريخ محطات لاتنسى ملهمة في حياة القديس أنطونيوس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي ووُلد عام 251م بقرية قمن العروس مركز الواسطي شمال بمحافظة بنى سويف، وكان من أسرة ثرية وترك متاع العالم من أجل الحياة الايمانية اشتعل فؤاده بحب الرهبنة ثم توجهه إلى الكنيسة ذات ليلة عام 269م وسمع الإنجيل يتردد إلتهب قلبه وأرشده لترك الدنيا ويتفرغ للعبادة والزهد.
سكن الشاب انطونيوس بجوار النيل حسبما ورد في كتاب حفظ التراث المسيحي "السنكسار"، وظل يتعبد ويصلي ويمارس النُسك بشدة، ويروي التاريخ المسيحي أنه ذهب إلى البرية عام 285ميلادية، واستقر حيث مغارة تعلو جبل القلزم شمال غربي البحر الأحمر.
وخلال عام 305م، كسر أب الرهبان خلوته ليرسخ معاني الهرنبة في نفوس تلاميذة، وأصبح مؤسس نظام الرهبنة "الوحدة"، ويصف الكثير سيرته أنها كانت شعبية من نبع نفسه لا يتطلب منها التدخل بالنظام الكنسي.
مكانة القديس بالكنيسة المصرية
وتعتبر الكنيسة القديس بمثابة كنز روحي وفي كثير من اللقاءات والمحافل الدولية يحرص قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، أن يتفاخر بصنع مصر في الرهبنة وخروجها من أرضها بفضل القديس "أب الرهبان"، والذي يؤكد أهمية و دور هذا البلد في ثراء التراث القبطي و التعاليم المسيحية.
تناولت الكتب التراثية دور مصر في منح المسيحيين حول العالم ثلاث منارات عظيمة يتبعها الكثير حول العالم, فهى أول من أسست إكليريكية "أكاديمية" دينية أسسها القديس مارمرقس لتعليم علم اللاهوت وأساسيات الإيمان المسيحي فقد كانت صرخة إيمانية لمواجهة التشدد الديني حينها, وأيضًا قدمت أرواح مصرية بريئة لحماية الكنائس فيروى التاريخ الذي يعرف بـ"أدب الشهداء الاستشهادي" أحد فروع الأدب القبطي أن الكنيسة القبطية هى أكبر الكنائس التى قدمت شهداء في مواجهة أباطرة الرومان عبر العصور, جاءت هذه إلى جانب الفكر الرهباني والحياة الديرية وإنشاء الأديرة وتأسيس أول مجمع لكل متعبد زاهد في الحياة يرجوا الإيمان.
تكريس اول كنيسة للقديس
خصصت الكنيسة المصرية يوم 10 أغسطس سنويًا، للاحتفال بذكرى تكرس أول كنيسة تحمل شفاعة هذا القديس اتي تعتبره مؤسس الفكر الرهباني وداعى البشر الى الزهد والبحث عن الله في خلوة النفس وممارسة العبادات، وتتخذ كلمة "تكريس" حسب المفاهيم المسيحية عدة أبعاد وتعنى لغويًا التخصيص أو أن يهب الإنسان نفسه لقضية أو خدمة معينة، وتطلق عادة على المباني او الأشخاص فيُكرس الانسان حسب الخدمة الكنسية ومن هذه الخدمات "مساعد الفقراء، رعاية المرضى وغيرها من تقديم المساعدات".
ويوجد لهذه الكلمة تعريف كنسيً آخر وهو خدمة كنسية"، ويأخذ التكريس الديني عادة طقس الرسامة وتعنى تخويل الكنيسة بشكل رسمي شخصًا ليؤدي خدمته، وجاءَ في سفر أعمالِ الرسل في مزمور (أع 3 – 2:13) "قالَ لهم الروحُ القدس : أَفـرِدوا شـاولَ وبرنابا لأمرٍ ندَبْتُهما إليه؛ فوضعوا عليهما أيديَهم بعدما صاموا وصَّلوا ، ثم صرفوهما ".
وتخصصت أول كنيسة لطلب شفاعة "أب الرهبان" والتي تحمل تعاليمه وكل مساهماته في تكوين أجيال مخلصة الإيمان وصادقة المحبة.
الأنبا انطونيوس في الكتب المسيحية
تعددت مظاهر المحبة والتعلق بتعاليم القديس أنطونيوس على مر العصور فهناك من درس تعاليمه وهناك من تلقي مبادئ ودروس الرهبنة الصحيحة حتى يسير على نهجه، وآخرين قاموا بدراسة سيرته وكتابة مؤلفات حول محطات أب الرهبان حتى تُخالد قصته إلى أبد الأبدين.
ومن أشهر الأعمال الأدبية التي تنعم بها الكنيسة المصرية وتعد بمثابة ثروة ثقافية تختفظ بثروة روحية، هو كتاب "المثال الصالح- سيرة القديس أنطونيوس" من تأليف البابا أثناسيوس الرسولي، بابا الإسكندرية بطريرك الطرازة المرقسية رقم 20، وتعريب جبرائيل بك روفائيل الطوخي،
تناول فيه عدة جوانب منها الأسباب التي جعلت الكنيسة تعتبر مؤسس نظام رهبنة "الوحدة"، وأوجه التباين عن أي نظام رهبانى أخر كـ"الشركة" ، والفرق أن الوحدة هو نظام يعتمد على الإسنان منفردًا بعيدصا عن ملاذ الحياة ومتفرغصا للصلاة مع الله فقط، بينما الشركة الذي أسسة الأنبا باخوميوس في الصعيد يتجمع فيه مجموعة من الرهبان يتشاركون فى العبادة والطقوس.
شخصيات في حياته
ومن أبرز ما تميز سيرة الأنبا انطونيوس، أنه ذوهدف ذاتي وغير كهنوتى وكان يطمح للتقرب إلى الله، لا يسعى لأي منصب كنسي رغم شهرته ووصول صيته إلى حاكم عصره "الامبراطور قسطنطين" الذي كان يسعى للوصول إليه كثيرصا إلا أن القديس أنطونيوس كان يفضل المكوث للعبادة دون ظهور علني، لكنه كان يفتح بابه للراغبين في التعلم وكانت حياته تتنقل من الصلاة والعبادة والتعليم، ونتج عن هذه البيئة الكثير من القديسين الذي جابوا في الارض يزرعون بذور الرهبنة خلفًا لأب الرهبان ومن أشهرهم القديس مكاريوس الكبير الذي خرج بفكر مستنير أيضًا واشتهر ببرية الأسقط ، وأصبحت الرهبنة ذات ثلاث أنماط الوحدة، والشركة، وأيضًا الجماعات".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: القديس انطونيوس الكبير القدیس أنطونیوس
إقرأ أيضاً:
الثقافة تنظّم ندوة بعنوان “أبو سمبل.. حالة مُلهمة” في معرض فنزويلا الدولي للكتاب
نظّمت وزارة الثقافة المصرية في إطار مشاركة جمهورية مصر العربية كضيف شرف في معرض فنزويلا الدولي للكتاب – كراكاس 2025، ندوة ثقافية بارزة بعنوان “أبو سمبل.. حالة مُلهمة”، شهدت حضورًا لافتًا من جمهور المعرض، وتفاعلاً كبيرًا مع موضوعها الذي استعرض واحدة من أعظم الملاحم الانسانسة والمعمارية والثقافية في العصر الحديث.
تضمنت الندوة عرض للفيلم الوثائقي “العجيبة الثامنة”، الذي وثّق معبدي أبو سمبل قبل وبعد الإنقاذ، من خلال ٨٠ لوحة والاف الاسكتشات التي رسمها الفنان التشكيلي حسين بيكار ومن اخراج المخرج العالمي جون فيني. وقد عُرض الفيلم في أجواء من التقدير والإعجاب، لما حمله من مشاهد أرشيفية نادرة، وسردٍ بصري مؤثر لواحدة من أبرز إنجازات مصر الحديثة في مجال الحفاظ على التراث.
وقبل عرض الفيلم، قدّم المعماري حمدي السطوحي، مداخلة علمية وشهادية وافية، شرح خلالها أبعاد هذا الإنجاز، مؤكدًا أن عملية نقل المعبد لم تكن مجرد عمل هندسي دقيق فحسب، بل كانت تجسيدًا عميقًا لامتداد الجينات الحضارية المصرية، التي تربط المصري المعاصر بسلفه الفرعوني في الإبداع والدقة والانتماء.
وقد أشار السطوحي إلى أن هذه الندوة تمثّل مناسبة ثقافية وإنسانية يتعرف من خلالها جمهور المعرض، من مختلف الجنسيات، على أن المصري المعاصر هو امتداد طبيعي لجذور ضاربة في عمق التاريخ. فالأيدي التي أنقذت معبد أبو سمبل من الغرق، ونجحت في نقله مع الحفاظ على تفاصيله وتعامده الشمسي بدقة مدهشة، هي ذاتها التي لا تزال تحمل شعلة الحضارة، وتعبّر عن عبقرية الإنسان المصري الذي لم ينقطع عن تاريخه.
وأشار السطوحي إلى الدور الهام للدكتور ثروت عكاشة فكرة الإنقاذ العبقرية للدكتور أحمد عثمان، موضحُا أن المشروع الاستثنائي لنقل المعبدين، والذي جرى بالتعاون مع منظمة اليونسكو وعدد من الخبراء العالميين، أظهر للعالم أن المصري، في مختلف مراحله التاريخية، لا يزال أمينًا على إرثه، قادرًا على صونه، ومؤمنًا بقدرة بلاده على مواجهة التحديات بالتخطيط والعلم والإرادة الوطنية.
وقد جاءت هذه الندوة في سياق البرنامج الثقافي المصري الحافل، الذي تشرف عليه وزارة الثقافة المصرية ضمن فعاليات المعرض، ويهدف إلى تقديم صورة متكاملة عن الإسهام المصري في الثقافة الإنسانية، من خلال العروض الفنية، واللقاءات الفكرية، والندوات المتخصصة، التي تعكس تنوّع وثراء المشهد الثقافي المصري المعاصر، وتعزز جسور التواصل بين الشعوب عبر الثقافة والمعرفة.